التأثير السلبي للانشغال الدائم

يظهر اليأس على وجوه الناس المشغولين، ويبدون كأنَّهم يرون شبحاً ويشعرون بالقلق والتوتر على الدوام، بالنسبة إلي، لقد أصبحتُ مشغولاً في فترة من الفترات، وكان مديري يوكِّلني بأعمالٍ فوق طاقتي دائماً، ولم يكن لدي وقت كافٍ للقيام بها على الإطلاق، ولكنَّني توقفت عن الاهتمام بعد مدة من الزمن.



العمل الشاق هو تستر على انعدام الأمان:

لقد تبادر إلى ذهني قائد معروف في المكان الذي كنت أعمل فيه، ومعظم زملائنا في المكتب معجبون به، فقد كان يتمتع بجاذبية عالية وواثقاً بنفسه أيضاً، لكن كانت المشكلة أنَّك لا يمكنك قضاء الوقت معه على الإطلاق، فقد كان دائماً في عجلة من أمره، وأشعرني وضعه هذا أنَّه لا يحبُّني على الرَّغم من أنَّني متأكد من أنَّه لم يكن كذلك.

كان ينتقل من اجتماع إلى آخر، ويقوم بجميع الأعمال الورقية بعد ساعات للتأكد من أنَّه لم يضيع لحظة واحدة كان يمكن أن يقضيها في مقابلة العملاء وترويج المنتجات لهم، وكان يذهب إلى المكتب لكي يعمل بدلاً من قضاء الوقت مع أطفاله، وذات صباح أتيت إلى العمل ولم يكن على ما يرام.

سألته ما إذا كان بخير، فأجابني بأنَّه مرَّ بليلة عصيبة، وبعد عدة أسابيع سمعت أنَّ زوجته قد تركته، وأخذت معها أطفالهم، فقد سئمت من كونه مشغولاً على الدوام، ولقد حطَّمه هذا الأمر كليَّاً، وتراجع في حياته المهنية، وزاد وزنه، وفقد معظم شعره، وشاب شيباً رهيباً، ولقد اختفت ثقته العالية بنفسه، وأصبح مشابهاً للأشباح.

إنَّ الأشخاص المشغولين يسعون ليثبتوا للأشخاص الذين لا يهتمون لأمرهم أنَّهم جديرون بالاهتمام وأذكياء وبارعون في كلِّ شيء؛ وذلك لأنَّ السعي إلى نَيل قبول الناس هو الفقر، وهذا الأمر يجعلك سجيناً؛ بمعنى أنَّك تفقد الحرية، ممَّا يحد من إمكاناتك.

عندما كنت صغيراً في السن، كنت شخصاً يعاني من انعدام الأمان، وكانت ثقتي بنفسي معدومة؛ لأنَّني كنت أتعالج من مرض عقلي، لكن في النهاية تمكَّنتُ من معالجة شعوري بانعدام الأمان، وحصلت على المساعدة من طبيب نفسي.

كلُّ ما فعله الانشغال هو التستر على مشكلاتي، وليس حلَّها؛ إذ تعود ثقتك بنفسك عند العمل على حلِّ أكبر مشكلاتك، وتأتي الثقة من اتخاذ الإجراءات، وليس عند تجنب الحقيقة.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح عملية لتتخلص من الانغلاق الفكري وتصفي ذهنك

ما يتجنبه الناس المشغولون:

الأشخاص المشغولون ليس لديهم الوقت للجلوس والتفكير؛ إنَّهم يعيشون على أمل الغد، وعندما تكون وحيداً تراودك الأفكار الشريرة، لكن عندما تنشغل تستطيع تجنب التفكير ودفع كلِّ الأفكار السيئة بعيداً، وهذا ما يجعل الانشغال إدماناً بالنسبة إلى بعض الأشخاص.

يمكن للانشغال أن يزيل الألم، لكن ليس إلى الأبد؛ إذ يتعين على المرء في مرحلة ما أن يتعامل مع آلامه أو يستسلم لها، ويعدُّ معظم الأشخاص الانشغال على أنَّه هروبٌ من الواقع، وكذلك على أنَّه عالم افتراضي في رؤوسهم يمكنهم الهروب إليه عندما لا يريدون الشعور أو التعامل مع الإزعاج.

كما قال عالم الرياضيات الفرنسي بليز باسكال (Blaise Pascal): "تنبع جميع مشكلات الإنسانية من عدم قدرتنا على الجلوس بهدوء وحدنا".

الطريقة الذكية للناس المشغولين:

إذا تعلمت كيفية العمل بذكاء أكثر برفضك لبعض الأشياء وتجنب المشتتات والتركيز على الأولويات الحقيقية، فلن تحتاج إلى أن تكون مشغولاً.

إنَّ الانشغال هو طريقة غبية للعمل؛ إنَّه الطريق البطيء الذي يؤدي إلى العمل الشاق، ويمكنك القول إنَّه عبارة عن غطرسة أيضاً؛ إذ توجد طرائق أكثر ذكاءً للقيام بالأشياء، فإذا كنت تتجنب العثور على طريقة أخرى للعمل لا تجعلك مشغولاً للغاية، فمن المحتمل أنَّك لست قابلاً للتعلم أو لتلقي الكوتشينغ بسهولة، أو أنَّك خبير وعلى معرفة بكلِّ شيء.

الانشغال هو أسوأ أشكال الأنانية:

لنعود قليلاً إلى الشخص الذي تكلمت عنه في البداية، لقد أرادته عائلته بشدة، ومع ذلك سلب من زوجته زواجاً سعيداً وسلب من أطفاله فرصة قضاء طفولتهم مع والدهم، وبرأيي هذه هي الأنانية بحد ذاتها؛ لذلك لا تكن أنانياً؛ فالحب لا يعني الانشغال؛ فامنح وقتك لمن يستحقه.

نشر الموارد في مجالات عدة:

نحن نقع في فخ الانشغال بسبب نظرتنا للوقت، ويمكن أن أقدم لك مثالاً عن الانشغال على أنَّه عبارة عن أخذ إبريق الماء الذي يمثل كلَّ مواردك، وبالإفراط في سكبه في مجال واحد من مجالات الحياة يفيض هذا الماء، وينسكب على الأرض، ومن ثمَّ يترك مجالات الحياة الأخرى جميعها في حالة جفاف.

عليك أن تنشر مواردك في جوانب متعددة؛ لكي تعيش حياة جيدة ومتوازنة، وإلا سيتضاعف حجم العمل بسبب انشغالك، وستعمُّ الفوضى جوانب الحياة الأخرى.

إقرأ أيضاً: فن التفويض المتقن، حلٌّ لمشاكل الانشغال الزائد

قد يحدث الانشغال صدفةً:

إذا كنت مشغولاً دائماً، فسوف أعذرك بالقول إنَّه من الممكن أنَّك تعتقد بأنَّ لديك ما يكفي من الوقت، بينما الوضع ليس كذلك؛ لذا كن متشائماً حينما يتعلق الأمر بالوقت، وفكر في مقدار الوقت الذي سيستغرقه كلُّ شيء، وافترض أنَّ الأشخاص يريدون تضييع وقتك لأنَّهم لا يقدرون وقتهم.

توقع أن تستغرق المهام وقتاً أطول ممَّا قد تستغرقه فعلاً، ثم حدد لها موعداً زمنياً أقل.

إقرأ أيضاً: كيف تعمل قليلاً وتنجز كثيراً؟

الخلاصة:

إنَّ المال ليس أثمن موارد الحياة؛ بل الوقت هو كذلك، فإذا لم يكن لديك ما يكفي من الوقت، فأنت مفلسٌ وتعيش في فقر مدقع؛ لذا اكسب وقتك مرة أخرى، وتوقف عن النظر إلى الانشغال بوصفه أمر يُفخر به، فلا أحد يبالي بمقدار الأعمال التي تنجزها، وكذلك الانشغال هو أحد أكبر أسباب حالات الطلاق، ولولاه لتلافينا كثيراً منها.

المصدر




مقالات مرتبطة