الشكُّ الذاتي وتلبية توقعات الآخرين

نحن جميعنا نمرُّ بلحظاتٍ من الشكِّ الذاتي، وخاصةً في تلك الأوقات التي نشعر فيها بأنَّنا لا نستطيع أن نرتقي إلى مستوى التوقعات العالية التي يضعها الآخرون.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن سكوت يونغ (Scott H Young)، ويُحدِّثنا فيه عن ضرورة عدم التزامنا بتوقعات الآخرين.

أنا أعتقد أنَّ معرفة أنَّك لست وحيداً في هذا الأمر تبعث لك شعوراً بالراحة؛ فالفيزيائي الأمريكي ريتشارد فاينمان (Richard Feynman) الذي فاز بجائزة نوبل، وأصبح أحد أعظم علماء الفيزياء في القرن العشرين شعر بالشعور نفسه؛ شعر بالإرهاق بعد وفاة زوجته والعمل في مشروع مانهاتن (Manhattan Project) في الحرب العالمية الثانية لبناء أول قنبلة ذرية، وقال في حينه: "لم أتمكن من العمل عندما حان الوقت لإجراء بعض الأبحاث؛ فقد كنت متعباً ولم أكن مهتماً، وبسبب ذلك لم أستطع القيام بالبحث، لقد كنت مقتنعاً تماماً أنَّني بسبب الحرب، وبسبب كل ما حصل - وفاة زوجتي - كنت مرهقاً تماماً".

دُعي في ذلك الوقت للمشاركة في مؤسسة أبحاث راقية، وقد اعتقَد أنَّه أصبح فاشلاً، وأنَّه لم يكن بإمكانه القيام بمزيد من العمل المفيد؛ لذا قَبول هذا العرض سيكون خطأً فادحاً بالنسبة إليه، فقال: "ثم فكرت في نفسي ما يظنُّه الناس عنك هو شيءٌ رائعٌ للغاية، لكن من المستحيل أن ترتقي إليه، وليس لديك أيَّة مسؤولية لتلتزم بها، ولا أن تكون كما يتوقع الناس أن تكون؛ إنَّه خطؤهم بأن يتوقعوا ذلك، وليس فشلاً منك".

إقرأ أيضاً: كيف تعزز ثقتك بنفسك وتتغلب على الشك الذاتي؟

ليس لديك أيِّة مسؤولية لتكون كما يتوقعه الآخرون منك:

وصل ريتشارد إلى تلك التوقعات بعد أن حقَّق مسيرة مهنية ذات تأثير هائل في الفيزياء، لكنَّه لم يتمكن من القيام بذلك إلَّا عندما قرر أن يتخلى عن تصوُّره للتوقعات الموضوعة عنه.

قال: "ثم راودتني فكرة أخرى: لقد سئمت من الفيزياء قليلاً الآن، ولكنَّني كنت أستمتع بدراستها جداً، والسبب في ذلك هو أنَّني اعتدت أن ألهو بها، وكنت أقوم بأيِّ شيء يخطر في بالي، ولم يكن كلُّ ما أقوم به متعلقاً بما إذا كان هاماً لتطوير الفيزياء النووية أو لا؛ بل كان متعلقاً بما إذا كان الأمر ممتعاً بالنسبة إلي أو لا".

من المثير للاهتمام أنَّ التوقعات التي توقعها زملاء ريتشارد منه وأرباب العمل، لم تكن واضحة؛ بل بدلاً من ذلك كان تصوره الشخصي لتلك التوقعات هو الذي أشعره بأنَّ التوقعات المتوقعة منه هي أمرٌ لا يُحتمل، ومع ذلك أظنُّ أنَّ ريتشارد لم يضع وإن جزءاً صغيراً من تلك التوقعات على عاتقه؛ فغالباً لا تكون توقعات الآخرين هي التي ترهقنا وتجعلنا بائسين؛ بل تلك التي نضعها على أنفسنا هي التي تؤثِّر فينا تأثيراً سلبياً.

شاهد بالفيديو: 8 أشياء لا تحتاج إلى موافقة الآخرين للقيام بها

وضع المعايير الصحيحة:

إذا وضعت مستوى منخفضاً جداً من المعايير، فلن تُجري أيَّ تغيير، أمَّا إذا وضعت مستوى مرتفعاً جداً، فستتجنب ما يبدو أنَّه فشل لا مفرَّ منه؛ فالتوقعات هي دائماً عبارة عن مسألة اعتدال.

مع ذلك ندرك أنَّ المعايير التي يضعها الآخرون لنا في بعض الأحيان تتجاوز قدراتنا، وهذا الأمر يكون نتيجة رغبتنا بالكمال والتسويف، وفي هذه الحالة، أعتقد أنَّه من المفيد تذكُّر نصيحة ريتشارد، وتذكير نفسك بأنَّك لست مسؤولاً عن الالتزام بما يتوقعه الناس منك، ويجب في بعض الأحيان أن تنسى تلك التوقعات من أجل تحقيق إمكاناتك حقاً.

المصدر




مقالات مرتبطة