التغلب على العجز عن اتخاذ قرار عن طريق تقليل الخيارات

لطالما أحببت أن أكتب عن كيفية اتخاذ القرارات؛ لذا سنتحدث اليوم عن موضوع صغير يتناول العجز عن اتخاذ القرارات.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة فانيسا فان إدواردز (Vanessa Van Edwards)، وتُحدثنا فيه عن الفائدة من تقليص الخيارات. 

توجد مجموعة مشهورة جداً من التجارب المتعلقة باختيار المربى الأفضل، فقد بيَّنت تقارير المستهلك التي وُضعت في الثمانينات واستندت إلى رأي لجنة من خبراء التذوق المتعلق بإقرار أي من مربيات الفراولة بدت أفضل مذاقاً، وقد شملت العينة 45 نوعاً من المربى صنَّفتها لجنة خبراء التذوق وفق خصائص الطراوة وقابلية الدهن، وقد نشرت النتيجة النهائية في تقارير المستهلك.

بعد بضع سنوات قرر طبيب نفسي في جامعة فرجينيا (University of Virginia) يدعى تيموثي ويلسون (Timothy Wilson) تكرار التجربة لمعرفة ما إذا كان الطلاب سيختارون نفس الأنواع التي اختارها الخبراء؛ فسحب 5 عينات عشوائية من القائمة، وطلب من الطلاب تصنيفها. ومن المدهش أنَّ رأي الطلاب توافق بدرجة كبيرة (0.55) مع اختيارات الخبراء.

هذا أمر رائع، فالطلاب بارعون في التذوق مثل الخبراء تماماً، ومع ذلك طلب ويلسون بعدها من مجموعة ثانية من الطلاب اختيار المربى المفضل لديهم، وشرح سبب هذا التفضيل، وفي هذه المرة كان التوافق بين رأي الطلاب، والخبراء ضعيفاً بدرجة تبلغ (0.11) فقط.

تخبرنا هذه التجربة أنَّه عندما نفكِّر كثيراً في خياراتنا، نتخذ الخيار الخاطئ، وكما يرى عالِم النفس الأمريكي باري شوارتز (Barry Schwartz) أنَّ تقليل عدد الخيارات يعطي نتائج أفضل، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب هي:

  1. عندما يكون لدينا عدة خيارات، نتخذ قرارات أسوأ.
  2. وجود كثير من الخيارات يسبب العجز، مما يمنعنا من اتخاذ أي قرار على الإطلاق.
  3. الأهم من ذلك، أنَّنا نقضي بعض الوقت في التفكير في الخيارات التي لم نخترها، بدلاً من أن نكون سعداء بالخيارات التي اخترناها، فكلُّما زاد عدد الخيارات شعرنا بأنَّنا "فوَّتنا الفرصة".

تعلَّمت كيف ينطبق هذا على حياتي الخاصة بالطريقة الصعبة:

اعتدت تقديم أكثر من 20 خياراً "لمشاريع خاصة" للمتدربين لدينا، فالمشاريع الخاصة هي المجالات التي تثير اهتمام المراهقين، والتي نحتاج إلى مساعدة بها، ومن الأمثلة على ذلك "مشروع المحرر الخاص" الذي يتواصل فيه المتدربون مع محرري مجلات التربية الشهيرة ببريدهم الإلكتروني.

مثال آخر هو "مشروع الراديو الخاص"؛ إذ يعمل مراهق فصيح بوصفه متحدثاً باسمنا في المقابلات الإذاعية، وعندما قدمت لهم 20 خياراً استغرق الأمر وقتاً طويلاً من المراهقين لاتخاذ القرار وعادةً ما كانوا يرسلون إلي رسائل بالبريد الإلكتروني ليستفسروا عن إيجابيات وسلبيات كلِّ خيار، ويرافق ذلك انخفاضٌ كبير في معدل الاختيار، فيراسلنا المتدربون بعد عدة أسابيع قائلين إنَّهم اتخذوا القرار الغلط؛ لأنَّهم كانوا يفكرون في مشروع آخر غير الذي اختاروه.

لذا قررت أن أقتصر على ثلاثة خيارات فقط، ثم أمنحهم خيارات أخرى لاختيار مجالات المشاريع الخاصة القادمة، والآن أصبح المتدربون يتخذون القرارات بسرعة كبيرة بسبب وجود ثلاثة خيارات فقط، وبذلك لن يشعروا بأنَّهم أضاعوا أيَّ فرصة أخرى.

فكِّر في عدد الخيارات التي نقدمها لعملائنا، وأفراد عائلاتهم، أي من المدن العشر الآتية يجب أن نختار لقضاء العطلة؟ هل يريدون السباغيتي أو البيض أو البرغر أو السمك أو المعكرونة بالجبن على العشاء؟ يبدو أنَّ لدينا رفاهية في الاختيار، وهذا أمر جيد بالنسبة إلينا، ومع ذلك فإنَّ تقديم خيارات أقل لأنفسنا أو للأخرين يمكِّننا في الواقع من اتخاذ قرارات أفضل ويجعل حياتنا أسهل ويساعدنا على الشعور بأنَّنا لا نفوت كثيراً على أنفسنا.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لتجاوز عقبات الحياة والتغلب عليها

كثرة الخيارات:

نحن نحب الاختيار؛ لأنَّه يشعرنا بالرفاهية كما يشعرنا أنَّنا قادرون على تغيير رأينا في وقت لاحق في حال اتخذنا قراراً مغلوطاً، وعلى كلِّ حال، يستشهد شوارتز بمثال في كتابه الذي يبحث في صناديق الاستثمار المشترك التي يقدمها أحد أرباب العمل، فمن المؤكد أنَّه من مصلحة الموظف الانضمام إلى أحد البرامج، وإذا رفض المشاركة، فإنَّه يخسر ما يصل إلى 5000 دولار سنوياً من التعويضات التي يقدمها رب العمل.

كما أنَّه في مقابل كلِّ 10 صناديق استثمار إضافية يقدمها رب العمل ينخفض معدل المشاركة بنسبة 2%، فلماذا يرفض الناس هذا العرض عندما يحصلون على المزيد من الخيارات؟ لأنَّ وجود كثير من الخيارات يسبب العجز عن اتخاذ القرار.

يوجد 175 نوعاً من صلصات السلطة في المتاجر المحلية القريبة، ولم أجرب سوى أربعة، وكان سبب تجربتي لاثنتين منها هو وجودها في ثلاجة المنزل، وفي المرة الوحيدة التي حاولت شراء نوع آخر من صلصة السلطة شعرت بالارتباك، فقد قضيت 20 دقيقة أنظر إلى الزجاجات، وأخيراً اشتريت واحدةً تبدو جيدة، لكن سرعان ما أدركت أنَّ مذاقها كان سيئاً حين وصلت للمنزل، فقمت بسكبها على السلطة، وقبل أن أجربها بدأت أفكر فيما إذا كان عليَّ شراء صلصة الزنجبيل بدلاً منها.

لقد شعرت بحرية أكبر عندما قمت بالحد من خياراتي الخاصة، كما أنَّني الآن أقدم خيارات أقل لمن حولي، ولا أتلقى سوى ردود إيجابية، وبفضل ذلك قمت بإزالة نصف المنتجات عن موقع الويب الخاص بي، فارتفعت المبيعات في المجالات جميعها.

إقرأ أيضاً: كيف تستثمر نظرية الاختيار العقلاني لمصلحتك؟

في الختام:

قدِّم خيارات أقل، واختزل خياراتك الخاصة قدر المستطاع، وستتخذ قرارات أفضل للجميع.

المصدر




مقالات مرتبطة