الحديث عن الموت بعبارات مناسبة: كيف تدعم صديقك المفجوع؟

يُعَدُّ الحديث حول فكرة الموت والتعامل معها من الأمور الحساسة جداً وبالغة الدقة، والتي تأخذ الجانب العفوي الشعوري في أغلب الحالات، مع افتقار المنهجية العلمية والنفسية في انتقاء الكلمات المناسبة والإيجابية، والتي تُهدِّئ النفس وتجعل الإنسان المفجوع أكثر تقبُّلاً للواقع وتماشياً معه؛ إذ إنَّنا لا نخبره أنَّه لا يجوز أن يبكي أو يحزن، ثم إنَّه من غير اللائق أن يتحول الحديث إلى أسلوب المزايدة عليه، بأنَّنا جربنا الفقد أكثر منه.



كل هذه الأمور وغيرها، هي أساليب خاطئة أو غير مناسبة في التعاطي مع الإنسان المفجوع؛ لذا في هذا المقال، سنحرص على إطلاعكم على أهم الطرائق الصحيحة والسليمة والتي تفيد في تخفيف الحزن وتلطيف وقع الفقد قدر الإمكان.

شيكسبير والموت:

للكلمة قوة هائلة وتأثير كبير في تغيير نظرتنا أو نظرة الآخرين تجاه أيِّ موقف أو حدث؛ حيث يقول الكاتب المسرحي الشهير "ويليام شيكسبير" في أحد أعماله الخالدة، في سياق حديثه عن المرحلة التي تلي الموت، بأنَّ المكان سيكون لنا جميعاً؛ حيث إنَّ الموت ليس سوى بداية لرحلة جديدة، ربما تكون أكثر متعة وجمالاً وأريحية من الحياة نفسها.

يبدو أن هذه الكلمات قد التقطها أحد الباحثين في علم النفس، وقام بدراستها وتحليلها برفقة زملائه، وتوصلوا إلى نتيجة رائعة، وهي أنَّ الحديث عن الموت باستخدام عبارات لطيفة أو إيجابية، يساعد كثيراً على تقبُّل فكرة الموت والتعايش معها، سواءً كنت تتكلم مع صديقك المفجوع بموت أحد أقاربه، أم مع شخص لديه مرض خبيث في مراحله الأخيرة؛ حيث إنَّ للكلام قوة جبارة، أكثر من حد السيف.

العناية التلطيفية (تلطيف فكرة الموت):

قام خبراء وباحثون في علم النفس، باقتراح فكرة العناية التلطيفية؛ وهي عناية يتلقَّاها المرضى الذين يعانون من مرض خبيث، لا أمل في الشفاء منه؛ حيث تساعدهم على تقبُّل فكرة الموت، وتحسين نوعية ما تبقَّى من حياتهم.

وتتضمن العناية التلطيفية أيضاً، القيام بجلسات أو ندوات حوارية، يتبادل فيها الأشخاص الذي مروا بتجربة الفقد، عواطفهم وأفكارهم ومشاعرهم حيال هذا الموضوع، ويتم تشجيعهم على الانغماس في هذه المحادثات وإطلاق العنان لأفكارهم وخواطرهم التي تكون حبيسة القلوب التي أدماها الحزن؛ إذ من وجهة نظر العلماء فقد اعتاد الناس على استخدام الكلمات والتعابير الحزينة فيما يتعلق بالموت، والتي بالتأكيد لها آثار سلبية في الكثير من الحالات.

وجد العلماء أنَّه بعد هذه الجلسات الحوارية، كان هؤلاء الأشخاص أكثر ارتياحاً، أو لنقُل أكثر تقبُّلاً أو تعايشاً مع فكرة الموت، وأصبحوا أيضاً أكثر معرفة وقدرة على التعبير عن مشاعرهم بتعابير ألطف، وأيضاً طوَّروا من مهاراتهم في السيطرة على هذه المشاعر الحزينة المتعلقة بالموت والاحتضار.

شاهد بالفديو: ما يقال في التعزية والمواساة

ما هي أهم طرائق دعم الإنسان المكلوم بفقد شخص عزيز على قلبه؟

1. القيام بإتمام المهام عوضاً عنه:

عندما يفقد الإنسان شخصاً عزيزاً على قلبه، فإنَّه لا يعود قادراً على أداء مهامه أو مسؤوليات عمله أو أيِّ واجبات أخرى تتعلق بوظيفته أو منزله أو بالجنازة نفسها؛ لذلك يجب علينا المبادرة إلى قضاء حاجاته المختلفة، وإحضار الطعام له ولأهله؛ لأنَّ حالتهم النفسية لن تسعفهم في القيام بأيِّ شيء، كما يمكنك التبرع بجلب أكاليل الورود على سبيل المثال، فعندما لا تجد نفسك قادراً على القيام بكل هذا، فلا تتردد في طلب العون من بقية الأصدقاء.

2. تحضير الطعام له:

من البديهي إعداد الطعام لأهل الميت، بما يحمل هذا الأمر من رمزية وقيمة إنسانية، وإبداء الاهتمام والتعاطف مع مصابهم، والتخفيف من ألمهم ولو بقدر بسيط.

3. تقديم المساعدة في ترتيبات الجنازة:

تتضمن الجنازة العديد من الترتيبات والأمور التقنية، من تأمين قبر أو حفره، واستقبال المُعزِّين؛ إذ يمكنك المساعدة على تأمين هذه الأمور، من خلال التبرع بغرف من منزلك إذا كنت قادراً على ذلك، والمشاركة معهم في استقبال المُعزِّين، وتأمين وسيلة نقل، وغيرها من الترتيبات التي لا يكون أهل الميت قادرين على تأمينها.

4. تشتيت ذهنه عن التفكير:

يمكن أن نقول إنَّ أهم تصرف يجب أن نقوم به حيال الإنسان المفجوع، والأكثر فائدة، هو تشتيت ذهنه عن موضوع الموت ولو قليلاً؛ ذلك لأنَّ جهازه النفسي المتعب يحتاج إلى أخذ استراحة ولو بسيطة، يُريح بها نفسه من هذا الألم الكبير.

يمكنك أن تقترح عليه الذهاب معاً لمشاهدة فيلم، أو ممارسة نشاط معيَّن مثل المشي أو السباحة أو كرة القدم؛ إذ إنَّه يكفي طرحك لهذا الموضوع حتى يعلم بأنَّك توليه اهتمامك وتعاطفك، فهذا يترك في نفسه أثراً إيجابياً.

إقرأ أيضاً: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

5. الوقوف إلى جانبه دوماً:

بالتأكيد إنَّ بقاءك إلى جانب صديقك المفجوع هو أمر بالغ الأهمية في يوم الوفاة، لكنَّ الأهم من ذلك هو متابعته في المراحل اللاحقة؛ إذ إنَّه فيما بعد، سيتركه الناس الذين كانوا حوله في أيام العزَّاء، وسيلتفت كلٌّ منهم إلى حياته الشخصية وعمله ومصالحه، ولكيلا يبقى صديقك وحده يجترُّ ذكرياته الأليمة، عليك هنا أن تمارس دورك الهام في دعمه ومؤازرته، والعمل على إشراكه في العديد من النشاطات، وقد تطول هذه الفترة أشهراً أو أعواماً بحسب كل شخص، وعليك في هذه المرحلة مراعاة جميع احتياجاته.

ما هي الطريقة المناسبة في التحدث إلى شخص مكروب؟

1. اسأل كيف تستطيع تقديم العون:

يجب ألَّا تتصرف مع صديقك وكأنَّك تعرف ما سوف يجعله بحالة أفضل؛ بل احرص على سؤاله؛ إذ يُفضَّل أن تسأله إن كان يفضِّل الأرز أم البطاطا، أو هل يريد ممارسة رياضة المشي أم لعب الكرة.

تُعَدُّ هذه الأسئلة هامة جداً، فمن جهة أنت تقوم بالشيء الذي يحبه أكثر، ومن ثمَّ ستحصل على نتائج أفضل، ومن جهة أخرى، أنت تقوم بإشراكه في حديث أو حوار ينتشله من حالة الخمول أو الاكتئاب التي يعيشها بسبب الفقد؛ لذا ليس من الخطأ أن تستفسر منه حول هذه الأمور، فهو سوف يعلم بأنَّك على استعداد لفعل أيِّ شيء من أجله والوقوف إلى جانبه دوماً.

2. استمع إلى كلماته بتأثر وتركيز وانتباه:

يمكن لجزء كبير من حزن الفقد أن يزول أو يخف عند التعبير والإفراج عن الذكريات والعواطف المؤلمة، التي تكون حبيسة النفس فيما يختص بالميت؛ لذلك إنَّ من أهم الوسائل في التخفيف عن صديقك المفجوع هو أن تتكلم معه، وتمنحه الأمان ليُخرج ما عنده من مشاعر وخواطر، وهذا يساعده بشكل كبير على تخطِّي كارثة الفقد، ثم إنَّه يجب عليك إخباره بأنَّك على استعداد دائم لأن تستمع له في أيِّ وقت أراد فيه التحدث إليك.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لكي تعبر عن مشاعرك بالطريقة الأمثل

3. ساعده على فهم أنَّ آلامه وأوجاعه هذه أمر طبيعي:

يمكن للحديث مع صديقك حول أنَّ استجابته المشبعة بالألم والفقد والمشاعر الحزينة هي أمر طبيعي، أن يساعده على تقبُّل الفقد وتخطِّي تلك الكارثة، والعودة إلى حياته الطبيعية خلال فترة أقصر.

4. اعرِض عليه مراجعة الطبيب النفسي إذا بدا لك الأمر ضرورياً:

يُعَدُّ الحزن التالي للفقد، من الأمور الطبيعية التي يمر بها أيُّ إنسان، ولكنَّه بعد فترة معيَّنة يعود إلى حياته الطبيعية، لكن في حال ساءت أحواله وأصبح عاجزاً أن يمارس نشاطاته الاعتيادية التي كان يمارسها قبل الفقد، هنا من الأفضل استشارة طبيب نفسي؛ حيث يمكن لبعضنا أن يصاب باضطراب ما بعد الصدمة، والذي يمكن علاجه تحت إشراف الطبيب المختص.

5. ابتعد عن العبارات الشائعة:

يلجأ أغلب المعزين إلى قول الجمل الاعتيادية والشائعة التي يقولها الجميع، وهي تمثل نماذج مكررة من الحديث، والتي لا تفيد في مثل هذه الحالات، وكما نعلم فإنَّ للكلمة قوة سحرية، وتأثيرها عجيب، يمكن أن يقلب مزاجنا من حال إلى حال؛ لذا يجب علينا ألَّا نتهاون في هذا الأمر، ونكون دقيقين جداً في اختيار الكلمات المناسبة والتي تخفف من معاناته وألمه.

نقدم لكم بعض الأمثلة لبعض الجمل التي يجب عليك الابتعاد عنها:

  • "كل شيء يحصل لسبب ومخطط له أن يحدث".
  • "سوف تصبح أفضل عمَّا قريب".
  • "على الأقل ما زلتَ تملك بقية أفراد عائلتك".
  • "إنَّ الوقت يداوي جميع الجراح".

الموت عند الفلاسفة:

يقول بعض الباحثين إنَّ النظريات التي وضعها الفلاسفة حول الموت قليلة جداً؛ ذلك لأنَّ آخر ما يشغل بال الإنسان الحر هو الموت؛ حيث يهتم بدراسة أمور ومجالات الحياة وكيفية فهمها وتفسيرها ومعرفة ماهيَّتها واستخلاص النتائج والعِبر، في محاولة لتكوين فهم أفضل حول الكون والحياة؛ فالفيلسوف رجل حياة وليس رجل موت.

الفلسفة بالأساس، دعوة للتفكُّر في الحياة وليس في الموت؛ ولذلك عاشت الفلسفة طوال هذه السنين، وتطورت ووصلت إلى ما وصلت إليه من تقدم وانتشار، ولكن على المقلب الآخر، لا يخلو الأمر من أنَّ بعض الفلاسفة، مثل "شوبنهار"، ذكروا في أكثر من مرة أنَّ الموت هو الذي يلهم الفلسفة والفلاسفة.

كلمة أخيرة:

يُعَدُّ موت أحد المقربين واحدة من التجارب المفجعة والمحزنة؛ لذا إن كنتَ تعرف صديقاً قد مر في الآونة الأخيرة بمثل هذا النوع من الفقد، فقم بالتفكير جيداً فيما تستطيع القيام به من أجل عزاء ومؤازرة هذا الشخص في وقت المحنة؛ إذ إنَّك عن طريق الكلام والاهتمام والاستيعاب الأفضل لآلية الحزن، يمكنك أن تمد رفيقك المفجوع بالمؤازرة اللازمة لكي يبقى على قيد الحياة، ويتعافى من أزمته.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة