التلوث الزراعي: أسبابه وآثاره الرهيبة

ينشأ التلوث الزراعي في الغالب من الممارسات الزراعية؛ إذ تساهم العمليات الزراعية والحراثية الحديثة في تدهور وتلوث بيئتنا والنظم البيئية المجاورة، فالأسمدة ومبيدات الآفات ومبيدات الأعشاب وروث الحيوانات والمواد الكيميائية الزراعية الأخرى غنية بالمغذيات الكيميائية والمواد السامة التي غالباً ما تكون المصادر الرئيسة للتلوث الزراعي.



يمكن أن يؤثر الاستخدام المفرط لهذه المنتجات في جودة المياه عند هطول الأمطار، وقد تتسرب هذه المواد الملوثة لتصب في المياه الجوفية، كما يمكن أيضاً أن تُمتص المواد الكيميائية بواسطة النباتات التي تستهلكها الحيوانات والبشر بعد ذلك، وهي ضارة بشكل رهيب بصحة الإنسان والحيوان، وفي هذا المقال سنتعرف أكثر إلى أسباب هذا التلوث وآثاره الخطيرة في البيئة ومخلوقاتها، فتابعوا معنا.

أسباب التلوث الزراعي:

يأتي التلوث الزراعي من مصادر متنوعة بسبب تعقيده، ولكنَّ المصادر الرئيسة تشمل ما يأتي:

تسرُّب المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والكيميائيات الزراعية الأخرى:

مبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات من بين الكيميائيات الزراعية الأخرى، وهي الأسباب المهيمنة للتلوث الزراعي بسبب أعداد الآفات والأعشاب والأمراض الغازية، وهي شديدة السمية ولديها القدرة على البقاء في البيئة لعقود.

عندما تمطر تتفاعل المياه مع هذه المواد الكيميائية السامة التي تتسرب بعد ذلك إلى مصادر المياه الجوفية أو تنجرف إلى المجاري المائية القريبة، ومن ثمَّ تُلوِّث المواد الكيميائية المياه والتربة، وتقتل الكائنات الحية الدقيقة في التربة، إضافة إلى الحشرات النافعة؛ إذ يتأثر الناس والحيوانات أيضاً عندما يستنشقون المواد الكيميائية الزراعية أو يستهلكونها بشكل غير مباشر.

المغذيات الزائدة:

على الرغم من أنَّ الكثير من روث الحيوانات والأسمدة ليست سامة بشكل مباشر، إلا أنَّها تحتوي عادةً على مغذيات كيميائية زائدة وخاصةً الفوسفور والنيتروجين، كما أنَّها تشكل الأسباب الرئيسة للتلوث بالمغذيات من المصادر الزراعية، ويمكن أن يكون للمغذيات الزائدة عواقب مأساوية على جودة المياه والحياة المائية.

عندما تمتزج هذه العناصر الغذائية في أنظمة المياه مثل الأنهار والبحيرات والجداول أو المحيطات خلال فترات الأمطار، فإنَّها تغير دورات المغذيات البحرية والمياه العذبة، ونتيجةً لذلك تؤثر في تكوين الأنواع داخل الأنظمة البيئية المعنية، والنتيجة الأكثر شيوعاً هي ظاهرة التخثث أو فرط المغذيات التي تستنفد الأوكسجين المذاب في الماء، ومن ثمَّ يمكن أن تقتل الأسماك والحياة المائية الأخرى.

الملوثات العضوية:

تحتوي الأسمدة والمواد الصلبة الحيوية في كثير من الأحيان على مغذيات مثل النيتروجين والكربون والفوسفور، وإضافة إلى ذلك ونظراً لمعالجتها صناعياً، فقد تحتوي أيضاً على ملوثات مثل منتجات العناية الشخصية (PPCPs) والمستحضرات الصيدلانية.

لقد تم العثور على هذه المنتجات في أجسام الإنسان والحيوان، ويُعتقد أنَّ لها آثاراً صحيةً سلبيةً في الحياة البرية والحيوانات والبشر، فقد يصبح التلوث الزراعي أكثر صعوبةً في التعامل مع مثل هذه الأنواع من الملوثات العضوية.

الماشية:

الثروة الحيوانية وحدها تساهم مساهمةً كبيرةً في التلوث الزراعي، وتُعَدُّ الأعلاف والأنظمة الغذائية غير الطبيعية التي تتم تغذيتها للماشية من المصادر الهامة للغازات الدفيئة والمغذيات من الفضلات الناتجة عنها، كما تُعَدُّ المركبات القائمة على النيتروجين مثل النيتروجين والأمونيا مصادر محتملةً للانبعاثات الغازية، فعندما تترسب الأمونيا بكميات كبيرة في المياه السطحية، يمكن أن تضر بالحياة المائية.

المعادن الثقيلة:

تحتوي المدخلات الزراعية الأولية بما في ذلك مبيدات الآفات ومخلفات المنتجات الثانوية الصناعية وبعض الأسمدة ومنتجات كيميائية زراعية معينة على آثار من المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والكادميوم والزئبق والرصاص، فعندما تتراكم هذه المواد في التربة أو مكب النفايات قد تصل إلى المجاري المائية أو تتسرب إلى مصادر المياه الجوفية أو تمتصها النباتات، وفي النهاية تستهلكها الحيوانات والبشر، وهذا يؤثر في صحتهم أو حتى يتسبب في وفيات مبكرة، كما يمكن أن تسبب المعادن الثقيلة فشل المحاصيل وتسمم الماشية من المياه أو الطعام الملوث.

تآكل التربة والترسيب:

تساهم عمليات الزراعة المكثفة مساهمةً كبيرةً في تآكل التربة وترسيبها، ومن خلال عمليات الزراعة يتم تفكيك ملايين الأطنان من التربة الخصبة وتدهورها وتآكلها، عن طريق جريان مياه الأمطار التي ينتهي بها الأمر إلى التراكم على شكل رواسب في الأنهار والجداول والبحيرات والمحيطات أو مناطق برية أخرى، ومن ثمَّ يؤثر هذا في جودة المياه بطرائق مختلفة، على سبيل المثال، من خلال جعلها قذرةً أو تلويثها بمخلفات الكيميائيات الزراعية الموجودة في التربة.

قد يؤدي الترسيب أيضاً إلى تقييد تغلغل الضوء في الماء، وهذا يؤثر في أشكال الحياة المائية، ويمكن أن يؤدي التعكر الناتج إلى إعاقة عادات تغذية الأسماك المائية، وقد يساهم الترسيب أيضاً في تكوين الملوثات الزراعية في المجاري المائية والأراضي الأخرى.

الآفات والأعشاب والأمراض الغازية:

لا تسبب الآفات والأعشاب الضارة والأمراض الغازية تلوثاً زراعياً بشكل مباشر، ومع ذلك بسبب العدد المستمر والمتزايد من الآفات والأعشاب الضارة والأمراض التي يمكن أن تؤثر سلباً في غلة المحاصيل، يلجأ المزارعون إلى الاستخدام المستمر لمبيدات الآفات ومبيدات الأعشاب والمواد الكيميائية الزراعية الأخرى لمكافحة هذا الكابوس.

نتيجةً لذلك، تستمر الاستخدامات المتزايدة لهذه المنتجات الكيميائية في تدمير التربة والحيوانات والنباتات والمياه والحياة البرية على أساس تعقيدات التلوث الزراعي، ومن ثمَّ يتغير النظام البيئي تدريجياً.

شاهد بالفديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه

حرث المزارع وانبعاثات الأوكسيد:

تشمل الحراثة والعمليات الأخرى في بعض الأحيان عملياتٍ ميكانيكيةً مثل استخدام الجرارات والحصادات من بين الآلات الزراعية الأخرى التي تحرق الوقود الأحفوري الذي يطلق انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، كما أنَّ العمليات الكيميائية الحيوية في التربة تبعث بشكل طبيعي أنواعاً عديدةً من غازات الاحتباس الحراري.

إضافة إلى ذلك يرتبط الري بتراكم السيلينيوم (Se) الذي يوجد بشكل طبيعي في التربة، وإجمالاً تؤدي هذه العوامل إلى تلوث زراعي، واعتماداً على مستويات التركيزات يمكن أن تكون ضارةً بالبشر والحياة البرية والنباتات والحيوانات.

الآثار الرهيبة للتلوث الزراعي:

التلوث الزراعي هو الأعلى عندما يتعلق الأمر بتأثير جودة المياه في البحيرات والأنهار والجداول والمحيطات، فقد أدت الأسمدة والمبيدات والسماد الطبيعي ومبيدات الأعشاب والمواد الكيميائية الزراعية الأخرى إلى انتشار التلوث في المجاري المائية والمياه الجوفية، وهذا أثر بدوره في النباتات والحياة البرية والبشر والحيوانات.

تؤدي المستويات العالية من السموم إلى تدهور المياه، وتستنفد العناصر الغذائية الكيميائية الأوكسجين الذائب، وتقتل الحياة المائية والأسماك، وأيضاً ترتبط العديد من مشكلات صحة الإنسان والوفيات المبكرة بالتلوث الزراعي، فالمبيدات الحشرية والأمونيا والمعادن الثقيلة والأسمدة والزيوت من المزارع والآلات الزراعية تدمر وتقتل الحيوانات والحياة المائية وتسبب المشكلات الصحية عند دخولها مياه الشرب. فيما يأتي الآثار التفصيلية للتلوث الزراعي:

المشكلات الصحية:

تسبب المبيدات الحشرية والأمونيا والمعادن الثقيلة والأسمدة والزيوت من المزارع والآلات الزراعية مشكلات صحيةً خطيرةً عند دخولها مياه الشرب، فعندما يستهلك البشر المياه الملوثة، فإنَّهم يمتصون المواد الضارة إلى أنظمتهم مباشرةً، وهذا قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة أو حتى الموت المبكر؛ إذ أكدت المصادر أنَّ تناول النترات من المياه الملوثة يسبب متلازمة الطفل الأزرق التي تؤدي إلى وفيات الرضع.

المواد الكيميائية الضارة الأخرى مثل المعادن الثقيلة يمكن أن تضعف أعضاء الجسم الحيوية والجهاز المناعي، ويمكن أن تدمر الجهاز العصبي، فقد تؤدي الطفيليات والبكتيريا من نفايات المزرعة أيضاً إلى تلويث المياه، وهذا يساهم في الإصابة بالأمراض والوفيات.

التقليل من العائدات الزراعية طويلة الأمد:

تُستخدم مبيدات الآفات ومبيدات الأعشاب جنباً إلى جنب مع الكيميائيات الزراعية الأخرى بشكل مستمر لمكافحة الآفات والأعشاب والأمراض الغازية أو في العمليات الزراعية الأخرى، ومع ذلك لا يدرك العديد من المزارعين الآثار طويلة الأمد لاستخدام هذه المواد الكيميائية السامة باستمرار، ونظراً لبقائها في التربة لسنوات، فإنَّ لديها القدرة على تلويث المياه والنباتات وقتل الكائنات الحية الدقيقة في التربة وكذلك الحشرات المفيدة.

بهذا المعنى، فإنَّ ذلك يؤثر في خصوبة التربة وجودة الإنتاج والتوازن البيئي، ويمكن أن يقلل على الأمد الطويل من إجمالي المحاصيل الزراعية، فربما يكون هذا هو السبب في عودة المزارعين إلى طرائق الأسمدة التقليدية والزراعة العضوية.

التأثير في الحياة المائية:

نظراً لأنَّ التلوث الزراعي يؤثر تأثيراً أساسياً في أنظمة المياه والمياه الجوفية، فإنَّ أشكال الحياة المائية تتأثر بشدة، فيمكن أن تُمتص المواد الكيميائية الزراعية ومبيدات الآفات والأسمدة بواسطة أشكال الحياة المائية التي تؤثر في صحتها ودوراتها الإنجابية.

تؤدي المستويات العالية من النيتروجين والفوسفور من الأسمدة والفضلات الحيوانية في المياه السطحية إلى زيادة المغذيات التي تستنفد الأوكسجين المذاب، وتقتل الأسماك والحياة المائية الأخرى، وأيضاً يمكن للمركبات الكيميائية الأخرى مثل المعادن الثقيلة والأمونيا أن تضر بالحياة المائية وتقتل الأسماك.

التخثث (فرط مغذيات التربة):

تؤدي المستويات المتزايدة من المغذيات الكيميائية في النظم المائية والنيتروجين والفوسفور من السماد الطبيعي والكيميائي إلى زيادة المغذيات عند امتزاجها بالمياه السطحية القريبة عن طريق الأمطار أو الري، فالتخثث هو النمو الكثيف للحياة النباتية والطحالب على سطح الماء.

يؤدي التخثث على نطاق واسع إلى استنفاد الأوكسجين المذاب الذي يمكن أن يقتل الأسماك والكائنات الحية المائية الأخرى، كما أنَّه يرتبط بزيادة حدوث التسمم بالمحار الشللي لدى البشر، وهذا يؤدي إلى الوفاة.

تلوث التربة واستنفاد خصوبتها:

عادةً ما تلوث مبيدات الآفات الكيميائية ومبيدات الأعشاب والكيميائيات الزراعية المستخدمة لمكافحة الآفات والأمراض والأعشاب الضارة التربة ويمكن أن تستمر لسنوات، ونتيجةً لذلك فإنَّها تُغيِّر تدريجياً النشاطات الميكروبية في التربة وكيميائيتها، وهذا يؤدي إلى استنفاد خصوبتها عن طريق قتل الكائنات الحية الدقيقة في التربة.

تشير التقارير إلى أنَّ ملايين الأطنان من التربة الخصبة تُفقد سنوياً بسبب استخدام الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب جنباً إلى جنب مع الممارسات الزراعية الأخرى.

شاهد بالفديو: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة

تلوث المياه:

تؤدي العمليات والممارسات الزراعية مثل الإدارة غير الملائمة لمياه الري إلى تلوث المياه من الجريان السطحي إلى المياه السطحية والجوفية، فقد يؤدي استخدام الأسمدة والمبيدات والسماد الطبيعي ومبيدات الأعشاب والمواد الكيميائية الزراعية الأخرى إلى تلوث المجاري المائية والمياه الجوفية على نطاق واسع وتقليل جودة المياه.

يؤدي تآكل التربة والترسيب إلى تلويث المياه على حد سواء وجعلها قذرةً وزيادة تعكرها، وبدورها تتأثر النباتات والحياة البرية والإنسان والحيوان والحياة المائية سلباً.

تلوث الهواء:

يمكن أن تكون الماشية والتربة المخصبة مصادر كبيرةً للانبعاثات الغازية، فالمركبات القائمة على الكربون والنيتروجين مثل أكاسيد النيتروجين والأمونيا مؤهلة بوصفها غازات دفيئة محتملة.

تساهم الحراثة والحصاد والنشاطات الزراعية الأخرى التي تنطوي على عمليات ميكانيكية مثل استخدام الجرارات أو الحصادات من بين الآلات الزراعية الأخرى مساهمةً كبيرةً في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن طريق حرق الوقود الأحفوري، إضافة إلى ذلك فإنَّ بعض العمليات الكيميائية الحيوية في التربة تنبعث انبعاثاً طبيعياً من العديد من الغازات الدفيئة.

تدمير التنوع البيولوجي:

يؤدي الاستخدام المستمر للمنتجات الكيميائية في الإنتاج الزراعي إلى تدهور وتدمير التربة والحيوانات والنباتات والمياه والحياة البرية، وهذا يغير تدريجياً النظم البيئية التي تدعم التنوع البيولوجي.

إضافة إلى ذلك يمكن لمبيدات الآفات أن تقتل الحشرات المفيدة والكائنات الدقيقة في التربة والطيور وبعض الأنواع الصغيرة النادرة، مثل الفراشات التي لها تأثيرات بعيدة الأمد في التنوع البيولوجي، ونظراً لأنَّ هذه المواد الكيميائية تظل في التربة لسنوات عديدة، فإنَّ التداعيات على التنوع البيولوجي هائلة.

إقرأ أيضاً: التغيُّر المناخي: أسبابه وآثاره والحلول المقترحة

في الختام:

كنا معكم في هذا المقال وتعرفنا معاً إلى التلوث الزراعي، كما تحدثنا عن أسبابه المتنوعة، إضافة إلى آثاره الرهيبة في البيئة وكائناتها، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.




مقالات مرتبطة