الشجاعة في اتخاذ القرار

إنَّ الشجاعة مفهوم غريب؛ فوفقاً للإنترنت، فإنَّ الشجاعة هي القدرة على فعل شيء يخيفك؛ لذا فإنَّ الشجاعة بطبيعتها تشير إلى أنَّ الحياة مخيفة؛ وذلك لأنَّه إذا لم تكن كذلك، فلا داعٍ لتحديد مفهوم الشجاعة ناهيك عن الحاجة إليها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثُنا فيه عن الشجاعة في اتخاذ القرار.

أنت تعلم أنَّ الحياة مليئة بالثنائيات والتناقضات، واسمح لي أن أقول هذا بصراحة: لستَ وحدك مَن يلمس هذه الحقيقة؛ إذ يتعامل معظم الناس مع شيء مخيف للغاية؛ إذ إنَّ كل ما في وسعهم فعله هو إمَّا الخوف أو استجماع شجاعتهم، وغالباً ما يفعلون كلا الأمرين؛ فقد يستقيل بعضهم من العمل، ويمكن لبعضهم الآخر أن يسافر خارج البلاد، كما يمكن أن يخرج آخرون من علاقة سامة، وقد يبقى أشخاص آخرون في هذه العلاقة السامة لمحاولة جعلها أقل سُمية.

كل هذه الأشياء تتطلب شجاعة هائلة لاتِّخاذ إجراءات، وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يتعاملون مع "الأمور" المحددة التي تخيفهم، فإنَّ هذا هو الموقف الأكثر رعباً الذي يمكن تخيله، لكن لا تخف، وتذكَّر أنَّنا جميعاً نمر بهذا الوضع.

إقرأ أيضاً: عشر طرق لتعزيز شجاعتك

الخوف جزء من هويتنا:

عندما تحلل الأمر، فإنَّ ما يخيفك هو عواقب القرار أو الإجراء، لكن بالتعمُّق أكثر، فإنَّ الأمر المخيف هو التغيير في هويتك؛ إذ إنَّك تسأل في قرارة نفسك: ماذا سيفكر الناس بي؟ سوف تُفكر أنَّهم سيَعُدُّونك شخصاً فاشلاً.

مهما كان الشيء الذي يخيفك، فإنَّ الشيء الذي يُبقيك مستيقظاً في الليل ويبقيك في السرير حتى وقت متأخر من الصباح هو هويتك؛ فإنَّ هذا الشيء قد لا يكون شيئاً مادياً مثل الحصول على سيارة سريعة أو ترقية في العمل للحصول على لقب المدير، ولكنَّه شعور ينتابك من الخيارات التي تتخذها تلو الأُخرى.

دعوني أستخدم نفسي بصفتي مثالاً؛ أنا أتعامل مع الأعمال وريادة الأعمال؛ فبينما أعمل بنشاط في هذا المجال، أضع قدراً كبيراً من نجاحي أو فشلي على نتائج أعمالي وحسابي المصرفي، وأقول للناس إنَّني رب عمل؛ إذ إنَّ ملف التعريف الشخصي الخاص بي على موقع "لينكد إن" (Linkedin) يقول إنَّني رب عمل، كما أنَّه وفقاً للعالم الخارجي، فإنَّني رب عمل؛ إذاً، ماذا سيحدث إذا فشل عملي أو إذا استقلتُ منه؟

بالنسبة إليَّ، فإنَّ هذا الأمر مُخيف؛ فهو السبب وراء التقاعس عن العمل، كما أنَّه السبب في أنَّني سأحاول بشتى الطرائق لإنجاح عملي، على الرغم من أنَّ كل شيء قد يدفعني إلى المضي قدماً، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ تنمية الأعمال التجارية أمر صعب، وأخشى أيضاً أنَّني سأستقيل من العمل مبكراً؛ لذا بالنسبة إليَّ، فأنا بحاجة إلى شجاعة الاقتناع، والشجاعة للمضي قدماً، كما أنَّني أحتاج إلى الشجاعة للاختيار بين الاثنين، لكن في نهاية المطاف أخشى أن أُوصَف بالفاشل؛ فأنا لا أريد أن أكون كذلك.

لذا، بمعنى ما؛ فإنَّ هذا الخوف الذي تشعر به وهذا الشيء الذي تحتاج إلى الشجاعة من أجله، ليس شيئاً مادياً على الإطلاق؛ بل هو الشعور نفس الخوف؛ إنَّه الخوف من التخلي عن هويتك وعن الحياة كما تعرفها، والخوف من أن يحكم الناس عليك بسبب ذلك، لكن لا يوجد داعٍ للقلق؛ لأنَّه بصرف النظر عن ماهيته، سواء كان حدثاً يغير الحياة أم تغييراً بسيطاً بالطبع، فهو ليس أنت، وبدلاً من ذلك، إنَّه مجرد موقف تجد نفسك فيه، وهو خيارك فيما إذا كنتَ تريد تغييره أو الاحتفاظ به.

شاهد بالفيديو: 12 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف

الشجاعة هي الخيار:

تستند الشجاعة إلى العمل أو عدم العمل، وعندما نشعر بالخوف يكون ذلك عادةً لأنَّنا نفكر في تغيير حياتنا، أو لوجود تغيير ما قد حدث، والآن الأمر متروك لنا للتعامل معه؛ لذلك عندما نستجمع شجاعتنا، عندئذٍ علينا إمَّا أن نقبل وضعنا الحالي أو أن نغيره.

إذاً إنَّ الشجاعة هي الثقة باتخاذ خيار أو قرار، ومن ثم التمسك به، كما أنَّها قبول تداعيات أفعالك أو تقاعسك عن العمل، وتعني أيضاً أن تبدو خائفاً وتقول: "لا، لا أريدك أن ترشدني، لكن أريد الحياة التي أريد أن أعيشها أن ترشدني بدلاً من ذلك"، وتوجد مشكلة وهي أنَّنا بحاجة إلى الشجاعة للخروج بنشاط من منطقة راحتنا والتحرك في اتِّجاه أهدافنا ورغباتنا الحقيقية.

في الواقع، قد لا تكون تلك الهوية التي تضعها في ذهنك، أو تلك الحالة التي تخشى أن تفقدها هي التي تريدها؛ وبدلاً من ذلك، فإنَّها الهوية التي أصبحتَ مرتاحاً لها.

كن صريحاً مع نفسك فيما يتعلق بالهدف الذي تريد أن تحققه في حياتك، وإذا لم تكن حياتك تتجه نحو الهوية التي تريدها، فأنت بحاجة إلى الشجاعة لإجراء تغيير، فابحث عن الروح بداخلك وستجد ما تحتاج إليه، ثم اختر وقرِّر، وبعد ذلك، التزم بقرارك واقبل كل ما يأتي.

إقرأ أيضاً: 10 صفات تشير إلى أنك إنسان شجاع

معركة مع أنفسنا:

الآن، إذا كان تغيير حياتك أو قبول وضعك الحالي أمراً سهلاً، فلن نحتاج إلى الشجاعة، ولكنَّ الأمر ليس كذلك؛ إذ إنَّه من الصعب للغاية التعامل مع القرارات التي تغير الحياة، وهذا خطأنا.

نحن البشر في معركة مستمرة مع أنفسنا؛ فإنَّنا طوَّرنا وهيَّأنا أنفسنا لتقليل المخاطر والحفاظ على التوازن الداخلي وضمان أن يكون عمرنا طويلاً؛ لذلك بطبيعة الحال - حتى في عالم القرن الواحد والعشرين - نميل إلى اتخاذ قرارات تحافظ على الوضع الراهن.

إنَّ اتخاذ قرار يغير حياتك من المرجح أن يؤثر في توازنك الداخلي أكثر من عدم اتخاذه؛ إذ تعلَّم البشر رفض المجهول وقبول المعلوم؛ وذلك لأنَّ المعلوم أكثر أماناً، لكن بكل صدق، يا لها من طريقة غبية لعيش الحياة.

نحن بحاجة إلى محاربة أعمق مخاوفنا التي انتقلت إلينا منذ ما يقرب من 200000 عام من التطور، فلسنا بحاجة إليهم بعد الآن؛ فمن النادر الآن أن يكون اتخاذ قرار ما مسألة حياة أو موت، وبدلاً من ذلك، فإنَّه خيار إمَّا أن تخرج من منطقة الراحة الخاصة بك أو أن تعيش الحياة بخنوع داخل الفقاعة التي لطالما عرفتها.

نحن بحاجة إلى شجاعة الاقتناع الشخصي؛ إذ إنَّنا نحتاج إلى معرفة أنَّه في بعض الأحيان لا يكون الضغط الخارجي فقط هو الذي يسبب الخوف من اتخاذ القرار؛ وإنَّما الضغط الداخلي أيضاً؛ ذلك الضغط الداخلي الذي لم يَعُد مبرراً في عالم اليوم.

وفي النهاية، هذا هو خيارك وليس خيار أي شخص آخر؛ فإنَّها حياتك وليست حياة أي شخص آخر؛ وإنَّها شجاعتك أيضاً، وهذه هي حياتك الوحيدة لتعيشها، لذا يجب أن تفعل ما يجعلك سعيداً.

المصدر




مقالات مرتبطة