التسويق الداخلي، بين التسويق وإدارة الموارد البشرية

يُعَدُّ مصطلح التسويق الداخلي من المصطلحات الإدارية الحديثة في عالمنا العربي؛ إذ إنَّ ظهور هذا المصطلح أثار جدلاً واسعاً بين علماء وباحثي علوم الإدارة، وقد كانت نشأته نابعة من بعض المؤلفات في تسويق الخدمات، ونُشِرَت في سبعينيات القرن الماضي؛ حيث قُدِّم هذا المصطلح أول مرة كأحد الحلول للمشكلات المتعلقة بتقديم خدمات ذات جودة عالية، وفي الوقت نفسه تتصف بالتناسق والتماثل.



ومن هنا فقد كان القوام الأساسي لفكرة التسويق الداخلي، أنَّ جميع الأفراد داخل المنظمة يجب عليهم بذل قصارى جهدهم من أجل زيادة ورفع كفاءة وفاعلية نشاطات التسويق الخارجي، فعلى كل وحدة تنظيمية في المنظمة أن تُسوِّق إمكاناتها للوحدات الأخرى الموجودة في المنظمة نفسها، ونحن في هذا المقال بصدد عرض أهم ما جاء من تعريفات لهذا المصطلح في رسائل الباحثين، حتى نتمكن من الوقوف على كينونة التسويق الداخلي وماهيَّته.

تعريف التسويق الداخلي:

  • عرَّف (الشوري، 2016) التسويق الداخلي على أنَّه "بناء رؤية استراتيجية تنظر إلى العاملين في المنظمة على أنَّهم سوق داخلية، وأنَّ مخرجاتهم الوظيفية تمثل منتجات داخلية؛ لذلك يجب تصميم هذه الرؤية وتطويرها وفقاً لاحتياجات العاملين ورغباتهم".
  • كما عرَّفه (السمين، الشريدي، 2012) على أنَّه "جهود المنظمات لتزويد جميع أعضاء المنظمة بفهمٍ واضحٍ لمهمة الشركة وأهدافها، مع التدريب والتحفيز والتقييم لتحقيق الأهداف المرجوَّة ولضمان تلبية رغبات العملاء الداخليين واحتياجاتهم".

العناصر الأساسية للتسويق الداخلي:

نستخلص من التعريفين السابقين وغيرهما من التعريفات التي عرَّفت التسويق الداخلي، خمسة عناصر رئيسة للتسويق الداخلي، وهي:

  1. إثارة دافعية العاملين وتحقيق رضاهم.
  2. التوجه بالعميل لتحقيق رضاه.
  3. التعاون والتكامل الوظيفي.
  4. اتِّباع المفهوم التسويقي لتحقيق العناصر الثلاثة آنفة الذكر.
  5. تنفيذ استراتيجيات محددة على المستويين العام والوظيفي.

شاهد بالفيديو: 5 مهارات مهمة بالتسويق الرقمي

أهداف التسويق الداخلي:

لعلَّ الهدف الرئيس للتسويق الداخلي، هو أن يلتزم كل فرد في المنظمة بأن يشارك في عملية خلق قيمة مضافة لعملاء المنظمة، وذلك من خلال مكانه ووظيفته في المنظمة، ويتفرع من الهدف الرئيس أهداف فرعية هي:

  1. الاستثمار في العاملين حتى يزيد لديهم الشعور بالانتماء إلى المنظمة؛ وذلك من خلال الفهم الصحيح لرؤية المنظمة وأهدافها وكيفية إنجاز تلك الأهداف؛ حيث إنَّ هذا الهدف مرتبط بالسوق الداخلية.
  2. الاستثمار الموجَّه إلى العملاء، بحيث يرقى بالعلاقة التجارية بين المنظمة والعميل إلى ميزة تنافسية، وهو أساس بقاء المنظمة في السوق ونموها؛ حيث إنَّ هذا الهدف مرتبط بالسوق الخارجي.
  3. مجموعة من الأهداف التي تخلق رؤية استراتيجية لدى موظفي المنظمة، تتمثل في كونهم عملاء داخليين يَعدُّون أعمالهم ومهامهم منتجات داخلية تلبِّي احتياجات العميل الداخلي، ومن ثمَّ العميل الخارجي؛ حيث تتمثل تلك الأهداف في:
    1. الزيادة في رضا العاملين.
    2. تعظيم فاعلية العاملين.
    3. الاحتفاظ بجودة العاملين.
    4. توجيه العاملين للحفاظ على العملاء.
    5. المساهمة في الاستغلال الأمثل لموارد المنظمة.

عناصر التسويق الداخلي:

من تعريف التسويق الداخلي ودراسة أهدافه، نستنتج أنَّ التسويق الداخلي يميل إلى كونه مصطلحاً متعلقاً بإدارة الموارد البشرية أكثر منه مصطلحاً تسويقياً؛ إذ يظهر ذلك جلياً من خلال طرح عناصر التسويق الداخلي، والتي تتمثل في:

1. سياسة الاختيار والتعيين:

يُمثِّل كلٌّ من الاستقطاب والاختيار والتعيين ضربة البداية في بدء نشاط التسويق الداخلي، فالنجاح في إنجاز تلك المهمة سيؤدي حتماً إلى انعكاسٍ إيجابيٍّ على النشاطات التسويقية في المنظمة، وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الخطأ والتساهل في إنجاز تلك المهمة، سيصاحبه أثر سلبي في النشاطات الأخرى مثل التدريب والتطوير والحوافز وتقويم الأداء، ومن هنا، فإنَّ الوسيلة المثلى لتحقيق ميزة تنافسية للمنظمة، تكون بالتركيز على القيام بالنشاطات المتعلقة بالتوظيف، وتطبيق إجراءاته بعدالة.

2. الاتصال الداخلي:

يقوم على جميع عمليات الاتصال التي تتم داخل المنظمة على جميع المستويات الوظيفية، سواءً كانت رسمية أم غير رسمية.

3. التحفيز:

عرَّفه الباحثون على أنَّه "الرغبة أو الاستعداد الشخصي لبذل الجهد المضاعف من أجل تحقيق هدف معيَّن أو مصدر دخل آخر".

4. التدريب:

يمكن أن تصبح أيَّة استراتيجية توظيف وكأنَّها لم تكن، ما لم يكن للمنظمة برامج وسياسات ووسائل للحفاظ على كادر وظيفي جيد منذ بداية التعيين في المنظمة، ومن هنا نجد أنَّ التسويق الداخلي متعلق ببرامج خاصة بمنح العاملين فرصاً جيدة وجادة للتدريب والتمكين؛ ممَّا يساعدهم على أداء واجباتهم بإتقان، وإنجاز مهامهم على أكمل وجه.

ويمكن تعريف التدريب على أنَّه: "نشاط تمارسه المنظمة بهدف تحسين أداء الفرد في الوظيفة التي يشغلها، ويُعَدُّ أحد وسائل تطوير العاملين في المنظمة، وقد يكون الوسيلة الوحيدة لدى بعض المنظمات التي لا تملك برامج لتطوير العاملين"، وبالنظر إلى عناصر التسويق الداخلي، نجد أنَّها بمجملها ترتكز على العاملين في المنظمة لكونهم أحد عناصر المزيج التسويقي فيها، والتي تقوم على عدِّ العاملين عملاء داخليين.

إقرأ أيضاً: لماذا تعد ثقافة تقدير الزملاء في مكان العمل هامة؟

أهمية التسويق الداخلي:

يمتاز التسويق الداخلي بأهمية كبيرة جداً بالنسبة إلى المنظمات والعاملين على حدٍّ سواء؛ حيث يمكننا أن نستعرض أهميته من خلال الآتي:

1. أهمية التسويق الداخلي بالنسبة إلى المنظمات:

  1. يُعَدُّ جزءاً هاماً وأساسياً من التغيير والتطوير التنظيمي.
  2. يساهم في بناء الصورة العامة للمنظمة.
  3. يُمثِّل سلاحاً هاماً لتحقيق الجودة العالية في تقديم الخدمات.
  4. عامل أساسي في تطوير الميزة التنافسية للمنظمة.

2. أهمية التسويق الداخلي بالنسبة إلى العاملين:

  1. يصنع إطاراً عاماً للعاملين، ويؤهلهم للعمل وفق رسالة ورؤية واستراتيجية وأهداف المنظمة.
  2. مصدر هام لتطوير أداء وتحسين قدرات العاملين.
  3. مصدر هام لزيادة إدراك العاملين للفرص التسويقية.
  4. تحسين العلاقات بين العاملين وبعضهم بعضاً.
  5. تحسين العلاقة بين العاملين والإدارة.
  6. المساهمة في زيادة انتماء العاملين إلى المنظمة، وشعورهم بمعنى الوظيفة.
  7. تشجيع العمل بروح الفريق الواحد.

إجراءات التسويق الداخلي:

يساهم انتهاج ممارسات التسويق الداخلي في خلق بيئة خصبة في المنظمة لنشر ثقافات عديدة مستجدة وحميدة، منها:

  1. ترسيخ ثقافة الخدمة لدى العاملين؛ حيث يتم تزويدهم بمعلومات عن كيفية العمل، وما المتوقع منهم.
  2. ترسيخ ثقافة التوجه نحو الهدف لدى العاملين.
  3. زيادة شعور العاملين بأنَّهم جزء من المنظمة، وجزء من نجاحها.
  4. تطوير مدخل التسويق إلى إدارة الموارد البشرية.
  5. نشر المعلومات التسويقية بين العاملين.
  6. تبنِّي نظام حوافز يمتاز بالعدل.
  7. تبنِّي ممارسات مكافأة العاملين على جهدهم المتميز.
إقرأ أيضاً: 6 أساليب لمكافأة الموظفين وإظهار التقدير لهم

مراحل تطبيق التسويق الداخلي:

1. مرحلة تحليل الوضع الاستراتيجي:

تتصف هذه المرحلة بتحليل الوضع الحالي الذي تواجهه المنظمة، وذلك عبر التركيز على نقاط القوة والضعف في أربعة مجالات رئيسة، هي:

2. مرحلة وضع أهداف التسويق الداخلي:

وفقاً للخطوة الأولى، فإنَّه يتبع التحليل الاستراتيجي للوضع، تحديد مجموعة من الأهداف التي تخضع للهدف العام للتسويق الداخلي.

3. تجزئة الموظفين:

حيث يتم تقسيم الموظفين إلى مجموعات ذات خصائص مشتركة كما الآتي:

  • الناجون: وهم مَن يعملون لكسب المال، فالعمل بالنسبة إليهم وسيلة لتحقيق ما يريدون.
  • المستمتعون: هم أولئك الذين يعملون لتحقيق الرضا الشخصي.
  • المتجاوزون: هم مَن يعملون من أجل تحسين الذات.
  • المشاركون: يعملون من أجل تقديم إسهامات لمنظماتهم.
  • المتحمسون: يعملون من أجل السعادة.
  • المنعزلون: يعملون حيث لا يريدون أن يفعلوا شيئاً آخر.

4. المشاركة الإدارية:

يتعلق التشارك الإداري بدرجة التأثير في نشاط العمل من خلال التوازن بين المشاركة في جميع المستويات الهرمية الإدارية بتوفير المعلومات من أجل اتخاذ القرارات وحلِّ المشكلات.

5. الاتصال الداخلي:

هو جوهر تنفيذ التسويق الداخلي، فهو حالة خاصة من عملية الاتصال الإنساني، ويُعَدُّ الاتصال الداخلي مجموعة من الرسائل التي تتدفق داخل المنظمة بهدف الحفاظ على مناخ اجتماعي هادئ، وإشراك الموظفين في جميع أعمال المنظمة ليشعروا بأنَّهم محل اهتمام، ومعترف بهم.

6. مشاركة الموظفين:

لكي يُطبَّق التسويق الداخلي بشكلٍ صحيح، يجب مشاركة العاملين في المنظمة.

7. مراقبة التسويق الداخلي:

هي المرحلة الأخيرة من مراحل تنفيذ التسويق الداخلي، وهي عملية مستمرة يتم فيها التحقق من الأداء التسويقي الداخلي، ومن كونه مطابقاً للأهداف والمعايير المحددة مسبقاً من عدمه، وذلك من خلال قياس درجة نجاح الأداء الداخلي الفعلي.

الكاتب: د. عمر فهمي عمر

المصادر:

  1. أيمن عبد الله محمد أبوبكر، "أثر ممارسات التسويق الداخلي على رضاء العاملين - دراسة حالة بنك أبوظبي الإسلامي فرع مدينة العين الإمارات"، مجلة العلوم الاقتصادية، العدد 16، المجلد 1، 2015.
  2. سارة عمرون، ومحمد الصغير جيطلي، "أثر التسويق الداخلي على إدارة المعرفة - دراسة تحليلية لآراء موظفي بنك بدر لوكالة قالمة، مجلة الدراسات الاقتصادية والمالية"، العدد 9، المجلد 2، جامعة الوادي، 2016.
  3. قمحوش إيمان، "مساهمة التسويق الداخلي في تعزيز إدارة المعرفة - دراسة حالة مجموعة من المؤسسات"، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2019.
  4. فارس طلوش، نذير عزيزي، "دور التسويق الداخلي في تحقيق التغيير داخل منظمات الأعمال"، جامعة قسنطينة الجزائر، 2021.
  5. محمد عبد العظيم، "التسويق المتقدم"، الدار الجامعية، الاسكندرية، 2008.



مقالات مرتبطة