الجدال المستمر: حجر الأساس لبناء علاقة صحية

غالباً ما يُنظر إلى المجادلات على أنَّها أمور سلبية يجب تجنبها، ويرى معظم الناس أنَّ الجدال هو انعكاس لـ "صدع" في العلاقة أو علامة على أنَّ العلاقة تمر في مأزق، ومع ذلك تشير الأبحاث إلى أنَّ الجدالات تسهل الحديث والوعي بوجهة نظر الطرف الآخر؛ لذلك من الهام أن تضع في حسبانك أنَّ الجدال يمكن أن يكون مفيداً جداً لاستمرار الصداقات والعلاقات الرومانسية.



كما يمكن أن تكون مواجهة الحاجة إلى الجدال مع شخص آخر مقرب أمراً منشطاً ومحفزاً، فالموضوعات التي تثير الجدال تذكرنا بما هو هام بالنسبة إلينا، من قيمنا الأساسية إلى أهدافنا، وتمنحنا الجدالات أيضاً الفرصة للتفكير والتعبير عن شعورنا تجاه علاقاتنا و"من نحن" بوصفنا أصدقاء أو شركاء أو أزواجاً.

كيف يجب أن ننظر إلى مفهوم الجدال؟

يحب أن تتذكر أنَّ الجدال لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنَّه تهديد؛ بل هو حدث يمكن أن يساعد علاقتك على التطور والنمو، ويساعدك على التعرف إلى شريكك بشكل أفضل، كما يمكنك أيضاً التعرف إلى نفسك في هذه العملية.

ما هو الوقت الأنسب للدخول في جدال مع الطرف الآخر؟

من الهام أن تعرف متى تكون "جاهزاً" لبدء نقاش أو جدال، فإحدى أكبر الأخطاء التي يقوم بها الأصدقاء والأزواج هي بدء جدال بينما تكون المشاعر قاسية جداً، فعندها لن يكونوا منفتحين على الاستماع لوجهة نظر الشخص الآخر، فالاستماع لا يعني القبول؛ بل يعني أنَّك مستعد لفهم وجهة نظر الشريك؛ لذلك قد لا يكون أفضل وقت للجدال هو وقت حدوث المشكلة؛ لأنَّك لن تكون عقلانياً وستكون أكثر عاطفية وانفعالاً؛ لذا حدد موعداً يمكنكما فيه التركيز على القضية المطروحة دون السماح للعواطف أو المشتتات الأخرى أن تقود الجدال أو النقاش.

ماذا يعني أن نتحلى بالمرونة في أثناء الجدال؟

النقطة الأهم هي أن تكون مرناً في أثناء الجدال أو النقاش؛ إذ يدخل معظمنا في صراعات أو مجادلات مع توقعات مسبقة عن الكيفية التي ينبغي أن تسير بها الأمور، لكن هذا ما يتناقض تناقضاً كاملاً مع الهدف من النقاش أو الجدال؛ لذا ينبغي أن ندخل الجدال ونحن مؤمنون بأنَّ شركاءنا لديهم القدرة على تغيير آرائنا أو مواقفنا، ويجب أن نكون منفتحين على التغيير بناءً على معرفة رأي الشريك في الموقف، وهذا لا يعني أنَّه يجب علينا دائماً الانصياع لإرادة الآخر، لكن بدلاً من ذلك يجب أن نكون منفتحين على احتمالية أن يكون تغيير موقفنا أمراً جيداً.

شاهد بالفيديو: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة

كيف يمكن أن يكون الحياد أفضل طريقة للدخول في جدال فعال؟

من أجل بناء جدال بنَّاء، من الهام أن تحاول البقاء محايداً في أثناء الجدال؛ إذ تظهر الأبحاث أنَّ تبني منظور طرف ثالث محايد يمكن أن يساعد، على سبيل المثال، فكر فيما سيفعله أحد أصدقائكما المشتركين الذي يريد الأفضل لكليكما.

فإذا كان بإمكانك القيام بذلك، فستتعلم أنت وشريكك المزيد عن بعضكما بعضاً وستكونان قادرين على إيجاد طرائق لتسوية الخلاف وحل النزاع، الأمر الذي يعزز ويقوي العلاقة، ومع مرور الوقت فإنَّ حل تضارب الآراء بهذه الطريقة يمنحكما قاعدة أكبر من المعرفة عن بعضكما بعضاً، وهذا يجعل النزاعات المستقبلية أقل تكراراً وأقل ضرراً للعلاقة.

هل الجدال بين الشريكين يفيد العلاقة أم يضرها؟

على الرغم من أنَّك قد لا ترغب في المجادلة مع شريكك لكن من المحتمل أن يحدث ذلك في بعض الأحيان، فقد تعرف العديد من الأزواج الذين يتجادلون كثيراً وآخرون لا يتجادلون إلا قليلاً، لكن توجد أسباب عدة تجعل الجدال مفيداً لعلاقتك.

في الواقع، وجدت دراسة عبر الإنترنت أنَّ الأزواج الذين ينخرطون في جدالات هم أكثر احتمالية بمقدار 10 أضعاف لخوض علاقة سعيدة مقابل أولئك الذين يتجاهلون المحادثات الصعبة، وقد أجرى الدراسة "ديفيد ماكسفيلد" و"جوزيف غريني".

أنا أجادل، إذاً أنا أتواصل وأهتم:

يقول "ماكسفيلد": "إنَّ الجدال من حين إلى آخر هو أمر جيد، وإنَّ الخلافات أمر لا مفر منه في أيَّة علاقة، كما أنَّ تجاهل الخلافات لا يُجدي نفعاً ولا يُعَدُّ حلاً، وتحويل الخلافات إلى صراعات محتدمة لا ينفع أيضاً، فمفتاح العلاقة الناجحة هو معرفة كيفية التعامل مع الخلافات الزوجية اليومية التي لا بد لنا من المرور بها، والأزواج الذين يتعاملون مع بعضهم بصدق وصراحة واحترام وحب يكونون أكثر نجاحاً من أولئك الذين لا يفعلون ذلك ويتجاهلون الأمور دائماً".

وجد "ماكسفيلد" و"غريني" في دراستهما أنَّ أربعة من كل خمسة أشخاص قالوا إنَّ ضعف التواصل مع الشريك أدى دوراً في فشل علاقتهم الأخيرة، علاوةً على ذلك، فإنَّ أولئك الذين ألقوا باللوم على شريكهم لأنَّه لا يجادل ولا يتواصل كانوا أكثر عرضة لعدم رضاهم عن العلاقة.

يبدو أيضاً أنَّ الكثير من الناس لم يتحملوا اللوم عندما سارت المحادثة بشكل سيئ أو أخذت منحى الانتقاد القوي؛ إذ إنَّ أقل من واحد من كل خمسة أشخاص يعتقدون أنَّهم يتحملون اللوم عادةً.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي بين الزوجين وخطوات الوصول إلى علاقة زوجية ذكية عاطفياً

كيف يمكن للجدال أن يكون مفيداً في علاقتك؟

قد تتساءل كيف ولماذا يكون الجدال مفيداً لعلاقتك، ستجد أنَّ العديد من الخبراء يعتقدون ذلك وسيشرحون لك كل شيء:

1. يتيح لك الجدال إيصال احتياجاتك ومشاعرك لشريكك:

كما تعلم من علاقتك الرومانسية وتجاربك العاطفية في السابق أو في الوقت الحالي، تأتي الجدالات بجميع الأشكال وبصرف النظر عن الأسباب.

على سبيل المثال، "أخبرُ مرضاي أن يُظهروا لشركائهم غضبهم"، هكذا قالت "كورتني واتسون" المعالجة الجنسية لدى (Doorway Therapeutic Services)، وأضافت: "الجدال هو أمر صحي؛ وذلك لأنَّك تقوم بإيصال إحباطاتك واحتياجاتك إلى شريكك، فلا يجب أن يكون الجدال مهيناً أو قاسياً، ويمكن أن تعبِّر عن مشاعرك دون كلام بذيء ودون توجيه أيَّة إهانة، فالغضب هو عاطفة طبيعية، وهو ينبهنا ويخبرنا أنَّ شيئاً ما لا ليس على ما يرام، ومن الجيد والمفيد أن تخبر شريكك بذلك".

2. الجدال يحميك من مشاعر الإحباط:

حتى إذا كنت لا ترغب في التحدث إلى شريكك عن شيء يزعجك فسيكون الأمر يستحق ذلك؛ إذ يقول "ماكسفيلد": "إذا لم تتحدث عن الأمر فسوف تتصرف به على محمل الجد"، و"عندما لا يعبِّر الناس عن مخاوفهم تتسرب المخاوف بطرائق أخرى ويصبحون أكثر فظاظة ورفضاً ووقاحة، والحل هو التحدث عنها بطريقة صادقة وصريحة ومحترمة، فالحوار هو الحل، والصمت يتسبب في استمرار المشكلة".

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتقوية العلاقات المتعثرة

3. يساعدك الجدال على التعرف إلى دوافع شريكك:

عندما تتجادل أنت وشريكك فقد يكون الأمر يتعلق بشيء يزعجكما ولم تكن تعرفه من قبل، تقول الدكتورة "لورا فاندر دريفت" أستاذة علم النفس في كلية الآداب والعلوم بجامعة "سيراكيوز": "إنَّ الجدال - إن كان دون ازدراء وانتقاد - يمكن أن يقوي أيَّة علاقة رومانسية"، وتضيف مديرة مركز أبحاث العلاقات الوثيقة في جامعة "سيراكيوز": "من خلال حل مشكلة  التي تحدث في كل علاقة نتعرف إلى دوافع شريكنا".

4. يساعدك الجدال على اكتشاف المشكلة الحقيقية:

في بعض الأحيان قد تتجادل أنت وشريكك، ولكنَّكما لا تتجادلان حول القضية المطروحة، ومع ذلك فكلما تحدثتَ أكثر وصلتَ إلى ما يحدث، و"لاكتشاف الأسباب الحقيقية للخلاف يجب عليك التحدث" هكذا يقول الدكتور "تيسينا" المعروف أيضاً باسم "دكتور رومانس" المعالج النفسي ومؤلف كتاب (How to be Happy Partners Working it Together).

يضيف: "على سبيل المثال، لماذا يريد شريكك تنفيذ "x" بالطريقة هذه تحديداً؟ وكيف يعتقد أنَّه ينبغي القيام بالأمر؟ بمجرد معرفة الأسباب المحددة وراء تفضيلات شريكك وما يحب وما يكره، ستكتشف كيفية حل المشكلات التي لم تكن تعلم أسبابها، فهل هناك سبب ملموس؟ أي إنَّه يقوم بهذه الطريقة لكي يوفر المال؟ أم أنَّه يفعل فقط ما تعلمه من أمه وأبيه؟ بمجرد أن تفهما أسباب بعضكما بعضاً سيكون لديكما الطريق واضحاً للتوصل إلى حل".

إقرأ أيضاً: الاختلافات في أساليب التواصل وأثرها في العلاقات

في الختام:

نحن نعتقد أحياناً أنَّ الشركاء لا يفهمون الأمر أو يتصرفون بشكل اعتباطي، فمن السهل إصدار أحكام مبكرة عما يجب أن يعرفه الشريك، ولكنَّ جزءاً هاماً من إدارة الجدال بشكل فعال هو قضاء بعض الوقت في التفكير في وجهة نظر الشريك وأن نضع أنفسنا مكان الطرف الآخر لكي نشعر بما يشعر به، ونكون بذلك أكثر قدرة على التواصل مع الآخر.

بصرف النظر عن افتراضاتك، من الهام أن تتوقف وتفكر في احتياجاتك واحتياجات شريكك وما تحتاجانه معاً للحفاظ على صداقتكما أو علاقتكما الرومانسية سعيدة ومزدهرة يسودها الانسجام والتفهم والعطاء.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة