التحكم بالعواطف: 3 عقبات تمنعك من امتلاك هذه المهارة

تخيَّل أنَّك تمشي على منصة العرض في قاعة كبيرة تضمُّ آلاف الأشخاص، ومهمتك هي جذب انتباه هذا الجمهور من خلال حضورك، وتتجه نحو الميكروفون؛ بالتأكيد، إنَّ موقفاً كهذا سيكون مُرعباً ما لم يكن لديك خبرة كبيرة في التحدُّث أمام الجمهور، وعلى أقل تقدير سيجعلك هذا الموقف متوتراً أو قلقاً جداً.



ففي جميع الأحوال إنَّ ما يؤثِّر فيك في هذا الموقف، ومن ثمَّ يؤثِّر في أدائك هو عواطفك؛ أي إنَّ العواطف التي تسبِّب لك الضيق هي ما تجعلك متوتراً وقلقاً، لكن ماذا لو كنت قادراً على تغيير هذه العواطف؟ ستكون قادراً تلقائياً على تبديد الخوف واستبداله بالحماسة، وستكون قادراً على التخلُّص من التوتر والإحباط والتركيز على نفسك.

تخيَّل لو كنت بارعاً جداً في التحكُّم بعواطفك، ستكون النتائج مذهلة كون العواطف أمر أساسي في التجارب الحياتية التي نعيشها، ومع أنَّ المثال الذي ذكرناه في البداية مبالغ فيه بعض الشيء إلا أنَّ الغاية منه هي توضيح تأثير العواطف ليس في النجاح فحسب، بل في جودة الحياة أيضاً، فمن الواضح أنَّ فهم العواطف والتحكُّم بها أمر بالغ الأهمية في الحياة.

ما هي العواطف؟

من أجل أن تكون قادراً على التحكُّم بشيء ما، يجب أن تفهم ما تحاول السيطرة عليه في البداية، وفي هذا السياق تُعدُّ العواطف ظاهرة معقَّدة نوعاً ما، وذلك لأنَّنا ندرك على الفور طبيعة عواطفنا، إلا أنَّنا قد نجد صعوبة في التعبير عنها من خلال الكلمات.

يشبه الأمر محاولة وصف اللون الأحمر دون استخدام ألوان أخرى، أو الإشارة إلى أشياء حمراء، وبالمثل فإنَّ كل عاطفة هي تجربة مختلفة عن غيرها من التجارب العاطفية، ويُتعرَّف إليها فوراً، لكن يصعب وصفها، وحتى يكون هذا المقال عملياً، سنعرِّف العواطف بدايةً.

العواطف بسهولة هي فئات من الأفكار، أو أنماط للتفكير تؤدي إلى سلوكات وحالات نفسية معينة؛ بمعنى آخر، العواطف هي شكل من أشكال تصنيف أنماط التفكير التي تؤدي إلى نتائج مماثلة، لذلك عندما تشعر بالغضب، فإنَّك تميل إلى التصرُّف بعدوانية فيعلو صوتك وتكز على أسنانك، وعند الشعور بالغضب، أو اختبار أنماط من التفكير تندرج ضمن فئة الغضب، فإنَّك تميل إلى التفكير تفكيراً عنيفاً، كما تميل إلى فصل نفسك عن السبب الذي سبَّب لك الغضب، وتصبح أفكارك أكثر تركيزاً على الغضب فحسب.

العواطف تشبه التيارات في المحيط؛ إذ يمكننا تحديد تيار معيَّن من خلال الاتجاه العام لتدفُّق المياه، والتأثيرات التي يتركها هذا التدفق في المحيط والأرض المجاورة له، لكن لا يوجد حاجز مادي يفصل بين التيارات المختلفة، وهذا يعني أنَّ المياه لا تتَّبع نمطاً معيَّناً، وإذا أضفنا عامل الرياح والاضطرابات، نستنتج أنَّ المياه لا تتدفَّق بالطريقة نفسها، ونحن نشبِّه العواطف بالتيارات لتسهيل العملية المعقدة، واختزالها إلى الأنماط المتشابهة فقط.

نادراً ما تكون العواطف متميزة تماماً، بل هي عبارة عن مجموعة متنوعة ومعقدة من أنماط التفكير التي يمكن تصنيفها حسب السلوكات العامة والحالات النفسية الناتجة عنها، وتغيِّر العواطف أيضاً التجربة التي نعيشها في الواقع، وفي حين أنَّه من الصعب التعبير عن هذا الجانب من العواطف بالكلمات، فإنَّ هذه التجربة الواقعية هي نمط وتدفق لأفكار موجودة لديك.

نحن هنا نعرِّف العواطف تعريفاً تجريبياً؛ أي إنَّ الغضب هو الشعور بالغضب، لكن علم النفس ينحى في الاتجاه المخالف، فهو يعرِّف العواطف من خلال آثارها البيولوجية والنفسية.

لكن، نظراً لأنَّ الهدف من المقال هو تحسين قدرتنا على التحكُّم بعواطفنا، فلن نتطرَّق إلى الاختبارات الطبية؛ مثل تخطيط القلب، والدماغ لمراقبة العواطف، وسنكتفي بالتعريف الأول السهل.

هل يمكن التحكُّم بالعواطف؟

لن ندخل في جدال بين فكرتي الإرادة الحرة والحتمية، وسنجيب بطريقة مباشرة ونقول، نعم يمكن التحكم بالعواطف، فكما تستطيع تغيير ما تفكِّر فيه، ففي إمكانك تغيير حالتك العاطفية، لكن يكمن الفرق في أنَّ إجراء تغيير طفيف في التفكير أمر سهل نسبياً، في حين قد يكون من الصعب جداً إجراء تغيير كبير في الحالة العاطفية.

بالعودة إلى مثالنا السابق، يمكننا تشبيه تغيير الأفكار بإحداث تموجات في المحيط، في حين يشبه تغيير العاطفة إحداث تغيير في التيار، ولحسن الحظ، على الرَّغم من صعوبة إجراء تغيير في حالتك العاطفية، إلا أنَّه توجد عدة تقنيات ووسائل تساعدك على تحقيق ذلك.

من خلال ممارسة هذه التقنيات والأدوات بما يكفي، ستكون قادراً على تعديل حالتك العاطفية، ومن ثمَّ سلوكك بسرعة، ومثل معظم الأشياء في الحياة، قد يكون من السهل تعلُّم كيفية التحكم العاطفي، ولكن الوصول إلى مرحلة الإتقان قد يتطلَّب ممارسة تستمر لسنوات.

شاهد بالفديو: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

3 فوائد للتحكُّم بالعواطف:

التحكم بالعواطف هو مهارة بالغة الأهمية وفوائدها عديدة ومتنوعة، لكنَّنا سنسلِّط الضوء على جزء يسير من هذه الفوائد التي ستحصل عليها من خلال ممارسة المهارات التي سنذكرها:

1. إقامة علاقات أفضل:

العلاقات محكومة بالعواطف؛ إذ تجعلك قدرتك على التحكُّم بعواطفك شخصاً محبوباً يرغب الناس في صحبته، والأهم من ذلك، هو أنَّ قدرتك على التحكُّم بعواطفك تضمن لك عدم ارتكاب الأخطاء عندما تكون في حالة سيئة، وسواء كنت تحاول إقناع مديرك أو أحد العملاء أو شريكك فإنَّ التحكُّم بعواطفك أمر بالغ الأهمية.

2. التصرف بعقلانية:

كلما زادت قدرتك على التحكم بعواطفك، كانت تصرفاتك أكثر عقلانية، وبدلاً من اتخاذ قرارات سيئة بناءً على انفعالك، فستتخذ قرارات أكثر فاعلية، كما يزيد التحكُّم العاطفي من قوة حدسك، لأنَّه يساعدك على منع حالتك العاطفية من التأثير في ذكائك اللاواعي.

3. تحقيق المزيد من السعادة:

أفضل ما ستحصل عليه من مهارة التحكُّم بعواطفك هو أنَّها ستجعل حياتك أفضل؛ إذ ستكون قادراً على مواجهة مخاوفك، بدلاً من الهروب منها، كما ستكون قادراً على التحكم بالتوتر وجعله يحفِّزك، بدلاً من أن تخرج الأمور عن سيطرتك، وستختبر مزيداً من مشاعر الرضى والامتنان والسلام في حياتك؛ لذلك يجب أن يكون الإتقان العاطفي أحد المهارات التي تتعلمها في حياتك، والأمر الجيد هو أنَّه في إمكانك ممارسة هذه المهارة وصقلها طوال حياتك، ولا تحتاج إلى تخصيص وقت لممارسة هذه المهارة، بل يمكنك ممارستها في حياتك اليومية.

إقرأ أيضاً: كيف تساعدك عواطفك على الشعور بالسعادة؟

لماذا تعدُّ مهارة التحكُّم بالعواطف من المهارات الصعبة؟

قد يكون من الوجيه أن نطرح هذا التساؤل، فبما أنَّ هذه المهارة مفيدة جداً، فلماذا لا نمتلكها تلقائياً، ومن ثمَّ نتجنَّب ارتكاب الأخطاء الناتجة عن انفعالاتنا العاطفية؟ لكي نجيب، فمن الضروري أن نتعرَّف إلى العوائق الثلاثة التي تحول بيننا وبين اكتساب هذه المهارة:

1. فقدان التركيز بسبب شدة العاطفة:

السبب الرئيسي الذي يجعل من الصعب امتلاك مهارة الإتقان العاطفي، ليس أنَّ تغيير العواطف أمر صعب، بل تكمن الصعوبة في تذكُّر أنَّه يجب تغيير حالتك العاطفية عندما تحتاج إلى ذلك؛ أي إنَّ إدراك أنَّك في حالة سيئة ويجب تغييرها، هو الجزء الأصعب في السيطرة على عواطفك.

عموماً تؤدي العواطف الشديدة إلى الوقوع في حلقة من التفكير المستمر، وغالباً ما تكون هذه الحلقة شبه مغلقة، لكن ليست مغلقة بالكامل، فمثلاً، عندما تكون متوتراً جداً بخصوص شيء ما، فغالباً ما تمرُّ دقائق أو ساعات وأحياناً أيام لتدرك بوعي أنَّك متوتر حيال هذا الأمر؛ أي هذه القدرة على إدراك نمط معيَّن من التفكير، هي قدرة نادرة لدى البشر، ولكنَّنا لا نستعملها في الغالب إلا بعد تفاقم العاطفة.

إنَّ الشعور بالضياع والتخبُّط بسبب العاطفة هو مشكلة حقيقية، وهدفنا أولاً أن نضع لك خريطة تمكِّنك من الخروج من متاهة العواطف.

2. سوء الفهم أو الإدراك:

الشعور بالغضب

عندما ينتابك شعور معيَّن، فمن غير المُحتمل أن ترغب في تغيير حالتك العاطفية، فمثلاً، عندما تشعر بالغضب، مع أنَّ هذا الشعور يكون مزعجاً إلا أنَّك تتشبَّث به، وتحاول منع التحوُّل إلى حالة عاطفية مختلفة تجعلك تشعر بالهدوء والسكينة، وتغذي العواطف العنيفة نفسها بنفسها، ولذلك غالباً ما يكون من الصعب قطع هذه السلسلة من التغذية الذاتية.

أحياناً نكون في حالة من التناقض، فمثلاً أحياناً لا نريد أن نشعر بالرضى، بل نستمتع بمشاعر البؤس، وذلك لأنَّنا نشعر أنَّ لدينا ما يبرِّر هذه العواطف السلبية، مثلاً قد تشعر أنَّك حزين، والحقيقة أنَّ لسان حالك يقول: "أنا أحتاج لأن أشعر بالبؤس بسبب ما حدث معي"، أو "أريد أن أشعر بالغضب لأنَّ شخصاً ما فعل معي كذا"، أو "أحتاج إلى الشعور بالتوتر لأنَّ مديري يضع مواعيد نهائية غير معقولة لإنجاز العمل".

هذه التبريرات هي إحدى العقبات الكبيرة أمام تغيير حالتنا العاطفية بما يحقق لنا الهدوء والسعادة، وللتخلُّص منها، يجب أن تستوعب أنَّك مسؤول عن عواطفك في جميع الأحوال والأوقات؛ لذا، يكون الغضب والألم والتوتر غالباً عواطف مفيدة في توجيه أفعالك، لكن تذكَّر أنَّك الوحيد المسؤول عن عواطفك، وليس غيرك من الأشخاص، أو ما يحدث معك الآن أو ما حدث في الماضي، ودون هذا الشعور بالمسؤولية لن تتمكَّن أبداً من التحكم بعواطفك.

إقرأ أيضاً: ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

3. وجود سبب وجيه للعواطف يخدم الجنس البشري:

العواطف تخدم غرضاً معيَّناً في الحياة، ويكفي أن تفكِّر كيف يساعدنا الخوف على الحفاظ على سلامتنا؛ فالخوف والغضب والكراهية والحب والألم وغيرها، كلها ضرورية لحثِّنا على اتخاذ الإجراءات المناسبة؛ أي إنَّ العواطف التي تنتابك ليست عبثية بل هي هادفة.

لكن المشكلة هي أنَّنا ما زلنا نفكِّر بنفس الطريقة التي كان يفكِّر بها أسلافنا قبل آلاف السنين على الرَّغم من التطور الهائل الذي طرأ على بيئاتنا؛ أي ما تزال جيناتنا هي ذاتها جينات أسلافنا الذين عاشوا في عصر الماموث والثعابين العملاقة، مع أنَّنا نعيش الآن في عصر الإنترنت، فكثيرٌ من عواطفنا ما تزال موضوعية ولا نستطيع عزلها، فمثلاً عندما تشعر بالغضب بسبب تعرُّضك للظلم، فإنَّك تندفع للتعبير عن الخطأ الذي حصل من أجل تصحيحه.

شاهد بالفيديو: التحكم بالعواطف: 3 عقبات تمنعك من امتلاك هذه المهارة

كذلك يحفِّزك الشعور بالتوتر على استعادة طاقتك والمضي قدماً، وما يزال الخوف شعوراً هاماً جداً لسلامتنا، لذلك فإنَّ مهارة التحكُّم بالعواطف هي بسهولة إجراء بعض التعديلات الصغيرة على منظومة العواطف التي توقفت عن التطور منذ آلاف السنين؛ فلقد تغيَّر العالم كثيراً خلال الـ 40,000 عاماً الماضية، لذلك تحتاج منظومتك العاطفية إلى تحديث أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة