الصحابي الجليل أبو بكر الصديق
أول الخلفاء الراشدين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، نعم إنه الصحابي الجليل أبو بكر الصّديق رضي الله عنه أحد صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذي وجب علينا محبتهم ومعرفة سيرتهم والاستفادة منها والتمثل بأخلاقهم. فسيدنا أبا بكر الصّديق من أفضل الصحابة رضي الله عنهم، وأعلاهم منزلة، وهو أحب الرجال لقلب النبي صلى الله عليه وسلم حيث سأله عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: "عائشة". قال: فمن الرجال؟ قال: "أبوها".
فيما يلي بعض المعلومات عن الصحابي الجليل أبو بكر الصّديق من نسبه وصفاته وأهم إنجازاته.
اسمه ونسبه وكنيته وألقابه:
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، ويلتقي مع النبي في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفتي من الإبل، والجمع بكارة وأبكر، وقد سمت العرب بكراً، وهو أبو قبيلة عظيمة.
والده عثمان بن عامر بن عمرو ويكنى أبا قحافة أسلم يوم الفتح، وأمه سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وكنيتها أم الخير، أسلمت مبكراً.
ألقاب أبو بكر الصديق:
لقب أبو بكر بألقاب عديدة، كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب، نذكر منها:
العتيق:
لقبه به النبي ﷺ، فقد قال له: «أنت عتيق الله من النار»، فسمي عتيقاً، وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصّديق على رسول الله، فقال له رسول الله: "أبشر، فأنت عتيق الله من النار". فمنذ ذلك اليوم سمي عتيقاً.
وقد ذكر المؤرخون أسباباً كثيرة لهذا اللقب، فقد قيل: إنما سمي عتيقاً لجمال وجهه. وقيل: لأنه كان قديماً في الخير. وقيل: سمي عتيقاً لعتاقة وجهه.
وقيل: إن أم أبي بكر كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: اللهم إنّ هذا عتيقك من الموت فهبه لي.
ولا مانع للجمع بين بعض هذه الأقوال، فأبو بكر جميل الوجه، حسن النسب، صاحب يد سابقة إلى الخير، وهو عتيق الله من النار بفضل بشارة النبي ﷺ له.
الصدِّيق:
لقّبه به النبي، ففي حديث أنس أنه قال: إن النبي ﷺ صعد أُحُدَاً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم فقال: "اثبت أُحُدْ، فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان".
وقد لقب بالصدِّيق لكثرة تصديقه للنبي ﷺ، وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: "لما أسري بالنبي ﷺ إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أن أُسريَ به الليلة إلى بيت المقدس! قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق. قالوا: أَو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!! قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر: الصدّيق".
وقد أجمعت الأمة على تسميته بالصدّيق لأنه بادر إلى تصديق الرسول ﷺ، ولازمه الصدق فلم يقع منه أمر قبيح أبداً.
الأوّاه:
لقب أبو بكر بالأواه، وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله تعالى، فعن إبراهيم النخعي قال: كان أبو بكر يسمى بالأوّاه، لرأفته، ورحمته.
صفات الصحابي أبي بكر الصديق:
صفاته الخلقية:
كان الصّديق رضي الله عنه:
- أبيض اللون، يخالط بياضه صفرة.
- كان نحيفاً، خفيف اللحم.
- كان خفيف العارضين وهما جانبا الوجه.
- كان الصديق رضي الله عنه حسن القامة.
- كان رضي الله عنه أجنأ أي منحنياً في ظهره ميل.
- كان معروق الوجه أي قليل اللحم غائر العينين.
- كان ناتئ الجبهة أي بارز الجبهة.
- كان رضي الله عنه أفرع أي كثير الشعر ويخضب شيب رأسه ولحيته بالحناء والكتم (وهو نبات يخلط بالحناء ويخضب به الشعر).
صفاته الأخلاقية:
كان الصّديق رضي الله عنه:
- أليفاً ودوداً حسن المعاشرة.
- متواضعاً لين الجانب فلم يتعال على أحد قط لا في جاهليته ولا في إسلامه.
- كانت فيه حِدة يغالبها ولا يستعصي عليه أن يكبح جماحها. فقال عمر بن الخطاب عنه: "وكنت أداري منه بعض الحد، أي الحدة". إلا أنها حدة كانت تنم على سرعة التأثر فيه.
- كان في جاهليته وإسلامه وقوراً يغار على مروءته ويتجنب ما يريب. فلم يشرب الخمر قط لأنه يخل بوقاره.
- كان يتحاشى السقط من الكلام فلا يتكلم إلا أن يدعوه داع إلى قولة خير فيقولها ويصدق في مقاله.
- اشتهر بالصدق في الجاهلية والإسلام، فكان (ضامن) قريش المقبول الضمان. لا يَعِد أحداً إلا وفى وصدق الدائن والمدين.
- كان شجاعاً سواء منها شجاعة الرأي وشجاعة القتال. فلما أسلم لم يبال أن يعلن إسلامه وأن يجهر بصلاته ودعائه، يصيبه في ذلك ما يصيب، ولما وجب القتال كان هو أقرب المقاتلين إلى رسول الله ﷺ في كل غزوة.
- كان غزير الدمعة لا يكاد يملك نفسه من البكاء في الصلاة.
- كان يقظ الضمير، ورعاً يخشى الله خشية شديدة، فقد أتاه يوماً خادمه بطعام فأكل منه لقيمات، وبعد أن أخبره الخادم بمصدره وشك الصّديق بحرمة هذا الطعام، وضع أصابعه في فيه حتى يتقيأ ما أكله.
إنجازات أبي بكر الصديق:
من أهم الإنجازات التي قام بإنجازها الصحابي الجليل أبي بكر الصديق خلال توليه فترة خلافته وما قبلها، ما يلي:
1. أسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة والعديد من الناس:
لما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله، فأسلم بدعاه: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم جميعاً. فكانوا الدعامة الأولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدّة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم أعزّه الله وأيّده.
2. حروب الردّة:
لقد كان الصّديق رضي الله عنه رجلاً رحيماً رقيق القلب إلا أنه لم يتوانى في ذلك الموقف عن إظهار شجاعته المعتادة وصلابته التي عرف بها، فكان موقفه في حرب المرتدين أصلب وأشد من عمر رضي الله عنه الذي عرف بالصلابة والشدة في الرأي.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلّا بحقّه وحسابه على الله؟"، قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.
وقد جادله الكثير من الصحابة في ذلك. ورأوا أن اللين والرفق أفضل لكنه أبى إلا أن يخوض هذه الحرب. فأدرك الناس صواب رأي أبي بكر حيث شاع في الجزيرة العربية خبر إرسال البعثة، وروى مؤرخوا تلك الفترة أنها كانت لا تمر بقبيل يريدون الارتداد إلا تخوفوا وسكنوا وقالوا فيما بينهم: لو لم يكن المسلمون على قوة لما خرج من عندهم هؤلاء.
3. جَمْع القرآن:
أخرج البخاري عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: أُرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثابت، وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه.
قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير.
فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب (جرائد النخل) والرقاع واللخاف (الخزف) وصدور الرجال، فوجدت آخر سورة التوبة ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ إلى آخرها مع خزيمة الأنصاري فألحقتها في سورتها.
وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر وعنها نسخ عثمان مصاحفه التي أرسلها إلى الأمصار.
4. فتوحات الشام:
دارت معارك فتوح الشام في خلافة أبي بكر بعد نهاية حروب الردة، وكانت قد اندلعت مناوشات منذ سنة 629م بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية في غزوة مؤتة، وتمت خطة التحرك نحو بلاد الشام في السنة الثانية عشرة للهجرة، بعد مشاورات أجراها أبو بكر مع كبار الصحابة، ثم قام بتعبئة المسلمين لغزو هذه البلاد.
وكان رد فعل عامة المسلمين الفوري الصمت، وذلك بفعل هيبة غزو البيزنطيين، حتى قام خالد بن سعيد بن العاص الأموي، فتقبل الفكرة، فكان أول من خرج إلى بلاد الشام بعد أن عقد له أبو بكر لواء، هو أول لواء عقده لحرب الشام.
وفاة أبي بكر الصديق:
رحل خليفة رسول الله الأول أبي بكر الصديق سنة 13 للهجرة في 22 من شهر جمادى الآخر الذي يوافق سنة 643 للميلاد في 23 من شهر أغسطس، بعد فترة خلافة استمرت لسنتين وثلاثة أشهر.
أما سبب وفاته، فقد روي عن السيدة عائشة أنها قالت: "أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يوماً بارداً، فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه".
من الأحاديث المروية عن وفاة أبي بكر الصديق أنه، لما ثقل جسده واستبان نهايته جمع الناس وطب مشورتهم فيمن يخلفه في المسلمين فكان ردهم: "رأينا ياخليفة رسول الله رأيك". فوقع اختياره بعد مشورة بعض الصحابة على عمر بن الخطاب، ثم كتب عهدا يقرأ على الناسن جاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بَدّلَ فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب: «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
استمر مرض أبي بكر مدة 15 عشرة يوما، ليتوفاه الله يوم الإثنين ليل الثلاثاء عن 63 سنة، قعد أغلبها مناصرا لدين الله ورسوله. وقد روي أن يوم مماته كان يوما باكيا صعبا على المسلمين.
من أقوال أبو بكر الصّديق:
- والذي نفسي بيده ما أخذتها (أي الخلافة) رغبة فيها، ولا إرادة ولا استئثاراً على أحد من المسلمين، ولا حرصت عليها يوماً ولا ليلة قط، ولا سألتها الله عز وجل سراً ولا علانية، ولقد تقلدت أمراً عظيماً لا طاقة لي به، إلّا أن يعينني الله عز وجل.
- طوبى لمن مات في النأنأة (أي في بدء الإسلام حين كان ضعيفاً قبل أن يكثر أنصاره).
- يُقبَض الصالحون الأول فالأول، حتى يبقى من الناس حثالة كحثالة التمر والشعير، لا يبالي الله بهم.
- إياكم والكذب فإن الكذب مجانب الإيمان.
- احرص على الموت توهب لك الحياة.

- كثير القول ينسي بعضه بعضاً، وإن لك ما وعي منك.
- أكيس الكيس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة.
- الحب والبغض يتوارثان.
- إن البلاء موكل بالمنطق.
- ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر.
- إني لأبغض أهل البيت ينفقون رزق الأيام في يوم.
- سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، واعلموا أن الصبر نصف الإيمان، واليقين الأمان كله.
- قال له رجل: لأسُبنك سباً يدخل معك قبرك، قال: معك والله يدخل لا معي.
- إذا فاتك خير فأدركه وإن أدركك فاسبقه.

خاتمة:
الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، أول من آمن برسول الله من الرجال، سيرة عطرة وحياة ملؤها الإنجاز والعمل، صحبة مع رسول الله جعلته أقرب الصحابة إليه، وبذلك تبوأ منزلته عند الله ورسوله والمسلمين.