الزواج ورحلة تطوّره من البدايات حتى يومنا هذا

إنً الأسباب التي تدفعنا للزواج مختلفة من شخص لآخر مثل: الزواج بدافع الحب، والزواج بدافع الإنجاب، أو حتى الزواج بدافع الاستقرار وتكوين عائلة، ولكن هل فكرت من قبل كيف نشأت فكرة الزواج!؟

إنّ ما توصل إليه العلماء من أبحاث مختلف تماماً عن الدوافع الحالية للزواج. فطبقاً لدراسات ألمانية وكندية أن ما دفع الإنسان القديم للزواج، أي بمعنى آخر العلاقة مع امرأة واحدة أو زوجة واحدة طول العمر كانت لتجنب الإصابة بالأمراض الجنسية المنقولة فقط. حيث أنّ انتشار الأمراض الجنسية وما كان لها من أثار سلبية على هذه المجتمعات القديمة أدى إلى التوجه الى الزواج الأحادي (أي بزوجة واحدة)، وذهب أستاذ الرياضيات الكندي كريس باوك وخبير السلوك الإنساني الألماني ريتشارد ماك إيلريث إلى تناول الموضوع من زاوية تطورية، وقاما بدراسته من خلال سلوك أول التجمعات البشرية قبل عشرات الألاف من السنين، وكيف أن انتشار الأمراض الجنسية المعدية قد أثر على تطوير المعايير الاجتماعية.



يقول كريس باوك: "أثّرت بيئتنا الطبيعية على مسار تحديدنا للمعايير الاجتماعية، وفي المقابل، تؤثر معاييرنا الاجتماعية على البيئة. وقد بدأنا ندرك ذلك بشكل متزايد".

يعتقد بأن الزواج نشأ في الفترة من 1.8 مليون إلى 23 ألف سنة، ويذهب البعض الى أن الزواج وجد أيضاً لتبادل المنفعة: الحماية مقابل الطهي مثلاً. وكان الزوجان يمكثان معاً عدة سنوات، ثم ينفصلان ليؤسس كل واحد منهما أسرة جديدة.

تطور مفهوم الزواج للإنسان البدائي (مرحلة الصيد والزراعة)

وفي هذه المرحلة اعتمد الانسان البدائي على الصيد وجمع الثمار، والتنقل من مكان لأخر ضمن مجموعات قليلة العدد، وكان العدد القليل من الرجال يحتكرون عملية التزاوج مع عدد كبير من النساء، وكانت الأمراض الجنسية بالتالي تميل لأن تكون قصيرة الأجل ولا تترك أثار ضارة دائمة.

لكن جاء اكتشاف الانسان للزراعة وبدء حجم المجتمعات يتزايد ويكبر، ونتيجة لذلك فإن العلاقات المتعددة سبّبت في انتشار واسع للأمراض المنقولة جنسياً، وهو مامثّل خطراً كبيراً على الرجال والنساء في تلك المرحلة نتيجة عدم توفر العلاج المناسب. الأمر الذي دفع الرجال للاكتفاء بعلاقة جنسية واحدة أي الاكتفاء بزوجة واحدة.

الزواج حول العالم خلال القرون الماضية

اختلفت الآراء حول الزواج وتطوّره مع الوقت وذلك مع اختلاف المجتمعات واختلاف البيئة، فمع تطوّر المجتمعات الإنسانية وبتأثير من السلطة الدينية تغير مفهوم الزواج وأصبح له شروط معينة وغدا أكثر تنظيماً. كما أنّ تعدّد الزوجات كان عادياً وشائعاً في عدة أماكن في العالم لقرون.

فعند اليهود كان التعدد شائعاً وقد أباحت الشريعة اليهودية الأساسية تعدّد الزوجات بمشيئة الرجل وحسب رغبته، وفي هذا قال المؤرخ نيوفلد في كتابه (قوانين الزواج عند العبرانيين والأقدمين) "إن التلمود والتوراة أباحا تعدد الزوجات على إطلاقه" لكن المجتمع الديني لكهنة اليهود أصدر قراراً بمنع تعدد الزوجات واكتفى بحق الرجل اليهودي بالاحتفاظ بزوجة واحدة. وعرف أنبياء اليهود تعدد الزوجات ومنهم سيدنا سليمان وإبراهيم ويعقوب.

وفي المسيحية لا يوجد في الأناجيل نص صريح يحرم تعدد الزوجات لكن بولس الرسول (مؤسس المسيحية) استحسن اكتفاء الرجل بزوجة واحدة. وحرمت الكنيسة تعدد الزوجات استناداً لقول سيدنا عيسى عليه السلام "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الأثنان جسداً واحداً".

وكان تعدّد الزوجات مقبولاً حتى عهد الإمبراطورية الرومانية حيث وضعت الكنيسة الرومانية قوانين بحصر عدد الزوجات في واحد فقط، وقد خاضت الكنيسة الكاثوليكية حرباً شرسة حتى حددت شرط الزواج بأن يكون أحادياً.

أمّا في الإسلام ذكر القرآن الكريم حكم زواج الرجال وهي السماح بتعدد الزوجات " فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وثلاث، ورباع " 3 - سورة النساء. ثم تلا هذا الاستثناء " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " - واكتفاء الرجل بزوجة واحدة هو الأكثر شيوعاً.

وقد أجرت جامعة ويسكونسون الأمريكية بحثاً في عام 1998 عن طبيعة الزواج في نحو ألف مجتمع تاريخي، ووجدت أن 186 مجتمعاً كان يشيع فيها الزواج الأحادي، و453 مجتمعاً كان فيها تعدد الزوجات بشكل عرضي، في حين كان 588 مجتمعاً يشيع فيها تعدد الزوجات بشكل كبير وأربع مجتمعات فقط عرفت تعدد الأزواج وقد تكون هذه الفكرة مستهجنة لدى الغالبية، لكنها وجدت في بعض المجتمعات لأسباب خاصة بها. فوجد تعدد الأزواج في التبت، وعند قبائل(الشيربا) و(التودا) في الهند، ولدى سكان جزر ماركيساس شرق بولينيزيا.

وتحظر قوانين بعض الدول الإسلامية مثل تركيا وتونس تعدد الزوجات واكتفاء الرجل بزوجة واحدة فقط، إضافة إلى منع تعدد الزوجات للرجال في قوانين دول كثيرة مثل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا.

إقرأ أيضاً: أهمية الزواج وطرق توطيد مشاعر الحب بين الزوجين

الزواج في القرن 21

مع استمرار التطور الاقتصادي والتجاري وثورة التكنولوجيا زاد حجم الأعباء والمتطلبات وتشعبت، مما دفع أفراد المجتمعات للعزوف عن الزواج هرباً من المسؤولية وتجنباً لهذه الأعباء التي أصبحت متزايدة يوماً بعد يوم، فالأعباء الاقتصادية التي فرضت نفسها على معيشة الناس حدت بشكل كبير من مستويات الزواج داخل المجتمع.

ففي بعض المجتمعات الغربية يفضلون التعايش مع الشريك دون التزام بالزواج أو بلا زواج، وفي مجتمعات أخرى عدم قدرة الشباب المادية وعدم قدرتهم على تحقيق مطالب أهل العروس: من غلاء مهور ونفقات زواج وغيرها من الأمور، إضافة لانتشار البطالة عند أغلب الشباب أو انخفاض الأجور.

وإذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال على فكرة الزواج فنلاحظ بأن ما يقارب نصف عدد البالغين في الولايات المتحدة متزوجون حالياً ونسبة النصف هذه تعتبر نسبة منخفضة بشكل واضح وهو ما يبين عدم تفضيل الكثير من الأمريكيين لفكرة الزواج.

ومن جهة أخرى ففي الدول العربية ارتفعت نسبة الفتيات العازبات (نفضل عدم استخدام كلمة عانس) بشكل متزايد، جاءت لبنان في المرتبة الأولى وهي النسبة الأعلى على الأطلاق في كل الدول العربية، وجاءت الأمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية، فيما احتلت العراق وسوريا المرتبة الثالثة وكان للحرب في هذين البلدين دوراً هاماً في ذلك.

ورغم اختلاف الأراء حول الزواج وتطور قوانينه مع الزمن نجد العديد في يومنا هذا من يفضل وضع العلاقة في إطار الزواج، وهناك من يفضل وضعها خارج الإطار القانوني أو الديني أو حتى الاجتماعي لها وهناك من يختار شكلاً أخر كتعدد الشريك في العلاقة الزوجية.

وأخيراً فإن الزواج من أجل إنشاء أسرة هو قضية هامة في حياة الكثيرين، حيث يجدون فيها علاقة متينة ويشعرون بالأمان مع شريك واحد.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح ذهبية لتكوين أسرة ناجحة وسعيدة

وبنظرة موضوعية وإحصائية فإنه على الرغم من تأخر الكثير من الأشخاص حول العالم في الأقدام على الزواج، لكن الزواج لا يزال يبدو الخيار الأكثر شعبية في معظم دول العالم.

 

وأنت عزيزي القارئ شاركنا هل تفضل الزواج أم العزوبية؟؟




مقالات مرتبطة