الشخصية الميكافيلية: صفاتها وكيفية التعامل معها
ربما لم يسبق أن سمعتَ عن الشخصية الميكافيلية لكن لا بدَّ أنَّك تعاملت معها دون أن تعرف أنَّها كذلك؛ لذا تابع معنا في هذا المقال لتتعرَّف إلى الشخصية الميكافيلية؟ وما هي صفاتها؟ وكيف تتعامل معها؟
ما هي الشخصية الميكافيلية؟
- تُشير الميكافيلية إلى الوصولية، وهي مجموعة من السلوكات غير الأخلاقية القائمة على الكذب والانتهازية والتضليل والخداع والسخرية والسيطرة على الآخرين في سبيل تحقيق غاية معينة أو مصلحة شخصية، والميكافيلية من السلوكات المرفوضة اجتماعياً وأخلاقياً، وتُهدد المجتمعات والعلاقات الإنسانية واستقرارها.
- أما الشخصية الميكافيلية في علم النفس، فهي اضطراب من اضطرابات الشخصية التي تدفع الشخص المُصاب بها إلى التركيز في هدفه ومصلحته فقط؛ مما يجعله وصولياً انتهازياً يتَّبع كل الوسائل والطرائق المقبولة وغير المقبولة في سبيل تحقيق مصلحته لو على حساب الآخرين ومشاعرهم، وتُسبِّب الشخصية الميكافيلية لصاحبها الكثير من المشكلات في حياته وعلاقاته الشخصية والمهنية، ومع أنَّها تُكسِبه مهابة الآخرين له، إلَّا أنَّها تُفقِده محبتهم واحترامهم.
- كما تُعَدُّ الميكافيلية في علم النفس أحد أقطاب "الثالوث المُظلم" إلى جانب النرجسية والاعتلال الاجتماعي النفسي.
- قد نجد الشخصية الميكافيلية في أي مجال في الحياة، فقد يكون أحد الأبوين ميكافيلياً؛ إذ يتعامل بقسوة وسلطة وأنانية مع عائلته ويُرجِّح مصلحته على مصلحة أولاده وشريكه.
- قد يكون الميكافيلي زميلاً في العمل، يتبع أسلوب الاستغلال والطعن في الظهر، والتودد والتقرُّب إلى المدير للوصول إلى مصالحه.
- يكثر انتشار اضطراب الشخصية الميكافيلية في مجال السياسيين والحُكَّام؛ وذلك للحفاظ على السلطة مهما كانت الطرائق ملتوية وغير شريفة، وتكثر الميكافيلية بين الرجال أكثر من النساء.
سبب تسميتها بهذا الاسم:
بالتأكيد عندما نسمع بالشخصية الميكافيلية، فإنَّ أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو سبب تسميتها بهذا الاسم؛ إذ يعود مصطلح الميكافيلية إلى القرن الخامس عشر نسبةً إلى الفيلسوف والديبلوماسي والمؤرخ الإيطالي "نيكولو ميكافيلي" الذي وُلِد في إيطاليا عام 1469م، ودخل إلى عالم السياسة في سن الـ 29 عاماً، وعُيِّنَ وزيراً للدفاع في فلورنسا، واشتهر بآرائه المُتطرفة والتلاعب والمكر لتحقيق غاياته.
أظهر في كتابه "الأمير" الذي كتبه عام 1513م الحاكم المثالي كطاغية ومُتسلِّط وله الحق في اتِّخاذ أيَّة إجراءات ولو كانت تعسُّفية وغير أخلاقية للوصول إلى غايته، وقد مُنع الكتاب من النشر ولم يُنشر إلَّا بعد مرور 50 عاماً على وفاة ميكافيلي.
من أبرز اقتباسات الكتاب:
- "الغاية تُبرر الوسيلة".
- "إنَّ حب الذات أهم من حب الأوطان".
- "من الأكثر أماناً أن يخافك الناس على أن يُحبوك إن لم يكُن في مقدورك تحقيق كليهما".
- "الدين ضروري للحكومات، لا من أجل الفضيلة؛ وإنَّما لفرض السيطرة على الناس".
- "يجب ممارسة العنف مرة واحدة وإلى الأبد، وسينسى الناس بعد ذلك طعمه، ومن ثم يكونون أقل استياءً، ويجب منح الفوائد تدريجياً؛ وبهذه الطريقة سيكون مذاقها أفضل".
- "من أراد أن يُطاع، فعليه أن يعرف كيف يأمُر".
- "يا لها من متعة مضاعفة، عندما تخدع المُخادع".
- "إذا كان لا مفر من أذية أحد، فلتُؤذِه بقسوة تجعلك لا تخاف من انتقامه".
- "على المرء أن يكون ثعلباً ليعي الفِخاخ المنصوبة له، وأن يكون أسداً ليُرهب الذئاب".
- "قبل كل شيء آخر، سلِّح نفسك".
- "يمكنك أن تكون شريفاً في بعض الأحيان، وغير شريف في بعضها الآخر".
- "مظهرك بصفتك شخصاً فاضلاً غير مجدٍ".
- "الخطأ الشائع عند الناس ألَّا يحسبوا حساب العواصف عندما تكون الرياح هادئة".
- "الناس لا ينسون فضل من يتوقَّعون منه الشر".
صفات الشخصية الميكافيلية:
توجد مجموعة من الصفات تجعلك تكتشف الشخصية الميكافيلية، وهي:
- من أبرز صفات الشخص الميكافيلي هي اتِّباع شعار "الغاية تُبرر الوسيلة"، والتخلي عن ضميره مقابل تحقيق مصلحته، واتِّباع كل الطرائق لتحقيق غايته مع تجاهل كل الاعتبارات الأخلاقية أو الإنسانية أو القيمية.
- يُعرَف الشخص الميكافيلي بالاستغلال؛ إذ يستغل كل ما يعترض طريقه من أشخاص أو مواقف بما يخدم مصالحه.
- الغطرسة والغرور والتعامل بتكبُّر وتعالٍ.
- الميكافيلي شخص وصولي بارع في استغلال الآخرين والقدرة على التلاعب والمكر والبراعة في الخداع دون أي شعور بالذنب؛ بل على العكس يرى ذلك ذكاء وحنكة، ويجد التبريرات لنفسه.
- يُعطي الشخص الميكافيلي الأولوية إلى المال والسلطة ضارباً في عرض الحائط أيَّة عواطف أو علاقات إنسانية.
- يُشكك الشخص الميكافيلي في نوايا الآخرين ولا يفترض حسن النية أبداً؛ بل هو يقتنع بأنَّ كل شخص لديه جانب شرير سيُخرجه عندما تُتاح له الفرصة لذلك.
- غالباً ما يُخفي الشخص الميكافيلي وراء قوته وجبروته قلقاً وهشاشة نفسية وعدم شعور بالأمان.
- لديه موهبة في التنصُّل من المسؤولية وإلقائها على الآخرين.
- عدم القدرة على التعاطف مع الآخرين أو الشعور بمشاعرهم واحتياجاتهم.
- عدم الرضى أو القناعة؛ إذ دائماً ما تسعى الشخصية الميكافيلية إلى الكمال؛ كالحصول على أفضل سيارة، أفضل بيت.
- عدم الاهتمام بالمبادئ والقيم كالصدق والعمل النبيل؛ بل يسخر من الخير والأخلاق، وينظر إلى الأشخاص الذين يؤمنون بالمبادئ على أنَّهم أشخاص أغبياء.
- الغموض وعدم التعبير عما في داخله بصدق، وتقمُّص أكثر من شخصية، وعدم الوثوق بغيره.
- يُعاني الشخص الميكافيلي من مشكلة في التعامل حتى مع أقرب الناس إليه، مع أهله أو شريكه؛ وذلك كونه لا يعرف الإيثار ولا يُفكِّر في غير مصلحته أو منفعته.
- لا يسعى الشخص الميكافيلي إلى بناء علاقة مع أحد ما لم تكن توجد مصلحة تتحقق له منها.
- الإعجاب المُفرط بالنفس والشعور بالتميُّز عن الآخرين والميل إلى السيطرة عليهم.
- المبالغة في مدح نفسه وإنجازاته.
- يستخدم النفاق والمجاملة والتملق في الوصول إلى ما يُريد.
- الشخص الميكافيلي صبور وهادئ في الوصول إلى مُبتغاه.
- يُبرر الشخص الميكافيلي لنفسه استخدام الآخرين للوصول إلى غايته بأنَّهم ساذجون وهو الأذكى ويحق له استخدامهم.
- الميل إلى العلاقات العابرة وتجنُّب الالتزام.
- تشعر الشخصية الميكافيلية بالاكتئاب والقلق عند عدم وصولها إلى ما تريد.
- يتجنَّب المخاطرة قدر الإمكان ويُحب أن يكون كل شيء محسوباً بدقة.
شاهد بالفديو: 8 طرق تُخبرك إن كنت تتعامل مع شخص مخادع
أسباب اضطراب الشخصية الميكافيلية:
- ما تزال أسباب اضطراب الشخصية الميكافيلية غير معروفة بدقة، لكن يُرجع علماء النفس السبب إلى البيئة التي عاش فيها الشخص وأسلوب التنشئة الأسرية، فالدلال الزائد وتعليم الطفل أنَّ كل ما يريده مُجاب، يجعل منه شخصاً مغروراً أنانياً لا يستوعب فكرة عدم حصوله على ما يريد، مستعداً لفعل أي شيء مقابل حصوله على ما يريد.
- على النقيض من ذلك فقد تؤدي التنشئة الأسرية القائمة على العنف والتوبيخ والترهيب إلى رد فعل عكسي لدى الطفل، تجعله عنيفاً مستعداً لحرق الدنيا لتحقيق ما يريد.
- تؤدي الظروف القاسية التي يتعرَّض لها الشخص وكثرة صدمات الغدر والخيانة من الأخرين إلى رد فعل سلبي لديه، ونمو حقد في داخله يدفعه إلى الانتقام واستغلال غيره وعدم إبداء أي تعاطف معهم والتفكير في مصلحته دون حساب لأي شيء آخر.
- الجشع والطمع في المال والسلطة وضعف الثقة بالنفس والانهزام الداخلي وتعويضه بالتجبُّر والتكبُّر.
كيف تتعامل مع الشخص الميكافيلي؟
التعامل مع الشخص الميكافيلي ليس بالأمر السهل على الإطلاق؛ بل يحتاج إلى الكثير من الوعي والانتباه، وهذه أهم النصائح التي يتعيَّن عليك اتِّباعها عند التعامل مع الشخص الميكافيلي:
- ابتعد عن الاصطدام معه أو اتهامه بالانتهازية واللاخلاقية؛ وذلك لأنَّ رد فعله سيكون الضحك والسخرية منك، وأنَّه لا يهم طالما هو يحصل على ما يريد.
- تجنَّب إظهار انزعاجك منه أو ما تشعر به من معاناة بسببه؛ وذلك لأنَّه يرى ذلك ضعفاً وسلاحاً يستخدمه ضدك.
- لا تُتعِب نفسك في الجدال معه فيما يتعلق بالمبادئ والأخلاق، فغالباً لن تصل إلى نتيجة.
- كُن حذراً منه ومُتيقظاً لكل تصرفاته؛ فهو موهوب بانتهاز الفرص والنفاق والغدر.
- لا تثق بالشخص الميكافيلي مهما وعدك وعاهدك؛ بل اطلب دائماً ضمانات وشهود.
- تعلَّم أن تقول "لا" للشخص الميكافيلي؛ وذلك لأنَّك كلما كنتَ مطيعاً له، تمادى في استغلالك، فدافِع عن حقوقك وواجهه بقوة واشتكِ عليه إن لزِم الأمر.
- حافظ على ثباتك الانفعالي وثقتك بنفسك أمام الشخص الميكافيلي؛ فهذا يحميك منه ويجعله يُفكِّر قبل الاقتراب منك.
- لا تأمن جانبه مهما أغواك وباعك كلاماً معسولاً، واختصر معه الحديث دائماً، ولا تُطلِعه على أسرارك وخصوصياتك أو أهدافك وخططك المستقبلية؛ وذلك لأنَّه لن يتوانى عن استخدامها لمصلحته.
- احرص على عدم معاملته بالمثل؛ وذلك بأن تتَّبع معه نفس أسلوب النفاق والغدر والاستغلال، فأنت بذلك تزيد الأمر سوءاً وتخسر نفسك ومبادئك.
- لا تتهاون في تحذير الآخرين من الشخص الميكافيلي وتنبيههم لخطورته.
- ضع حدوداً وقواعد لعلاقتك بالشخص الميكافيلي، وكُن حاسماً معه في حال تجاوزها.
أشهر الشخصيات الميكافيلية في عالم الروايات والأفلام:
- ياجو: إحدى شخصيات مسرحية عطيل لشكسبير.
- توم ريبلي: في سلسلة روايات الكاتبة باتريشيا هايسميث.
- اللورد فاريس واللورد بيليش: في المسلسل الشهير Game of Thrones.
- توني سوبرانو: في مسلسل The Sopranos.
- فرانسيس أوركهارت: في مسلسل House of Cards.
- ريبيكا شارب: بطلة فيلم Vanity Fair.
- شخصية السير فرنسيس والسينغهام: في فيلم Kapurs Elizabeth Shekhar .
في الختام:
ليس عيباً أن يُفكِّر الشخص في مصلحته، ولكنَّ العيب عندما يكون ميكافيلياً؛ إذ يفقد إنسانيته ومبادئه وقيمه، ويُبرر أيَّة وسيلة يتبعها في سبيل غايته ومصلحته، فيجب نبذ الميكافيلية بكل أشكالها تحت أي ظرف، فهي تُحوِّل المجتمعات إلى غابة القوي فيها يأكل الضعيف.