التربية الرقمية: المفهوم والأهمية والأهداف

تحرص البلدان على تلقين أبنائها أسس القيم والمعتقدات التي تجدها هامة، فتقدِّم لهم في مراحل دراستهم مبادئ التربية الدينية لتنشئ جيلاً ملتزماً بالدين متمسكاً بأحكامه، وتقدِّم لهم مبادئ التربية الأخلاقية لتوضح لهم المعايير المثلى للسلوك الإنساني، وتقدِّم لهم التربية الوطنية لتزرع فيهم الانتماء للبلاد، والتربية الفنية والموسيقية لتوسع مداركهم في مجالات الفن والنغم، وفي بعض الأحيان مبادئ التربية الجنسية لتعريفهم بأجسادهم وسيكولوجيتها من مصدر موثوق وآمن.



في الحقبة التي انتشر فيها فيروس كورونا تنبَّه وعي الحكومات إلى ضرورة إدراج مواد التربية الرقمية في المناهج الدراسية، بعدما قدمت التكنولوجيا نفسها بوصفها منقذاً من حالة الإغلاق التام والانهيار الاقتصادي العالمي، وفي هذا المقال سنتحدث عن التربية الرقمية ومفهومها وأهميتها وأهدافها وضرورة اعتمادها في جميع المراكز التعليمية في العالم.

ما هي التربية الرقمية؟

إنَّ مفهوم التربية الرقمية هو مجموعة الضوابط والمعايير التي توضح للطلبة والمعلمين آليات استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل أخلاقي وسليم، وتكوين معرفة وإدراك عن التطورات التقنية، وكيفية استخدامها بشكل هادف يعود بنتائج إيجابية على الفرد والمجتمع، وتشمل التربية الرقمية المعايير الأخلاقية التي تضبط استخدام الفرد للتكنولوجيا، والمسؤوليات التي تترتب على استخدامه للتطور التقني في مجال التعليم.

إنَّ التربية الرقمية هي مجموعة القيم والضوابط والمعارف والأسس التي يتم نقلها للمتعلمين ليصبحوا قادرين على التعامل مع التكنولوجيا بالطريقة المثلى، وتدربهم على إنجاز المهام بالاستعانة بالتقانة في مختلف مجالات الحياة، ومن بينها مجال التعليم الذي أصبح شقه المتعلق بالتعليم الإلكتروني من أكثر الحاجات الضرورية في عصرنا الراهن.

إنَّ مفهوم التربية الرقمية يعني محو أمية الأجيال بما يتعلق بالتكنولوجيا، فيتم التدرج في تعريفهم بهذا الجزء بالغ التأثير في مفاصل حياتهم كلها من الأبسط إلى الأعقد، ليفهموا تفاصيله ويحيطوا بأبعاده ويلموا بجزئياته بطريقة تتيح لهم التعامل معه بوعي العالِم، فتكون استثماراتهم فيه واستنتاجاتهم ذات قيمة عالية في المستقبل.

أهمية التربية الرقمية‌:

تتجلى أهمية التربية الرقمية من خلال دورها في تعريف الطلبة إلى مبادئ التقانة والتكنولوجيا، وتعزيز الوعي لديهم تجاه كل ما يتعلق بالتطورات الحديثة في هذا المجال، ومن ثم في توضيح طرائق الحماية الإلكترونية للمستخدم وفق إطار منظم يضبط تعاملاته في العالم الافتراضي، وتوعيته تجاه معايير الخطأ والصواب ضمن هذه البيئة.

كما أنَّ أهمية التربية الرقمية تتبين في كونها تساعد الطلبة على فهم التحديات ومعرفة المشكلات التي قد تواجههم في العالم الرقمي والأسس السليمة للتعامل الصحيح معها، إضافة إلى إطلاع المتعلمين على الدور الهام الذي تؤديه التكنولوجيا في تحسين الواقع الافتراضي وإخراجه من فوضى الاستهتار والابتذال التي تسيطر عليه ليسمو بقيمه الأخلاقية ويوازي في رقيه البيئة الواقعية التي تحكمها الأخلاق الإنسانية.

من النقاط التي توضح أهمية التربية الرقمية نذكر أيضاً:

1. ابتكار فرص مثالية:

إنَّ أهمية التربية الرقمية تظهر عن طريق تعليم الطلاب كيفية استخدام الإنترنت بطريقة إيجابية في التعبير عن أنفسهم وتقديم مهارات خبراتهم بصورة احترافية، وذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي ومنصات التوظيف مثل "لينكد-إن"، الأمر الذي يفتح أمامهم أفاقاً واسعة من الفرص في الحصول على وظائف مرموقة بسبب مهارتهم في إظهار إيجابياتهم ومهاراتهم.

2. تعزيز الاحترام:

من النقاط التي توضح أهمية التربية الرقمية هي تعويد الطلاب على استخدام الإنترنت باحترام دون انتهاك المعايير الأخلاقية أو المهنية أو استغلال ميزات إخفاء الهوية في إلحاق الأذى أو التسبب بإزعاج للآخرين، وهذا يضفي على الجو الافتراضي جواً من الاحترام مثل ذلك الموجود في الحياة الواقعية.

3. تعزيز الأمان:

إنَّ إضافة الأمان إلى استخدام الإنترنت يعد من النقاط التي توضح أهمية التربية الرقمية، وخاصة في حال استخدامه من قِبل المراهقين والأطفال؛ وذلك لأنَّ التربية الرقمية تعوِّد المستخدم على كيفية تجنب المخاطر والاستغلال الذي يمكن أن يحصل على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

4. التحصين ضد التنمر:

من أبرز نقاط أهمية التربية الرقمية نذكر رفع الوعي بالتعلم عن بُعد وأصول استخدام الإنترنت وتقبل الاختلاف والتنوع والحريات التي نشاهدها على الشبكة؛ وذلك لأنَّ النقص في هذا الوعي هو الذي يسبب قيام بعض الأشخاص بالتنمر (وهو نوع من أنواع الإزعاج والمضايقة يقوم به أشخاص على الإنترنت ضد أشخاص آخرين باستخدام الأجهزة الذكية والإنترنت) وما يترتب على تصرفاتهم من إلحاق الأذية بمشاعر الآخرين وصحتهم النفسية.

شاهد بالفيديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً

أهداف التربية الرقمية:

إنَّ أهداف التربية الرقمية هي تعليم الجيل الجديد أصول التعامل مع التكنولوجيا بطريقة تضمن استثمارهم الأمثل لها وحمايتهم من الأخطار التي قد تلحق بهم جراء سوء استخدامها، فنحن اليوم في عصر الميديا والشاشات والأجهزة الذكية، والانتقال اللاشعوري من الواقع الحقيقي إلى العالم الافتراضي المتشعب والذي يعج بالمحتويات الهادفة والمدمرة على حد سواء.

لذا فإنَّ أهداف التربية الرقمية ودورها يكمن في توعية المتعلمين إلى ضرورة الحفاظ على العلاقات الحقيقية والاجتماعية وعدم الانغماس الكلي فيما وراء الشاشات، وذلك عبر ممارسات وأنماط إيجابية من السلوك تسعى إلى غرسها في مدارك المتعلمين، إضافة إلى لفت انتباههم إلى الدور الإيجابي الذي قام به التطور الرقمي من أجل تحقيق التوازن بين الصعيدين.

من أهم أهداف التربية الرقمية نذكر أيضاً:

  • إنشاء وعي رقمي لدى المتعلمين وغرسه في معتقداتهم ليتحول إلى سلوك يطبقونه خلال تجاربهم، وتوسيع إدراكهم ليشمل نمطاً جديداً من المعارف.
  • تربية إنسان معاصر ومتقبل لنمط الحياة الحديث بما يحمله من انفتاح على التطورات التقنية، وتزويده معرفياً بما يمكِّنه من التعامل مع أحدث ما توصلت إليه التقانة والتأقلم معه.
  • تربية إنسان رقمي ضليع بأمور التكنولوجيا وبارع في تسخيرها لخدمة ذاته ووطنه والأهداف السامية، ومترفع عن الاستخدامات المسيئة والدنيئة والمؤذية لغيره.
  • التمهيد لإنشاء بيئة إلكترونية آمنة وغير مؤذية عبر تزويد الجميع بثقافة الاستخدام الصحيحة.
  • ضبط حالات الانفتاح المبالغ فيه في المجال التقني وضبط سياسات الاستخدام وآداب السلوك في صفحات الإنترنت.
  • تطوير العملية التعليمية والسلك التربوي في المدارس والجامعات وإعداد طلبة مؤهلين للتعامل مع الأنظمة التعليمية الحديثة مثل التعلم عن بُعد والتعلم المدمج والتعلم الذاتي.
  • وضع لبنة في مجال تطوير مهارات الاتصال والتعليم ورفع مستوى الإنتاجية في عملية التعلم عن طريق تعليم الطلبة كيفية أداء المهام خلال وقت أقل وبسرعة أكبر.
  • توجيه الصغار نحو التعامل مع التقنيات الحديثة بطريقة إيجابية تثير فضولهم وتجنبهم الانجرار غير الواعي.
إقرأ أيضاً: كيف أصبح معلماً ناجحاً؟ طريقة التعامل مع تلاميذ عصر التكنولوجيا

مراحل التربية الرقمية:

إنَّ مراحل التربية الرقمية هي مجموعة الخطوات التي يتم التدرج من خلالها لإيصال مفاهيم الحياة الرقمية للطلبة، ويتم تقسيم مراحل التربية الرقمية إلى ما يأتي:

1. مرحلة الوعي الرقمي:

التي يتم فيها لفت انتباه الطلبة إلى الوجود الرقمي الكبير في حياتهم.

2. مرحلة الفهم:

التي يتم فيها شرح لأسباب التطور التقني.

3. مرحلة الفعل:

وهي المرحلة التي يتم فيها إقحام الطلاب بشكل عملي في العالم الرقمي لسبر أبعاده والالتماس معه بشكل مباشر.

4. مرحلة المسؤولية:

التي تتم فيها توعية الطلبة إلى حساسية أقوالهم وأفعالهم في أثناء وجودهم الرقمي والتأثيرات والتبعات التي يمكن أن تجرها.

5. مرحلة التوازن:

التي يتم فيها تعليم الطلبة مبادئ المحاكمة العقلية والمنطقية في التنقل بين العالم الحقيقي وعالم التكنولوجيا الأخاذ.

6. مرحلة البصمة الرقمية:

وهي المرحلة الأخيرة التي تأتي بعد أن يعي الطلبة دور توظيف التقانة في خدمة الحياة الواقعية فيقومون بإجراء تعديلات تناسب أهدافهم وتخدم مجتمعاتهم.

إقرأ أيضاً: 6 أسباب تجعل الإلمام بالمهارات الرقمية أمراً هاماً

كيف يمكن تعزيز دور التربية الرقمية؟

يمكن تعزيز دور التربية الرقمية عبر اتباع المقترحات الآتية:

  • توجيه الموارد البشرية والمالية تجاه إنشاء سياسة واعية تدعم التربية الرقمية وتعي أهمية دمج التقدم التقني في عملية التعليم.
  • تطوير المناهج التعليمية بطريقة تدرج التعليم الرقمي والتطور التقني في محتوياتهم، الأمر الذي يسهل دمج التربية الرقمية ومهارات الاتصال في بقية المواد التعليمية ويعزز من إبراز أهميتها.
  • تصميم مناهج خاصة بالتربية الرقمية بإشراف متخصصين رقميين وتربويين من أجل إخراج المناهج بطريقة منصفة علمياً ومستوفية للشروط التربوية التي تضمن وصول المادة التعليمية للطلبة بأفضل صيغة ممكنة، والحرص على دمج معلومات المناهج بأسلوب التعلم، كأن يتم تعليم الطلاب كيفية إنشاء بريد إلكتروني واستقبال واجباتهم باستخدام هذا البريد بوصفه تطبيقاً عملياً.
  • اعتماد مقررات إلكترونية على شكل مقاطع فيديو تعليمية أو ملفات (PDF) أو إنفوغرافيك وغيرها من الوسائط التي تضيف إلى عملية التعلم كثيراً من التشويق والمتعة.
  • تفعيل دور الأسرة في عملية التربية الرقمية والتأكيد على دورها الهام في إنشاء جيل مثقف رقمياً وواعٍ لكون التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياته، وذلك عبر الندوات الدورية ومجالس الأولياء التي يتم فيها إطلاعهم على الطرائق والآليات المتبعة في عملية التعلم، إضافة إلى أسس التعامل الصحيح مع الطفل في العصر الرقمي.

شاهد بالفيديو: 5 مهارات نتعلمها من جيل الشباب

في الختام:

لم تعد التربية الرقمية رفاهية في عصرنا هذا؛ بل أصبحت ضرورة ملحة وخاصة بعد جائحة كوفيد-19 التي نبهت الناس إلى ضرورة تدعيم البنى التحتية الإلكترونية وتجهيزها لأي طارئ يفرض نفسه على حياة البشر، وإنَّ التربية الرقمية المدروسة الممنهجة هي الحل الأمثل لتعليم الطلاب أصول الوجود الرقمي بطريقة صحية مدروسة تكسبهم المفاهيم الضرورية والأخلاق الإنسانية التي يحتاجها الوجود في العالم الرقمي.




مقالات مرتبطة