الخوف من المجهول وشبح المستقبل

أتعاني من القلق بشأن مستقبلك؟ أليس كلُّ ما تفعله الآن هو بمثابة تمهيدٍ لطريقك نحو المستقبل؟ لطالما حلمتُ بمستقبل رائعٍ عندما كنت صغيراً، ورحتُ أتخيَّل أنَّني أملك مالاً وشهرةً وأشغل منصباً مرموقاً، وكنت أشعر أنَّني لن أحسَّ بالسعادة الحقيقية إلَّا عندما أتخلَّص من قيود مرحلة الطفولة؛ لذا كنت أقول دائماً أنِّي عندما أكبر سأفعل كذا وكذا.



تغيَّر تفكيري بعد أن كبرت، وراقبت عقلي وهو يقول لي: أنت الآن في المستقبل الذي كنت تحلم به في صغرك، فأين ما كنت تتطلَّع إليه من منصبٍ ومال؟ لقد بدأ عقلي يتحوَّل إلى حكيمٍ يعطيني درساً في الحياة، مفاده: أنَّ المستقبل مجهول، وأنَّ ما أحلم به صعبُ المنال، بل يكاد أن يكون مستحيلاً.

شعرت بالخوف الشديد والرهبة من هذا المستقبل، وتغيَّرت صورته في عقلي، وبدأت أفكِّر فيه بنوعٍ من القلق والخوف من المجهول، وتساءلت: أين ذهب شغفي؟ وأين ذهبت أحلامي التي كنت أرسمها لمستقبلي؟

لكن، توقَّفت للحظةٍ وسط كلِّ هذا الخوف والأفكار المظلمة، وقلت لنفسي: "أنا الذي يسيطر على عقلي وليس العكس، وهذه مجرَّد أفكارٍ سلبيةٍ غير حقيقية، بدليل أنَّني أملك الآن على الأقل 40% ممَّا كنت أحلم به، وأنا في طريقي إلى تحقيق أحلامي وشغفي".

تبدَّلَ تفكيري هنا تماماً، وبدأت تكسير كلِّ أصنام الخوف الراسخة في عقلي، وتصدَّيت لكلِّ الأفكار السلبية بقوَّة؛ وكانت هذه نقطة التحوُّل للعودة مرةً أخرى إلى أحلامي وشغفي، والعيش بالسعادة والوفرة الحقيقية.

لذا سنتحدَّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن:

1- التخلُّص من الأفكار السلبية (فلتِر عقلك):

يستقبل الإنسان 60 ألف فكرةٍ يومياً، ويعدُّ 80% من هذه الأفكار أفكاراً سلبيةً تعمل ضدَّ الإنسان بشكلٍ كامل، ويسبِّب 75% منها أمراضاً مزمنة.

إليكَ طرائق بسيطة ومجرَّبة لتتخلَّص من أفكارك السلبية:

-  وجِّه أمراً إلى عقلك بإلغاء الفكرة:

عندما تواجه أفكاراً تُحبِط عزيمتك وتُشعِرك بالكسل وتُحدِّثك عن مواقف محزنةٍ من الماضي، أو أشخاصاً سلبيين لا تحبُّ تذكُّرهم؛ قل كلمة (ألغِ)، ثمَّ فكِّر في أيِّ شيءٍ إيجابيٍّ حدث معك في ماضيك أو حاضرك، أو كنت تطمح إلى صنعه في مستقبلك.

يتوقَّف عقلك اللاواعي عن توليد الأفكار السلبية؛ لأنَّك أمرته بإلغاء هذه الأفكار، إذ إنَّ كلمة (ألغِ) مسجَّلةٌ في ملفات ذاكرتك بمعنى أنَّها أمرٌ معيَّن؛ لذا فقد ألغى عقلك الفكرة السلبية، وتوقَّفَ عن التفكير فيها حينئذٍ؛ لأنَّك نجحت بالتحكُّم به، وعندما أعطيته فكرةً جديدةً إيجابية، بدأ بالعمل عليها والتفكير فيها.

ستلاحظ انجذاب أفكار أخرى إيجابيةٍ إليك؛ لأنَّ العقل يبني على آخر تجربة، فإذا فكَّرت في الإيجابيات، فستجذبها إليك؛ أمَّا إذا تركت عقلك يفكِّر في السلبيات فقط، فستلاحظ انجذاب كلِّ ما هو سلبيٌّ إلى حياتك.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحمي نفسك من الأشخاص السلبيين

- عُد إلى واقعك:

تأتي الأفكار السلبية غالباً من مواقف وأحداثٍ وأشخاصٍ ولحظاتِ فشلٍ في الماضي، ثمَّ يبدأ عقلك في تعميم هذا الفشل على حاضرك، فيولِّد فيك أفكاراً تُأكِّد لك أنَّك لست بخير، وأنَّك حاولت كثيراً لتنجح في الماضي ولكنَّك فشلت، وسيذكِّرك بكلِّ مواقف الفشل؛ وإن لم ترجع إلى واقعك وتركِّز على (قوة الآن)،  فلن تستطيع التغيير.

وحتَّى لو فشلت مليون مرةٍ في الماضي، لابدَّ أن تكون حازماً مع عقلك، وألَّا تسمح له أن يأخذك بعيداً في رحلة الجحيم التي يصنعها لك. أنت قبطان سفينة حياتك، فلا تترك نفسك لرياح الأفكار السلبية، بل عُدْ إلى واقعك وابدأ في كلِّ مرةٍ من جديد، وحوِّل لحظات فشلك إلى خبراتٍ وتجارب تساعدك في تجنِّب تكرارها مرةً أخرى.

- فرِّغ عقلك:

يلاحظ الكثير منَّا أنَّه عندما يبدأ التركيز على عملٍ ما، تأتي إليه الأفكار المشوِّشة بين الأفكار التي يركِّز عليها، ممَّا يجعله يضيِّع الوقت في التفكير بأشياء بعيدةٍ عمَّا ينبغي أن يركِّز عليه.

إذا لاحظت ذلك، فاكتب كلَّ الأفكار المشوشة في ورقةٍ جانبية، وعاهد عقلك على أنَّك سترجع لتناقش معه هذه الأفكار بعد الانتهاء من عملك. تسمَّى هذه الطريقة "تفريغ العقل من الأفكار المشوشة".

شاهد: 5 نصائح للتخلص من الأفكار السلبية

2- كيف تصنع مستقبلك:

الإنسان صنيعة أفكاره، فما يحدث لك اليوم هو نتيجة أفكار الأمس، وما سيحدث لك مستقبلاً هو نتيجة أفكار اليوم؛ فإذا أردت أن تعرف ما سيكون عليه مستقبلك، فغيِِّر حاضرك، واصنع مزيداً من الإنجازات الآن، وتحكَّم بأفكارك ومعتقداتك وقيمك ومفهومك الذاتيِّ عن نفسك، واكتب خطَّتك، واسعى إلى تنفيذها بكلِّ قوَّةٍ وتفاؤل.

لا تخف من المستقبل؛ لأنَّك تقدر على جعله كما تريد، إذ تحتاج فقط إلى الإيمان بنفسك وبقدرتك على المحاولة. حاول مراراً، ثمَّ قيِّم النتائج، وكن مرناً في التغيير إلى الأفضل دائماً.

 فيما يلي مجموعةٌ من النصائح الهامَّة، خذ بها وأنت تصنع مستقبلك:

- اعرِف نفسك:

كان سقراط يقول دائماً: "اعرِف نفسك". نعم، اعرِف نفسك لتعرف من أين تبدأ، وتعرَّف على نقاط قوتك، واعمل على تحسين نقاط ضعفك.

أنت أفضل مخلوقٍ خلقه الله -عزَّ وجل- ولديك قدراتٌ لا محدودة، وما عليكَ إلَّا أن تعرفها وتوظِّفها لصالح أهدافك وخططك للمستقبل.

إقرأ أيضاً: 14 طريقة لتطوير مهاراتك الشخصية

- لا تقلِّد، بل اتّبع قدوة:

يقتل التقليد قدراتك وإمكانياتك و بصمتك الخاصة؛ لذلك عليك ألَّا تقلِّد تقليداً أعمى، إذ تختلف ظروفك عن ظروف من تقلِّده تماماً، ولكلِّ حياةٌ خاصةٌ ومجتمعٌ مختلفٌ يعيش فيه؛ ولكن يمكنك تمثيل هذا النموذج، وهو ما يسمِّيه د. إبراهيم الفقي –رحمة الله- "تمثيل نموذجٍ بشريٍّ متميِّز"، ما يعني: البحث عن قدوةٍ لك في هدفك الذي تسعى إليه، ثمَّ دراسة سيرة نجاحه، ومحاولة التعرُّف على كيفية تعامله مع تحدياته ومشاكله، وطريقة تفكيره، واستراتيجيات النجاح التي ساعدته على أن يصل إلى ما وصل إليه.

ستلاحظ من خلال إجابتك عن هذه الأسئلة وتطبيقها والعمل عليها، أنَّك تقترب أكثر من النتائج التي ترغب فيها.

- تأكَّد أنَّ وقتك أهمُّ ما تملك:

إذا أردت أن تصنع مستقبلاً رائعاً، فلابدَّ أن تعرف كيف تستغلَّ أوقاتك بأفضل طريقةٍ ممكنة.

نملك جميعاً 24 ساعة، فصاحب الإنجازات والشخص الكسول المحبَط لديهما الوقت نفسه؛ ولكنَّ الفارق فيما بينهما أنَّ كلَّاً منهما يتعامل مع الوقت باستراتيجيةٍ تعزِّز نجاحه، أو تزيد من لحظات فشله.

الآن، وفي نهاية المقال، دعني أقول لك شيئاً واحداً: "سيكون مستقبلك رائعاً إذا بدأت من الآن؛ لذا ابدأ التطبيق، ولا تنظر الى أيِّ شيءٍ آخر؛ إذ تأتي روعة النهايات بعد قسوة البدايات".

إقرأ أيضاً: 20 نصيحة فعَّالة لإدارة الوقت

وليد محمد علي

استشاري التدريب والتطوير




مقالات مرتبطة