الدوران الوظيفي: خطر يهدد الشركات فكيف يمكن تجنبه؟

"الموظف هو أهم أصول أي شركة" مقولة هامة يجب أن تكون شعار كل شركة؛ إذ يُعَدُّ العنصر البشري أهم مورد من موارد الشركة أو المنظمة، فهو مفتاح نجاحها أو فشلها وهو من ينجز الأعمال وينفذ المهام وهو من يُمثِّل الشركة أمام عملائها، وكلما كانت الشركة ذكية في إرضائه نجحت في المحافظة عليه، لكن للأسف ما تزال اليوم بعض الشركات والمؤسسات لا تعي أهمية الموظف للشركة وتتعامل معه بوصفه عنصراً ثانوياً وتهمله وتصب اهتمامها على العملاء والتسويق والتطوير وبراءات الاختراع، وتكون النتيجة موظفاً غير سعيد وغير راضٍ ليس لديه حافز للعمل، وهنا نصل إلى الأخطر من ذلك وهو "الدوران الوظيفي".



أولاً: الدوران الوظيفي (Turnover Employee)

هو مصطلح يشير إلى نسبة الموظفين أو العمال الذين غادروا المنظمة أو الشركة طواعيةً وإرادياً؛ أي هو معدل فقدان العمالة خلال فترة زمنية محددة، ويتم حساب معدل الدوران الوظيفي من خلال المعادلة الآتية: "عدد الموظفين الذين غادروا الشركة خلال الفترة/ عدد الموظفين الموجودين في الشركة في بداية الفترة * 100"، ويُعَدُّ معدل الدوران الوظيفي مؤشراً على وجود خلل في الشركة وخاصة في أدائها الإداري، ومدى قدرتها على الاحتفاظ بموظفيها.

ثانياً: أنواع الدوران الوظيفي

يوجد أربعة أنواع للدوران الوظيفي:

  1. الدوران الطوعي: وهو مغادرة الموظف للشركة أو المنظمة طواعية دون أي ضغط من أي قوى داخلية أو خارجية.
  2. الدوران غير الطوعي: وهو طرد الموظف من الشركة أو إنهاء خدمته بشكل إجباري من قِبل الإدارة.
  3. معدل الدوران المرغوب: وهو فصل الموظف ضعيف الأداء واستبداله بموظف أكثر كفاءة.
  4. معدل الدوران غير المرغوب فيه: وهو فقدان الموظف الأفضل أداءً الذي يصعُب استبداله بشخص من نفس الأداء.

ثالثاً: أسباب الدوران الوظيفي

يمكن تلخيص أهم أسباب الدوران الوظيفي فيما يأتي:

1. غياب الأمان الوظيفي:

عندما يفتقد الموظف إلى الأمان الوظيفي ويشعر بأنَّه يعمل دون ضمانات وأنَّه مُهدَّد بأيَّة لحظة بإنهاء خدمته، يجعله هذا القلق يفكر في مغادرة عمله والبحث عن عمل أكثر ضماناً.

2. غياب التحفيز المادي والمعنوي:

يحتاج الموظف إلى التحفيز المعنوي بالترقية والدعم المعنوي والتشجيع بالتكريم والأوسمة، وإلى التحفيز المادي بالحوافز والمكافآت المادية، ويؤدي عدم توفر التحفيز بنوعيه المادي والمعنوي إلى غياب الدافع للعمل لدى الموظف وبحثه عن فرصة عمل أخرى.

3. فرص النمو غير متوفرة:

عندما يجد الموظف نفسه في ذات الوظيفة لفترات طويلة وأنَّ الشركة التي يعمل لديها لا تهتم بتوفير فرص للنمو والتطور والانتقال إلى وظائف أعلى، حينها سيشعر بالإحباط ويفقد حماسته للوظيفة ويبدأ بالبحث عن مكان عمل آخر.

4. بيئة العمل السامة، ومن أهم مؤشراتها:

  • ساعات العمل الطويلة وعدم وجود توازن بين العمل وحياة الموظف الشخصية.
  • المحسوبيات والتمييز بين الموظفين على اعتبارات غير مهنية.
  • جو العمل المشحون بالغيرة ولجوء الإدارة إلى استخدام الموظفين بوصفهم جواسيس على بعضهم بعضاً.
  • الراتب لا يكافئ الجهد المبذول.

5. عدم الاحترام:

من أهم أسباب الدوران الوظيفي عدم شعور الموظف بالاحترام من قِبل المسؤولين عنه أو من قِبل المدير، فأي إنسان لن يقبل بالمساس بكرامته أو إهانته وتوبيخه بطريقة غير لائقة، وثمة مقولة شهيرة تقول: "لا يستقيل الموظفون من الشركات؛ بل من مديريهم".

6. عدم التقدير:

يُحب كل فرد منا أن يُقدَّر عمله ويُعترَف بجهوده ومكافأته عليها، وعندما لا تُقدِّر الشركة موظفيها ولا تعترف بجهودهم، سيشعر هذا الموظف بالإحباط والنفور من العمل ويسعى إلى مغادرته.

7. اختيار غير دقيق للموظفين:

عندما لا تهتم الشركة بعملية اختيار الموظف وكم هو مناسب للوظيفة ولطبيعة العمل، ستكون النتيجة عدم توافق هذا الموظف مع الوظيفة ومن ثمَّ تركها.

8. عدم المشاركة:

يؤدي أسلوب فرض الأوامر على الموظف وعلاقة الرئيس والمرؤوس وعدم السماح له بالمشاركة في اتخاذ القرار أو التعبير عن رأيه إلى شعوره بعدم الرضى وبالسخط واليأس ومن ثمَّ التفكير في مغادرة الشركة.

9. أسباب قهرية:

مثل الموت أو الإصابات والحوادث أو بلوغ سن التقاعد.

رابعاً: مخاطر الدوران الوظيفي على الشركة

ينعكس الدوران الوظيفي سلباً على الشركة وقد يؤدي إلى فشلها؛ وذلك للأسباب الآتية:

  1. ينتج عن الدوران الوظيفي وخسارة الموظفين تحمُّل الشركة لتكاليف إضافية في البحث عن موظفين جدد وتدريبهم، فحسب تقدير الخبراء، إنَّ تكلفة العثور على موظف بديل وتدريبه، تزيد عن ضعف راتب الموظف لديها.
  2. ينتج عن الدوران الوظيفي خسارة الموظفين ذوي الخبرات والأقدر على فهم الشركة وطبيعتها، واستبدالهم بموظفين جدد لا يمتلكون الخبرة اللازمة.
  3. يشابه تأثير الدوران الوظيفي تأثير الدومينو في الموظفين؛ إذ تؤثر مغادرة الموظفين في الروح المعنوية لباقي الموظفين؛ لذا يبدؤون بالتساؤل عن أسباب ترك زملائهم للعمل وتهتز ثقتهم بالشركة.
  4. يؤثر الدوران الوظيفي سلباً في سمعة الشركة؛ وهذا ما يجعل الأشخاص غير راغبين في التقدم للعمل لديها.
  5. يتراجع الأداء والإنتاج بسبب خسارة الموظفين، ومن ثمَّ الأرباح وقيمة الشركة في السوق.

شاهد بالفديو: 7 خطوات ترفع روحك المعنوية

خامساً: طرائق تقليل الدوران الوظيفي

يمكن للشركات تقليل الدوران الوظيفي لديها، من خلال مراعاة النقاط الآتية:

1. اختيار الموظفين المناسبين:

يجب أن تكون عملية اختيار الموظفين دقيقة ومدروسة والقيام بها من قِبل فريق متخصص بالموارد البشرية؛ وذلك لاختيار موظفين مناسبين للعمل منسجمين مع ثقافة الشركة.

2. احترام الموظف:

من أهم أسباب بقاء الموظف في الشركة أو مغادرتها هو الاحترام، فعندما تتعامل الشركة مع موظفيها باحترام ولباقة وتتعاطف معهم وتتفهم ظروفهم، تكسب رضاهم ورغبتهم في الاستمرار معها.

3. تشجيع الإبداع:

يقول "ستيف جوبز": "ليس من المنطقي توظيف أشخاص أذكياء ثم إخبارهم بما يجب عليهم فعله، فنحن نوظف أشخاصاً أذكياء حتى يتمكنوا من إخبارنا بما يجب القيام به"؛ لذا عندما يكون الموظف موهوباً فإنَّه يبحث عن بيئة عمل داعمة وتشجع الإبداع، ويهرب من أيَّة بيئة روتينية وتقليدية تقتل الإبداع، فالشركة التي تريد المحافظة على موظفيها لا بد أن تهتم بإنشاء بيئة مشجعة على الإبداع والابتكار.

4. روح الفريق:

من أهم مقومات بيئة العمل الجذابة للموظفين هي الشعور بأنَّهم فريق عمل واحد وأسرة واحدة من أصغر موظف إلى المدير، فالكل يحترم الآخر وينظر إليه على أنَّه مُكمِّل له، حينها سيزيد ولاءهم للعمل وللشركة حتى لو عُرضت عليهم فرص عمل أفضل.

5. المشاركة في اتخاذ القرار:

من أسوأ بيئات العمل هي البيئة التي تسيطر الإدارة فيها على كل صغيرة وكبيرة، ويشعر الموظف فيها أنَّه داخل سجن وعليه تنفيذ الأوامر فقط، ويصبح منتظراً للحظة التي يتحرر منه، وعلى النقيض من ذلك، عندما تكون بيئة العمل مريحة ومرنة وتفسح الإدارة فيها المجال للموظفين للمشاركة في اتخاذ القرار من خلال التفويض ومنح الصلاحيات وعقد الاجتماعات للتشاور وإبداء الآراء، سيشعر موظفوها بالولاء لها والرغبة في الاستمرار لديها.

إقرأ أيضاً: ما هو التفويض؟ وكيف يعزز إدارة الفرق؟

6. تقدير الموظف:

أكثر ما يُحبِط الإنسان هو عدم تقدير جهوده؛ لذا فالشركة التي تريد المحافظة على موظفيها لا بد أن تُقدِّر جهودهم وتُثني عليها بالكلام الإيجابي والتكريم والمكافآت.

7. الراتب المُكافِئ للجهد:

الأمان المادي هو ما يبحث عنه الموظف عند بحثه عن العمل؛ وهذا ما يجعله يفضل شركة عن أخرى، فمن أهم عوامل نجاح الشركة في المحافظة على موظفيها هو الراتب الذي يكون كافياً لضمان مستوى معيشي كريم لهم ويكافئ الجهد والوقت الذي يقدمونه للعمل.

8. عدم ضغط الموظف:

ضغط العمل والإرهاق هو من أكثر الأسباب التي تجعل الموظف يكره عمله ويفكر في تركه ولو كان يحصل على راتب عالٍ، فحتى تحافظ الشركة على موظفيها يجب أن تحرص على عدم إرهاقهم وإبقائهم في حال من الضغط النفسي دائماً؛ إذ تؤكد الأبحاث أنَّه كلما زاد ضغط العمل انخفضت إنتاجية الموظف وزادت الأخطاء وقلَّت رغبته في العمل.

9. الاحتفاء بالنجاح:

أي نجاح تحققه الشركة يجب أن يتم الاحتفاء به بشكل جماعي بدعوة جميع الموظفين والتأكيد على أنَّهم جميعاً شركاء في هذا النجاح.

سادساً: أمثلة عن شركات عالمية تحافظ على موظفيها

سنستعرض أهم الشركات العالمية التي نجحت في الحفاظ على موظفيها وتقليل الدوران الوظيفي:

1. غوغل (Google):

تُعَدُّ "غوغل" من الشركات التي تهتم بموظفيها بشكلٍ لافت وتقدم لهم العديد من المزايا بدءاً من مكتب صديق للكلاب إلى المكافآت المالية العالية.

2. فيسبوك (Facebook):

تُركز شركة "فيسبوك" على موظفيها وتستثمر في تطويرهم وتَعُدُّهم فريقاً واحداً، وكثيراً ما تم رصد تجوُّلهم جنباً إلى جنب مع الرئيس التنفيذي "مارك زوكربيرج" في الحرم الجامعي الكبير.

3. أدوبي (Adobe):

تتعامل "أدوبي" مع موظفيها بقدر كبير من الثقة وتسمح لهم العمل باستقلالية.

4. تويتر (Twitter):

تهتم شركة "تويتر" بموظفيها بحيث تخلق لهم توازناً بين حياتهم الشخصية والعمل، فهي تشجعهم على أخذ الإجازات وتقدم لهم وجبات الطعام مجاناً.

سابعاً: قصة "جنرال موتورز" درس مُلهم في "الإدارة المنفتحة"

تقوم "جنرال موتورز" هذه الشركة الأمريكية العملاقة في الصناعة بعادة غريبة، وهي أنَّها كلما مرَّت في مأزق وضاقت الأمور على الموظفين، يتم الاجتماع بهم في قاعة اجتماعات كبيرة، ويُعرض عليهم فيلم قديم عن الشركة يعود إلى عام 1991.

يحكي الفيلم عن مرور الشركة بعجز كبير وحينها بدأت تتجه إلى إغلاق بعض مصانعها وتسريح بعض العمال، ثم يظهر مشهد للمدير التنفيذي تلك الفترة وهو يقول بلهجة حاسمة عن مصنع الشركة في مدينة "ويلمنغتون بديلاوير": "إنَّ هذا المصنع سوف يغلق أبوابه في غضون 3 سنوات ولا يوجد أيَّة إمكانية لإعادة النظر في هذا القرار أو إبطاله".

ثم بعد هذا المشهد يظهر المدير العام للمصنع المُقرر إغلاقه واقفاً أمام العمال المُحبَطين وهو يقول لهم: "حسناً، ربما لن نستطيع أن نقنع الإدارة بأن يعيدوا النظر في قرار غلق المصنع، ومن الواضح أنَّنا لن نستطيع إنقاذ المصنع، ولكنَّنا نستطيع أن نفعل شيئاً آخر وهو أن نجعلهم يشعرون بأنَّهم أغبياء لأنَّهم اتخذوا مثل هذا القرار".

المفاجأة كانت في الثلاث سنوات اللاحقة لهذا الخطاب؛ إذ حصل تفجير في طاقات ومهارات العمال، وبات كل منهم يعمل بأقصى طاقته لتطبيق ما قاله مديرهم بجعل الإدارة تعيد النظر وتندم على قرار إغلاق المصنع، فانتشرت السيارات التي ينتجها المصنع في السوق وذاع صيتها وجودتها، وباتت تُطلَب بشكل خاص، وهكذا بعد 3 سنوات أعلنت الإدارة العليا لـ "جنرال موتورز" بأنَّها "أعادت النظر في هذا القرار وأبطلته".

هنا يظهر نجاح فكرة "الإدارة المنفتحة" في الإدارة، وهي القضاء على سطوة الإدارة الفردية وإصدار الأوامر وإشعار الموظف أو العامل بأنَّه جزء من المكان وأنَّه مسؤول عنه وليس مجرد موظف يُنفذ الأوامر فقط.

يُعَدُّ مفهوم "الإدارة المنفتحة" الأساس في نجاح الكثير من الشركات المميزة، ويقوم هذا المفهوم على تمكين الموظف من معرفة معلومات عن الشركة عموماً، وليس حصره بعمله فقط، كمعرفة أهداف الشركة وميزانيتها والمشكلات التي تواجهها، وإشعاره بأنَّه يملك المكان وأنَّ الشركة مسؤوليته، والسماح له بالمشاركة في إبداء الرأي واقتراح الحلول وحتى الحصول على أسهم ملكية في الشركة.

من الأمثلة عن "الإدارة المنفتحة"، الحملة التي أطلقتها الخطوط الجوية الأمريكية لمدة 3 أشهر لفسح المجال أمام موظفيها لتقديم أي اقتراح يخطر على بالهم بشأن تطوير الشركة، وتم اختيار 1600 اقتراحاً قابلاً للتطبيق، وكانت النتيجة زيادة إيرادات الشركة بمبلغ 20 مليون دولاراً وتوزيع ربعها مكافآت للموظفين الذين ارتفع الرضى الوظيفي لديهم نتيجة الانفتاح الذي تعاملت به الشركة معهم.

إقرأ أيضاً: 18 درساً عن النجاح تستطيع تعلّمها من ستيف هارفي

في الختام: لا يكفي الراتب الجيد فقط

يقول الكاتب الاقتصادي الأمريكي "بيتر دراكر": "لم يعد كسب العيش كافياً، فيجب أن يصنع العمل أيضاً الحياة، فإذا كنت ترغب في الاحتفاظ بأشخاص صالحين، فإنَّ عملهم يحتاج إلى تزويدهم بالمعنى - الإحساس بأنَّهم يفعلون شيئاً هاماً - وأنَّهم يقررون مصيرهم، وفي نهاية المطاف من المرجَّح أن تكون هذه الاحتياجات النفسية أكثر أهمية وربما أكثر أهمية من الراتب الذي تدفعه".

إذاً لا يكفي الراتب الجيد للمحافظة على الموظف، فهو إنسان من عقل وعاطفة ويحتاج إلى إشباع حاجاته النفسية والإنسانية من الشعور بالأمان الوظيفي والاحترام والتقدير والأهمية، وفتح المجال له للتعبير عن أفكاره، ومنحه فرصاً للنمو والتطور، والتعاطف معه في ظروفه الشخصية، والتعامل معه على أنَّه جزء أساسي من الشركة وشريك في النجاح، وحينها ستحظى الشركة بولائه لها وعدم مغادرته ولو حصل على فرص أفضل لدى غيرها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة