الذكاء العاطفي وعلاقته بالتوافق النفسي

الذكاء العاطفي، أو ما يُعرف بـ "القدرة على التحكم بالعواطف والمعلومات العاطفية والعواطف لتعزيز الفكر"، هام لفهم عواطفنا وعواطف الآخرين كي نتمكن من تعزيز العلاقات الشخصية. سنتحدث في هذه المقالة عن الذكاء العاطفي وعلاقته بالتوافق النفسي.



هل سبق لك أن فقدتَ السيطرة على نفسك وانفعلتَ في اجتماع، ثمَّ ندمتَ على الصراخ في وجه زميلك في العمل أو قول كلامٍ فظ أو لاذع لرئيسك في العمل؟ هل خضتَ جدالاً محتدماً مع شريكك، ثمَّ هدأَت أعصابك لاحقاً مما جعلك تتساءل لماذا تركتَ المشكلة الصغيرة التي كنتَ تواجهها تتفاقم؟ هل سبق لك أن اتخذتَ قراراً متسرعاً وأنت غضبان أو خائف أو مستاء، ثمَّ ندمتَ عليه لاحقاً؟ تَدُلُّ هذه المواقف جميعها على تدنِّي الذكاء العاطفي أو ضعفه.

يرتبط الذكاء العاطفي العالي بأداء مهني أفضل، والعمل الجماعي الفعال، وتوقُّد الإبداع، والبقاء في الوظيفة وقبول التغيير. أما بعيداً عن العمل، يتمتع الأشخاص الأذكياء عاطفياً غالباً بعلاقات شخصية أفضل مع عائلاتهم.

يميل الأشخاص الأذكياء عاطفياً - وفقاً لطبيبة علم النفس نيكولا سكوت (Nicola Schutte) وفريقها - إلى تقبُّل وجهات النظر والمراقبة الذاتية، كما أنَّهم أكثر تعاوناً ولديهم مهارات اجتماعية أفضل. ففي دراسة أُجرِيت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أظهر فريق سكوت (Schutte) أنَّ الأشخاص الذين لديهم شركاء أذكياء عاطفياً يكونون سعداء أكثر في حياتهم الزوجية ويتوقعون المزيد من الرضا في علاقاتهم في المستقبل.

أهمية الذكاء الانفعالي (العاطفي):

لكي ندرك أهمية الذكاء الانفعالي يجب أن نتوقف قليلاً عند ما قاله دانييل غولمان: " تحدد انفعالاتنا حدود أهليتنا على استعمال قدراتنا الذهنية الفطرية، وتبث في مصيرنا بالقدر الذي توسع أو تكبح هذه الانفعالات قدراتنا على التفكير والتخطيط والتعلم في أفق تحقيق هدف محتمل وحل مشكلة … كما تقودنا انفعالاتنا إلى النجاح بالقدر الذي نكون محفزين بالحماسة والمتعة التي نحصل عليها مما نقوم به. وبهذا المعنى يعتبر الذكاء الانفعالي الكفاءة الرئيسية المؤثرة بعمق على باقي الكفاءات، وذلك بتنشيطها أو كبحها".

لو تمعّنا القراءة فيما يقوله غولمان نجد أنّ تحديد مصيرنا في الحياة، وحل مشكلاتنا، وتحقيق أهدافنا والنجاح في أعمالنا، كلها مرهونة بمدى امتلاكنا لمهارات الذكاء الانفعالي الذي يعدّ الكفاءة الأساسية التي يجب أن تكون لدينا من أجل تحقيق كل ما سبق، ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة للذكاء الانفعالي، وأهمية اكتساب مهاراته وتعزيز تلك المهارات من خلال مراقبة العواطف والمشاعر والانفعالات، وإدارتها بشكل صحيح.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

الذكاء العاطفي وعلاقته بالتوافق النفسي:

يدرك الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي أربعة أمور هامة هي:

1. القدرة على استقراء عواطف الآخرين:

هذا صعب خاصة عند التعامل مع أشخاص لا يحبون إظهار العاطفة، فمِن السهل معرفة أنَّ الشخص يشعر بالحزن عندما يبكي، لكن كيف يمكِنك معرفة أنَّه حزين إن لم يظهر عليه الحزن؟ يستطيع الأشخاص الأذكياء عاطفياً استقراء العواطف نتيجة الممارسة.

إقرأ أيضاً: كيف يتعامل الأذكياء عاطفياً مع الأشخاص السلبيين؟

2. القدرة على فهمِ عواطفهم وتنظيمها:

يُعبِّر الأذكياء عاطفياً عن عواطفهم، بدلاً من كبتها أو عدم معرفة أيِّ نوع من العواطف هي أو إقصائها، فلا بُدَّ من تنظيم تلك العواطف، وهذا يعني أن تكون قادراً على إرجاء شعورك بالانزعاج من رئيسك في العمل حتى انتهاء الاجتماع؛ لأنَّك تعي عواقب إظهار مشاعرك حال حدوثها، كما يعني أيضاً الحفاظ على رباطة جأشك أمام عائلتك عند مرضِ أحد أفرادها حتى لو كان الحزن يعتصر قلبك والخوف يؤرقك.

3. إدراك أنَّ الأفكار هي مصدر العواطف:

يدرك الأذكياء عاطفياً أنَّ الفكر هو منبت العاطفة، ولكي يستطيعوا التوصُّل بسهولةٍ إلى الأفكار والسيطرة عليها يجب أن تكون لديهم القدرة على تقليل حدَّة عواطفهم، حيث يمكِن أن تعزز الحالة المزاجية والمشاعر أيضاً أنماطاً معيَّنة من التفكير، فتدرك أنَّك أكثر قدرةً على التعامل مع الصراع عندما تكون هادئاً، واتخاذ القرارات عندما لا تكون منزعجاً.

4. يفهم الأشخاص الأذكياء العلاقة بين أفعالهم وردود الفعل العاطفية للآخرين:

يعي الأذكياء أنَّ الإخلال بوعودهم سيؤذي مشاعر الآخرين. ويُعدُّ تعزيز الذكاء العاطفي مَهمةً صعبة، لكنَّه طريقة مذهلة لتحسين علاقتك بالأشخاص من حولك. وإنَّ مراقبة أفكارك هي إحدى طرائق بناء الذكاء العاطفي، فقط راقِب كيف ترتبط أفكارك بعواطفك خلال يومك، حيث تعزز الأفكار إطلاق مواد كيميائية في الدماغ تؤجج مشاعرنا تجاه الأشياء، وبمجرد أن تلاحظ الارتباط، ستستطيع الحد من العواطف السلبية التي تعصف بك عبرَ تقويض قوة الأفكار التي تسببُ تلك العواطف السلبية، وكذلك التركيز على زيادة كمِّ الأفكار المرتبطة بالعواطف الإيجابية لديك.

ابحث عن الأمور الأنسب لتهدئة انفعالك وطبِّقها، سواء كان الجري، أم التنزه، أم الاجتماع بالأصدقاء، أم اليوغا، أم ممارسة التأمل.

إقرأ أيضاً: اختبار الذكاء العاطفي (الانفعالي)

في الختام:

إن كنتَ تعاني من وجود شخص صعب المراس أو سلبي في محيطك لكنَّك مضطر للتعامل معه يومياً، فكن مُبادِراً في تفاعلاتك معه، وقبل أن تبدأ النقاش معه، ركِّز على الإيجابيات التي يمكِن أن تتمخَّض عن المحادثة، واحرص على أن تكون إيجابياً قبل لقائه، ولا تسمح له بجرِّك إلى السلبية.

المصدر




مقالات مرتبطة