التهيئة النفسية: كيف تجعل الناس يفعلون ما تريد؟

تكون التهيئة النفسية حافزاً مثل كلمةٍ أو صورةٍ أو فعلٍ لتغيير سلوك شخصٍ ما، على سبيل المثال، وجدت الأبحاث أنَّنا نستطيع تهيئة شخصٍ ما للمشي ببطء أكثر، من خلال جعله يقرأ كلماتٍ مثل "حذِر" أو "بروية"، ويمكننا جعل شخص ما أقل وقاحةً من خلال جعله يقرأ كلماتٍ مثل "صبور" و"مؤدب" و"محترَم".



إنَّ التهيئة النفسية هي عندما نعرِّض شخصاً ما لشيءٍ يؤثر في سلوكه لاحقاً، دون أن يدرك هذا الفرد أنَّ ذاك الشيء يوجه سلوكه.

كيف تستخدم التهيئة النفسية؟

يمكن استخدام التهيئة النفسية مع مجموعةٍ متنوعة من المحفزات، وفيما يأتي مصادر التهيئة الأكثر شيوعاً:

1. الكلمات:

إنَّ جعل شخص ما يقرأ كلمات أو يرتبها أو يعمل بها يمكن أن يهيئ له العمل على معنى تلك الكلمة، على سبيل المثال: يجب أن تجعلك قراءة كلمة "تعمق" تقرأ هذا المقال بمزيدٍ من التعمق.

2. الصور:

إنَّ إلقاء نظرة على صورة أو رسمها أو العمل عليها يمكن أن يهيئ المرء لما تمثله تلك الصورة.

3. الأفعال، والأشياء، ومقاطع الفيديو:

يمكنك أيضاً أن تهيئ شخصاً عبر الأمور أو الأفعال أو مقاطع الفيديو في الحياة الواقعية، فإذا قدَّم أحدهم الحلوى لك في مكتبه، فستتم تهيئتك بصورة مختلفة عمَّ إذا كان يقدِّم اللحم المشوي.

أمثلة عن التهيئة:

توجد بعض الأمثلة الرائعة عن التهيئة في علم النفس؛ فلنستعرض بعضاً منها:

1. تهيئة الناس ليكونوا أقل وقاحةً:

أجرى الباحث "جون بارغ" (John Bargh) تجربةً لمعرفة ما إذا كان في إمكانه التأثير في السلوك من خلال نشاطٍ سهل؛ إذ كان للباحثين ثلاث مجموعات من المشاركين:

  1. كان لدى المجموعة الأولى "نوع من الوقاحة" وكان على أفرادها ترتيب قائمة من الكلمات الوقحة، مثل: "فظ"، و"عدواني"، و"مزعج".
  2. كان للمجموعة الثانية "حالة من التهذيب"، وقُدِّمت لهم سلسلة من الكلمات المهذبة، مثل: "صبور" و"احترام" و"محترم".
  3. بينما قُدِّم للمجموعة الأخيرة "الحالة المحايدة" كلمات لم تكن مهذبةً ولا وقحة.

وعندما ينتهي أحد المشاركين من ترتيب الكلمات، يطُلَب منه السير في الردهة وإخبار الباحث أنَّه قد انتهى. دون علمهم، كان الباحث غارقاً في نقاش مزيف طويل مع باحث آخر عند وصول المشارك، كانت التجربة لاختبار المدة التي تستغرقها كل مجموعة لمقاطعة الباحث لإخباره أنَّها قد انتهت.

في غضون 10 دقائق، قاطع 60% من المجموعة الوقحة الباحث، بينما 40% فقط من المجموعة المحايدة و20% من المجموعة المهذبة قد تدخلوا وقاطعوه؛ هذه تجربة سهلة، مع درس قوي للغاية؛ فهي تعلِّمنا أنَّه يمكن للناس أن يستعدوا لا شعورياً للتصرف بصورة مختلفة.

شاهد: كيف تمتلك مهارة الإقناع والتأثير في الآخرين

2. التهيئة للأشخاص من خلال رسائل البريد الإلكتروني:

يمكنك تهيئة الناس لتقديم رد الفعل الذي تريده من خلال رسائل البريد الإلكتروني التمهيدية، وهذه ميزة كبيرة ومشكلة محتملة للتكنولوجيا، والتي غالباً ما ينساها الناس؛ إذ تسمح لنا رسائل البريد الإلكتروني بتوجيه الأشخاص قبل أن يتخذوا أي إجراء، وفيما يأتي مثال عن استخدام ذلك مع المتدربين والموظفين والزملاء قبل الاجتماعات والمكالمات الهاتفية أو المقابلات.

كيف تريد أن يشعر شخص ما أو يفعل أو يتصرف؟ هيِّئه لذلك.

فيما يأتي مثال عن رسالتين إلكترونيتين تُرسلان كل أسبوع قبل إجراء مكالمة لتحديد لقاء أسبوعي مع إحدى الفِرَق، وغالباً ما تكون المكالمة قصيرة بسبب ضيق الوقت، إذ توجد عدة نقاط على الفريق مناقشتها في جدول الأعمال في الوقت ذاته.

كانت تُرسَل الرسالة الأولى في السابق قبل المكالمة الأسبوعية عن اللقاء، أمَّا الثانية فتُرسَل الآن قبل المكالمة مكتوبة بلغة مخصصة لتهيئة الفريق.

1. بريد إلكتروني سيئ الصياغة:

مرحباً بالجميع

كالعادة لدينا مكالمة أسبوعية غداً الثلاثاء، مرةً أخرى، نشعر بالتوتر قليلاً بسبب الوقت، وقد نواجه بعض المشكلات في إنجاز المهام المدرجة على جدول الأعمال، أريد منكم جميعاً التشديد على نقاطكم وتجنُّب طرح أسئلة بطيئة أو مطولة في أثناء المكالمة؛ إذ يمكنكم إرسالها إلكترونياً لاحقاً إذا احتجتم إلى ذلك، وقد أرفقت جدول الأعمال.

2. بريد إلكتروني جيد الصياغة:

أهلاً بالفريق

غداً مكالمتنا الأسبوعية عن الأهداف، آمل أن نكون فعالين؛ لأنَّ لدينا الكثير من الأمور لنناقشها. أرجو منكم جميعاً إلقاء نظرةٍ على نقاطكم، وإعداد لمحةٍ عامةٍ منظمة جيداً؛ فذلك سيكون عظيماً؛ لأنَّه بعد ذلك سيكون لدينا متسع من الوقت للأسئلة الوجيزة، إذا كان لديكم بعضاً منها. تذكروا أنَّه يمكنكم أيضاً إرسالها في بريد إلكتروني بعد المكالمة، لقد أرفقت جدول أعمالنا.

تقول كلا الرسالتين الشيء ذاته، لكن عندما بدأ المرسل تغيير الرسائل نحو مزيدٍ من التهيئة الإيجابية، كان الأشخاص أكثر كفاءة ومتحمسين للمكالمة بصورة أكبر، كما أنَّهم أرسلوا لاحقاً سلسلةً من رسائل المتابعة الرائعة، فعادةً ما نتبع ردودنا على الرسالة الإلكترونية الأولى بالنمط نفسه في استخدام الكلمات والعبارات السلبية والمرهقة، ومن المدهش أنَّ البريد الإلكتروني الثاني يدفع الموظفين إلى استخدام لغة لطيفة وفعالة في ردودهم.

تهيئة الناس للنجاح:

يمكن استخدام التهيئة بصورة ضارة أو للتلاعب، ومن الهام جداً أن نستخدمه لتهيئة الأشخاص لتحقيق النجاح، إليك كيفية استخدام التهيئة بصورة جيدة:

  1. استخدام كلماتٍ تهيئة إيجابية مثل: "فعال"، و"معاً"، و"مفيد"، و"هادئ"، و"منظم"، و"فريق".
  2. تجنُّب كلمات التهيئة السلبية مثل: "التوتر"، و"الضغط"، و"التشديد"، و"الاندفاع"، و"المهام".

هذا ليس أسلوباً خادعاً، بل هو فقط يعبِّر عمَّا تريد أن يحدث باستخدام الكلمات المناسبة.

إقرأ أيضاً: كيف تستخدم قوة كلماتك بحكمة؟

في الواقع، يمكن الآن أن تدرس آثار التهيئة في تدريب موظفيك، وأن تكون شديد الشفافية بشأن استخدامها؛ إذ سيقدر معظمهم هذا الجهد كثيراً وسيستخدمونه بأنفسهم، وستجد أيضاً أنَّ رسائل البريد الإلكتروني ذات التهيئة الإيجابية أسهل في الرد عليها وأقل إرهاقاً وأكثر تنظيماً، وهناك فائدة أخرى وهي أنَّ الكتابة بهذه الطريقة تساعدك على الشعور بتوتر أقل لأنَّك لا تستخدم كلمات سلبية.

يُنصَح أيضاً بتجربة التهيئة ليس فقط في رسائل البريد الإلكتروني، لكن أيضاً في:

  1. النصوص.
  2. الدعوات.
  3. التحديثات على الشبكة الاجتماعية.
  4. العروض التقديمية.
  5. المذكرات.
  6. جداول العمل.

يمكنك أيضاً القيام بذلك عند كتابة يومياتك، أو في أثناء قيامك بالعصف الذهني؛ فإذا كنت تدوِّن مذكراتك أو تفكر في نفسك باستخدام كلمات عن المشاعر والأفعال التي ترغب في إحداثها، فسيزداد احتمال نجاحك.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لكتابة رسائل بريد إلكتروني تتلقى ردوداً سريعة

في الختام:

إنَّ التهيئة طريقة ممتعة للتعامل مع موقفك ومواقف الآخرين؛ لذا ننصحك بالتدرب مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، والتحلي بالشفافية بشأن رغبتك في إحداث تأثيرات إيجابية في الأشخاص الذين تتفاعل معهم.

ويمكنك أيضاً استخدام التهيئة إذا كنت بحاجةٍ إلى شخص ما لتعترف له بشيء، وتذكَّر استخدام التهيئة النفسية دائماً للخير وليس الشر.




مقالات مرتبطة