الصَّدمة الثقافية: تعريفها وأسبابها وطرُق التَّغلب عليها

كثيراً ما يسافر الناس من بلدٍ إلى آخر، إمَّا بغرض السِّياحة، أو بغرض الاستقرار والدراسة أو العمل في تلك البلدان الجديدة، أو لأسباب مختلفة. إلا أنَّ الأمر لا يتوقف عند الانتقال الجغرافي فحسب، بل يتعداه ليشمل الانتقال من ثقافةٍ إلى أخرى، ومن مجتمعٍ إلى مجتمعٍ آخر. وهو ما يترافق بضغوطاتٍ اجتماعية وشخصية، لعلَّ أشهرها ما يعرف بالصدمة الثقافية.



تُعرَّف الصدمة الثقافية -أو الصدمة الحضارية كما يسميها البعض- على أنَّها الصعوبة التي يعاني منها المرء من أجل التكيف مع ثقافة جديدة مختلفة إلى حد كبير عن ثقافته الأصلية، عند الانتقال للعمل أو العيش في بلد آخرَ غير بلده الأم. وتتمثَّل تلك الصُّعوبات بالشُّعور بعدم اليقين والارتباك والقلق النَّاتج عن اختلاف المعايير الاجتماعية اختلافاً كبيراً بين البلدان والمجتمعات المختلفة. كما يمكن أن تنشأ من جهلِ الشَّخص بالعادات المحلية واللغة وقواعد السُّلوك ضمن مجتمعه الجديد، أو من اشمئزازه منها بكل بساطة.

ولأنَّ الصدمة الثَّقافية تشكِّلُ تحدياً جسيماً لأولئك الذين يعملون خارج بلادهم، تقدِّم العديدُ من الشَّركات الدولية التَّدريب اللازم من أجل مساعدةِ موظفيها على التَّأقلم مع مجتمعاتهم الجديدة، وتقليلِ حالات إساءة التَّصرف الناتجة عن جهلهم بقواعد السُّلوك في البلدان التي يعملون فيها، كيلا يُضِرَّ ذلك بالأعمال والعلاقات التِّجارية لتلك الشركات.

مراحل الصدمة الثقافية:

1. مرحلة "شهر العسل":

غالباً ما تكون الصَّدمة الثقافية أكثر حدَّة في البداية، لكن بطريقة إيجابية. حيث ينظر الشخص إلى الفوارق بين الثقافة الجديدة وثقافته الأصلية من منظورٍ رومنسيٍ إيجابي، ويرى الأمرَ برمَّته على أنَّه مغامرة. وهو ما يجعله يستمتع بأصناف الطَّعام الجديدة، ويتقبل عادات مجتمعه الجديد، وينخرط بها انخراطاً كاملاً. وإن كان الشخص مقيماً لفترة قصيرة، فإنَّ تلك الإثارة الأولية قد تشكل تجربته برمتها. لكنَّه إن كان مقيماً لفترة أطول -كأن يكون طالباً مثلاً- فإنَّ مرحلة "شهر العسل" هذه ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، ليعقبها مرحلةٌ جديدة تسمى "مرحلة التَّفاوض".

2. مرحلة التَّفاوض:

مع تلاشي البهجة الأولية الناتجة عن التواجد في بيئة جديدة، يبدأ الشخص بالانتباه إلى الفروقات بين الثقافتين القديمة والجديدة بشكل جلي، لتتراجع درجة استمتاعه بالثقافة الجديدة، ويتولد عنده شعور بالقلق والإحباط والغضب. وغالباً ما يكون ذلك نتيجة عدم قدرته على التَّواصل مع محيطه بفعالية، بسبب الفوارق اللغوية واختلاف المظهر والسلوك الذي تَعَلَّمَهُ غريزياً في بلده الأم. قد تؤدي تلك الفوارق إلى قيام الشخص بفصل نفسه عن محيطه، والانعزال ضمن بيئة ثقافية تختلف ومجتمعه الجديد. ليصبح الاكتئاب والحنين إلى الوطن والتَّوق إلى العادات المألوفة أكثر بروزاً في عزلته تلك.

تُعتبر هذه المرحلة أصعب مراحل الصَّدمة الثقافية، إلا أنَّها غالباً ما تتلاشى مع مرور الوقت ليتبعها مرحلة جديدة تسمى "مرحلة التَّكيُّف".

إقرأ أيضاً: القلق الاجتماعي: أسبابه، أعراضه، وأهم طرق علاجه

3. مرحلة التَّكيف:

عندما يمتلك الشخص دراية أكثر بالمكان، يتقبل الأشخاص والعادات واللغة بصدرٍ رحب، ويألف التنقل في المناطق المحيطة به، ويكوِّن لنفسه بعض الصَّداقات. وهو ما يُبعده عن شبح العزلة ويجعله أكثر تَعوُّداً على طريقة حياته الجديدة. ليصل بذلك إلى المرحلة الرابعة؛ مرحلة "القبول".

4. مرحلة القبول:

تتميَّز هذه المرحلة بفهم وإدراك المعايير الأخلاقية وطبيعة التَّفاعلات الاجتماعية للثقافة الجديدة، دون فقدان قيم الثقافة الأصلية أو الانحراف عن معاييرها الأخلاقية.

يكتسب المرء في هذه المرحلة الإلمامَ اللَّازم الذي يشعره براحة أكبر في الحياة ضمن مجتمعٍ غريب. إذ يدرك أنَّه ليس بحاجةٍ لفهم العادات والتَّقاليد فهما كاملاً من أجل أن ينجح ويزدهر في محيطه الجديد. وبعد أن يألفَ ويتعوَّد على حياته الجديدة ويتقبلها تقبلاً كاملاً، تظهر المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة "الصدمة الثقافية العكسية".

5. الصدمة الثقافية العكسية:

إن عاد المرء إلى بلده الأم بعد أن يكون قد ألف العيش ضمن مجتمعه الجديد، يمكن عندئذٍ أن تنتج نفس المراحل السَّابقة، لكن هذه المرة بشكلٍ عكسي. إذ سيشعر حينئذٍ بأنَّه غريبٌ عن مجتمعه الأصلي، وسيحنُّ إلى بلده الجديد.

إقرأ أيضاً: إرشادات مهمة للتخفيف من معاناة الغربة

طرق التَّغلب على الصَّدمة الثَّقافية:

في حين يُعتبر الوقت أحد أهمِّ وسائلِ التغلب على الصدمة الثقافية، إلا أنَّ المرء بمقدوره اتّخاذ بعض الخطوات لامتصاص تلك الصدمة وتسريع عملية الشفاء:

  • محاولة التعرّف على البلد الجديد ومجتمعه وعادات أفراده من خلال القراءة عن هذه البلاد وثقافتها قبل الذهاب إليها.
  • عدم الانغلاق على الذات ومحاولة التَّواصل مع السُّكان المحليِّين والتَّقرب إليهم.
  • امتلاك عقلية منفتحة ومستنيرة تجاه الثقافة الجديدة.
  • حديث المرء عن خلفيته الثقافية للنَّاس المحليين وتعريفهم إليها.

 

المصدر.




مقالات مرتبطة