الطب النفسي الشرعي والمجالات التي يتدخل فيها

"ألم تسمع بالخبر الصاعق؟ لقد قَتَل صديقه المقرب، كيف استطاع التمثيل علينا إلى هذا الحد، يا له من وغد كبير"، "لم أنل حضانة ابني، لعدم أهليتي النفسية لذلك؛ لقد ظلمني الطبيب النفسي الشرعي بتقريره ذاك".



"لقد تعرضت لاعتداء جسدي وجنسي عنيف، وقد اتضح أنَّ المجرم يعاني من اضطراب حاد جداً في الشخصية"، "لقد تربَّى على العنف والقسوة منذ صغره، وما قام به من أعمال إجرامية، كانت نتيجة طبيعية لما قد عاناه خلال حياته"، "يقول الطبيب النفسي الشرعي إنَّه شخص بعيد كل البعد عن التوازن النفسي، ومن المحتمل أن يكون مصدر خطر على نفسه، وعلى المقربين منه".

لطالما كان علم النفس لصيقاً بالسلوكات البشرية؛ إذ ما من تصرُّف يقوم به الشخص، إلَّا وله ارتباطاته الشعورية مع تجارب الشخص الماضية، وخلفيته النفسية، وما يحمله من معتقدات ومبادئ؛ حيث يُظلَم الشخص في كثير من الأحيان في حال عُومِل على أنَّه مجرم، في حين أنَّه قد يكون إنساناً ضعيفاً وهشاً نفسياً وبحاجة إلى مصحَّة نفسية، وليس إلى السجن.

يمنحنا الطب النفسي الشرعي تلك النظرة الشاملة في الموضوع المدروس؛ إذ إنَّه العلم الذي يعالج ما وراء الحدث، ويلامس الكواليس المبهمة في حياة الإنسان، ويحاول المساعدة أكثر من محاولة الاتهام والتحقير والرفض.

ما الطب النفسي الشرعي؟ وما مجالاته؟ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هو الطب النفسي الشرعي؟

هو ذلك الفرع من علم النفس الذي يرتبط مع علم القانون، بحيث يدرس القضايا المتعلقة بالجانب الجنائي والمدني، دراسة نفسية دقيقة، وقد تؤدي الدراسة المقدَّمة من الطبيب النفسي الشرعي إلى تغييرات حقيقية في مسار القضية.

ما مهام الطبيب النفسي الشرعي؟

  1. المساهمة في دراسة المسائل المحددة في القضايا المعروضة أمام المحاكم المدنية والجنائية.
  2. تقييم الشخص المُحوَّل إليه من المحكمة، واتخاذ القرار فيما إذا كان مصاباً بالمرض النفسي أم لا، من دون أن يتدخل في تقييم المسؤولية عمَّا اقترفه الشخص من أعمال، يُعدُّ تقرير الطبيب النفسي الشرعي غير مُلزمٍ للمحكمة، وإنَّما تستأنس به، وقد تأخذ القرار بناءً عليه.
  3. العمل في المجالات المتعلقة بإصابات العمَّال، ومعايير استحقاقهم لتعويضات العمل.
  4. تقييم مدى أهلية الشخص لوضع وصية أو تغييرها، كما يحدد الطبيب النفسي الشرعي أهلية الشخص للتصرف في أمواله وعقاراته، فقد يكون مصاباً بداء آلزهايمر أو الخرف، ممَّا يعرِّض ممتلكاته لخطر السرقة والتبدد، وهنا يعرض الطبيب حالة المريض العقلية على المحكمة، ومن ثمَّ تقرر المحكمة مَن القادر على إدارة أموال الشخص.
  5. العمل على الحالات التي تتضمن اضطهاداً وسوء معاملةٍ للأطفال، ويتخذ القرارات الخاصة بحضانة الأطفال.
  6. دراسة الحالات المعقدة التي تشمل حالات التحرش الجنسي، مع دراسة التاريخ المرضي للمريض، والعوامل الوراثية الموجودة في العائلة، وطريقة تربيته، والتجارب التي اختبرها.
  7. دراسة وجود النية الإجرامية لدى الشخص في حالات الاضطراب الشعوري، مثل حالات السكر وتناول المخدرات، ليقيِّم بعد ذلك الحالة من منظوره.
  8. دراسة حالات الجرائم الخاصة بالأطفال الأحداث.

شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

ما المجالات التي يتدخل فيها علم النفس الشرعي؟

أكَّد الأطباء أنَّ أغلب الحالات الإجرامية مصدرها اضطرابات في الشخصية، وليس أمراضاً نفسية؛ إذ قد يكون لدى الشخص ميولٌ عدوانية، وعوامل وراثية وبيئية مساعدة، كما من المحتمل أنَّه قد عانى من تجارب ماضية قاسية جداً، كالاعتداءات والتحرش.

يتدخل علم النفس الشرعي في:

1. انحراف الأحداث:

يدرس الطبيب النفسي الشرعي الجرائم المرتبكة من قبل الأحداث، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 - 18 سنة، بما فيها خرق القوانين أو تعاطي المخدرات والكحول أو التسبب في أذية أشخاص ما، فضلاً عن تحليل الأسباب التي أدت إلى ذلك، كتعرُّضهم لظلم الوالدين، أو انتشار ثقافة الانحراف في الحي، أو الدراسة في المدارس السيئة، ومن ثمَّ يعالج المسألة بتقديم مقترحات إلى المدرسة، بضرورة التوجه نحو التعليم التفاعلي الإيجابي، وإلى الوالدين، بضرورة خلق علاقة صداقة مع ابنهم المراهق، وتعزيز مهاراته ومواهبه، وإلى الدولة، بضرورة خلق رقابة صارمة على مسائل المواد المخدرة الضارة بالصحة، وأهمية توعية الناشئين إلى مخاطرها.

ويُعدُّ الطفل مسؤولاً جنائياً عن تصرفاته وأعماله بعد سن الرابعة عشر، إلَّا إذا كانت ناجمة عن: الخطأ أو الحوادث أو الإكراه أو الدفاع عن النفس أو المرض العقلي.

إقرأ أيضاً: 7 طرق ذكية للتعامل مع ابنك المراهق

2. اضطراب الشخصية:

يقترف الأشخاص المضطربون عقلياً نسبة كبيرة من الجرائم، خاصةً أولئك المصابين باضطراب الشخصية السيكوباتية؛ أي المضادة للمجتمع، والذين يعانون من مشاعر الرفض، وعدم تقبُّل الآخرين البتة، وهنا على الطبيب النفسي الشرعي، في حالات جرائم القتل، تقرير قدرة الجاني على الإقرار بأنَّه مذنب أم لا، وقدرته على المثول أمام المحكمة وفهم مجرياتها، ومدى إدراكه لأفعاله وما تشكِّله من خطورة على سلامته الشخصية وسلامة الآخرين، فضلاً عن تحديد وجود مرض نفسي أم لا، وما إذا كان الجاني بحاجة إلى المستشفى أم إلى السجن، أمَّا الأمور التي تساعد الطبيب على إعداد تقريره، فهي:

  • وجود تاريخ مرضي كامل مع فحص نفسي للمريض يتضمن الكشف عن وجود تخيلات أو نزوع لاقتراف جناية.
  • الاستفهام عن حيثيات القضية من الشرطة أو المحكمة.
  • البحث عن معلومات إضافية عن المريض من الأقارب والأهل.
  • دراسة الوضع الحالي للمريض، ومقارنته مع الوضع السابق فيما يخص الاستجابة للأدوية أو للعلاجات النفسية.

3. الأمراض النفسية:

قد يصاب بعض الأشخاص بأمراض عضوية نفسية مثل الخرف وآلزهايمر، الذي يسبب ضعفاً في القدرات العقلية للشخص، ويُفقده قدرة إصدار الأحكام الصحيحة على الأمور؛ الأمر الذي ينتج عنه أفعالاً غير مسؤولة، كالسرقة والاعتداءات.

كما قد يصاب بعض الأشخاص بالصرع؛ الأمر الذي يتسبب في اقترافهم الجنايات، لوجود خلل في وظائف الدماغ؛ حيث إنَّ الإصابة بالصرع تُعرِّض الإنسان لسلوكات خطيرة من الرفض الاجتماعي، ومن جهة أخرى، يتسبب إدمان الكحول والمخدرات في القيام بجنايات غير محسوبة النتائج، وذلك لأنَّها تؤثر في الجملة العصبية، وتؤدي إلى اضطراب الحكم، وتسيُّب السلوك.

أمَّا في حال الإصابة بالفصام، فقد يرتكب الشخص جرائم قتل مروعة، وغير معروفة الدوافع، وذلك في حال تدهور حالته الصحية، وبلوغها الدرجات المستعصية، ولكن في معظم الحالات، لا يُسبِّب المصابون بالفصام جرائم كبيرة.

وقد تؤدي الإصابة باضطرابات المزاج، كاضطراب ثنائي القطب، إلى ظهور حالات النشل في المراكز التجارية؛ إذ يؤدي الشعور بالاكتئاب إلى السرقة كوسيلة للفت انتباه الآخرين إلى الوضع النفسي الصعب الذي يمر به الشخص. أمَّا في حال إصابة الشخص بنوبة الهوس التي تتناوب مع نوبات الكآبة، فإنَّها تُسبِّب إقدامه على الاعتداءات الجنسية، ومخالفات السير.

إقرأ أيضاً: الأمراض النفسية الشائعة وتشخيصها

4. السرقة:

هناك أنواع مختلفة للسرقة؛ إذ قد تكون السرقة مرافقة لمرض الاكتئاب، كأن يسرق الشخص بدافع جلد ذاته، ورغبة منه في أن يُكشَف ويُعاقب، أو كنداء للمساعدة، أو للانتقام من ظروفه والمجتمع، أو قد يسرق آخرون من باب الإثارة، وخلق أشياء جديدة في حياتهم، أو قد يسرق بعض نتيجة الإصابة بالأمراض العقلية وضعف المحاكمة والانفلات السلوكي.

وقد يعاني بعض الناس من هوس السرقة؛ حيث يسرقون حاجيات من دون الحاجة إليها، ومن دون التركيز في قيمتها المالية، ويُعطى المريض في هذه الحالة مضادات اكتئاب خاصة، إضافة إلى العلاج السلوكي.

5. حضانة الأطفال:

يقيُّم الطبيب النفسي الشرعي كفاءة أحد الوالدين لرعاية ابنه، أو كفاءة الزوج ليكون زوجاً صالحاً قادراً على استيفاء شروط الارتباط العائلي.

أمَّا عن الحكم الصادر في حق الجاني، فيكون كما الآتي:

في حال ثبوت المرض النفسي أو العقلي على الجاني، بعد فحصه من قبل طبيبين نفسيين أو أكثر؛ فهنا تقوم المحكمة بتحويله إلى مستشفى للأمراض النفسية، على أن يبقى محجوزاً فيه إلى نهاية فترة العلاج، ويجب أن يستوفي الشروط التالية لكي يُعفَى من العقاب، وهي:

  1. تشويش الفكر لدى الجاني، وعدم معرفته بالطبيعة المادية للفعل المُرتكب؛ وذلك نتيجة إصابته باضطراب عقلي ما.
  2. عدم معرفته أنَّ الفعل المُرتكب، فعل غير مسموح به قانونياً.
  3. غرق الشخص في توهم ما، كأن يتوهم أنَّ حياته في خطر، وأنَّ عليه القتل للدفاع عن نفسه.

الخلاصة:

يقبع خلف الجريمة أو الخلافات أو القرارات غير الصائبة أو الوحشية أو العنف أو القسوة؛ كثيرٌ من المشكلات النفسية أو العائلية، فضلاً عن كثيرٍ من التجارب المرهقة؛ لذلك عوضاً عن توجيه الاتهامات، والأحكام القاسية، وسنوات السجن الصعبة، كان حرياً صنع برامج دعم نفسي ومادي لفئات المجتمع، للوقاية من الوصول إلى حالات كهذه.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة