الإبداع الإداري وأهميته

تعتمد المؤسسات والمنظمات على ما يُعرَف برأس المال الفكري لمواجهة تحديات العصر الحالي؛ أي "العنصر البشري"؛ إذ إنَّ تقدُّم المنظمات أصبح مرهوناً بإبداع الإنسان؛ لذا تركز المنظمات في الوقت الحالي في استقطاب الأفراد ذوي السمات والقدرات الإبداعية العالية، فالفرد المبدع يُعَدُّ الثروة الحقيقية التي تمتلكها المنظمة.



ما هو الإبداع الإداري؟

من أكثر الموضوعات التي يتم التطرق إليها في علم الإدارة حالياً هو موضوع الإبداع الإداري، ولا سيما في ظل هذه التغيرات المتسارعة والمتمثلة بـ "العولمة" و"ثورة المعلومات والاتصالات"، فإذا أرادت منظمة ما التفوُّق وامتلاك الميزة التنافسية، فيجب عليها الأخذ بأبعاد الإبداع الإداري، فالإبداع الإداري هو الخيار الاستراتيجي الذي يضمن بقاء واستمرار المنظمات في أداء أعمالها.

لقد تنوعت تعريفات الإبداع الإداري حسب وجهة النظر إليه، فيوجد مَن ركَّز فيه من زاوية علمية، ويوجد مَن ركز فيه من حيث الإنتاج الإبداعي، وتوجد التعريفات التي تركز في السمات الفردية وتوجد مَن تركز في الاستعدادات النفسية لدى الأفراد للإبداع، بالإضافة إلى التعريفات التي تركز في المراحل التي يمر بها الإبداع.

  1. قاموس ويبستر: "الحالة التي تؤدي إلى تقديم شيء يتميز بالإبداع".
  2. القاسمي: "الأفكار والممارسات التي يقدمها المديرون والعاملون، التي تفضي إلى إيجاد عمليات إدارية وطرائق وأساليب أكثر كفاءة وفاعلية في إنجاز أهداف الشركات والمؤسسات والدوائر، وأكثر خدمة للمجتمع".
  3. أيوب: "القدرة على إيجاد أشياء جديدة قد تكون أفكاراً أو حلولاً أو منتجات أو خدمات أو طرائق وأساليب عمل مفيدة".
  4. الدهان: "هو العملية التي يتميز بها الفرد عند مواجهته المواقف التي ينفعل بها ويتعايش معها بعمق؛ إذ يستجيب لها وفقاً لتصوراته بطريقة جديدة تختلف عن استجابات الآخرين".
  5. دركر: "تغيير وتعظيم حصيلة ونتاج الموارد والإمكانات علماً بأنَّ التغيير هو الذي يتيح دائماً الفرص لتحقيق الجديد، فالإبداع المنظَّم يتكون من البحث والتحليل الهادف للفرص التي يتيحها التغيير لإبداعات اقتصادية أو اجتماعية".

ومهما اختلفت تعريفات الإبداع الإداري، إلَّا أنَّ جميعها تصب في بوتقة واحدة وهي تقديم فكرة، أو منتج، أو خدمة، أو سلعة، أو وسيلة، أو أسلوب إداري، أو نظرية جديدة، كما أنَّ الإبداع الإداري لا يعني بالضرورة تقديم الأشياء الجديدة فقط؛ بل قد يكون إعادة الأشياء القديمة بأساليب جديدة، فالمبدع هو الذي يستطيع توظيف أفكار غيره بالطريقة الصحيحة، ويرى فيها أشياء لم يستطع غيره رؤيتها، ومهما يكون من مضامين تحملها التعريفات، إلَّا أنَّ جميعها تنطوي على السمات الفردية الذهنية والابتكارية إلى جانب المتغيرات التنظيمية التي تختلف بين منظمة وأخرى.

شاهد بالفديو: 5 طرق لبثّ روح الإبداع لدى الموظفين

أهمية الإبداع الإداري:

  • امتلاك القدرة على مواجهة تغيرات في البيئة الداخلية للمنظمة وكذلك البيئة الخارجية المحيطة بها؛ وذلك بشكل يمنع التأثيرات السلبية عن المنظمة وأدائها.
  • الاستغلال الأمثل لجميع الموارد المالية المتاحة في المنظمة.
  • الإشراف على تنمية وتدريب وصقل مهارات الموارد البشرية في المنظمة وإتاحة الفرصة أمام كل فرد منهم لاختبار قدرته وإمكاناته، ومواكبة كل جديد في العمل.
  • مواكبة التطورات في مجال العمل وتحديث أنظمة العمل بما يناسب تلك التغيرات.
  • تحقيق التلازم بين إدارة التغيير والإبداع في المنظمة.
  • تحويل العمل إلى وظيفة ممتعة عن طريق الدمج بين الإبداع والمسؤوليات المُناط أداؤها بالفرد.
  • المساهمة في ابتكار الأساليب والاستراتيجيات ونظم العمل والعلاقات الوظيفية المؤثرة في كفاءة وفاعلية المنظمة.
  • تحسين صورة المنظمة لدى العملاء.
  • تحسين أساليب الاتصال بين الأفراد داخل المنظمة وخارجها.
  • تطوير أهداف المنظمة ونشاطاتها.
  • تطوير أساليب وإجراءات العمل وتسهيلها.
  • تطوير برامج تدريب الموارد البشرية بما يلائم الاحتياجات الفعلية.
  • يساهم الإبداع الإداري في إيجاد طرائق فعَّالة فاعلية أكبر للاختيار، كما يساهم في الحد من التسرب الوظيفي.
  • استخدام الوسائل التكنولوجية بأفضل صورة لتحسين منتجات وخدمات المنظمة.
  • وضع الخطط بشكل دوري بغرض التحسين المستمر للمنظمة.
  • الإبداع الإداري هو السبب في ديمومة المنظمات وزيادة قدرتها على الإنجاز والتكيُّف مع المستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

مستويات الإبداع:

1. الإبداع الإداري على المستوى الفردي:

 يعتمد كل فرد في المنظمة على موهبته وقدراته وخصائصه الفطرية كالذكاء لخلق طريقته المبدعة الخلاقة في تطوير العمل، ويمكن التدريب على تنمية هذه الخصائص.

2. الإبداع الإداري على مستوى الجماعات:

 يعني قدرة الجماعات الموجودة في مكان العمل على التنسيق والتواصل فيما بينها لإنجاز الأعمال بفاعلية وكفاءة؛ إذ إنَّ الجماعات المختلفة من حيث الجنس والاختصاصات العلمية تستطيع إيجاد حلول أكثر إبداعية، كما أنَّ الجماعات المنسجمة فيما بينها تكون متحمسة ومندفعة اندفاعاً أكبر إلى تطوير العمل.

إقرأ أيضاً: فيزياء الإنتاجية: قوانين نيوتن لإنجاز الأعمال

3. الإبداع على مستوى المنظمات:

وهو حصيلة اجتماع الإبداع الفردي والإبداع الجماعي؛ إذ يُوصَل إليه من خلال تعاون الموارد البشرية العاملة في المنظمة كافة لكي تصل المنظمة إلى الأداء المتميز، الذي يميزها عن غيرها ويعطيها طابعها الخاص المختلف أولاً ويحقق لها الكفاءة والفاعلية ثانياً.

خصائص الإبداع الإداري:

  1. الإبداع ظاهرة فردية وجماعية معاً؛ بمعنى ليس الإبداع حكراً على الأفراد فقط؛ بل قد يُمارَس عن طريق جماعات العمل وحتى المنظمة عموماً.
  2. التجديد والتطوير المستمر للفكر وأهداف المنظمة والسعي إلى تحقيقها بفاعلية.
  3. يستند الإبداع في تحليل الظواهر والمشكلات التي تواجه المنظمات إلى مهارات التفكير الناقد وهي: الاستنتاج والتفسير والاستدلال والتقويم، ويضع الحل المناسب لها.
  4. الإبداع ظاهرة إنسانية عامة؛ فهي لا تقتصر على إنسان محدد؛ وإنَّما تختلف مستويات وجودها لدى الأفراد من واحد إلى آخر.
  5. تؤدي العوامل الوراثية دوراً كبيراً في تنمية الاستعداد الإبداعي والتدريب عليه؛ إذ تتكامل مع العوامل التربوية لتحقيق درجة عالية من الإبداع الإداري.

عناصر الإبداع الإداري:

  • الأصالة: وتعني الامتناع عن تكرار أفكار الآخرين؛ وإنتاج حلول جديدة غير تقليدية وغير مألوفة ذات قيمة للمشكلات، وهي لا تهتم بعدد وكمية الأفكار؛ بل بنوعية هذه الأفكار وقدرتها على حل المشكلات التي تواجه المنظمة، فالأصالة في جوهرها تقوم على مبدأ أنَّه: "كلَّما قل شيوع الفكرة، كانت أكثر أصالة".
  • الحساسية للمشكلات: يتميز الفرد المبدع بقدرته على الإحساس والإدراك المبكر للمشكلات؛ إذ يتميز بقدرته على التحديد الدقيق للمشكلة بجوانبها كافة واستيعاب آثارها التي يمكن أن تنتج عنها، وإيجاد الحل المناسب لها.
  • الطلاقة: ويُقصَد بها امتلاك القدرة على استدعاء أكبر عدد من الأفكار خلال وقت محدد، وتوجد خمسة أنواع للطلاقة هي:
    • طلاقة اللفظ: هي قدرة الفرد على توليد الألفاظ وذكرها في الوقت المناسب.
    • طلاقة التداعي: أي توليد عدد كبير من المفردات التي تحمل معنى واحد؛ بمعنى المترادفات التي يمكن استخدامها بالمعنى ذاته.
    • طلاقة الأفكار: هي توليد أكبر عدد من الأفكار حول موضوع معيَّن خلال فترة زمنية محددة.
    • طلاقة التعبير: أي القدرة على استخدام تعابير اللغة ومفرداتها في جمل متصلة تناسب موقفاً معيناً.
    • طلاقة الأشكال: القدرة على تكوين رسوم حقيقة.
  • المرونة: تُعرَف المرونة بالقدرة على إحداث التغيير المناسب والتكيُّف مع الظروف المحيطة والتغيرات المستجدة والمواقف المختلفة، وعدم التعصب لفكرة محددة أو لجماعة معينة، كما تعني القدرة على الربط بين الأفكار المختلفة.
  • التحليل: هي تجزئة كل عمل إلى عناصره الصغرى بغرض تسهيل الأفكار ووضع الخطط المناسبة لها.
  • تركيز الانتباه: أي امتلاك الفرد المبدع القدرة على التركيز في مشكلة محددة لفترة من الزمن والإصرار والالتزام بحلها.

مراحل الإبداع الإداري:

  1. مرحلة التحضير: يتم التحديد الدقيق للمشكلة وجمع المعلومات عنها من الجوانب كافة؛ وذلك من مصادر مختلفة.
  2. مرحلة الاختمار: إذ تُرتَّب المعلومات الخاصة بالمشكلة.
  3. مرحلة الإلهام: تتضمَّن إدراك الفرد للعلاقات التي تربط الأجزاء المختلفة للمشكلة قيد الدراسة، وكما تتضمن اللحظة التي تظهر فيها بداية الحل الإبداعي؛ أي ولادة الفكرة الجديدة التي تقود إلى حل المشكلة التي تواجهها المنظمة.
  4. مرحلة التحقُّق: ويُقصَد بها اختبار الفكرة المبدعة التي خرج بها الفرد لحل المشكلة.

شاهد بالفديو: ما هي صفات القيادة الإبداعية؟

معوقات الإبداع الإداري في المنظمات:

  1. انعدام المرونة في القوانين والتشريعات والالتزام والتقيد الحرفي بها.
  2. الثقافة التنظيمية السائدة، التي لا تشجع ولا تحفز الإبداع.
  3. انعدام ثقة المديرين بأنفسهم وامتلاكهم القدرة على الإبداع والتجدد وتقديم حلول خلَّاقة للمشكلات التي تعترض عملهم.
  4. الهيكل التنظيمي المُتَّبع في المنظمة، الذي قد يكون سبباً في إعاقة الإبداع الإداري وتعدُّد مستويات الإشراف للفرد الواحد.
  5. الخوف من الفشل عند اتخاذ القرار.
  6. التمسك بالعادات الإدارية الموجودة في المنظمة.
  7. عدم امتلاك الفرد القدرة على تحديد المشكلات والافتقار إلى التفكير المنطقي.
  8. مقاومة التغيير؛ أي رفض الموظفين العلني أو السري لإجراء أي تغيير في بيئة العمل؛ وذلك لاعتقادهم أنَّ ذلك التغيير قد يتسبب بالضرر لمصالحهم.
  9. هيمنة المديرين الذين لا يمتلكون المعرفة والخبرة ومهارات التفكير الإبداعي.
  10. عدم توفُّر الحوافز التشجيعية التي تدفع الموارد البشرية إلى الاتجاه نحو الإبداع الإداري.
  11. الاعتقاد بأنَّ تنمية الإبداع الإداري تحتاج إلى تخصيص إمكانات مالية كبرى.
  12. الاعتقاد بأنَّ مهارات الإبداع الإداري تعود إلى عوامل وراثية فقط، وأنَّه لا يمكن تنميتها أو إكسابها للعاملين وأي جهد في ذلك هو جهد مهدور.

المصادر: 1

  •  توفيق عطية توفيق العجلة، الإبداع الإداري وعلاقته بالأداء الوظيفي لمديري القطاع العام "دراسة تطبيقية على وزارات قطاع غزة"، كلية التجارة، الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين.



مقالات مرتبطة