التوتر وتأثيره على الجهاز المناعي

هل فكرت يوماً بوجود علاقة بين سهولة وقوعك فريسة للأمراض وبين صحتك النفسية؟ وهل تعلم أنَّ القلق الذي تشعر به ينهش روحك لا يكتفي بها؛ بل يتمادى أيضاً ليطال جهازك العصبي والمناعي، وأنَّ كل ثانية تصرفها في التفكير والقلق والتوتر لها الأثر الكبير في صحتك الجسدية ومدى مقاومتك للأمراض؟



هل تعرف أنَّ العبارات التي ترددها عندما تشعر بكمية كبيرة من التوتر مثل "قتلني الخوف" لها أصل طبي، وأنَّ تعرُّضك لنزلات البرد أو أي مرض آخر بعد مرورك بظرف صعب فيه الكثير من التوتر ليس صدفة؟

أكدت الكثير من الدراسات الطبية وجود علاقة وثيقة بين الصحة النفسية وصحة الجهاز المناعي، وأنَّ كثرة الضغوطات والإحساس الدائم والمستمر بالتوتر والقلق أمور من شأنها إضعاف قوة الجهاز المناعي وقدرته على مقاومة الأمراض بسبب الزيادة في الضغط التي يتعرض لها هذا الجهاز مع مرور الإنسان بأوقات عصيبة.

إذ ترتفع مستويات هرمونات التوتر والإجهاد في الجسم التي تزيد من خطر الإصابة بالالتهابات، فإذا أردت أن تعرف أكثر عن كيفية تأثير التوتر في صحة جهازك المناعي، وإذا كنت بحاجة إلى طرائق ونصائح للتخفيف من هذا التوتر والانفعال بشكل يحسِّن صحتك النفسية والجسدية، فأكمل قراءة المقال.

أولاً: كيف يؤثر التوتر في جهازك المناعي؟

لم يكن عند العلماء أي مجال للشك بوجود علاقة بين الضغوطات النفسية والتوتر وصحة الجهاز المناعي، ولكنَّهم كانوا فقط بحاجة إلى تفسير علمي وطبي لهذه العلاقة، وبدأت الكثير من الأبحاث والدراسات بخصوص هذه العلاقة بمحاولة لفهمها.

أُجريت بهذا الصدد مجموعة من التجارب على الفئران في مختبرات الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة، وخلصت هذه التجارب إلى نتائج تم نشرها في دورية "إم ستيمس" الصادرة عن الجمعية التي أكدت أنَّ تعرُّض الفئران لمواقف مجهدة سببت شعورها بالتوتر، وأحدثت تغييرات في البكتيريا الموجودة في أمعائها، وهذا ما حفَّز نشاط الخلايا المناعية، هذا التحفيز الذي يزيد من احتمال مهاجمة الجسم لنفسه.

إذاً فقد ربطت هذه الدراسة بين الميكروبات المعوية والجهاز المناعي الذي يحدث فيه نوع من الخلل نتيجة الظروف الصعبة والتعرض للقلق والتوتر، فبدلاً من مهاجمة الميكروبات يهاجم نفسه.

تقول "أورلي آفني" الباحثة الأولى في هذه الدراسة: "إنَّ التوتر يمكن أن يزيد من خطر الإصابة، وخاصةً لدى الأفراد المعرضين أصلاً للإصابة بتلك الأمراض نتيجة العوامل الوراثية، وتحدث أمراض المناعة الذاتية بنسبة 5% في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من أنَّ المسببات لها عنصر وراثي، إلا أنَّ الدراسة تشير إلى وجود تأثير كبير للبيئة في تطور تلك الأمراض، ويصل ذلك التأثير إلى نحو 50% من حالات الإصابة".

لم تكن هذه الدراسة هي الدراسة الوحيدة التي بحثت في تأثير الإجهاد والتوتر في الجهاز المناعي بشكل يزيد احتمال الإصابة بأمراض المناعة الذاتية التي قد يصل عددها إلى 80 مرضاً، ولكنَّها حاولت القول إنَّ الخلل الذي يحدث يبدأ من الأمعاء، وقد أكد الباحثون أنَّهم ما زالوا بحاجة إلى فهم أكبر لهذه العلاقة بين الأمعاء والضغوطات الاجتماعية، فإذا كنت تشعر بآلام في أمعائك أو مشكلات معوية بمجرد إحساسك بالتوتر فالسبب بات واضحاً أمامك.

في السياق ذاته أشارت أحدث الأبحاث الطبية إلى وجود علاقة واتصال مباشر بين المخ والجهاز العصبي المركزي، وجهاز المناعة الذي يخضع من خلال مستقبلات وهرمونات ومواد كيميائية وموصلات عصبية ومناعية لأمر القيادة العليا الموجودة في المخ، ومن ثمَّ فإنَّ ما يؤثر في الجهاز العصبي سيؤثر حتماً في جهاز المناعة، وهذا ما ينطبق على التوتر والقلق اللذين يؤثران في حالة الإنسان النفسية وجهازه العصبي، ومن ثمَّ في جهازه المناعي.

شاهد: 15 نصيحة لتحافظ على نفسيتك وتتلّخص من التوتر والإجهاد

ثانياً: ما هي التغيرات التي تطرأ على الجهاز المناعي بسبب التوتر؟

أصبح من الواضح أنَّ الجهاز المناعي للإنسان يتأثر ويضعف بسبب التوتر والقلق، ولا يخفى على أحد الأسباب التي تكمن وراء هذه المشاعر السلبية بدءاً من الشخص نفسه وما يعانيه من أزمات شخصية، وانتهاءً بالمجتمع وطبيعته وما يفرضه من ضغوطات من الصعب التعامل معها دون توتر وانفعال، ولن ننسى صعوبات العمل وحالات الفقد المفاجئة والحوادث وغيرها.

هذا كله يجعل الإنسان هشاً وضعيفاً وعرضةً للإصابة بكثير من الأمراض المناعية والالتهابات، وبشكل علمي يمكن القول إنَّه مع زيادة التوتر والانفعال يزداد إفراز الأدرينالين والكورتيزول، وهذا ما يسبب زيادة في استهلاك الدهون والبروتينات والطاقة المختزنة في الجسم، كما يؤدي إلى تثبيط تكوُّن الأجسام المضادة وخلايا الالتئام والالتهاب، وهذا ما ينتج عنه الإصابة بالمشكلات الآتية:

  1. يصبح الإنسان أكثر استعداداً لالتقاط العدوى من غيره، فهو غير محصن نفسياً، ومن ثمَّ غير محصَّن جسدياً.
  2. بشرة مرهقة وحب شباب وحساسية، كل هذه المشكلات ترجع إلى القلق والتوتر، حتى إنَّ الجروح ستحتاج إلى وقت أطول للالتئام.
  3. يصبح الشخص معرضاً أكثر من غيره بسبب ضعف جهازه المناعي للإصابة بالأمراض المناعية كالتصلب اللويحي والصدفية والسكري من النوع الأول بسبب ارتفاع سكر الدم.

بالنسبة إلى التغيرات التي تطرأ على المناعة بتأثير التوتر والقلق:

  1. حدوث خلل في إنتاج الأجسام المضادة.
  2. حدوث انكماش في غدة التيموس المسؤولة عن الخلايا التائية؛ هذه الخلايا التي يمكن عَدُّها المسؤولة عن جيش الدفاع المناعي، كما يحدث خلل في نموها ووظائفها.
  3. خلل في وظائف الخلايا الأكولة.

من الجدير بالذكر أنَّ الضغط النفسي والتوتر الذي نتعرض له بشكل عادي ولوقت قصير قد يؤثر في الجهاز المناعي، ولكنَّ الخطر الحقيقي الذي نتكلم عنه يكمن في التعرض المزمن للضغط النفسي والتوتر اللذين يثبطان عمل جهاز المناعة.

هنا لا بد من الإشارة إلى أغرب الدراسات في هذا الموضوع وهي دراسة أمريكية حديثة أكدت أهمية البكاء وضرورته لتقوية الجهاز المناعي بِعَدِّ البكاء إحدى طرائق الإنسان الدفاعية التي تساعده على التخفيف من الضغط النفسي والتوتر والقلق، وهذا ما ينعكس إيجابياً على صحة الجسم عموماً وصحة الجهاز المناعي خصوصاً وقدرته على مقاومة الأمراض المتعلقة بالضغوطات النفسية كأمراض القلب، وقد أكدت الدراسة على ضرورة تعبير الإنسان عن مشاعره وعدم كبتها أو كتمانها حفاظاً على صحته.

ثالثاً: كيف يمكننا التخفيف من التوتر حفاظاً على صحة جهاز المناعة؟

التعامل مع الضغط النفسي تعاملاً صحيحاً يُعَدُّ الخطوة الأولى للقضاء على التوتر، ومن ثمَّ الحفاظ على صحة جهاز المناعة وتقويته، وفي سبيل ذلك سنقدم لكم مجموعة من النصائح:

1. ابتعد عن مصادر القلق والتوتر قدر الإمكان:

فإذا كنت تعلم أنَّ أحد الأشخاص يسبب لك التوتر، فحاول التخفيف من علاقتك به أو اقطعها نهائياً.

2. مارِس تمرينات التأمل كاليوغا:

فهذه التمرينات تساعد كثيراً على الاسترخاء والشعور بالراحة، كما أنَّ ممارسة الرياضة هامة لدورها في تنشيط الدورة الدموية التي تساعد على حركة خلايا الجهاز المناعي، وأيضاً تساهم الرياضة في الحدِّ من مستويات الضغط النفسي والتخفيف من التوتر، وهذا يخفف العبء والضغط على الجهاز المناعي، لذلك ننصحك بجعل الرياضة جزءاً أساسياً من روتين حياتك، فخصص لها وقتاً من يومك والتزم بممارستها.

3. حافِظ على صحتك:

وذلك لأنَّ العقل السليم في الجسم السليم، لذلك فإنَّ إحدى أهم الخطوات في سبيل تحقيق صحة نفسية جيدة ومناعة قوية تكون من خلال الالتزام بنظام غذائي صحي غني بكل ما يحتاجه الجسم من فيتامينات ومعادن وعناصر غذائية ضرورية لتقوية مناعتك.

4. تناوَل المكملات الغذائية:

فهي إحدى الوسائل المساعدة على تحصين نفسك وزيادة صحة جهازك المناعي.

5. أكثِر من شرب الماء:

وذلك لأنَّ شرب الماء يعزز من عمل المناعة، وهو السائل الذي يقوم بنقل خلايا الجهاز المناعي لجميع أنحاء الجسم.

6. اهتمَّ بنفسك وأعطها حقها:

ومارِس النشاطات التي تحبها ولا تنهك نفسك في ضغوطات العمل ومشكلاته وظروفك الاجتماعية ومشكلاتها وتهمل صحتك.

شاهد أيضاً: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

7. ابتعد عن كل ما يسبب لك الضرر:

من ممارسات غير صحية كتناول المشروبات الروحية والتدخين وتعاطي المخدرات.

إقرأ أيضاً: ما هي تأثيرات التوتر في الجسد والعقل؟

8. خذ قسطاً كافياً من النوم:

وذلك لأنَّ وقت النوم هام جداً للتخفيف والحدِّ من توتر النهار، ففي الليل وفي أثناء النوم يقوم الجسم بإفراز السيتوكينات، وهي أحد أنواع البروتينات التي تحارب العدوى والالتهابات.

إقرأ أيضاً: الضحك ودوره في تقوية الجهاز المناعي

في الختام:

أصبح واضحاً بالنسبة إلينا بعد قراءة هذا المقال أحد الأسباب الكامنة وراء إصابة بعض الأشخاص بالعدوى، في حين عدم إصابة آخرين وُجدوا في الظروف نفسها؛ إذ إنَّ القوة والصلابة النفسية ترفع من المناعة وتزيد من مقاومة الجسم للأمراض، وفي المقابل فإنَّ الخوف والتوتر يضعفان المناعة.

على أرض الواقع أمثلة كثيرة وخاصةً بعد انتشار جائحة كورونا التي أكدت أنَّ التوتر الزائد والخوف المبالغ فيه كانا من أسباب ارتفاع خطر تلقِّي العدوى أو الإصابة، وعلينا العمل دائماً على التخفيف من التوتر والتدرب المستمر على التعامل مع المواقف والظروف الصعبة بأدنى درجة من الانفعال والتوتر حفاظاً على صحتنا ومناعتنا.




مقالات مرتبطة