التخطيط السليم: كيف تبني خطة حياتك؟

كم من المرّات شعرتَ أنَّ عشوائيّة أمور حياتك وفوضويّتها؛ ناجمةٌ عن سوء تخطيطك؟

كم من المرّات شعرتَ أنّك تحمل الكثير من الأفكار والرّؤى في عقلك، لكنّها في حالةٍ قصوى من التشتّت والضّياع، لكونك بعيداً عن التّخطيط السّليم؟

كم من المرّات قمتَ بجلدِ ذاتك؛ لأنّك لم تنجح في الوصول إلى أهدافك في ظل تخطيطك غير المدروس والجدّي؟

في الحقيقة، إنّ ثقافة مجتمعنا غير مبنية على أساس التخطيط السليم، فالكثير من الأشخاص لا يَعون أهميّة التخطيط في حياتهم، فيعيشون اللّحظة عوضاً عن التفكير بالغد ورسم خطط من شأنها أن تخلقَ نجاحهم في الحياة. فما هو التخطيط وماهي أهميته وفوائده؟ هذا ما سنتعرّف عليه في هذا المقال.



1. مفهوم التخطيط:

التخطيط عمليةٌ تَهتمُّ بإعداد الخُطط الخاصّة بشيءٍ مُعيّن، وصياغة فَرضيّاتٍ حول وضعٍ مُعيّن. وتعتمد على استخدام التفكير الدقيق؛ بهدف اتخاذ القرار المُناسب حول تطبيق سلوكٍ ما في المستقبل. ومن التّعريفات الأخرى للتخطيط: نَشاطٌ يُطبّقه كافة الأفراد في أغلب الشؤون العامة، ويَعتمد على إعداد خُطّةٍ ذهنيّةٍ قبل تحويلها إلى خُطةٍ حقيقيّة؛ أي الحِرص على التفكير قبل المُباشرة بالعمل.

2. أهمية التخطيط:

تنطوي الأفكار العظيمة في الحياة على التخطيط، فهو أساس النجاح. حيث أنّ فكرة الحظ فكرةٌ مغلوطةٌ تماماً، فالحظ الحقيقي هو مقدار تخطيطك للأمر وسعيك إليه.

وسنذكر الآن خمس نقاط تبيّن أهمية القيام بذلك:

2. 1. التخطيط يساعد على تحديد الأهداف:

أحد أكثر الجوانب المُفيدة للتخطيط هو خَلق أهداف لإنجازها؛ إذ يساعدك تدوين ما ترغب في تحقيقه، على وضع خطةٍ للتنفيذ. وتوجد عدة استراتيجيات مختلفة لتحقيق الأهداف، حيث تتضمّن بعض الأنواع الأكثر شيوعاً إنشاء ثلاثة أنماط للأهداف: قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل وطويلة الأجل:

  • الأهداف قصيرة الأجل هي تلك العناصر التي ترغب في رؤيتها مُنفَّذة خلال الأيام القليلة القادمة، وتكون سريعة وسهلة الإنجاز وبسيطة نسبياً.
  • أمّا الأهداف متوسطة الأجل فهي أشياء ترغب في تحقيقها في الأسابيع أو الأشهر القليلة المُقبِلة، ويمكن أن تختلف في درجة الصعوبة، ويكون كلّ هدفٍ منها محدداً وواضحاً ويمكن تنفيذه مباشرة.
  • أما بالنسبة إلى الأهداف طويلة الأجل فهي الصورة الكبيرة والتّطلعات طويلة الأمد التي تحملها لمشروعك.
إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية "SMART": اجعل أهدافك قابلة للتحقيق

2. 2. التخطيط يُساعد على صنع خارطة للطريق:

إذا قمتَ بتحديد أهدافك كخطوةٍ أولى وتنظيمها وفقاً إلى أولوياتك، تكون قد بدأتَ في إنشاء خارطةٍ لطريقكَ. يأخذ التخطيط العديد من الأشكال والأحجام المختلفة، وعند إنشاء تلك الخارطة لتحقيق أهدافك؛ ستجد أنّ ذلك قد وفّر إليك بوصلةً رائعةً تسمح لك بالتخطيط للخطوات التنفيذيّة اللازمة لتحقيق أهدافك؛ ما يساعدك على تنمية أعمالك وتطويرها؛ إذ ستكون جاهزاً للإجابة عن الأسئلة التي قد تراودك، وتمتلك ميّزةً تؤهلك للتفوّق على من لم يُجهِّز لمستقبله.

2. 3. التخطيط يكشف عن المشكلات:

يمكنك إنشاء أهدافك وتحديد بوصلتك، لتصبح مستعداً لما سيأتي بعد ذلك. وكلّما زاد استعدادك، تمكّنت من التعامل مع المشكلات بشكلٍ أفضل. كما يساعدك فنُّ التخطيط الدقيق في الكشف عن المشكلات المحتملة قبل حدوثها.

إنّ اكتشاف المشكلات يعني إيجاد الحلول وتنفيذ الإصلاحات قبل أن تصبح حقيقة واقعة. فتعدّ القدرة على حلّ النزاعات والمشكلات ميزةً عمليّةً لا تقدّر بثمن.

2. 4. التخطيط يصنع الاحترافيّة:

لا يعني الاحتراف الصّلابة والملل أو أنّك لا تستطيع الاستمتاع، بل يعني أنّك مُستعِد. فالاستعداد كلمةٌ أخرى للتخطيط. فعندما تُخطّط لآلية عملك وتحّدد أهدافك وتكشف عن المشكلات، فإنّك تمنح نفسك الفرصة للاستعداد للأشياء الاحترافية.

لا يعني التخطيط أنّ كلّ شيءٍ سيكون دائماً كما تنوي، فالأخطاء والمشكلات والفشل ستبقى موجودة. في حين يساعدك التخطيط في الحفاظ على الاحترافيّة بينما تتعامل مع تلك الأوقات العصيبة.

2. 5. التخطيط يُعطِي المرء رؤى واضحة:

أخيراً، يساعدك تخطيط أهدافك وتوجهك على امتلاك رؤيةٍ واضحةٍ للأمور الهامّة القابلة للتحقيق؛ حيث ستركّز في أثناء صنعك لأهدافك على ما تريد تحقيقه، ممّا يدفعكَ إلى تنظيمها وتحديد أولوياتها ووضعها في منظورها الصحيح.

كما يساعد التخطيط في الحفاظ على تركيزك ورؤيتك. فحافظ على رؤيتك لهدفك ومستقبلك؛ لترى النّجاح وتُكافَئ على تخطيطك.

3. فوائد التخطيط:

  • يساعد التخطيط على إعداد مبادئ توجيهية؛ أي إنشاء جدولٍ زمنيٍّ حول كيفية الحفاظ على الأهداف التي وضعناها لأنفسنا والوصول إليها -مثل الخارطة- وميزة ذلك أنّه يمكن تكييفها بسهولةٍ مع كلّ فردٍ حسب ظروفه.
  • نتعرّض جميعنا إلى شكلٍ من أشكال التخطيط بطريقةٍ أو بأخرى. والطريقة الأكثر شيوعاً لرؤية فوائده عمليّاً هي عندما نخطط لقضاء الإجازات؛ حيث يكون من المهمّ إنشاء مسارٍ للرحلة لتتبّع الأمور الواجب القيام بها وأماكن الزيارة والنشاطات، بالإضافة إلى تخطيط الميزانية.
  • من خلال التخطيط للمستقبل، يقلّ مقدار الضغوطات والإحباطات كثيراً.
  • من حيث الميزانية، يمكن للمرء أن يطمئنّ إلى أنّ أمواله يتمّ تتبّعها بشكلٍ جيّدٍ لمنع أيّ زيادةٍ في الإنفاق؛ مما يسمح بالإنفاق والادخار السليم للأموال وتحقيق الأهداف المالية طويلة الأجل والقصيرة الأجل.
  • أصبح التخطيط جزءاً أساسياً في الحياة. فهو غريزةٌ طبيعيةٌ واستجابةٌ لاإراديةٌ إلى موقفٍ جديد.
  • يساعد التخطيط الأشخاص على زيادة إنتاجيتهم وكفاءتهم في العمل أو الحياة الاجتماعية.
  • يسمح التخطيط بالتغاضي عن أيّ انحرافٍ عن الخطة الأصلية والحفاظ على التركيز على الخطة الرئيسة.
  • يوجد تعديلات وعوامل متغيرة في أثناء مراحل التخطيط. لكن يتمثل الجزء الرائع في وجود خطةٍ قادرةٍ على استيعاب هذه المتغيرات وتقليل مقدار الضغوطات الذي قد يتعرّض لها المُخطِّط، وذلك بالمقارنة مع عدم وجود خطة.
إقرأ أيضاً: التخطيط لحالات الطوارئ: وضع "خطة ب" مُحْكَمة

4. خطوات بناء خطة حياتنا:

وهنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال الآتي: هل يوجد خطوات تساعدنا على بناء خطة حياتنا؟ نعم، يوجد العديد من الخطوات منها:

4. 1. تَخيُّل مقابلةٍ تُجرى معك في أواخر سنين حياتك:

تخيّل أنّك تجلس على كرسيٍّ مريحٍ وعلى الجانب الآخر منك مراسلٌ إخباريٌّ لقناةٍ هامّة، إنّهم يرغبون في مشاركة قصتك مع العالم لأنّك فعلت أشياء رائعة وأصبحت فرداً عظيماً. وبينما تستعد للمقابلة، يسألك المراسل هذه الأسئلة:

  • ما هو الشيء الوحيد الذي لم تظن أنّك ستقدر على القيام به، لكنّك نجحت بذلك؟
  • أين كنت تعيش؟ وأين تعلّمت واختبرتَ أكبر نجاحاتك؟
  • متى قمت بعملٍ شاقٍ لجعل هذه الحياة ممكنة؟
  • لماذا عمِلتَ بجدٍّ لتصبح كما أنت عليه الآن؟
  • كيف أنجزتَ هذه الأشياء المُدهشة؟

هذه الأسئلة قد تكون شاقّة في البداية، لكنّها هامّةٌ للغاية لمساعدتك في فهم المكان الذي تريد أن تكون فيه في المستقبل؛ فمستقبلك المُتصوّر هو المكان الذي تريد أن تكون فيه في نهاية حياتك؛ إنّه المكان الذي تتحقّقُ فيه كلّ أحلامك.

4. 2. تحديد أولوياتك:

ما هو الأكثر أهميّةً بالنسبة إليك؟ لعلّ هذا السؤال هو الأهمّ في الخطوة الأولى، لكنّ الأمر الصادم أنّ أولوياتنا تتغيّر مع الوقت؛ فهي في عقد العشرينات مختلفةٌ عن عقدي الخمسينيات والستينيات.

4. 3. مراجعة كلّ أولوية:

مراجعة كلّ أولويّةٍ محور إنشاء خطّةِ الحياة، وهناك أربعة أجزاء تتعلّق بالخطوة الثالثة (مراجعة الأولويات). فسوف تحتاج إلى معرفة الهدف الخاص بك، وأين تريد أن تكون، وأين أنت الآن، وكيف تريد الوصول إلى هناك:

  • الهدف: يجب تحديد السبب الكامن وراء اختيارك لأولوياتك. فإذا كانت الأولوية هي أطفالك. فلماذا هم أولوية؟ أو في حال كانت العمل، فلماذا هو أولوية؟
  • المستقبل: كيف تريد أن يبدو المستقبل مع أولوياتك؟ فإذا كان كلّ شيءٍ بالطريقة التي تريدها، فيجب أن يكون لديك صورة واضحة عنه في عقلك، ونظراً لأنّ هذه الخطة وثيقة حية، فسوف تتغيّر عندما تبدأ القيام بخطواتٍ نحو تحقيق أحلامك.
  • الحاضر: بعد أن تقرّر الهدف والمستقبل بالنسبة إلى أولوياتك، عليكَ أن تعرف أين أنت الآن. فعليك أن تكون صادقاً مع نفسك؛ وبالتالي بهذه الطريقة يصبح لدينا بداية ونهاية للوصول إلى أحلامنا.
  • إنشاء خطوات فعليّة: الآن، لدينا هدف وبداية ونهاية لأحلامنا بالنسبة إلى أولوياتنا، لذا سنحتاج إلى البدء في إنشاء خطواتٍ فعليّة بغية الانتقال من الحاضر إلى المستقبل؛ هذا هو المكان الذي نصنع فيه خارطة الطريق لأحلامنا.
إقرأ أيضاً: 10 أمور ستهمُّك كثيراً في السنين العشر القادمة

4. 4. إنشاء وثيقة الحياة الخاصة بك ومراجعتها:

لقد حان الوقت لدمج هذه الخطوات معاً، وصنع وثيقة الحياة الخاصة بك؛ حيث تبدأ الخطة بمقابلة نهاية الحياة، ثم تنتقل خطوةً تلوَ الأخرى من خلال الأولويات. وبمجرّد تجميع كلّ شيءٍ معاً، تُطبَعُ وتُوضَع في مكانٍ مرئيّ بحيث يمكنك مراجعتها.

سيكون من المهمّ بالنسبة إليك مراجعة خطة حياتك أسبوعياً وشهرياً وفصلياً؛ فالمراجعات الأسبوعية والشهرية تبقيك على المسار الصحيح نحو أحلامك والحياة المطلوبة. أمّا المراجعات الفصليّة فتساعدك بتحديث خطّة حياتك بناءً على إنجازاتك أو ما قد يعترضك من مشكلات.

ستكون هذه الأوقات ذات قيمة كبيرة لمساعدتك في رؤية تقدّمك وتشخيص المشكلات التي تواجهك.

الخلاصة:

نحن نعيش حياتنا غير مكترثين لما نأخذه من قرارات؛ تائهين عن خارطة طريقنا، وغير قادرين على تحديد أولوياتنا، وتاركين للصدفة والعبثية مهمة توجيه بوصلتنا. نعيش هاربين من مسؤولية تخطيط حياتنا، مُعتقدين أنّنا نعيش اللحظة وأنّنا على حق.

  • أما آن أوان أن نثور بحقٍّ على ذواتنا؟
  • أما آن أوان أخذ خطوةٍ فعليّةٍ صوب تخطيط حياتنا؟
  • أما آن أوان أن نطارد أحلامنا؟
  • أما آن أوان أن نكون نحن؛ كما نحب أن نكون؟



مقالات مرتبطة