الصداقات بعد جائحة كوفيد-19 وطرق التغلب على المهارات الاجتماعية السيئة

يبدو التواصل الاجتماعي والاندماج مع الناس أمراً مستحيلاً بعد جائحة فيروس كورونا؛ لذا إن كنتَ ترغب في انطلاقة جديدة، إليك إطار عملي المُكوَّن من ثلاث خطوات لتكونَ أقلَّ ارتباكاً وأكثر اجتماعية ووديةً في بدايتك الجديدة، فقد لاحظتُ حدوث أمرٍ غريب في حياتي؛ إذ خفَّت حالياً قواعد التباعد الاجتماعي، وقد بدأتُ برؤية أشخاص جدد؛ لكنَّ تضاؤل قدرتي على التواصل والتعامل مع الناس وتدهورها يمثِّل المشكلة الوحيدة بالنسبة إلي، وكأنَّني نسيتُ كيف أبدأ محادثةً مع شخصٍ ما، وكيف أتابع الحديثَ معه أو أُنهيه دون أن أبدو غريب الأطوار، فقد أمضيتُ وقتاً كبيراً داخل المنزل خلال الجائحة لدرجة أنَّني نسيتُ كيف ينبغي أن أتصرف خارجه؛ ومن ثَمَّ فإنَّك لستَ الوحيد الذي يشعر ببعض الغرابة أكثر من المعتاد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "فانيسا فان إدواردز" (Vanessa Van Edwards)، وتُحدِّثنا فيه عن أهم الطرائق والخطوات لتجاوز مشكلة تراجع المهارات الاجتماعية والقدرة على التواصل لدى أغلب الناس بعد جائحة كورونا.

نتائج انعدام التواصل مع الآخرين:

نزلَ العالِم والمُكتشف "ميشيل سيفر" (Michel Siffre) في عام 1962 إلى كهفٍ عميق ومُظلم في ولاية "تكساس" (Texas)؛ إذ كان من المُفترَض أن يعيش وحده تحت الأرض لمدة أكثر من ستة أشهر، وقد سلَّح نفسَه وتجهَّز بمِشعل كهربائي وساعته الموثوقة التي يعتمد عليها كثيراً، وبدأ بعدِّ الأيام تنازلياً؛ ومع مرور الوقت، كان بالكاد قادراً على ترتيب أفكاره بترابط، وقد كانت عزلتُه سيئة جداً لدرجة أنَّه كان مستميتاً ليحظى ببعض الصُّحبة بعد مرور خمسة أشهر من عيشِه وحده تحت الأرض، ممَّا دفعه إلى محاولة تكوين صداقةٍ مع أحد الفئران.

خلاصة القول هي أنَّنا بحاجة فعلية إلى التواصل والاندماج في المجتمع ومصادقة الآخرين؛ ومن ثَمَّ فإنَّ انقطاعَنا عن ذلك سيجعل منا أشخاصاً غريبي الأطوار بعضَ الشيء.

إليك مقارنةٌ بسيطة لإيضاح ما أقصده؛ فإن أخذتَ استراحةً لمدة سنة وتوقفتَ عن ممارسة أيِّ نشاط جسدي كالركض أو الذهاب إلى النادي الرياضي، ستُضطَرُّ إلى إعادة تمرين عضلات جسمك تدريجياً شيئاً فشيئاً مرة أخرى بسبب مرور زمنٍ طويل على تدرُّبك لآخر مرة؛ وأريدك أن تفكرَ في التواصل الاجتماعي بالطريقة نفسها؛ إذ يجب علينا تجديدُ قدراتنا على التواصل والاندماج مع الآخرين، وترميمها أو إعادة بنائها تدريجياً؛ فعلى الأرجح أنَّك لا تتوقع أن تأخذ استراحةً لمدة عامٍ كامل من الركض بعد أن كنتَ تمارسه يومياً؛ ومن ثمَّ تشاركَ فجأة في ماراثون؛ وبالتالي تذكَّرْ جيداً بأن تكون لطيفاً وطيباً مع نفسك وصبوراً عليها حين تبدأ بالتواصل مع الآخرين والتعامل معهم من جديد بعد الجائحة.

مشكلة صداقات ما بعد جائحة فيروس كورونا:

قضَت جائحة فيروس كورونا على أنواع مختلفة من الصداقات، فقد كان لديَّ أصدقاء عاديون كأصدقاء أصدقائي والناس الذين كنتُ أراهم في حفلات العمل والأشخاص الذين كنتُ ألتقيهم صدفةً في أرجاء البلدة؛ لكنَّني لم أعُدْ أراهم في هذه الأيام فقد قُضِيَ على صداقاتي العادية؛ لكنَّ الجانب الإيجابيَّ في ذلك هو أنَّه يمنحُنا فرصةً لبداية صداقاتٍ جديدة.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح تساعدك لتصبح اجتماعياً أكثر

معنى البداية الجديدة في مجال الصداقات:

تحدُث البداية الجديدة حين تمحو تاريخَك الماضي من عقلك لإنشاء ظروفٍ وأحوال حالية ومستقبلية جديدة، وهي تسمح لنا بإعادة ضبط أذهاننا وبأن نكون واضحين فيما يتعلق بوضع أهدافٍ جديدة لنا في المستقبل ومعالجتها، وبالفعل، تنجح البدايات الجديدة نجاحاً باهراً على الرَّغم من وجود شرطٍ لذلك، وسأورد فيما يأتي بعضَ الأدلة العلمية والدراسات عن ذلك، والمُوضَّحة من خلال كرة القاعدة أو البيسبول.

في إحدى الدراسات، نظر الباحثون إلى لاعبي البيسبول المحترفين لمراقبة أدائهم بعد البدء بانطلاقة جديدة، وقد تبيَّن أنَّه يمكن للاعبي البيسبول أن يحصلوا على بداية جديدة بناءً على مُعدَّل الضربات الناجحة (وهو عددُ الكرات التي تُصيب الهدف من بين عدد المرات الإجمالي التي يسدِّدون فيها)، فكلَّما تمت مُبادلتهم ونُقِلُوا إلى فريقٍ جديد، يكون الأمرُ بمنزلة إعادة تعيين كاملة أو العودة إلى نقطة الصفر منذ البداية.

لذا فقد وجد الباحثون أمرَين هامَّين بعد تحليل مُعدَّلات الضربات الناجحة لدى لاعبي البيسبول بعد بداياتهم الجديدة، وهما:

  1. حين كانت مُعدَّلات ضربات اللاعبين الناجحة أقلَّ من مُعدَّلها في الدوري (بمعنى كان لديهم أداءٌ سيئ سابقاً)، كان لديهم زيادة بنسبة 3.8% في مُعدَّل الضربات الناجحة بعد مقايضتهم مع فريق آخر.
  2. عانى اللاعبون الذين كانوا يتمتعون بأداءٍ فوق المُعدَّل وأفضل من الأغلبية انخفاضاً بمُعدَّل الضربات الناجحة بنسبة 5% بعد مقايضتهم.

بعبارة أخرى، تنجح البدايات الجديدة وتشكِّل تغييراً مُفيداً بالنسبة إليك إن كان أداؤك السابق سيئاً، وهو ما يُعَدُّ أمراً رائعاً وعظيماً بالنسبة إلينا بسبب شعورنا بالغرابة والارتباك ومحاولتنا استعادة عافيتَنا النفسية والاجتماعية بعد الجائحة؛ لذا لندخلْ في لبِّ الموضوع، فلمعرفة كيفية البدء بانطلاقة جديدة، علينا تطبيق الخطوتين الآتيتين:

الخطوة الأولى: هي اختيار التاريخ أو الموعد

حاولْ اختيار حدثٍ زمنيٍّ بارز للاستفادة من بدايتك الجديدة للغاية واستثمارها جيداً، وأقصد بالحدث الزمني البارز الأيامَ المميزة كالعُطلات التي تبدو هامة بالنسبة إليك، وهي تُفيدنا وتنجح في هذا السياق لأنَّها تحثُّنا وتمنحُنا حافزاً لتحقيق أهدافنا أكثر من أي تاريخٍ قديم عشوائي، وذلك وفقاً للأبحاث؛ وإن أردتَ مساعدةً على اختيار موعدٍ أو تاريخ مُميَّز، جربْ واحداً مما يأتي:

1. يوم الإثنين:

يزداد احتمال تحقيق الناس لأهدافهم إن بدؤوا العمل عليها في أول يومٍ من أسبوع العمل.

2. ليلة رأس السنة:

لا يمكن لأحدٍ أن يفوِّتَ هذه الفرصة لوضع الأهداف الجديدة في حياته وبدء العمل عليها، فهي تمثِّل بدايةَ سنةٍ جديدة من حياته.

3. بداية الشهر:

يُعَدُّ البدءُ في اليوم الأول من الشهر طريقةً رائعةً لتذكُّر الأشياء.

4. ذكرى ميلادٍ:

سواء كان عيدَ ميلادك أم ذكرى ميلاد أحد أصدقائك أم أفراد عائلتك المُقرَّبين.

الخطوة الثانية: هي فرصتُك للبدء من جديد أو صفحتُك الجديدة

الآن، بينما تغادر منزلك وتعود للعالم الخارجي من جديد، أريدُك أن تفكر بذلك على أنَّه صفحة جديدة في حياتك وفرصةٌ لك لبدء كل شيءٍ من جديد؛ إذ لديك المزيدُ من الخيارات وتتمتع بحماسةٍ واندفاع كبيرَين، كما يبدو العالم أمامَك جاهزاً وزاخراً بالفرص الجديدة؛ لذا أرغبُ في ممارسة نشاطٍ صغير معك؛ إذ أريدك أن تفكر بالأشخاص الذين ترغبُ في إدخالهم إلى حياتك، بينما تبدأ بالتفكير في صداقاتك للأسابيع والأشهر والسنوات القليلة القادمة، ويتمثل ذلك النشاط بملء الفراغات في العبارات الآتية:

  1. أريدُ المزيد من الأصدقاء الذين ________.
  2. أرغبُ في قضاء الوقت مع الأشخاص الذين ________.
  3. أتمنَّى لو أنَّني عرفتُ المزيد من الناس الذين ________.

تتمثل الخطوة العملية الثانية بإخراج قلمٍ وورقة؛ ومن ثمَّ تقسيم الورقة إلى ثلاثة أعمدة؛ إذ ستكون هذه الورقة صفحتَك الفارغة أو فرصتك للبداية الجديدة، واكتبْ فيها وفقَ الآتي:

كلمة (مَنْ) في العمود الأول:

اكتُبْ في أعلى العمود الأول كلمةَ (مَنْ)، والتي تمثِّل الأشخاص الذين ترغب في قضاء الوقت معهم والأصدقاء الذين ترغب في المحافظة عليهم على الأمد الطويل؛ أَي الأشخاص الذين ترغب في قضاء الأسابيع والأشهر والسنوات القليلة القادمة معهم؛ لذا فكِّرْ جيداً بالناس الذين ترغب في إدخالهم إلى حياتك أو الذين ترغب في الاتصال بهم وقتَ الحاجة، لأنَّني أريدك أن تضعَ في هذا العمود فقط أسماءَ الأشخاص الذين تتطلع أو تتلهف فعلاً للتعامل والتواصل معهم.

لا حاجةَ إلى مزيدٍ من الصداقات الافتراضية المليئة بالتقصير والإهمال مع أشخاصٍ لطالما كنتَ صديقاً لهم لمُجرَّد أنَّكم تعيشون في المبنى نفسه أو أنَّك صادقتَهم بطريقة عفوية وتلقائية دون التفكير بذلك ملياً، ولا حاجة كذلك إلى أيٍّ من تلك الصداقات السامة والضارة والمتردِّدة أو لأيِّ صديق يشكك فيك أو ينتقدك أو يحطمك معنوياً.

إن لم تجدْ ما يكفي من أسماءٍ لأشخاص مُحدَّدين، اكتُبْ أنواعاً من الأشخاص الذين ترغبُ في وجودهم في حياتك، كالذين تريد مقابلتهم في مجال عملك أو توءام روحك أو صديقٍ يرافقك في أثناء سيرك في الطبيعة أو أشخاصٍ يُشاركونك الهوايات ذاتها.

شاهد بالفيديو: صفات الصديق الحقيقي

كلمة (أين) في العمود الثاني:

أريدك أن تكتبَ كلمة (أين) في العمود الثاني؛ إذ يجب علينا تهيئة أنفسنا للنجاح فيما نبدأ بالعودة إلى تكوين الصداقات؛ لكنَّني أعلمُ بأنَّني لا أكون على طبيعتي ولا أتصرَّف بأفضل طريقة طوال الوقت؛ فكلُّ ما أرغبُ في فعله في ليلة الجمعة وبعد أسبوع عملٍ طويل هو الجلوس على أريكتي المُفضَّلة، ومشاهدة بعض البرامج التلفزيونية التي لا معنى لها؛ لذا فقد أدركتُ أنَّني كنتُ مُرهَقةً كلياً ومُستنزَفة القوى تماماً حين كنتُ أخطط للخروج مع الأصدقاء في ليالي الجمعة، وقد كان هذا صحيحاً وحقيقياً خصوصاً بعد جائحة كوفيد-19.

لذا أريد منك أن تفكر في الأماكن والأوقات التي تريد التفاعل فيها مع الآخرين، والتي من شأنها أن تُعِدُّك وتجهزك للنجاح؛ فعلى سبيل المثال، أحبُّ المشيَ في الطبيعة والتحدُّث في أثناء ذلك؛ لذا فإنَّ دعوة أحد أصدقائي إلى المشي في الطبيعة أو التنزه معي يمثِّل فرصةً للاسترخاء بالنسبة إلي وإعادة شحن طاقتي من جديد، كما أحبُّ أيضاً الذهاب إلى المقهى المحلِّي المُفضَّل لدي لأنَّه مكانٌ هادئ ومريح وباعثٌ على الدفء؛ لذا يسهُل فيه إجراء المحادثات مع الأصدقاء؛ وهذا من شأنه أن يهيئني للنجاح، لأنَّني أحبُّ أن أمتلك مخططات وأناقش أهدافي العملية والتجارية هناك.

أنصحك بناءً على خبرتي بألَّا تغوصَ عميقاً في ذلك، فلا يمكنني مثلاً أن أتخيل تسجيل نفسي للمشاركة في مؤتمرٍ يحوي 500 شخص؛ وذلك لأنَّه بمنزلة المشاركة في ماراثون مباشرةً بعد الانقطاع لسنة كاملة عن الركض يومياً - كما في المثال المذكور سابقاً - ولستُ جاهزةً لذلك بعد، وعلى الأرجح أنَّك لستَ جاهزاً لذلك أيضاً؛ لذا أريدك أن تتخيل التواصل الاجتماعي والاندماج مع الناس مثل بركة ماءٍ كبيرة، وعليك أن تتذكر جيداً بأن تضعَ أصابع قدمَيك فيها بروية وشيئاً فشيئاً كي لا تغرق في النهاية، وحافظْ على العمود الثاني، وحاولْ أن تكون الأماكن التي سجلتها فيه واقعيةً قدر الإمكان.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تؤكد أهمية تكوين الصداقات في مكان العمل

كلمة (لماذا) في العمود الثالث:

حين تتعرض لموقفٍ اجتماعي سيئ أو تُرفضُ رفضاً تاماً وتستسلم على الفور وتقرر الانعزال في منزلك وعدم الخروج منه مرة أخرى، هُنا يحين دور العمود الأخير الذي ستكتبُ في أعلاه كلمة (لماذا)؛ إذ يسهُل للغاية نسيان السبب الذي يكمن وراء المواقف الاجتماعية التي نشارك فيها، لكن علينا تذكير أنفسنا باستمرار بأنَّنا بحاجة فعلاً إلى التواصل مع البشر من حولنا؛ إذ نحتاج إلى أن نسمع قصصهم وأخبارهم ونتعلم منها، ونشاركَهم تجاربنا وخبراتنا ونضحك معاً.

إقرأ أيضاً: لم يعتبر الحفاظ على الصداقات أمر هام لصحتك؟

لذا، أريدك أن تكتب في هذا العمود الأخير قائمةً مُكوَّنةً من ثلاثة أسباب على الأقل تدفعُك إلى إعادة أصدقائك السابقين إلى حياتك، كأن تكتب مثلاً:

  1. ما الذي ترغبُ أن تشعر فيه؟
  2. ما الذي تبحث عنه؟
  3. هل السببُ هو الحصول على نوعٍ من المُساءَلة والمُحاسَبة على أفعالك وتصرُّفاتك؟
  4. هل هو الرغبة في الحصول على روح الصداقة؟
  5. هل السببُ هو رغبتُك في اللهو والتسلية أكثر؟
  6. هل السببُ هو رغبتُك في الضحك أكثر؟
  7. هل هو الرغبة في استكشاف أشياء جديدة معاً؟
  8. هل السببُ هو البحثُ عن توءام روحك ولقائه؟

لذا حدِّدْ أسبابك جيداً.




مقالات مرتبطة