الجوع العاطفي عند الرجل: علاماته وأعراضه وعلاجه

تخيل رجلاً شرهاً عاش عمره فقيراً ولم يذق في حياته أي طعام شهي أو حبة فاكهة وجلس صدفة على مائدة ملك، إنَّه بالتأكيد سيتناول طعامه بنهم واندفاع وهمجية غير مكترث بمتطلبات الشريك الذي يجالسه على مائدة الطعام، هذا بالضبط ما يحدث عندما يدخل رجل يعاني من الجوع العاطفي في علاقة عاطفية.

على مائدة الحب سيطلب الرجل كل أنواع الاهتمام دفعة واحدة، ودون أن يكترث لكون متطلباته مستنزفة لشريكته، ويطالب باستمرارية الاهتمام والتواصل حتى تتحول العلاقة إلى شكل سام ينطوي على تعلق من قِبل الرجل واستنزاف لطاقة المرأة؛ لذا وانطلاقاً من الحرص على سلامة العلاقات وسيرها بشكل صحي وآمن نفرد هذا المقال للحديث عن الجوع العاطفي عند الرجل وتوضيح علاماته وأعراضه وطرائق علاجه.

تعريف مفهوم الجوع العاطفي:

يمكن تعريف مفهوم الجوع العاطفي (Emotional hunger) على أنَّه شعور عميق ومُلحٌّ بالحاجة العاطفية إلى الشريك، وهو نوع من أنواع مشاعر الجوع النفسي القوية التي ينتج عنها التصاق الشخص الذي يعاني من الجوع العاطفي بشريكه التصاقاً خانقاً تنشأ عنه علاقة استنزاف عاطفي تنتهي بفقدان الطرف الآخر طاقته العاطفية كاملة.

غالباً ما ينشأ الجوع العاطفي بسبب مرور الشخص بالحرمان العاطفي في مرحلة الطفولة، الأمر الذي ينجم عنه شعور كبير بالألم ينبع من أعماق نفسه، وقد تظهر علامات الجوع العاطفي منذ الصغر وتستمر مع الإنسان حتى بلوغه وما بعد بلوغه، وقد لا يظهر الجوع العاطفي على شكل التصاق بالشريك؛ بل ربما يظهر على شكل تعلُّق مَرَضي بالطفل.

الجوع العاطفي عند الرجل:

إنَّ الجوع العاطفي عند الرجل هو تجسيد لسلوكات التعلق والجوع العاطفي، وفي مثل هذه الحالات يتعلق الرجل بشريكته تعلُّقاً مَرَضياً ويلتصق بها التصاقاً خانقاً يمنعه ويمنعها من ممارسة الحياة اليومية ممارسةً طبيعية، فالعلاقات بشكلها الصحي هي إضافة إلى حياة كل طرف فيها، ولكنَّها بالنسبة إلى الشخص الذي يعاني من الجوع العاطفي هي محور حياته بأكملها؛ لذا نجده يطالب شريكته بالاهتمام به بشكل مبالغ فيه، ويرغب بالتواصل معها عبر الهاتف وتطبيقات الدردشة لوقت طويل، كما يرغب باللقاء بها بشكل مطوَّل يجعل من العلاقة والالتزام بمتطلباتها عبئاً ثقيلاً على الشريكة يؤثر في ممارستها لحياتها ممارسةً طبيعية.

يمكن أن يكون تأثير الجوع العاطفي عند الرجل على شكل تعلُّق مَرَضي بطفله بدلاً من شريكته، فنراه يحرص عليه حرصاً كبيراً ومبالغاً فيه يتسبب بعرقلة سير حياته بشكل طبيعي، فقد يمنعه من اللعب خارجاً برفقة أصدقائه خوفاً من ابتعاده عنه، وقد يمنعه من اللعب بالدراجة مثلاً خوفاً من تعرُّضه لأيَّة أذية جسدية.

شاهد بالفيديو: 8 دلالات على حدوث التعلق غير الآمن

علامات الجوع العاطفي عند الرجل:

إنَّ الحاجة إلى الحب والعاطفة هي أمر طبيعي ولكنَّ الجوع العاطفي هو حالة مَرَضية، ويمكن ملاحظة علامات الجوع العاطفي عند الرجل من خلال السلوكات الآتية:

1. الاندفاع الكبير والقوي تجاه الشريكة وخاصة في بداية العلاقة، والرغبة بقضاء جميع الأوقات برفقتها.
2. تجاوز الحدود الصحية للعلاقة مع الشريكة كالرغبة في التواصل المستمر معها هاتفياً أو عن طريق الرسائل وبرامج الدردشة بشكل لا يحترم انشغالها أو التزاماتها وأوقات راحتها.
3. محاولة احتكار وقت شريكته وإلغاء جميع علاقاتها بالمحيط باستثنائه.
4. عدم الاكتراث بما تطلبه شريكته أو ما تشعر به؛ بل إنَّ تركيزه يكون منصباً على تلبية احتياجاته العاطفية فقط.
5. إشعار الشريكة بعدم مشروعية مشاعرها أو مواقفها.
6. تحميل شريكته مسؤولية مشاعره، وإلقاء اللوم عليها إذا ما شعر بأي شعور سلبي.
7. اللجوء إلى ممارسة العلاقة الجنسية بشكل مبالغ فيه رغبة منه بملء الفراغ العاطفي الذي يشعر به.
8. صب مشاعر الغضب والسخط على الشريكة في حال أعلنت رفضها تنفيذ متطلبات الرجل.
9. تكرار نفس الأخطاء في العلاقة وإعادة نفس التصرفات السلبية الهدامة على الرغم من الانتباه لآثارها السلبية في الشريكة وفي العلاقة.
10. قلة عدد أصدقائه وهواياته واهتماماته فهو شبه مكتفٍ بعلاقته بشريكته ويراها محور حياته.
11. الكذب والإخفاء المتعمد للحقائق من أجل الحصول على المزيد من الاهتمام من الشريك.
12. الدوران في دوامة الماضي وتجاربه المؤلمة؛ وذلك لأنَّ الجوع العاطفي عند الرجل غالباً ما يكون مرتبطاً بذكريات ومواقف سيئة في الماضي.
13. الارتباط بنوع من أنواع الإدمان مثل إدمان الكحول أو المخدرات أو الأكل العاطفي.
14. الرغبة بتملك الشريكة والغيرة من جميع الأفراد المحيطين بها وحتى من أصدقائها وزملائها في العمل.
15. تصيُّد الأخطاء الشخصية وأخطاء الآخرين والشعور دوماً باستحقاق منخفض.

أعراض الجوع العاطفي عند الرجل:

تتمثل أعراض الجوع العاطفي عند الرجل في طلبه المُلِح والمستمر للحب والاهتمام والعاطفة من شريكته ومقابلة انشغالها أو تقصيرها في تقديم الكم الهائل من الشعور بالغضب والسخط والتأنيب، وإنَّ من أعراض الجوع العاطفي عند الرجل الكذب أو المبالغة في بعض المواقف استجداءً للاهتمام والعاطفة مثل المبالغة في الشكوى من المرض طمعاً بالمزيد من الاهتمام وإشعار الشريكة بالتقصير في منح المشاعر أو العلاقة الجنسية طمعاً في المزيد منهما.

تظهر أعراض الجوع العاطفي عند الرجل الذي لديه أطفال على شكل تعلُّق كبير بهم وحرص كبير عليهم يتفاقم إلى درجة اقتحام خصوصياتهم والتطفل عليها، وأحياناً تكون أعراض الجوع العاطفي عند الرجل على شكل غيرة من طفله ورغبة في الحصول على الاهتمام الذي يحصل عليه الطفل، وقد يصل الأمر إلى الاستياء من إنجازات الطفل لما تحصده من اهتمام الآخرين وخاصة أمه.

أسباب الجوع العاطفي:

غالباً ما تُرد سلوكات التعلق التي يقوم بها الشخص الذي يعاني من الجوع العاطفي إلى أسباب وعوامل حدثت في الطفولة، وعليه فإنَّ أسباب الجوع العاطفي هي:

1. انفصال الأبوين أو فقدانهما وما يترتب عليه من نقص في تأمين الاحتياجات العاطفية للأطفال.
2. الشعور بالوحدة الذي يدفع الإنسان إلى التعلق بشريكه كونه نافذته الوحيدة خارج وحدته.
3. عدم حصول الفرد على الإشباع العاطفي من أبويه في مرحلة الطفولة، بسبب عدم تعبيرهما الكافي عن الحب له.

علاج الجوع العاطفي عند الرجل:

إنَّ علاج الجوع العاطفي عند الرجل من وجهة نظر خبراء علم النفس والاستشارة النفسية يجب أن يتم من طرفه هو، فهو الأقدر على إشباع جوعه العاطفي وفك تعلُّقه العاطفي المَرَضي بشريكته.

فيما يأتي بعض الخطوات التي تساعد على علاج الجوع العاطفي عند الرجل:

1. تلبية الاحتياجات العاطفية للشريكة وإشباعها بدلاً من التركيز على حاجاته فقط.
2. الابتعاد عن أسلوب التلميح ورفع مستوى التوقعات بمعرفة الشريكة لاحتياجات الرجل والطلب منها بشكل واضح ولطيف ومباشر.
3. تحميل الرجل لنفسه مسؤولية مشاعره وعدم ربطها بشكل مباشر بتصرفات شريكته.
4. إشعار الشريكة بأهميتها وإظهار الود لها ومساعدتها في أداء واجباتها المنزلية وتقديم الدعم العاطفي لها في المجالات الأخرى إن وُجدت.

كيف أعرف أنَّني أعاني من جوع عاطفي؟

إذا ما أردت جواباً لسؤالك لا بد لك من تفقُّد أعراض الجوع العاطفي وعلامات الجوع العاطفي التي ذكرناها آنفاً في هذا المقال والتأكد مما يأتي:

1. العلاقة مع الشريك ليست مجرد إضافة جميلة إلى حياتك وجزء منها؛ بل هي محور حياتك واهتمامك الوحيد.
2. عدم وجود مسافة أمان تفصل بينك وبين الشريك وتمنح كلاً منكما هامشاً من الحرية؛ بل إنَّ كلاً منكما ملتصق بالآخر وموجود في جميع تفاصيل حياته.
3. أنت تطلب من الشريك الاهتمام المستمر وبشكل مبالغ فيه.
4. أنت ترغب بأن تتواصل مع الشريك طيلة الوقت.
5. أنت لا تقدِّر الشريك ولا تمنحه الامتنان الكافي.
6. أنت تغار من محيط الشريك وتضيق الخناق عليه وترغب بأن تتملكه.

شاهد بالفيديو: نصائح لعلاج اضطراب التعلق المرضي

كيف أتعامل مع الجوع العاطفي؟

إذا ما سألت نفسك هذا السؤال فإنَّنا نبشرك بأنَّك قد وضعت قدمك على أول طريق الحل، كون إدراك وجود مشكلة والاعتراف بها هو أولى خطوات حلها، ومن ثم يجب عليك اتباع التعليمات الآتية:

1. كن واضحاً مع شريكك في طلباتك، ولا تبني خيالات وتوقعات وتنتظر منه أن يعرفها ويتصرف على أساسها.
2. تقبَّل اختلاف شريكك عنك في التعبير عن مشاعره، فالرجال والنساء لا يستخدمون نفس الأساليب في التعبير عن الحب.
3. لا تطلب من شريكك الاهتمام بشكل خانق، فإذا ما أردت منه اهتماماً فبادر بذلك بطريقة لطيفة وغير خانقة.
4. اسمح لشريكك بامتلاك حياة مهنية وعائلية واجتماعية خاصة بعيدة عنك، واحرص على ترك مسافة أمان بينكما تزيد من شوقكما للقاء.
5. تواصل مع الشريك بطريقة تعكس اهتمامك وليس رغبتك في التملك.
6. فكر في كل تصرف تبادر به تجاه الشريك أو أي طلب تطلبه منه وقسه وفق معايير المنطق العقلي ولا تكن اندفاعياً منفعلاً دوماً.
7. تذكَّر دوماً أنَّك المسؤول الأول والأخير عن مشاعرك فلا تنتظر أن يحقق الطرف الآخر لك سعادتك ولا تحمِّله سبب تعاستك أو غضبك، واختلق سعادتك وعالج أحزانك لنفسك واطلب من الشريك الدعم فقط.

الفرق بين الجوع العاطفي والأكل العاطفي:

يخلط كثير من الناس بين مفهومي الجوع العاطفي والأكل العاطفي، لكن يجب أن ننوه لكم أنَّ الأكل العاطفي مختلف تماماً عن الجوع العاطفي، فالجوع العاطفي وفق ما ذكرناه آنفاً هو حاجة مُلِحَّة إلى الاهتمام من قِبل الآخر، أما الأكل العاطفي فهو تناول الطعام بوصفه وسيلة للتعامل مع المشاعر مثل اللجوء إلى الأكل عند الغضب أو الحزن أو بسبب أي شعور آخر غير الشعور بالجوع، وغالباً ما يكون الأكل اشتهاءً لنوع محدد من الأطعمة ويليه شعور بالعار أو الندم أو الخجل.

في الختام:

إنَّ الجوع العاطفي عند الرجل هو حالة من الحاجة المُلِحَّة إلى العاطفة تجعل الرجل يطالب شريكته بقدر غير منطقي من الحب والاهتمام بشكل يفوق الحاجة المنطقية الموجودة في مشاعر الحب الطبيعية، وهذا ما يحوِّل العلاقة من شكلها الصحي إلى حالة مَرَضية من التعلق واستنزاف للطاقة العاطفية عند الطرف الآخر.

إنَّ مرد ذلك هو حرمان عاطفي عانى منه الرجل في طفولته أو وحدة يعاني منها، ولكنَّه قابل للعلاج والحل من قِبل الرجل نفسه عن طريق الانتباه إلى تعلقه وجوعه العاطفي ومحاولة إشباعه ذاتياً قبل التعويل على الآخر، وهذا يساهم في إنقاذ العلاقة من الانهيار وإعادة التوازن الصحي إليها.