السعادة قرار داخلي...!

أضعت سنوات من عمري، ألهث خلف النجاحات التي صورها لي المجتمع أنها ستمنحني السعادة إذا حصلت عليها، مال.. وظيفة.. شهادة.. إلخ، وكنت مثل كثيرين غيري أطارد الليل والنهار للوصول لتلك الأهداف التي ستجعل منك إنساناً سعيداً في نهاية المطاف، ولكن الصدمة الكارثية عندما تدرك الحقيقة التالية: السعادة قرار داخلي.. وليست قراراً خارجياً يتولد من مؤثرات (مال.. وظيفة.. إلخ). بمعنى أبسط، المال والجاه وغيرهما دون شك ستجعلك إنساناً (أكثر) سعادةً، لكنها (لوحدها) لن تضمن لك السعادة.



والدليل أنك قد تجلس مع رجل أعمال يزيد رصيده على 500 مليون ريال، ولكنه يعيش حياة قلقة مشتتة مبعثرة، لا ينام إلا بحبوب وعقاقير يصرفها له الطبيب، وفي المقابل تجد عاملاً في لواهيب أغسطس يغط في سبات عميق تحت كفرات القلابي (شاحنات القلاب)! عاش محمد صلى الله عليه وسلم أسعد حياة عرفها التاريخ وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع، ومات النبي الكريم ودرعه مرهون عند يهودي، لعدم امتلاكه صلى الله عليه وسلم مبلغاً مالياً لقوت أهله!

المقال لا يقلل من أهمية الكسب المالي والرفاهية والشهادات والطموح وعلو الهمة لتحقيق المناصب، ولا يفترض المقال كذلك أن الزهد هو خيار المسلم الأفضل.. لا هذا ولا ذاك، الفكرة بكل بساطة أن السعادة تبدأ بقرار داخلي أنّ كل ما حولك من منغصات، هي جزء من الحياة، قاومها بكل ما أوتيت من قوة، لكن لا تسمح لها أن تسلبك جمال وروعة الحياة، وتذكر في المقابل أنك إن لم يكن لديك رضى داخلي وقناعة بما كتبه الله لك فستظل تطارد سراب الأحلام حتى تموت، وتفوت على نفسك الاستمتاع بلحظات عمرك الجميلة.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة والسلام الداخلي

هذه الفلسفة الفريدة، هي من السنن الكونية الهامة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً، ولم تكتف الإشادة القرآنية بكلمة (خيراً) فقط، بل أردف بعدها (خيراً كثيراً) في قوله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)، الحكمة هي أن ترضى بوظيفة من الدرجة العاشرة، في حين يسخط آخر بوظيفة من الدرجة الأولى بمزايا مالية! وهذا من كمال عدل الله في الكون أنه لم يربط (السعادة) أو (الشقاء) بمعايير خارجية تحصل لإنسان دون آخر، كالمال والوجاهة والبيت الواسع، وإنما جعل مربط الفرس في أن السعادة قرار داخلي ليس له علاقة مطلقاً بالمؤثرات الخارجية. قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، إيمانك بالله.. هو قرار داخلي.. العمل الصالح.. هو قرار داخلي أنت تحدده.. الإيمان بقضاء الله وقدره.. هو قرار داخلي.. الاستمتاع رغم النتوءات في الحياة ولحظات الحزن التي لا تنتهي.. هو الآخر قرار داخلي. أرجوك.. (لحد) يلعب عليك ويربط السعادة بمؤثرات خارجية فقط.. أرجوك لا تكرر خطأ ارتكبه صاحبك، خصوصاً أن المجتمع ينفخ بشكل محموم ويربط بشكل مزعج السعادة والتقدم والهناء بمؤثرات خارجية، والذي رفع السماء بلا عمد إنها لن تصنع لوحدها منك إنساناً سعيداً!

 

المصدر: صحيفة مكة.




مقالات مرتبطة