التسويق وعلم النفس: "ماذا لو أنَّ المشاعر أساس التسويق!"

لطالما قمنا بتحجيم مصطلح التسويق، وربطناه مع رجال الأعمال والمبيعات فقط، في حين أنَّه مرتبط بكل مفصل من مفاصل حياتنا، فلن تتمكَّن اليوم من بناء علاقات صداقة ناجحة وطويلة ومتينة؛ إن لم تنجح في تسويق ذاتك بطريقة سليمة ومميَّزة. سنسألك سؤالاً: كم عدد المرات التي خسرت فيها فرصاً في الحياة بسبب عدم نجاحك في تسويق ذاتك؟



لا تعبِّر كلمة "تسويق" اليوم عن مجرَّد منتجات وأرقام وأرباح ومبيعات؛ بل تشمل تسويق الأفكار، والقيم، والخدمات، وتحويلها إلى نظير مادي. فلا يتطوَّر مَن يتبنَّى عقليَّة بائع المنتج، بل يتطور مَن يتمسَّك بعقليَّة مُقدِّم الخدمة.

تتدخَّل المشاعر في صميم القرارات الشِّرائيَّة وذلك من دون وعي منَّا، الأمر الذي يؤكِّد ضرورة بناء علاقة بنَّاءة بين البائع والمشتري.

يخلق البائع النَّاجح خدمة تصبُّ في مصلحة العميل وتحل له مشكلة، بينما البائع الذي يهتم بمصلحته وأرباحه فقط ولا يفكِّر في مصلحة العميل؛ فلن يدوم كثيراً في السُّوق ولن يستطيع كسب ثقة العملاء.

يتبنَّى المسوِّق النَّاجح علاقة (ربح-ربح) في كل تعاملاته، ويدرك أنَّ الثقة والسمعة من أساسيَّات نجاح العمل، فيسعى جاهداً إلى اعتماد الجودة والدِّقة، وإلى تشجيع النَّاس على الشِّراء لأنَّه يعلم أنَّ عملية الشِّراء من العلميات التي يصاحبها الألم عند الدَّفع؛ لذلك يبرهن المسوِّق الناجح للعميل صحَّة قراراه ويستفيض في شرح متعة الخدمة التي يقدِّمها له المنتج، لكي يصل به إلى مرحلة الإقناع.

يضع المسوِّق النَّاجح نفسه في موضع العميل، ويتغلغل في فهم احتياجاته ورغباته ودوافعه، ومن ثمَّ يصنع الخدمة التي تصبُّ في مصلحة العميل وتعود عليه بالربح أيضاً، ويسعى المسوِّق البارع إلى تقديم المساعدة للنَّاس من خلال تقديم الخدمة لهم وبنيَّة حسنة، ومن دون أن تستحوذ عليه مقدار الأرباح والمبيعات التي ستنهال عليه، فهو متأكِّد أنَّ مقابل الخير خير مضاعف، ومقابل الإحسان إحسان مضاعف، فلا يقضي حياته رهن الأرقام والمبيعات، ومن هنا تأتي ثقة النَّاس به، ومن هنا يبني علامته التجاريَّة؛ لأنَّ النَّاس تثق بمَن يقدِّم استشارات وخدمات حقيقيَّة وصادقة، وليس بمَن يهتم بالأرباح فحسب، وتسارع إلى الشِّراء ممَّن تثق به، وتنفر ممَّن لا تثق به.

تنجذب النَّاس إلى الخطاب المشاعري، لذلك يقدِّم لها المسوِّق هذا الخطاب، ولكنَّه خطاب صادق وحقيقي، فهو يعلم أنَّ المصداقيَّة أساس نجاح كل مؤسسة، ويُفاجِئ العملاء بمستوى أعلى من توقعاتهم دوماً.

ما الرابط بين البيع وعلم النَّفس؟ وكيف لنا أن نسوِّق منتجاتنا؟ ولماذا نشتري منتجاً دون الآخر؟ وكيف لنا أن نُقنِع العملاء بشراء المنتجات؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

شاهد بالفيديو: 10 صفات لتكون مندوب مبيعات ناجح

ما هو التسويق؟

هو عملية تحويل رغبة المستهلك إلى منتَج مادي، وينبثق التسويق من فكرة سد احتياجات العملاء وحل مشكلاتهم، وصولاً إلى إشباع حاجات العملاء وتطوير حياتهم. يقوم التسويق على فكرة الربح الشَّاملة؛ بحيث تكون جميع الأطراف رابحة، البائع والمشتري.

القيمة مقابل المنتج:

يتحرَّر البائع النَّاجح من فكرة بيع المنتج، ويفك ارتباطه بالأرباح والدُّولارات، وينتقل إلى مستوى تفكير أرقى وأنضج وأكثر شموليَّة؛ فيدرك أنَّ الأهميَّة لا تكمن في المنتج بحد ذاته بل في القيمة والخدمة التي يقدِّمها، فهو لا يبيع الأسماك والمأكولات البحريَّة بل يقدِّم خدمة الطَّعام الصِّحي للعائلة.

فما تأثير ذلك في نفسيَّة العملاء؟ وعلى سلوكهم الشِّرائي؟

عندما ينتقل البائع إلى مستوى الخدمات وتقديم القيمة للعملاء، فإنَّه يجذب النَّاس إليه ويكسب ثقتهم، وكنتيجة تلقائيَّة لذلك يزداد الطَّلب على منتجاته؛ لأنَّ النَّاس تنجذب إلى مَن يبدي اهتماماً حقيقيَّاً بها، ويعرض خدماته بأسلوبٍ راقٍ، على سبيل المثال: ينجذب النَّاس إلى مدرِّب التنمية البشرية الذي يقيم دورات تدريبيَّة هدفها مساعدة النَّاس على تطوير حياتهم وعلاقاتهم، ويجيب على كل سؤال بصدر رحب، ونيَّة سليمة، ومن دون أن يفكِّر بالمال، لأنَّه يركِّز على القيمة والخدمة أولاً؛ فهو يريد أن يكسب ثقة النَّاس، وبعد ذلك يفكِّر بالجانب المادي. في حين ينفر النَّاس من مدرِّب التنمية البشرية الذي يهتم بالمردود المادي فحسب، ولا يقدِّم أيَّة استشارة مجانيَّة أو محتوى مجاني.

يدرك البائع النَّاجح أنَّ الأولوية القصوى في أيَّامنا هذه للقيمة، فلا يدفع المشتري للمنتج بل للقيمة التي يقدِّمها المنتج، لذلك يسعى البائع إلى صقل قيمته، والاستثمار فيها، فإن كان لدينا "مدرب حياة" يبيع خدمة "إرشاد النَّاس إلى طريق السَّعادة"؛ فسيسعى جاهداً إلى تمكين ذاته معرفيَّاً من أجل تقديم خدمته بالشَّكل الأمثل.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعد مندوبي المبيعات لإتقان مهارة الإقناع

التسويق هو التفكير من زاوية العميل:

يعي البائع النَّاجح أنَّ عملية التسويق تبدأ بالعميل وتنتهي بالعميل، لذلك يسعى جاهداً إلى خلق خدمته بحيث تلبِّي احتياجاً حقيقيَّاً لدى العميل.

يسعى البائع بعد ذلك إلى تحديد حجم العملاء الرَّاغبين والمستعدِّين لشراء خدمته أو منتجه. ففي حال عدم تركيزه على شريحة معيَّنة؛ فإنَّه لن يصل إلى النتائج المطلوبة، فالتركيز والتحديد مهمّان جداً في عملية صنع الخدمة أو المنتج. على سبيل المثال: إن كان لدينا شخصاً شغوفاً في علم النَّفس، وقرَّر تقديم خدمة "مساعدة النَّاس للوصول إلى حقيقتها وتطوير حياتها" وحدَّد الشَّباب بين عمر 18 إلى عمر 35 سنة كفئة مستهدفة، فهنا يكون قد اختصر عليه الكثير من العناء من خلال تركيزه على فئة محدَّدة وليس غيرها.

يسأل البائع نفسه بعد تحديد الفئة المستهدفة؛ "ما هي قنوات إيصال الخدمة التي يرغب بها العملاء؟"، فقد يرغب البعض بالالتحاق بدورات تدريبيَّة مباشرة، بينما يفضل البعض الآخر دورات الكترونية، بينما يميل البعض الآخر إلى الكتب.

يهتم بعد ذلك البائع في التفكير في الاتجاهات التسويقيَّة، فهل يختار التركيز على المنتج وجودته أم على الإنتاج وكميَّته؟ فقد يسأل نفسه: "هل أهتم بمظهر المكان الذي ستُجرى به الدورات، أم بالمعلومات التي سأقدِّمها؟" "هل أريد أن أجذب الفئة الثَّريَّة أم الفئة المتوسطة؟"

عندما يفهم المسوِّق ألم الشِّراء:

يعلم البائع أنَّ هناك ألماً يرافق علمية الشِّراء؛ فليس من السَّهل على العميل دفع مبلغ كبير من المال مقابل قطعة الكترونيَّة بسيطة على سبيل المثال، ويدرك البائع أنَّ هنالك مخاطراً عديدة يعاني منها العميل.

لذلك عليه أن يعرف أولاً أنواع العملاء؛ ففي حين يُظهِر عميلٌ ما الاهتمام الشَّديد لشراء منتجك؛ إلَّا أنَّك قد تحظى بعميل آخر لا يُبدي أيَّ اهتمام بمنتجك أو خدمتك، وبالمقابل قد يهتم عميلٌ ثالثٌ بمنتجك ويسألك أسئلة كثيرة حوله، ويأخذ الكثير من وقتك، إلَّا أنَّه لا ينوي الشِّراء، ويعدُّ النَّوع الثالث من العملاء من أخطر أنواع العملاء، فهو يُفقِدك فرصة الحصول على عميل محتمل آخر، ويُهدِر طاقتك ووقتك، وهنا يأتي دور البائع النَّاجح في كشف هكذا نماذج من العملاء، من خلال طرح الأسئلة الذَّكيَّة التي تجعله يكشف نوع العميل الذي أمامه؛ كأن يسأل بائع أحذية رياضيَّة زبونه عن أسلوب حياته، وعن رغبته في الخروج أم البقاء في المنزل، وعن تفضيلاته في اختيار طريقة هندامه، ومن ثمَّ يستنتج فيما إذا كان منتجه مناسباً له ويحل له مشكلة أم لا.

من جهة أخرى، يملك الزَّبون العديد من المخاطر التي تعيقه عن اتِّخاذ قرار الشِّراء، وهنا يأتي دور البائع الماهر في رصد نفسيَّة الزّبون وتوقُّع مخاوفه والعمل على تطمينه، وصولاً إلى اتِّخاذه قرار الشِّراء. فقد يخاف الزَّبون من عدم جودة المنتج ومن احتمالية غش البائع له، وقد يرغب في البحث أكثر لرؤية خيارات أكثر، وهنا يأتي دور البائع في إدارة حديث ودّي بينه وبين الزّبون، حيث يعدُّ قرار الشِّراء قراراً نفسيَّاً بامتياز، حيث يتَّخذ الزبون قرار الشِّراء عندما يرتاح للبائع ويشعر بالثِّقة، وهنا يستطيع البائع إثارة جو من البهجة اللَّطيفة غير المبالغ فيها، كأن يشارك العميل في تجربة مضحكة له، كما يجب على البائع تبيان منافع المنتج أو الخدمة، كأن يقول له: "لدينا خبرة في الحواسيب لمدة سنوات طويلة، وقد تجد أسعاراً أرخص ولكنَّك لن تجد منتجات بجودة ودقة منتجاتنا". حيث يعدُّ الحديث عن الخبرة من أكثر الوسائل لإقناع العملاء ودفعهم إلى الشِّراء.

إنَّ هدف البائع النَّاجح ليس البيع فقط، بل الوصول إلى عميل سعيد؛ لذلك يهتم البائع بأن يقدِّم للعميل خدمات أعلى من توقعاته، كأن يقدِّم له سنة كفالة، أوهديَّة مجانيَّة مع المنتج الذي قام العميل بشرائه.

يعامل البائع الماهر عملاءه بالكثير من الودِّ والإحسان؛ لأنَّه يعلم أنَّ ذلك سيرد عليه لا محالة.

يتشجَّع الزَّبون للشِّراء من بائع ما في حال تلقِّيه معلومة تفيد بأنَّ الكثير من النَّاس يشترون منه، لذلك يستطيع البائع الوصول إلى هدفه؛ عندما يؤكِّد للزّبون بأنَّ منتجاته تجذب النَّاس كالمغناطيس، وبأنَّ لديه الكثير من الشَّهادات من قبل زبائنه، كأن يعلِّق شهادة لشخصٍ ما مع صورته، يقول فيها مركِّزاً على منافع المنتج: "زال ألم أقدامي تماماً بعد استخدامي للأحذية الرِّياضيَّة، وأصبحت أمشي بثقة وبانسيابيَّة أكبر، واكتشفت أنَّ الحياة أجمل مع البساطة".

إقرأ أيضاً: كيف يؤثِّر القلق في خياراتنا الشرائية؟

الشِّراء قرار عاطفي بامتياز:

يسعى البائع إلى بث رسالته التي تدعم منتجه أو خدمته بطريقة عاطفيَّة؛ لأنَّه يعلم أنَّ اللَّاوعي هو المتحكم في أغلب حياتنا وقراراتنا، وهو الجزء العاطفي منَّا الذي لا يحب الأرقام والمنطق. لذلك على البائع أن يركِّز على متعة الحصول على المنتج وليس على المنتج ذاته. على سبيل المثال؛ إن أراد مدرِّب تنمية بشرية التسويق لذاته، فيستطيع أن يضع في الإعلان شخص ما تعيس وكئيب وغارق في الدُّيون ومفلس في العلاقات، إلَّا أنَّه تحوَّل بعد خضوعه لبرامج معيَّنة إلى شخصٍ غني، سعيد وفعَّال في العلاقات -على أن يوضع شعار المدرِّب ضمن الإعلان بطريقة عفويَّة- ثمَّّ التركيز في هذا الإعلان على القيمة التي سيقدِّمها المنتج وليس على المنتج بذاته (عدد الساعات، محتوى المحاضرات، خطة العمل، مكان الدورات، لغة التدريب).

على البائع أن يراعي مشاعر العملاء، ويفهم اعتراضاتهم من وجهة نظر حكيمة، فإن اعترض العملاء على غلاء أسعار دورات مدرِّب ما؛ فيجب أن يعمل على تحويل الاعتراض إلى سؤال "لماذا" ويسأل نفسه "لماذا أسعارنا مرتفعة؟" ويُجِيب عن السُّؤال: "لأنَّنا نقدِّم قيمة تُحدِث فرقاً حقيقيَّاً في حياة العميل، ولأنَّ هذه الدورة هي حصيلة سنوات من التجارب والخبرة". يحوِّل البائع بهذه الطَّريقة الاعتراضات من نقطة ضعف إلى فرصة له.

لكي تضمن اختيار العملاء لمنتجاتك من بين الكثير من البدائل المتاحة، عليك أن تبني ميزة تنافسية لك، ولا تعني الميزة التنافسيَّة تقديم سعر أقل بالضرورة، بل قد تعني تقديم سرعة أكبر، وجودة أكبر، ومصداقيَّة أكبر؛ فلا يسيطر المال على قرار الشِّراء، بقدر ما تسيطر العواطف، فعلى سبيل المثال، أنتَ مستعد لكي تشتري منزلاً مرتفع الثَّمن وفي مكان بعيد عن عملك، لأنَّه يحقِّق لك إشباعاً نفسيَّاً، وتمنحك إطلالته البحريَّة الجميلة إحساساً بالسَّلام والرَّاحة. إذاً فقرار الشِّراء قرار عاطفي بامتياز.

الخلاصة:

يتطلَّب التسويق مهارة وإحساس عالٍ وقراءة في تفاصيل الأمور والشَّخصيات؛ لذلك هو يدخل في صميم علم النَّفس.

عليك أن تدرك أنَّ استثمارك الحقيقي هو استثمارك في قيمتك، فاسعَ إلى بناء علاقة وديَّة مع العميل، وابحث عن احتياجاته، وحقِّق خدمتك بما يتماشى معها، وبادر بالاهتمام بعميلك وحافظ على النيَّة الطَّيبة معه، لأنَّ ما تنفقه سيعود إليك لا محالة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة