التنمر الإلكتروني للأطفال وما يجب على كل والد معرفته

"سارة"، طفلة تدرس في الصف الثامن، وتملك حساباً على موقع "فيسبوك"، فقد بدأت "سارة" بتلقِّي رسائل تشهير وتهديد من مجموعة من طلبة مدرستها؛ إذ ينشرون صوراً لها، ويضعون تعليقات مسيئة عنها، وقد بدأ الحزن يدخل قلبها، وبدأت تشعر بالقلق والخوف، وأيضاً بدأت تفقد تركيزها في الصف، وتراجعت في تحصيلها العلمي.



بدأ الوضع النفسي لـ "سارة" يسوء، وحتى إنَّها فكرت في ترك المدرسة واللجوء إلى التعليم المنزلي للتخلص من تنمر زملائها، لكن أخيراً أدركت أنَّها لن تستطيع حل الأمر بمفردها، فتحدثت إلى عائلتها والمعلمين في المدرسة عن التنمر الإلكتروني من قِبل زملائها والتحديات التي تواجهها بسبب ذلك، وبعد اتخاذ المدرسة الإجراءات الكفيلة بوقف سلوك التنمر ضد "سارة"، أصبحت حالتها تتحسن لتستعيد حياتها الطبيعية.

ما هو التنمر الإلكتروني للأطفال؟

لم يكن موضوع التنمر الإلكتروني محط اهتمام كبير حتى جاء عام 1983 وقامت فيه السلطات التعليمية في الدول الاسكندنافية بدراسة ظاهرة التنمر في المدارس التعليمية، حتى توصلت إلى وجود 2500 طالب مُتَّهَمين بالتنمر، وحتى وقت قريب كان التنمر بين الأطفال أو نحوهم يتم بأساليب تقليدية، مثل التنمر اللفظي (إطلاق صفات وألقاب أو شتائم)، والتنمر البدني (الضرب)، والتنمر في العلاقات الاجتماعية (استبعاد فرد من مجموعة أو عزله من دائرة الأصدقاء).

مع التطور التكنولوجي الذي نشهده وتطور تقنيات الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي (facebook، instagram، twitter، whatsapp) وغيرها من تطبيقات التواصل التي أوجدت منصة لنشر التنمر على نطاق واسع، فقد تعدى الأمر مجرد إطلاق لقب أو استبعاد فرد من مجموعة، ليصل الأمر إلى نشر الشائعات والقصص المسيئة على نطاق واسع، واختراق الحسابات الشخصية، وإرغام الشخص بطريقة غير أخلاقية على البوح بالبيانات الشخصية الحساسة، والسطو على الصور الشخصية واستخدامها في الإساءة للفرد، وكل ذلك يؤدي إلى نتائج سلبية على الفرد، وقد تصل إلى حد خسارة حياته.

التنمر الإلكتروني هو:

  1. صورة من صور السلوك العدواني يتم على أشكال مختلفة (تنمر بدني، وتنمر لفظي، وتنمر نفسي، وتنمر جنسي) باستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
  2. إيقاع الأذى بالطرف الآخر باستخدام الوسائل الإلكترونية.

استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الإلكترونية، مثل الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي للتنمر ومضايقة الأطفال قولاً وفعلاً، ويتضمن التنمر إرسال الرسائل الإلكترونية العنيفة، أو رسائل التهديد، أو الصور والفيديوهات المهينة، أو نشر الأكاذيب والشائعات عبر الإنترنت.

مخاطر التنمر الإلكتروني على الأطفال:

1- مخاطر نفسية:

يعاني الأطفال الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني من آثار نفسية سلبية وخطيرة في نتائجها في شخصيتهم ونموهم الصحي النفسي المتوازن، ومن تلك المخاطر:

  • القلق والاكتئاب: قد يشعر الأطفال بالقلق والتوتر الشديدين نتيجة التعرض المستمر للتنمر، الأمر الذي يُفقِدهم راحتهم النفسية ويعكر مزاجهم العام.
  • انخفاض تقدير الذات: يؤثر التنمر الإلكتروني في ثقة الأطفال بأنفسهم؛ إذ يشعرون بالخجل والعار، ويشككون في القيم التي يحملونها، وينخفض احترامهم لذاتهم.
  • الشعور بالوحدة والعزلة: يشعر الطفل بالانفصال عن المجتمع والافتقاد لأي دعم اجتماعي من المحيط.
  • الأفكار الانتحارية: عندما يكون التنمر الإلكتروني شديداً، فقد يعجز الطفل عن مواجهته أو التعايش مع آثاره ونتائجه، فيفكر في الانتحار بوصفه وسيلة للهروب من الألم النفسي.

2- مخاطر على الصحة العقلية:

نتيجة الخوف والقلق والهلع الذي يصاب به الطفل جراء التعرض للتنمر الإلكتروني، قد يصاب الطفل باضطرابات نفسية، مثل اضطراب الهلع، واضطرابات النوم، واضطرابات في الأكل التي تؤثر في مجملها في صحة الطفل العقلية.

3- مخاطر على الأداء العلمي والأكاديمي:

يؤثر التنمر الإلكتروني تأثيراً مباشراً في التحصيل العلمي والدراسي للطفل، فمن آثاره فقدان التركيز، وتشتت الانتباه، وانخفاض الدافعية والرغبة في التعلم، وانخفاض استيعاب المواد الدراسية، وانخفاض مشاركة الطفل في النشاطات الصفية، وكثرة الغياب عن الصف الدراسي.

4- مخاطر جسدية:

يؤدي التنمر الإلكتروني إلى الإجهاد والتوتر الجسدي لدى الأطفال، فقد يشعرون بالتوتر العصبي، ويعانون من آلام في العضلات والصداع، والاضطرابات الهضمية؛ وذلك نتيجة للضغط النفسي الذي يتعرضون له، إضافة إلى معاناة الأطفال من الأرق واضطرابات النوم، وحدوث تغيرات في العادات الغذائية، مثل فقدان الشهية أو زيادتها، وكل ذلك من شأنه أن يسبب احتمال وقوع مخاطر جسدية على الطفل.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من السّلوك السيء؟

كيف نحمي أبناءنا من التنمر الإلكتروني؟

تحتاج الأسرة إلى بناء قواعد واضحة وصارمة لاستخدام أبنائها للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، فالتنمر الإلكتروني ظاهرة مؤذية ومدمرة، وتحمل آثاراً خطيرة يجب العمل على حماية أبنائنا منها، ويكون فعل ذلك من خلال ما يأتي:

1. إعداد قواعد استخدام الإنترنت الآمنة:

تأكد من وضع قواعد آمنة لاستخدام أطفالك للإنترنت والهواتف الذكية، فيجب أن تتضمن هذه القواعد ضرورة الحفاظ على الخصوصية، وعدم مشاركة المعلومات الخاصة مع الأصدقاء، إضافة إلى ضرورة احترام خصوصية الآخرين.

2. توعية الأطفال وتثقيفهم:

يقع على الآباء عبء توعية الأطفال بمخاطر التنمر الإلكتروني بوصفهم المسؤول الأول عن سلوكاتهم؛ إذ يقومون بما يأتي:

  • الحوار المفتوح: افتح حواراً مع الأطفال حول التنمر الإلكتروني، واستمع لمخاوفهم واستفساراتهم، وتحدَّث بلغة واضحة وبسيطة تناسب عمرهم.
  • توضيح مفاهيم التنمر الإلكتروني: أوضح للطفل معنى التنمر الإلكتروني، وكيف يجب ألا يمارسه ضد الآخرين ولا يقبل أن يمارَس ضده.
  • تعريف الطفل بالسلوكات الصحيحة لاستخدام الإنترنت والسلوكات غير الصحيحة التي يجب عليه عدم القيام بها نهائياً.
  • تعزيز ثقة الأطفال في الإبلاغ: أكد للأطفال ضرورة وأهمية الإبلاغ عن أيَّة إساءة تصلهم عبر الإنترنت والمواقع الإلكترونية المختلفة، وأكد لهم أنَّك سوف تكون داعماً لهم في مواجهة أيَّة مشكلة يتعرضون لها.
  • تعريف الأطفال بالأدوات المساعدة التي يلجؤون إليها عند تعرضهم للتنمر الإلكتروني، مثل حظر شخص، وتبليغ المسؤول في المدرسة، أو تبليغ الشرطة.

3. متابعة نشاط الأطفال على الإنترنت ومراقبتهم:

راقب نشاط أطفالك على مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات التي يزورونها عبر شبكة الإنترنت وتطبيقات المراسلة التي يستخدمونها، ومن ثم ناقش هذه السلوكات معهم، وأوضح السلوكات غير المقبولة منها وسبب ذلك.

شاهد بالفيديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه

4. تثبيت برامج حماية على أجهزة الأطفال الإلكترونية:

يوجد عدد من البرامج التي تحمي الأطفال من الوصول إلى مواقع غير مناسبة أو سيئة.

5. التعاون مع المدرسة والنوادي التي يلتحق بها الطفل:

يجب التعاون مع جميع الأماكن التي يلتحق بها الطفل ويمارس نشاطات ضمنها؛ وذلك من أجل نشر التعريف بالتنمر الإلكتروني ومخاطره، وتحديد السلوكات التي تبعد الأطفال عنه.

إقرأ أيضاً: التنمر وأنواعه: ما هي السلوكيات التي لا تعد تنمراً؟

تحقَّق من المتصفح (على الكمبيوتر المكتبي أو الكمبيوتر المحمول أو الهاتف أو الجهاز اللوحي) في أثناء وقت الواجب المنزلي للتأكد من قيامهم بواجبهم المنزلي بالفعل، ومن الطبيعي أن يغضب ابنك المراهق من هذا الأمر، لكن يمكنك تذكيره بأنَّك الوالد وأنَّ الآباء المحبين يريدون الحفاظ على أمان أطفالهم.

6. تشجيع الأطفال على الانخراط الإيجابي في مواقع التواصل الاجتماعي:

شجع أطفالك على الانخراط في التجارب الإيجابية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتكوين علاقات اجتماعية يسودها الاحترام والدعم المتبادل.

7. القدوة الحسنة:

يجب على الآباء أن يكونوا القدوة الحسنة لأولادهم في كل شيء، ومن ضمنها استخدام الإنترنت؛ لذا اعتمد على ممارسة السلوك الإيجابي واحترام الآخرين في نشاطك عبر الإنترنت، وساعد أطفالك كي ينجحوا في تكوين علاقات صحيحة عبر الإنترنت.

إقرأ أيضاً: ظاهرة التنمر الإلكتروني وآثارها السلبيّة على الشخص

في الختام:

في عصر انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الاجتماعي أصبح المجتمع عامةً والآباء خاصةً على يقين بأنَّهم غير قادرين على إبعاد الأطفال عن هذا التطور، فإذا نظرت نظرة سريعة إلى المحيط، فسوف تجد الأطفال يحملقون النظر في هواتفهم؛ إذ يؤدي الإنترنت اليوم دوراً كبيراً في حياة الأطفال، وقد أصبح الوصول إليه أمراً سهلاً ومتاحاً.

يواجه الأطفال تحديات ومخاطر محتملة عبر الإنترنت، وأهمها ظاهرة التنمر الإلكتروني، هذه الظاهرة التي تحمل في جوفها مخاطر عدة وقاسية على الصحة النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية؛ لذا يبرز هنا دور الآباء والأمهات في حماية أطفالهم من التنمر الإلكتروني وتوفير بيئة آمنة لهم للانخراط في النشاطات الإلكترونية، من خلال تعزيز الوعي الثقافي بظاهرة التنمر الإلكتروني، وتشجيع الأطفال على الإبلاغ عن أي هجوم يتعرضون له، والتأكيد المستمر لهم بأنَّهم سوف يحصلون على الدعم المناسب، ولن يواجهوا المشكلات بمفردهم.




مقالات مرتبطة