التفكير النقدي للأطفال: علمهم كيف يفكرون وليس بماذا يفكرون

التفكير النقدي للأطفال هو مهارة حياتية هامة، ولسوء الحظ، فإنَّ الذهاب إلى المدرسة يكاد يكون نقيضاً لتعليم التفكير النقدي.



ففي المدرسة، يتعلم الأطفال إعادة ما يقوله المعلم أو الكتاب المدرسي، ويتعلمون اتباع الخطوات الصحيحة بالترتيب الصحيح للحصول على الإجابة الصحيحة؛ حيث تمتلئ الفصول الدراسية بالتدريبات والحفظ والواجبات المنزلية بدلاً من تعليم الطلاب التفكير، فالأمر متروك لنا نحن الأهالي لاستكمال تعليم أطفالنا بأمثلة في التفكير النقدي والتعليم في الحياة اليومية؛ لذا دعونا نلقي نظرةً على الأسباب التي تدفعنا إلى مساعدة أطفالنا على أن يصبحوا مفكرين نقديين وكيف نفعل ذلك.

ما هو التفكير النقدي؟

التفكير النقدي هو مجموعة من المهارات والعادات الذهنية، بما في ذلك القدرة على تحديد مشكلة وتحديد الافتراضات وتحليل الأفكار والعقل النقدي، ثمَّ سرد الأسباب المحتملة المختلفة سرداً منهجياً أو إنشاء حلول معقولة أو تقييم صحتها باستخدام التفكير المنطقي، ويشمل أيضاً القدرة على إجراء اتصالات إبداعية بين الأفكار من مختلف التخصصات.

أطلق الفيلسوف وعالم النفس والمعلم الأمريكي "جون ديوي" (John Dewey) -1859-1952- على هذا "التفكير التأملي" (reflective thinking)، وعرَّف "ديوي" التفكير النقدي بأنَّه دراسة نشطة ومستمرة ودقيقة لاعتقاد أو شكل مفترض من المعرفة؛ حيث إنَّه ينطوي على إخضاع الأفكار إخضاعاً نشطاً للتدقيق النقدي بدلاً من قبولها قبولاً سلبياً.

يدور التفكير النقدي للأطفال حول مساعدتهم على تطوير مهارات التفكير، فالمفكِّر النقدي يسأل الأسئلة الصحيحة بدلاً من مجرد القول: "نعم، هذه هي الإجابة الصحيحة"؛ ويُحلِّل الأشياء والبحث في أسبابها وجميع البدائل.

إقرأ أيضاً: التفكير النقدي: تعريفه، أهميته، ضوابطه، وكيف نطبقه؟

لماذا يعدُّ التفكير النقدي هاماً؟

التفكير النقدي هو أحد أهم المهارات الحياتية؛ ذلك لأنَّه يعلِّمنا كيفية استخدام الانضباط والمهارات المنطقية لحل المشكلات، وكما أنَّه هام لنمو دماغ الطفل وتطوُّره المعرفي؛ حيث تسمح هذه المهارات الضرورية للأطفال بفهم كيفية عمل الأشياء في العالم الحقيقي، والتوصل إلى أفكار إبداعية.

وإلى جانب اكتساب مهارات حل المشكلات، فإنَّ القدرة على التفكير المستقل ستسمح للأطفال بمقاومة ضغط الأقران وتكوين آرائهم الخاصة والثقة بتفكيرهم عندما يُطلَب منهم القيام بأشياء لا يريدون القيام بها، وبالنسبة إلى المشكلات اليومية، قد يكون من الكافي الاعتماد على التعلم عن ظهر قلب، والذي يتدنى من حيث الترتيب الذي يتلقاه أطفالنا من مدارسهم.

ومع ذلك، فإنَّ التحيز أو ضيق الأفق أو العاطفة أو العقيدة يمكن أن يقللوا بسهولة من فائدته، فعند مواجهة مشكلات معقدة، يعتمد الأشخاص غير المعتادين على التفكير النقدي عادةً على حقائق مبسطة، ولكنَّها غالباً ما تكون غير دقيقة أو قديمة، ومنشورة بواسطة وسائل الإعلام، وباستخدام طريقة التفكير العليا، يمكننا تجنُّب ارتكاب أخطاء غير منطقية نرتكبها عادةً إذا رأينا العالم من خلال عواطفنا وتحيزاتنا وأفكارنا غير العقلانية.

لماذا يصعب تدريس التفكير النقدي؟

إذا كان التفكير النقدي جزءاً هاماً من التعلم، فلماذا لا تركز المدرسة على تدريس المهارات الحيوية؟ والإجابة هي: "إنَّهم يحاولون، لكنَّهم لا يستطيعون".

وهذا لأنَّه من أجل "التفكير النقدي" في موضوع ما، يحتاج المرء إلى معرفة عميقة بالموضوع وتطبيق المنطق الشكلي، ولا توجد طريقة فعالة لتعليم المعرفة "العامة" و"العميقة"، فمهارات التفكير النقدي المكتسبة في برامج موضوعات معيَّنة لا تنتقل بسهولة إلى مجالات أخرى.

إقرأ أيضاً: كيف تطور مهارات التفكير النقدي وتفكر بوضوح؟

كيف تعلِّم الأطفال التفكير النقدي؟

على الرغم من صعوبة تدريس التفكير النقدي في موضوعات محددة، هناك أشياء يمكن للآباء القيام بها لمساعدة الأطفال على تكوين عقلية التفكير النقدي وتنمية الرغبة في البحث عن معرفة أعمق بالمجال لحل المشكلات في الحياة الواقعية؛ حيث إنَّ الفكرة الرئيسة هي تعليم الأطفال كيفية تطبيق عمليات التفكير العليا في أي موقف يتطلب مهارات اتخاذ القرار في الحياة اليومية.

وبينما توجد نشاطات أو ألعاب لتعزيز التفكير النقدي، فإنَّ التفكير النقدي لا يقتصر على طرح أسئلة مفتوحة؛ لذا إليك بعض النصائح لما يمكن للوالدين فعله لتعليم الأطفال التفكير النقدي في الحياة اليومية:

1. ابدأ مبكراً واشرح كل شيء:

غالباً ما يسأل الأطفال الصغار الكثير من الأسئلة التي ترهق الوالدين لدرجة قول "هذا ما يفترض أن يكون عليه الأمر"، ولكنَّ معرفة السبب هي الخطوة الأولى الحاسمة في التفكير النقدي، فعندما يتم تعليم الأطفال منذ صغرهم كيفية طرح أنواع مختلفة من الأسئلة وصياغة الأحكام من خلال الأدلة الموضوعية والتفكير المنطقي، فإنَّهم يكبرون واثقين من قدرتهم على التشكيك في الافتراضات والتفكير بالمنطق بدلاً من العواطف.

لذا لا تتجاهلهم لمجرد أنَّهم أطفال أصغر سناً، واشرح لهم قدر الإمكان الأشياءَ في سن مبكرة، فعندما لا تتمكن من الإجابة عن الأسئلة، يمكنك أن تقول: "هذا سؤال جيد وأريد معرفة الإجابة أيضاً".

2. لا تطلب طاعةً عمياء:

إنَّ مطالبة الأطفال بطاعة واتباع أوامر البالغين بشكل أعمى تثبِّط تنمية التفكير النقدي لديهم؛ حيث يوضِّح كتاب "ستانلي ميلجرام" (Stanley Milgram) "طاعة المسؤولين في السلطة" (Obedience To Authority Experiments) هذه النقطة تماماً.

في هذه السلسلة الشهيرة من التجارب، طُلِب من الأشخاص إجراء صدمات كهربائية على شخص غريب عندما طلب منهم ذلك شخص صاحب سلطة، وفي بعض الحالات، كانت الصدمة مؤلمةً بدرجة كافية لإحداث إصابة خطيرة، ولكن بموجب تعليمات "السلطة"، وزاد المشاركون تدريجياً شدة صدمات الكهرباء ثمَّ استخدموا صدماتٍ مميتة دون إبداء أي اعتراض، وهذا هو خطر الانصياع للسلطة انصياعاً أعمى دون ممارسة التفكير النقدي للتشكيك في قرارها.

يطالب الآباء في الكثير من الأحيان الأطفال بالطاعة من أجل مصلحتهم، بينما نحن نحتاج إلى توضيح سبب رغبتنا في أن يفعلوا ما نطلبه منهم، وقول: "لأنَّني قلتُ ذلك" لن يطور مهارات التفكير المنطقي لدى الأطفال؛ حيث يحتاج الطفل إلى معرفة سبب التفكير باستقلالية وإصدار أحكام سليمة.

عندما نستخدم المنطق والتفكير المنطقي لشرح ما نطلب من الأطفال القيام به، فإنَّنا نمارس الانضباط الاستقرائي (inductive discipline)؛ حيث تشير الدراسات إلى أنَّ الانضباط الاستقرائي هو أفضل طريقة للتأديب مقارنةً بفرض القوة والعقاب؛ لذا يعاني الأطفال من مشكلات سلوكية أقل وتنظيم عاطفي أفضل وأداء أكاديمي أعلى ومهارات أكثر عندما يتعلمون التفكير النقدي.

3. شجِّع الأسئلة وعزِّز الفضول لدى الأطفال:

التفكير المنطقي هو تحليل موضوعي ونقدي لفكرة ما بدلاً من الاستجابة العاطفية أو الفهم الذاتي، فالتفكير النقدي هو أن تكون على استعداد لتحدي آرائك بمعلومات جديدة ووجهات نظر مختلفة، فعندما لا تكون السلامة والصحة على المحك، فاسمح للأطفال بالتساؤل ومناقشة شرعية ما نقوله، فالقيام بذلك يساعدهم على تنمية الفضول الفكري والمهارات التحليلية.

4. علِّم التفكير المنفتح:

يُعَدُّ التفكير المنفتح والمرن عند التعامل مع مشكلة جديدة أمراً ضرورياً في التفكير النقدي؛ حيث يمكننا تعليم الأطفال أن يكونوا منفتحين من خلال اقتراح وجهات نظر مختلفة أو تفسيرات بديلة أو حلول مختلفة للمشكلات، وفي بعض الأحيان، هناك أشياء لها إجابات محددة وقابلة للتكرار، مثل الرياضيات والعلوم، ولكن في الكثير من الأحيان، هناك إجابات مختلفة بناءً على وجهة نظر المرء؛ لا شجِّع الأطفال على حل المشكلات بطرائق جديدة ومختلفة من خلال ربط الأفكار من المجالات الأخرى.

إقرأ أيضاً: 6 أمور أساسية لتنمية مهارات الطفل

5. اشرح الاختلاف بين الارتباط والسبب:

أحد أكبر عوائق التفكير المنطقي هو الخلط بين الارتباط والسببية.

عندما يحدث شيئان معاً، فإنَّهما مرتبطان، لكنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنَّ أحدهما يُسبب الآخر، فقد يكون أو قد لا يكون كذلك، ولا نعرف ما لم يكن لدينا المزيد من المعلومات لإثبات أنَّ أحدهما هو سبب مباشر للآخر.

فعلى سبيل المثال: عندما يرتدي الطفل قميصاً أزرق في المدرسة، يناديه المعلم للإجابة عن سؤال، فهل يعني أنَّ ارتداء القميص الأزرق دفع المدرِّس لفعل ذلك؟ فربما يحب المعلم حقاً استدعاء الأطفال الذين يرتدون قمصاناً زرقاء، ولكنَّ الأمر ليس كذلك بالضرورة، فربما يكون ذلك من قبيل المصادفة أو ربما عندما يرتدي قميصاً أزرق، يصادف أنَّه أكثر يقظةً ويعتقد المعلم أنَّه يجب أن يعرف الإجابة، فلا نعرف ما إذا كان هذا هو الحال دون أن نطلب من المعلم التأكيد، ولذلك لا يمكننا أن نستنتج أنَّ القميص الأزرق يجعل المعلم يطرح عليه أسئلةً دون أن يكون لدينا دليل حقيقي على السبب والنتيجة.

في الختام:

التفكير النقدي هام ليس فقط للأطفال ولكن أيضاً للكبار، فمن الهام أن نعلِّم الأطفال من خلال أقوالنا وأفعالنا أيضاً؛ كما أنَّ تعليم الأطفال كيفية استخدام التفكير المنطقي لا يكفي، فنحن بحاجة إلى تعلُّم كيفية استخدام هذه المهارة القيِّمة في التربية في حياتنا اليومية، والتفكير التأملي هو أيضاً ما يمنع التربية السيئة.

المصدر




مقالات مرتبطة