الاستثمار العقاري: كيفية البدء في العمل كمستثمر عقاري

كانت سيدة ستينيَّة أُمِّية تلك التي التقيت بها في اجتماع عائلي، وهذا ما أثار استغرابي وهي تحدِّثني بفخر عما تمتلكه من عقارات، وعن المغامرات والمخاطرات والتنازلات التي قدَّمَتها للحصول على ما تملكه اليوم، ولم يخلُ الأمر من اتهامات بالجنون والتهور، ولكنَّها كانت الأكثر حكمة، لقد كنت أحلل كل نصيحة تسديها إليَّ فأجدها بطريقة أو بأخرى مذكورة في كتاب "الأب الغني والأب الفقير" لصاحبه رجل الأعمال والمستثمر "روبرت كيوساكي"، وهذا ما زاد يقيني بأنَّ الاستثمار العقاري لا يحتاج إلى أن تكون خريجاً أكاديمياً بتخصص الاقتصاد؛ إنَّما يكون فطرياً أو مكتسباً من البيئة أو ربما تعلمته عن طريق الكتب.

إذا كنت ترغب بمعرفة معلومات هامة عن الاستثمار العقاري وتبحث عن كيفية البدء بالعمل بصفتك مستثمراً عقارياً فتفضل بقراءة مقالنا الذي سيكون بالتأكيد مفيداً لك في هذه الرحلة.

ما هو الاستثمار العقاري؟

يعرف الاستثمار العقاري على أنَّه نوع من أنواع الاستثمار، والاستثمار كما في معناه اللغوي هو الحصول على الثمار التي تتطلب القيام بعملية الزراعة أو الاعتناء بالشجرة المثمرة لتؤتي أُكلها، وفي موضوع الاستثمار العقاري يعني شراء عقار بمبلغ مالي قليل والاعتناء به (بطريقة تختلف عن الاعتناء بالأشجار بالتأكيد) أو ربما الصبر عليه فقط، ليباع فيما بعد بأضعاف ما اشتُري به.

السيدة التي كنت أحدِّثكم عنها في السطور السابقة كانت صاحبة نظرة استباقية معمارية خارقة، فكانت تستطيع استقراء مستقبل الضواحي، فتشتري عقاراً في الضاحية التي تتوقع لها مستقبلاً سكنياً باهراً، وما تكاد السنوات القليلة تنقضي حتى تبيع السيدة عقارها بأضعاف الثمن الذي اشترت به، ودونما أن تجري عليه أي تعديل، فقط تنتظر حتى تصبح المنطقة مأهولة فيزداد الطلب على العقار، أو تختار موقعاً قريباً من صرح هام قيد الإنشاء كما فعلت عندما اشترت شقة سكنية قريبة من جامعة قيد الإنشاء، وفي مرات عديدة اشترت عقاراً غير جاهز أو يحتاج إلى بعض التعديلات لتقوم بتوظيف ورشة للقيام ببعض التعديلات والإشراف عليها بنفسها، وفيما بعد تبيع العقار أو تؤجره بمبالغ مالية مجزية.

مزايا الاستثمار العقاري:

يعد الاستثمار العقاري من أنواع الاستثمارات الرابحة في معظم الأحيان والمفضلة من قِبل كثيرٍ من المستثمرين؛ وذلك بسبب مزايا الاستثمار العقاري التي يمكن تلخيصها بما يأتي:

1. إنَّ السلعة المستثمرة في مجال الاستثمار العقاري هي العقارات:

أي البيوت والشقق السكنية والمحال التجارية وغيرها، وهي سلع يحتاج إليها الإنسان باستمرار لأجل الإسكان.

2. يعتمد الاستثمار العقاري على مبدأ ارتفاع قيمة الأصل الثابت:

بسبب تزايد الطلب عليه، وبسبب التزايد في أعداد السكان؛ فإنَّ التزايد على طلب العقارات كثير، وهذا يجعل الاستثمار العقاري خياراً ممتازاً.

3. من مزايا الاستثمار العقاري أنَّه آمن ومستقر:

وذلك بسبب اندراجه ضمن أنواع الاستثمار الثابت.

4. الدخل السلبي أيضاً هو من مزايا الاستثمار العقاري:

فيمكن تحقيق دخل سلبي شهري ومنتظم من العقارات بفضل خاصية التأجير التي تعد من أدوات الاستثمار العقاري؛ إذ يمكن تأجير العقار السكني أو التجاري وتقاضي مبلغ شهري أو سنوي عن استثمار العقار من قِبل الآخرين.

5. لا يحتاج الاستثمار العقاري إلى رأس مال ضخم:

بل لعل أبرز مزايا الاستثمار العقاري هي كونه مناسباً لجميع أنواع المستثمرين وملائماً لجميع أحجام الاستثمار، فلكل رأس مال استثمار مختلف.

شاهد بالفيديو: 8 أمور هامّة لنجاح استثمارك الخاص

كيفية البدء بالعمل بصفتك مستثمراً عقارياً:

إذا ما رغبت بدخول مجال الاستثمار العقاري ووجدت في نفسك الشغف تجاه هذا المجال، ولكنَّك حائر في كيفية البدء بالعمل، فإليك هذه النصائح:

1. اطلع السوق:

إنَّ أول نصيحة هي الاطلاع الجيد على السوق؛ وذلك من أجل امتلاك المعرفة العميقة بالحيز الذي ترغب باستهدافه في استثماراتك، فعن طريق قراءة السوق تستطيع التنبؤ بالعادات الإنفاقية للزبائن ومعدلات الرهن العقاري، وغيرها من العوامل الاقتصادية التي تتحكم بعمليات البيع والشراء مثل مستويات البطالة مثلاً.

كما أنَّ معرفة السوق هي الأساس في عملية التخطيط للمستقبل؛ وذلك بسبب قدرتها على تحديد الظروف الحالية، وهذا يساعد المستثمر على التنبؤ باتجاهات السوق بناءً على استقرائه للأحداث السابقة، ويؤهبه لأيَّة تغيرات وفرص محتملة.

2. ضع خطة عمل مناسبة:

أما عن ثاني نصيحة فهي وضع الخطة المناسبة للعمل، مع أنَّ الأمر في عمليات الاستثمار العقاري لا يخلو من الصدف الموفقة أو ضربات الحظ، لكن هذا المجال ليس قائماً على هذه الصدف؛ بل هو قائم على عمليات تخطيط مدروسة وتحديد أهداف قريبة الأمد وأخرى بعيدة الأمد، فهذه الأهداف التي من المفضل أن تكون مجدولة زمنياً يمكن الاعتماد عليها بوصفها مقياساً للتطور في العمل، وبالتأكيد يجب الاحتياط للعثرات والأحداث السلبية المفاجئة أيضاً، فهي أيضاً جزء من منظومة العمل.

3. تمتَّع بالمصداقية:

المصداقية ليست مجرد نصيحة؛ بل هي جوهر النجاح في هذا العمل، ولا نعني النجاح المادي فقط؛ إذ إنَّ الأخلاق المهنية في مهنة الاستثمار العقاري تعد من أساسيات النجاح في هذه المهنة؛ وذلك لأنَّها أساساً قائمة على العلاقات المتشعبة، فمتى ما تمتع المستثمر بأخلاق طيبة يشيد بها زملاؤه في المهنة وزبائنه انهالت عليه الصفقات والأعمال، ولكنَّ هفوة واحدة أو تعاملاً مغشوشاً واحداً سبب كافٍ لأن تتشوه السمعة الحسنة التي تتطلب مجهوداً ووقتاً طويلاً لبنائها، أما السمعة السيئة فتلحق بالمستثمر أينما ارتحل وتفقده ثقة الناس به.

4. اختر تخصصاً محدداً:

الاستثمار العقاري مجال متشعب لا تتشابه التخصصات الموجودة ضمنه، فالعقارات السكنية مثلاً تختلف من حيث المعايير وخطط التسعير عن العقارات التجارية؛ لذا إذا ما أردت أن تكون مستثمراً عقارياً ناجحاً فعليك أن تتخصص في مجال ما من مجالات العقارات لتستطيع فهم خوارزمياته ومعطياته التي تؤهلك للسيطرة على سوقه وضرب جذور قوية فيه، ومن ثم تستطيع الانتقال إلى تخصص آخر إذا ما رغبت بذلك.

5. احرص على جذب الإحالات:

إنَّ جذب الإحالات هو نصيحة هامة، والإحالة تعني أن يتم ترشيحك لزبون أو لمستثمر من قِبل شريك لك أو زبون لديك أو جهة سبق لها أن تعاملت معك ولمست في هذه التجربة من الإيجابية ما يؤهلها لترشيحك بصفتك مصدراً موثوقاً تنصح به الأشخاص الآخرين.

هذا الأمر ليس سهلاً أبداً؛ بل يتطلب منك العمل والمثابرة والالتزام الكبير بأخلاقيات المهنة، كما يحتاج منك استجابة فعالة مع الشكاوى والأسئلة، ومن أهم إيجابياته أن يبني تعاملك مع الزبون الجديد على أساس الثقة والمصداقية التي كانت سبباً في وصوله إليك، ويمكن أن يكون هذا التعامل الأخير سبباً في إحالة جديدة.

6. استمر بالتعلم:

هذه النصيحة تصح لكل مجال يرغب الإنسان بتحقيق نجاح فيه، فالقوانين العقارية في تغير وتطور مستمر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصطلحات العقارية؛ لذا من الضروري أن يبقى المستثمر العقاري الناجح على اطلاع بكافة القوانين والأنظمة الاستثمارية والضريبية.

شاهد بالفيديو: مصادر الدخل السلبي في الحياة الواقعية

7. امتلك وعي المخاطر:

في كتاب "الأب الغني والأب الفقير" يقول الكاتب إنَّ أهل تكساس يؤمنون بالخسارة بوصفها جزءاً من العمل، مثلها تماماً مثل الربح، ومن خلال هذه المقولة يمكننا استنباط نصيحة هامة وهي ضرورة توقع الخسائر والاحتياط لحدوثها، لأنَّك مهما عملت على تجنبها فقد تفشل أحياناً، فهناك في عالم العقارات ما لا يمكن توقعه، وإياك أن يأخذك الانبهار بالربح السريع الوفير من الاستثمار العقاري ويشغلك عن الاحتراز لمخاطره، ولا نقصد هنا تجنب المخاطرة؛ إنَّما الحذر من تبعاتها.

8. جد محاسباً أميناً:

إنَّ العمل في الاستثمار العقاري يعني التعامل مع مبالغ مالية كبيرة متوزعة بين النفقات والإيرادات والضرائب، وهذا يحتاج إلى مجهود فكري لا يستطيع المستثمر العقاري المخضرم إيجاد الوقت الكافي له؛ لذا من الهام تعيين محاسب موثوق وأمين يتولى مهمة الحسابات والأصول والخصوم والنفقات والإيرادات ويتعامل مع المصارف والهيئات الضريبية.

قد يقول بعض الناس إنَّ توظيف محاسب يتطلب دفع مصاريف لأتعابه وأجوره، وهذا صحيح، ولكنَّ القيمة التي يضيفها وجوده والتحسين الذي يقدمه للعمل والادخارات والأرباح التي يقوم بتحصيلها كلها تستحق.

9. لا تخجل من طلب المساعدة:

لا تخجل أبداً من طلب مساعدة المستثمرين العقاريين المخضرمين، فهذه نصيحة ثمينة نقدمها لك، فهم قد اكتسبوا خبرات عملية من خلال تجاربهم على أرض الواقع؛ لذا مهما كنت مثقفاً أكاديمياً في مجال الاستثمار العقاري فما تزال في بداية رحلتك العملية مفتقراً إلى مهارات السوق؛ لذا دع غرورك جانباً واسأل ذوي الخبرة ثم قاطع نصائحهم مع منطقك واتخذ الإجراء الأنسب.

10. ابنِ شبكة علاقات متشعبة:

إنَّ بناء شبكة علاقات متشعبة مع الزملاء من المستثمرين والزبائن والأشخاص المستفيدين من خدماتك والآخرين العاملين في الجهات الضريبية هو آخر نصيحة هامة من نصائح كيفية البدء بالعمل بصفتك مستثمراً عقارياً نقدمها لك اليوم، وهذا لا يعني التقليل من شأنها أبداً؛ إنَّما لنؤكد لك على ضرورة الالتزام بها؛ إذ إنَّ بناء العلاقات المتشعبة يعني توسيع قطر دائرة الدعم وفتح أبوابك أمام فرص جديدة وحصولك على معلومات هامة وتجارب تُسرد في المجالس على سبيل المفاخرة أو العبرة.

في الختام:

إنَّ الاستثمار العقاري هو مجال محفوف بالمخاطر كما هو ثري بالأرباح والنجاحات، وهذا ما يجب أن تعيه جيداً قبل أن تفكر بدخول هذا المجال، فإذا كنت قد وجدت في نفسك الشغف تجاه هذا المجال فلا تتردد في دخوله أبداً، وضع في حسبانك مجموعة نصائح كيفية البدء بالعمل بصفتك مستثمراً عقارياً التي قدمناها لك في هذا المقال.