الذاكرة قصيرة الأمد: مدتها وسعتها

إنَّ الذاكرة قصيرة الأمد -التي تُعرَف أيضاً بالذاكرة الأساسية أو الذاكرة النشطة- هي الذاكرة التي ندركها أو نفكر بها حالياً، وتأتي المعلومات المتواجدة نتيجة انتباهنا إلى الذكريات الحسية.



لمحة سريعة:

  • الذاكرة قصيرة الأمد قصيرة جداً: إذا لم يجري التدرب على الذكريات قصيرة الأمد وتكرارها والاحتفاظ بها أولاً بأول، فلن تدوم هذه الذكريات سوى بضع ثوانٍ فقط.
  • الذاكرة قصيرة الأمد ذات سعة محدودة: إنَّه لمن المتعارف عليه أنَّ الذاكرة قصيرة الأمد يمكن أن تتسع لسبع عناصر وسطياً.

مدة الذاكرة قصيرة الأمد:

تُخزَّن معظم المعلومات الموجودة في الذاكرة قصيرة الأمد لمدة تتراوح من 20 إلى 30 ثانية تقريباً، ولكن قد لا تتعدى هذه المدة ثواني قليلة جداً إذا لم نتدرب ونكرر هذه المعلومات للاحتفاظ بها بفاعلية.

يمكن أن تصل مدة بقاء بعض المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد إلى دقيقة واحدة، ولكنَّ معظم المعلومات تضمحل تلقائياً وبسرعة كبيرة.

على سبيل المثال: تصور أنَّك تحاول تذكرَ رقم هاتف معين، وهناك شخص آخر يقرأ الرقم بسرعة، فتدون أنت ملاحظة ذهنية سريعة، لتدرك بعد لحظات أنَّك نسيت الرقم.

يحدث ذلك ببساطة لأنَّه دون التمرن أو الاستمرار في تكرار الرقم حتى يُحفَظ في الذاكرة، تُفقَد المعلومات بسرعة من الذاكرة قصيرة الأمد.

يمكنك زيادة مدة الذكريات قصيرة الأمد إلى حد ما باستخدام استراتيجيات تدريبية مثل قراءة المعلومات بصوت مرتفع، أو تكرارها ذهنياً؛ ومع ذلك، فإنَّ المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد مُعرَّضة إلى التداخل بشدة، ويمكن لأي معلومات جديدة تدخل حيز الذاكرة قصيرة الأمد أن تطرد المعلومات القديمة، كما يمكن أيضاً للعناصر المتشابهة في البيئة أن تتداخل مع الذكريات قصيرة الأمد.

رغم أنَّنا ننسى معظم ذكرياتنا قصيرة الأمد بسرعة، إلَّا أنَّ مرور المعلومات بهذه المرحلة هام للانتقال إلى المرحلة التالية التي تتمثل بالذاكرة طويلة الأمد.

شاهد بالفيديو: 11 وسيلة لتعزيز القدرات العقلية والذاكرة والتحفيز

سعة الذاكرة قصيرة الأمد:

تتفاوت كمية المعلومات التي يمكن تخزينها في الذاكرة قصيرة الأمد، ولكنَّ الرقم الذي يُستشهَد به غالباً هو سبعة عناصر أقل أو أكثر بقليل، وذلك بناءً على تجربة مشهورة حول الذاكرة قصيرة الأمد.

أشار عالم النفس "جورج ميلر" (George Miller) في ورقة بحثية مؤثرة بعنوان "الرقم سبعة السحري، زائد أو ناقص اثنان" أنَّ الناس يمكنهم تخزين ما بين خمسة إلى تسعة عناصر في الذاكرة قصيرة الأمد؛ بينما وجد بحث أحدث أنَّ الناس قادرون على تخزين نحو أربع كتل أو أجزاء من المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن الذاكرة البشرية وقدراتها وطرق تقويتها

التمييز بين الذاكرة قصيرة الأمد والذاكرة النشطة:

يُستخدَم مصطلح الذاكرة قصيرة الأمد بصورة مغلوطة أحياناً بينه وبين مصطلح الذاكرة النشطة، ولكن يجب توصيف كل ذاكرة بشكل مستقل عن الأخرى؛ إذ تشير الذاكرة النشطة إلى العمليات التي تُستخدَم لتخزين المعلومات وتنظيمها ومعالجتها مؤقتاً، بينما تشير الذاكرة قصيرة الأمد فقط إلى التخزين المؤقت للمعلومات في الذاكرة.

التمييز بين الذاكرة قصيرة الأمد والذاكرة طويلة الأمد:

غالباً ما يستخدم الباحثون في مجال الذاكرة ما يُطلَق عليه "نموذج المخازن الثلاثة" لتوضيح مفهوم ذاكرة الإنسان، حيث يشير هذا النموذج إلى أنَّ الذاكرة تتألف من ثلاثة مخازن أساسية: حسية، وقصيرة الأمد، وطويلة الأمد؛ والتي يُميَّز فيما بينها بناءً على سعة التخزين ومدته.

وفي حين أنَّ الذاكرة طويلة الأمد تتمتع بسعة ظاهرية غير محدودة تمتد لسنوات، تكون الذاكرة قصيرة الأمد قصيرة نسبياً ومحدودة؛ ويؤدي تقسيم المعلومات إلى مجموعات صغيرة إلى تسهيل تذكر مزيد من العناصر لمدة قصيرة.

من ناحية معالجة المعلومات، يُنظَر إلى الذاكرة البشرية كأنَّها جهاز كمبيوتر، حيث تدخل المعلومات أولاً في الذاكرة قصيرة الأمد (مخزن مؤقت للأحداث الأخيرة)، ثمَّ تنتقل بعض هذه المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد (مخزن دائم نسبياً)؛ تماماً كما يجري نقل المعلومات من ذاكرة جهاز الكمبيوتر إلى القرص الصلب.

كيف تحول الذكريات قصيرة الأمد إلى ذكريات طويلة الأمد؟

بما أنَّ الذاكرة قصيرة الأمد محدودة من حيث السعة والمدة، يتطلب الاحتفاظ بالذكريات نقل المعلومات من المخازن قصيرة الأمد إلى مخازن الذاكرة طويلة الأمد؛ لكن كيف يحدث هذا بالضبط؟

هناك عدة طرائق مختلفة يمكن من خلالها إرسال المعلومات وإيداعها في الذاكرة طويلة الأمد، وما تزال الآليات الدقيقة لكيفية نقل الذكريات من المخازن قصيرة الأمد إلى المخازن طويلة الأمد موضع خلاف، ومن النماذج المقترحة لتفسير ذلك وتوصيف هذه العملية:

1. نموذج اتكينسون شيفرين (Atkinson-Shiffrin):

رأى النموذج الكلاسيكي المعروف بنموذج "اتكينسون شيفرين" (Atkinson-Shiffrin) أو النموذج متعدد الوسائط، أنَّ جميع الذكريات قصيرة الأمد تُنقَل تلقائياً إلى الذاكرة طويلة الأمد بعد فترة زمنية معينة.

2. نموذج التقسيم:

يُعدُّ التقسيم تقنية حفظ تسهل نقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد، ويتضمن هذا النهج تقسيم المعلومات إلى أجزاء أصغر؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت تحاول حفظ سلسلة من الأرقام، قسِّمها إلى ثلاث أو أربع كتل.

3. نموذج التدريب والتكرار:

قد تساعد مراجعة المعلومات وتكرارها أيضاً في نقل هذه المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد، وربَّما تستخدم هذا النهج عند دراسة المواد للامتحان؛ إذ يمكنك بدلاً من مجرد مراجعة المعلومات مرة أو مرتين مراجعة ملاحظاتك عدة مرات حتى يجري إرسال وإيداع المعلومات الهامة في الذاكرة.

لقد رأى باحثون آخرون في الآونة الأخيرة أنَّ بعض عمليات التحرير الذهنية تحدث، وأنَّه يجري اختيار ذكريات معينة فقط للاحتفاظ بها على الأمد الطويل؛ ومع ذلك، يشكك باحثون آخرون في فكرة وجود مخازن منفصلة للذكريات قصيرة الأمد والذكريات طويلة الأمد.

4. ممارسة التمرينات الرياضية:

أظهرت الأبحاث الحديثة أنَّ التمرينات الرياضية قد تساعد أيضاً في تحسين الذاكرة قصيرة الأمد، حيث وجدت إحدى التجارب أنَّ ممارسة الفئران المصابة بمرض ألزهايمر رياضة المشي على جهاز المشي أدت إلى تحسينات في الذاكرة قصيرة الأمد من خلال زيادة تكوين الخلايا العصبية، مقدمة بذلك الأمل في إيجاد طرائق جديدة تخفف بعض الأعراض المرتبطة بمرض ألزهايمر.

إقرأ أيضاً: 6 فوائد صحيّة تمنحها الرياضة للعقل

الخلاصة:

تؤدي الذاكرة قصيرة الأمد دوراً حيوياً في تشكيل قدرتنا على العمل في العالم من حولنا، لكنَّها محدودة من حيث السعة والمدة.

قد تؤثر بعض الأمراض والإصابات أيضاً في القدرة على تخزين الذكريات قصيرة الأمد، وكذلك في القدرة على تحويلها إلى ذكريات طويلة الأمد؛ ولكن مع استمرار الباحثين في اكتشاف مزيد عن العوامل التي تؤثر في الذاكرة، قد تظهر طرائق جديدة للحفاظ على سلامة الذاكرة قصيرة الأمد، وتحسينها.

المصدر




مقالات مرتبطة