الخلفاء الراشدون وأهم إنجازاتهم وأعمالهم

الخلفاء الراشدون هم الخلفاء الذين تولوا شؤون المسلمين وتسيير أمور الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قاموا بالعديد من الأعمال المهمة التي ساهمت في تقدم الدولة الإسلامية في ذلك العصر، سنسلِّط الضوء فيما يلي على مقتطفات من قصة حياة خلفاء رسول الله الراشدين وأهم إنجازاتهم وأعمالهم:



الخلفاء الراشدين بالترتيب ومدة خلافتهم:

ابتدأ حكم الخلفاء الراشدون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر حكمهم حوالي 29 عاماً، والخلفاء الراشدون بالترتيب هم:

  1. أبو بكر الصديق.
  2. عمر بن الخطاب.
  3. عثمان بن عفان.
  4. علي بن أبي طالب.

سيرة الخلفاء الراشدين:

1- أبو بكر الصديق:

وهو أول الخلفاء الراشدين إذ استلم تنظيم أمور المسلمين بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ابتدأ حكمه من عام 632م إلى 634م ويُدعى عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التميمي القرشي، ولُقِّبَ بالصديق لأنَّه كان يُصدِّق كل ما يأتي به الرسول عليه السلام لا سيما ليلة الإسراء والمعراج، كما لُقِّب بالعتيق لأنَّ الرسول عليه السلام أخبره بأنَّه من عتقاء النار.

كان أبو بكر الصديق أبيض اللون، ونحيف الجسد والوجه، ومن سادات قريش الأغنياء، ولم يشرب الخمر في حياته حتى في عصر الجاهلية، وكان قريبًا جدًّا من الرسول الكريم وتحمل معه العذاب والأذى طوال مراحل الدعوة الإسلامية، وهو أول من آمن بالرسول الكريم.

ولأبي بكر الصديق العديد من المواقف المهمة في الإسلام، فلولا حكمته وإيمانه القوي بالله لما صَمَدَ الإسلام بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أنَّ مدة خلافته كانت قصيرة ولم تتجاوز السنتين وثلاثة أشهر ونصف.

ويجدر بالذكر بأنَّه أول من ثَبَتَ على الإيمان بعد وفاة الرسول عندما تفاجأ الناس أجمعون، وخطب فيهم قائلًا: (ألا من كان يعبدُ محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبدُ الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت).  

تمت مبايعة أبي بكرٍ الصديق في المسجد وألقى بالمسلمين خطبةً أعلن فيها أنَّه سيسير على خُطى الرسول الكريم قائلًا: (أمَّا بعد، أيُّها الناس، فإنَّي قد وُليتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيفٌ حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيْت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله).

أهم أعمال أبي بكر الصديق:

  • شارك في غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، وكان له دورٌ أساسيٌّ في الانتصار فيها حيث قاتل ببسالةٍ وقوة، كما شارك في الكثير من الغزوات الأخرى كغزوة أحد، وغزوة بني النضير، وغزوة خيبر، وسرية ذات السلاسل.
  • شارك في حروب الرِدَّة بعد وفاة الرسول الكريم، من خلال تنظيم الجيوش بقيادة الصحابة في مناطق بني أسد، وتميم، واليمامة، وبني حنيفة، وعُمان، والمُهرة، وحضرموت، وبني سليم، وهوازن، وقضاعة، والشام، والبحرين، وتهامة.
  • بدأ تنظيم الجيوش لفتح العراق بعد انتهاء حروب الردة في شبه الجزيرة العربية، بواسطة جيشَيْن الأول بقيادة خالد بن الوليد، والآخر بقيادة عياض بن الغنم، وقام بالعديد من الفتوحات في مناطق أليس، وأمغيشيا، والأنبار، والحجيرة، ودومة الجندل.
  • حكم بالقضاء في العهد الراشدي، كما كان في العهد النبوي الذي طبقه بحذافيره، فاستند فيه إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، واعتمد على الإجماع بالمشاورة مع الصحابة، والاجتهاد في بعض المسائل.
  • حكم الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول وأدارها بمساعدة أصحابه الذين لهم قدرة كبيرة في الشؤون الدينية، والعسكرية، والإقتصادية، كما قام بمساعدة المسلمين المستضعفين في بقاع الأرض.
إقرأ أيضاً: الصحابي الجليل أبو بكر الصديق

2- عمر بن الخطّاب:

هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة، وقد حكم من عام 634م إلى 644م، اسمه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي، ويُكنَّى بأبي حفص. خاله أبو جهل عمرو بن هشام، ولُقِّبَ بالفاروق لأنه كان يَفْرُقُ بين الحق والباطل، كما لُقِّب بأمير المؤمنين.

أسلم سيدنا عمر في السنة الخامسة من الهجرة بعد أن سمع شقيقته تتلو سورة طه، وقام أبو بكر الصديق باستخلافه قبل وفاته، وأخذ الموافقة والبيعة على ذلك من الناس جميعًا فكان خير خلفٍ لخير سلف.

تميَّز سيدنا عمر بالعديد من الصفات الجسدية والأخلاقية، حيث كان طويل القامة، وشديد الصلع، وأبيض تعلوه حمرةٌ شديدة، وصاحب جهامةٍ في بنية جسده، فكان من شدَّته يَثِبُ على فرسه وثبًا.

ومن صفاته الخُلُقية أنه كان شديدًا في الحق، ولذا اشتهر بأنه وافر العدل، وصاحب ذكاءٍ، وثاقب الرأي، وحكيم، كما كان شديد الورع وعظيم الخوف من الله فكان كثيرًا ما يُحاسب نفسه ويعظها، لهذا اتخذ خاتمًا نقش عليه كفى بالموت واعظًا يا عمر.

شَهِدَ عمر بن الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام كل الغزوات وجميع الوقائع ويشهد التاريخ بأنَّ خلافته كانت فتحًا على عامة المسلمين، حيث تشعبت حدود الفتوحات الإسلامية، وفي عهده أيضًا انهارت دولتا فارس والروم.

أهم أعمال عمر بن الخطاب:

  • رأى سيدنا عمر أنَّ الأمة الإسلامية في حاجةٍ إلى عمل نظامٍ محدد يُسهِّل عملية جمع الأموال وتوزيعها، لذلك قام بإنشاء مجموعة من الدواوين ذات الاختصاصات المختلفة مثل ديوان الجند الذي يختص برواتب الجند، وديوان الخراج الذي يختص بأموال أصحاب الأراضي، وديوان العطاء الذي يختص بتوزيع الأموال على المحتاجين.
  • اهتم عمر بن الخطاب بتأسيس مكانٍ يكون مسؤولًا عن جمع جميع الأموال المُستحَقة من الأمة الإسلامية، ومن ثم توزيعها على عدة جهات مُستحِقة من الدولة الإسلامية للاستفادة منها، وهذا ما جعله يعمل على تأسيس بيت مال المسلمين.
  • وضع سيدنا عمر بن الخطاب نظامًا للقضاء يوفر المزيد من العدالة، وعمل على تعيين قضاة بشروط خاصة، ومنحهم رواتب كافية، ومنعهم من العمل في التجارة، كما قام بإنشاء محاكم مختلفة.
  • ساهم عمر بن الخطاب بتوسيع الدولة الإسلامية لنشر الدين الإسلامي، وبالفعل نجح في فتح العراق، وبلاد الشام، وبلاد فارس، ومصر، وبيت المقدس.
  • قام بجمع القرآن الكريم بأمرٍ من سيدنا أبي بكرٍ الصديق، ثم أرسل عددًا من كبار الصحابة إلى عدة مناطق لكي ينشروا تعاليم الدين الإسلامي في البلاد المختلفة.
  • كان لسيدنا عمر الفضل في وضع التقويم الهجري، بعد أن عقد مجلس الشورى مع الصحابة وناقشهم في مسألة تحديد تاريخ محدد لتجنب حدوث الأخطاء في العقود والمعاملات، وكان هذا التاريخ من موعد هجرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
  • اهتم بإنشاء المدن المختلفة وتأسيسها وتنظيمها حيث تم بناء مدينتين في العراق هما الكوفة والبصرة، ومدينتين في مصر وهم الفسطاط والجيزة.
إقرأ أيضاً: صفات عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأهم أقواله

3- عثمان بن عفان:

هو ثالث الخلفاء الراشدين اسمه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي المُلقَّب بذي النورين، لأنَّه تزوج من ابنتي الرسول عليه السلام، حيث تزوج رُقيَّة وبعد وفاتها تزوج أم كلثوم، وهو من الرجال العشرة المبشرين بالجنة أيضًا. وقد حكم من عام 644م إلى 656م.

كان عثمان بن عفان من أغنياء الجاهلية وأشرافها، وكان شديد الحياء، وليِّنَ الجانب، ورقيق البشرة، وكثيف اللحية، وتمت مبايعته للخلافة بالشورى في المسجد النبوي، واستمرت خلافته مدة اثني عشر عامًا، وشهدت خلال هذه المدة الكثير من الفتوحات والتوسعات الإسلاميّة.

ويجدر بالذكر أنَّ عثمان بن عفان أسلم في أول الإسلام قبل دخول رسول الله دار الأرقم، وكانت سنِّهُ قد تجاوزت الثلاثين، حيث دعاه أبو بكرٍ إلى الإسلام فأسلم عندما قال له: ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك أليست حجارة صماء لا تسمع، ولا تبصر، ولا تضر، ولا تنفع‏؟ فقال‏:‏ بلى واللَّه إنها كذلك، قال أبو بكر‏: هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.

أهم أعمال عثمان بن عفّان:

  • كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ إلى تجهيز جيش العسرة، ولم يتردد عثمان بن عفان في تقديم المساعدة، حيث قدَّم المال لكي يتم شراء ما يكفي من العدة والمؤونة الخاصة بالجيش.
  • قام بتوسيع المسجد النبوي عندما ازداد عدد الناس الذين دخلوا في الإسلام وأصبحت مساحة المسجد النبوي ضيقة، فقام بشراء الرقعة المجاورة للمسجد لكي يتم توسيعه.
  • قام بشراء البيت المجاور للحرم المكي بمقابل عشرة آلاف دينار لتوسيع الحرم المكي عندما نجح الرسول الكريم في فتح مكة.
  • عندما هاجر الرسول الكريم إلى المدينة المنورة كان المسلمون يواجهون مشكلة قلة المياه، وهذا ما دفع سيدنا عثمان لشراء بئر رومة الذي كان يمتلكه رجلٌ يهودي، ليصبح هذا البئر ملكًا للمسلمين.
  • قام باستكمال عملية فتح البلاد ونشر الإسلام فيها، حيث فتح بلاد المغرب، والنوبة، وتونس، وامتدت الدولة الإسلامية في عصره لتصل إلى بحر قزوين.
  • عمل عثمان بن عفان على جمع القرآن الكريم بلغة موحدة وهي لغة قريش العربية، وتخوَّف من حدوث تحريف في طريقة قراءة القرآن بين الناس، لهذا أمر بنسخ القرآن باللهجة القرشية وإرساله إلى كل الأماكن التي دخل الإسلام إليها.
إقرأ أيضاً: صفات عثمان بن عفان رضي الله عنه وأهم أقواله

4- علي بن أبي طالب:

هو رابع الخلفاء الراشدين وقد امتد حكمه من عام 656م إلى 661م، واسمه علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب، أبو الحسن القرشي الهاشمي، زَوْجُ السيدة فاطمة ابنة الرسول عليه السلام، وأبناؤه الحسن والحسين حفيدا رسول الله وسيدا أهل الجنة.

كان عليٌّ بن أبي طالب قريبًا جدًّا من الرسول عليه الصلاة والسلام وملازمًا له، وكان من أكثر الصحابة درايةً وعلمًا بالرسول، لهذا استطاع أن يجتهد في تشريع العبادات التي كان يراها عن الرسول، وكان حكيمًا، وعادلًا، وعميق التفكير، ولديه حُسْنُ البصيرة، وهو ابن عم رسول الله وأوَّل من آمن به من الصبيان، وقد ولد علي بن أبي طالب قبل البعثة بعشر سنوات، وتربى في حِجْرِ الرسول قبل البعثة وبعدها، وسبب ذلك ما أصاب مكة من مجاعة حيث كان أبو طالب كثير العيال فقير الحال، لهذا كان نصيب عليٍّ أن يكون في ولاية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.

استلم علي بن أبي طالب الخلافة بعد استشهاد عثمان بن عفان بعد إلحاح من الصحابة عليه، وفي عهده اشتعلت العديد من الفتن التي كان لها أثر كبير على الخلافة الإسلامية. 

أهم أعمال علي بن أبي طالب:

  • ساهم علي بن أبي طالب بمحو آثار الجاهلية، حيث أرسل أبا الهياج الأسدي لطمس التماثيل وتسوية القبور، ومحو التماثيل في البلاد لمنع تقديس القبور أو عبادة التماثيل.
  • منع علي بن أبي طالب الاعتقاد بالكواكب، فعندما أراد رضي الله عنه الخروج لقتال الخوارج، ظهر له منجِّمٌ ونصحه ألَّا يخرج لأنَّ القمر في العقرب وهذا سيؤدي إلى خسارتهم في الحرب، لكنّّه رضي الله عنه أصرَّ على الذهاب والقتال، واستطاع القضاء على الخوارج.
  • اهتم علي بن أبي طالب بالاحتساب في مجال الأسواق، ونظَّم شؤون البيع والشراء، وحثَّ التجار على التعامل بالشرع الحنيف.
  • عمل على بناء السجون وولاية الشرطة، وفي عهده كانت وظيفة الشرطة إحدى الوظائف المهمة المعروفة، وقد بنى سجنًا في الكوفة سماه نافعًا.
  • أبقى على أسلوب القضاء الذي كان في عهد الخلفاء الذين قبله، وكان يُدخِل فقط بعض التعديلات والتغييرات التي تتناسب مع ما طرأ من تطورات في المجتمع.
إقرأ أيضاً: صفات علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهم أقواله

كما رأيت عزيزي القارئ استطاع الخلفاء الراشدون بفضل عزيمتهم، وإيمانهم، وقوتهم أن يُحققوا النجاح، والتقدم، والازدهار للدولة الإسلامية التي دافعوا عنها وعن تعاليمها طيلة حياتهم.




مقالات مرتبطة