الضجيج الأبيض: مفهومه فوائده ومخاطره

إن لم تكُن من الأشخاص الذين يفضلون النوم في غرفة الجلوس أمام التلفاز الذي يعمل بصوت منخفض ومن حولهم ثرثرات العائلة الهامسة، أو الذين يستمتعون بالنوم وصوت المكيِّف أو المروحة في آذانهم، فلا بد أنَّك صادفت شخصاً كذلك، وإن كنتِ أماً أو صادفتِ أماً قد ولدت حديثاً أخبرتك عن نصيحة الطبيب الغريبة التي حسنت عادات طفلها في النوم - والتي كانت وجوب تشغيل المكنسة الكهربائية أو السيشوار أو أي جهاز يصدر صوتاً في الغرفة المجاورة في موعد نوم الطفل - فهذا يعني أنَّ مفهوم الضجيج الأبيض أو الضوضاء البيضاء ليس غريباً عنك.



يبدو الأمر مألوفاً للكثيرين بأنَّ التركيز في صوت متوسط مستمر بوتيرة مناسبة يحفز الإنسان على النوم، كون الدماغ يصب تركيزه في هذا الصوت وينشغل عن الأمور الأخرى فيستسلم إلى النعاس، وهذا هو الأساس الذي تبنى عليه المقاطع الصوتية للضجيج الأبيض المنتشرة عبر الإنترنت، والتي يستمع إليها الكثيرون من المستخدمين كطريقة لتجاوز الأرق.

نفرد هذا المقال للحديث عن مفهوم الضجيج الأبيض وفوائده ومخاطره، والعلاقة بينه وبين الأطفال الرُّضع؛ علَّنا نوفَّق في الإضاءة على جوانب هذا الموضوع الذي ما تزال آراء العلماء متضاربة حوله حتى يومنا هذا.

ما هو الضجيج الأبيض؟

الضجيج الأبيض أو الضجة البيضاء أو الضوضاء البيضاء أو White Noise في اللغة الإنجليزية هي مترادفات لغوية للمصطلح ذاته، فإذا ما أردنا الإجابة عن سؤال "ما هو الضجيج الأبيض؟" يمكن أن تكون إجابتنا على شكل عرض تعريفين لمفهوم الضجيج الأبيض:

أولهما تعريف عام على أنَّه: أصوات من حياتنا اليومية تصدر ضمن ترددات معينة تساعد على التركيز والهدوء؛ مثل صوت المروحة ومجفف الشعر والغسالة وغيرها من الأصوات التي تتكرر بالتواتر ذاته، ومنها ما يكون من منشأ طبيعي مثل صوت الأمواج في البحر وصوت هطول المطر، وإنَّ جميع هذه الأصوات تحقق الغرض ذاته - سبب استخدام الضجيج الأبيض - وهو تحويل تركيز الدماغ إلى مكان واحد، فيتوقف عن الانشغال بأمور أخرى.

ثانيهما تعريف فيزيائي لمفهوم الضجيج الأبيض بأنَّه: إشارة عشوائية ذات كثافة طيفية ثابتة القدرة؛ بسبب كونها متساوية الشدة عند ترددات مختلفة، ومصطلح الضجيج الأبيض مستوحى من الضوء الأبيض، فهو لا يرمز إلى إشارة محددة؛ بل يشير إلى اجتماع مجموعة من الإشارات ومصادر الإشارات لتعطي الضجيج الأبيض، تماماً كما تتَّحد ألوان الطيف لتعطي الضوء الأبيض.

مصطلح الضجيج الأبيض يُستَخدم في مجالات الفيزياء والاتصالات والتنبؤ الإحصائي والهندسة الصوتية وغيرها من التخصصات التقنية والعلمية، وغالباً ما يُشار إلى الضجيج الأبيض عن طريق مثال يعرفه الجميع؛ وهو الصوت الذي يصدر عن الراديو عند عدم وجود محطة، أو الصوت الذي يصدر عن التلفاز عند انقطاع البث.

فوائد الضجيج الأبيض:

إنَّ فوائد الضجيج الأبيض هي مجموعة الميزات التي يمكن الحصول عليها من عملية الاستماع إليه، ويمكن تلخيصها بما يأتي:

1. جعل السمع أكثر دقة:

من فوائد الضجيج الأبيض أنَّه يجعل حاسة السمع أكثر دقة، ورغم انتشار معتقدات خاطئة عن كون البيئة الهادئة تمكِّن من السمع بشكل أفضل مقارنة بالبيئة التي تحتوي على ضوضاء، فالحقيقة التي أثبتها الباحثون ونشروها في مجلة Cell Journal السويسرية تدحض هذه المعتقدات، وتجزم بأنَّ الضجيج الأبيض مؤشر على حسن السمع، ومجرد وجوده في الخلفية يعزز من قدرة الإنسان على تمييز الأنغام المتقاربة والأصوات بمختلف أنماطها.

في محاولات إثبات فوائد الضجيج الأبيض استخدمَ الباحثون تقنية إيقاظ الفئران، واكتشفوا من خلالها أنَّ الضجيج الأبيض المتواصل يُوقِف معالجة المنبهات الصوتية؛ وذلك عن طريق كبحه لنشاط الخلايا العصبية الموجودة في القشرة السمعية خلال عرضين متمايزين من الأصوات؛ الأمر الذي يقلل من حدوث التداخل بين مجموعات الخلايا العصبية، ومن ثم يحدث تمايز واضح للمواد المسموعة يكون ناتجاً عن الانخفاض الكلي في نشاط الخلايا العصبية.

لقد استُثمِرَت هذه الفائدة من فوائد الضجيج الأبيض في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الفقد الشديد في حاسة السمع؛ وذلك عن طريق تجهيز القوقعة الصناعية التي تُوزَّع لهؤلاء الأشخاص بتقنية مشابهة للضجيج الأبيض؛ بهدف تحسين جودة الترددات المسموعة، ومن ثم تحسين حاسة السمع للأشخاص الذين يستخدمونها.

شاهد بالفيديو: كيف يتم العناية بالطفل حديث الولادة؟

2. تحسين جودة النوم:

من فوائد الضجيج الأبيض - إن لم نقُل إنَّها الفائدة الأعظم له - أنَّه يساعد على النوم ويقضي على مشكلة الأرق التي يعاني منها الكثيرون من البشر؛ ويكون ذلك عبر تشتيت الدماغ عن أيَّة مؤثرات أخرى كما أسلفنا، وصب تركيزه على صوت الضجيج الأبيض دوناً عن الأصوات المزعجة الأخرى؛ مما يخفف من اضطرابات النوم، ويساعد على استرخاء الرضع المعتادين عليه في فترة وجودهم في الرحم.

3. معالجة طنين الأذن:

من فوائد الضجيج الأبيض أنَّه يساعد على معالجة مرضى طنين الأذن، فالأصوات الموجودة في الضجيج الأبيض تغطي على صوت الرنين المستمر الذي يسمعه مرضى الطنين، والذي يكون مصدره غالباً من عجز الدماغ عن فلترة الأصوات المختلفة التي تلتقطها أذنا المريض.

مخاطر الضجيج الأبيض:

إنَّ مخاطر الضجيج الأبيض ما زالت مصدر نزاع بين العلماء والباحثين؛ إذ يعتقد قسم منهم أنَّ الضجيج الأبيض يسرع من شيخوخة الدماغ، ونسبوا سبب ذلك إلى عجز الدماغ عن التكيُّف مع المعلومات الخارجية الواردة، وبحسب صحيفة ديلي ميل البريطانية فإنَّ الضجيج الأبيض بدرجاته المتراوحة بين الخفيفة والمتوسطة من شأنه أن يحطم رسائل كيماوية معينة صادرة عن الدماغ؛ مما يقلل من قدرته على التكيُّف مع المعلومات الواردة إليه؛ وهذا ما يسرع في إصابته بالشيخوخة.

أفاد بعض الباحثين بأنَّ اعتياد الأشخاص على استخدام الضجيج الأبيض كوسيلة للنوم من شأنه أن يحوِّل هذا الاعتياد إلى إدمان يجعل فكرة النوم مستحيلة بخلو هذه المؤثرات، وتكمن مخاطر الضجيج الأبيض أيضاً في كونه عاملاً من عوامل أذية السمع، ويكون ذلك في حالات سوء استخدامه، فإذا ما كان صوت الضوضاء البيضاء عالياً، فإنَّه يسبب أذية في الأذن، وخاصة إذا ما تم التعرُّض إليه بصوت عالٍ وبشكل يومي.

إقرأ أيضاً: كيفية تنظيم النوم عند الأطفال

ما هو المجال الترددي الآمن في الضجيج الأبيض؟

إنَّ المجال الترددي الآمن في الضجيج الأبيض - والذي اتَّفق الباحثون على عدم تشكيله أيَّة خطورة على الإنسان ودماغه - هو المجال المتراوح بين 50-70 ديسيبلاً، وهو المجال الذي تندرج ضمنه كل من أصوات المكيف والمروحة والتلفاز وأمواج البحر.

ما هي العلاقة بين الضجيج الأبيض والأطفال الرضع؟

يرتبط الضجيج الأبيض بالأطفال الرضع ارتباطاً وثيقاً، فهُم يواجهون صعوبة في التأقلُم مع العالم الخارجي بعد خروجهم من أرحام أمهاتهم، وخاصةً عندما تجهد الأمهات في توفير بيئة هادئة لهم وساكنة تماماً تساعدهم على النوم.

لكنَّ ما يغيب عن حسبانهن هو أنَّ الطفل في المرحلة الجنينية يكون معتاداً على سماع تدفق الدم في جسد أمه وضربات قلبها، وصوت حركة الماء الذي يسبح فيه وغيرها من الأصوات غير المتداخلة التي تجعل من الهدوء والصمت بيئة غير مناسبة للرضيع، وهذا يشرح سبب نوم الكثيرين من الأطفال في أثناء عملية الرضاعة؛ إذ يشكل التصاق أجسادهم بأجساد أمهاتهم مصدراً لسماع الضجيج الأبيض الذي يفضلون، فيسمعون صوت ضربات قلبها وحركات أمعائها وأصوات تدفق الحليب في أفواههم؛ فتنشغل أدمغتهم في التركيز في هذه الأصوات ويستسلمون إلى النوم، وغالباً ما يستيقظون فور وضعهم في أسرَّتهم؛ أي بمجرد ابتعادهم عن مصدر الضوضاء البيضاء.

ما هي الطريقة الآمنة لاستخدام الضجيج الأبيض للرُّضع؟

إنَّ تضارب الآراء المتعلقة بفوائد ومخاطر الضجيج الأبيض يضع أمهات الرُّضع في حيرة من أمرهن، فما بين المفعول السحري للضوضاء البيضاء في منح الطفل نوماً هانئاً يريح جسده ويعزز نموه، وما بين المخاطر الناجمة عن سوء الاستخدام؛ تتساءَل الأمهات بشكل يومي "ما هي الطريقة الآمنة لاستخدام الضجيج الأبيض للرُّضع؟" ونحن هنا سنجيب:

إنَّ الاستخدام الآمن للضجيج الأبيض لمساعدة الرُّضع على النوم يكون عبر تشغيل أصوات الضجيج الأبيض من التطبيقات الخاصة به أو من المقاطع الموجودة على يويتوب بصوت متوسط، ويجب التنويه إلى اختيار صوت يلائِم الطفل ولا يسبب له الإزعاج، وعندما يبدأ الطفل بالغرق في نومه يجب خفض صوت الضجيج الأبيض بشكل تدريجي حتى يتوقف تماماً بعد أن ينام الطفل، ونُؤكد مرة أخرى على ضرورة إيقاف صوت الضجيج الأبيض بعد نوم الطفل وعدم تركه مستمراً طيلة وقت نومه.

إقرأ أيضاً: أشهر 5 أمراض يمكن أن تواجه طفلك الرضيع

من أين يمكن الحصول على أصوات الضجيج الأبيض؟

يمكن الحصول على أصوات الضجيج الأبيض من خلال تشغيل المكنسة الكهربائية أو مجفف الشعر أو المروحة والنوم بعيداً عنها بشكل يجعل صوتها مناسباً، أو يمكن الاستعانة بالإنترنت وتنزيل الآلاف من المقاطع الصوتية للضجيج الأبيض أو الاستماع إليها أونلاين، أو باستخدام التطبيقات الخاصة بها.

في الختام:

إنَّ الضجيج الأبيض أو الضوضاء البيضاء هي مجموعة من الأصوات المزعجة المتداخلة، ولكنَّ وجودها ضمن تردد وعلو مناسبين يجعل منها حلاً سحرياً للنوم، وخاصةً للأطفال الرُّضع المعتادين على سماع الأصوات المتداخلة من فترة وجودهم في أرحام أمهاتهم.

يثبت الضجيج الأبيض فاعليته في كونه يستحوذ على تركيز الدماغ، ويشغله عن الاستماع إلى أي شيء مزعج آخر؛ مما يشجِّعه على الاسترخاء والغرق في النوم، وخاصةً في الحالات المرضيَّة كمرضى طنين الأذن، لكن يجب الحذر في أثناء التعرُّض له والحرص على اختيار درجة الصوت المناسبة، تجنُّباً لحدوث أيَّة أذية سمعية، وتفادياً لتحفيز إصابة الدماغ بالشيخوخة.




مقالات مرتبطة