الأمر الذي عليك الامتناع عنه لتجد السعادة

في بعض الأحيان تُثقل مفهومات العملية والإنتاجية كاهلنا، ونظن أنَّ ما من فائدة من القيام بأيِّ عمل ما لم يكن له غاية مُخطط لها سابقاً، ولكن أفضل الأشياء في الحياة لا تحتاج إلى التخطيط وما من هدف معين خلفها.

نحن نضحي بقدر كبير من وقتنا وراحة بالنا بفعل ما لا نريد القيام به حتَّى نتمكن من إيجاد الحرية للقيام بما نحب في مرحلة ما من المستقبل.



السعي إلى إيجاد السعادة:

نحن نسعى بلا هوادة وبشتَّى الوسائل إلى إيجاد السعادة؛ فنسعى إلى إيجادها في الممتلكات المادية، والوضع الاجتماعي، وفي القبول والتقدير الذي نحصل عليه من الآخرين؛ لكنَّ هذه المساعي نادراً ما تعطينا أكثر من لحظات عابرة من الفرح، فينتهي بنا الأمر إلى إضاعة كثير من تجارب الحياة المثيرة والرضى؛ لأنَّنا نفشل في فهم الحقيقة البسيطة بأنَّ البحث عن السعادة يسبب البؤس، لكن يمكن تجاهل هذه الحقيقة بسهولة.

لا يمكنك العثور على شيء موجود بالفعل معك؛ فالسعادة موجودة في هذه اللحظة، إنَّها ليست شيئاً تحتاج إلى العثور عليه؛ فهذا يشبه محاولة العثور على الأوكسجين الذي تتنفسه الآن.

اضطراب أفكارك هو ما يتسبب بتعاستك، إن لم تكن سعيداً فذلك لأنَّ عقلك يركِّز على شيء يجعلك تعيساً؛ لأنَّك عالق في حلقة مفرغة من الاعتقاد الخاطئ بضرورة أن تكون منتجاً وهادفاً في كلِّ ما تفعل، وهذا ما يجعلك تنشغل بكلِّ مكان وزمان باستثناء حيث أنت في الوقت الحالي، هذا لا يعني أنَّ كونك فرداً منتجاً هو أمر غير مسؤول، أو أنَّ السعي وراء الأهداف التي يوجد غاية منها أمر خاطئ، فتحدُث المشكلة عندما تعلِّق غايتك كلها من الحياة على نقطة زمنية محددة، أو نشاط أو إنجاز غير موجود بعد.

عندما نرهن سعادتنا كلها بالحصول على شيء ما، أو إنجاز مهامنا على أكمل وجه، أو تحقيق هدف مستقبلي فإنَّنا بذلك نخدع أنفسنا، ونستمر في الدوران مكاننا دون أن نصل إلى أي هدف، ولا نتمهل مطلقاً للتفكير في احتمال أنَّ هذا الدوران كله هو ما يجعلنا بائسين، نحن مشتتون للغاية في محاولة الفوز بسباق الحياة، وما إن نختتم جولةً ونحقق بعض النجاح حتى نسارع لإنجاز مزيدٍ من البحث والانتقال إلى الجولة التالية، ومجدداً لا نتمهل أبداً للتفكير في احتمال أنَّ خسارة السباق ليست ما يتسبب بحزننا؛ بل السباق نفسه.

الأمر الذي عليك الامتناع عنه لتجد السعادة:

نحن نهمل حقيقة أنَّه في بعض الأحيان تكون أفضل طريقة لحل مشكلة ما هي بالتوقف عن المشاركة في المشكلة، والوقوف ساكنين ببساطة والتحلِّي بالصبر.

أحياناً:

  1. أذكى طريقة لتكون سعيداً بالمكان الذي تعيش فيه هي بالتوقف عن مطاردة شبح الماديات والممتلكات والترف الذي يُروِّج له من حولنا.
  2. أفضل طريقة لحلِّ معاناتك المتعلقة بعدم امتلاك أصدقاء كُثُر هي بالتوقف عن القلق بشأن وجود المزيد، وتقدير القلة من الأصدقاء الجيدين لديك بدلاً من ذلك.
  3. أبسط طريقة لتكون راضياً عن نفسك ليست بإثارة إعجاب الآخرين وثنائهم؛ وإنَّما بقبول نفسك بالكامل لما أنت عليه الآن.
  4. أسرع طريق إلى السعادة هو بالتوقف عن السعي للعثور على السعادة والبدء بإنشاء السعادة بنفسك.

من خلال التخلي قليلاً فإنَّنا نحرر أنفسنا على الفور من التوتر الذي يقيِّد عقولنا؛ لكنَّ الحفاظ على هذه العقلية الإيجابية ليس أمراً سهلاً؛ فالعقل يحب التمسك بما اعتاد عليه سابقاً؛ لذا علينا أن نزرعها في عقولنا باستمرار.

يصعب الأمر خصوصاً عندما يميل المجتمع إلى تقدير الممتلكات والمكانة الاجتماعية أكثر من التجارب؛ إذ يعلمنا المجتمع أن نقدر ما نقوم به أكثر من شعورنا وستجد هذا ضرباً من الجنون إن فكرت بالأمر.

الطريقة التي تشعر بها أكثر أهمية بكثير من ممتلكاتك أو من رأي الآخرين فيك؛ ففي نهاية المطاف الغاية من كلِّ ما تفعله هي الشعور بالرضى، والغاية من شراء تلك الساعة الذهبية الجديدة، أو الحصول على ذلك المنصب الوظيفي الهام، أو الشهادة الجامعية هي منحك شعوراً بالإنجاز، ومن المفترض أن تجعلك هذه الأشياء سعيداً.

شاهد بالفيديو: تجنَّب هذه العادات السلبية لتكون أكثر سعادة

تعليق السعادة على أشياء وأحداث عابرة:

المشكلة هي أنَّنا نعلق سعادتنا على أشياء وأحداث عابرة، ونستمد فرحتنا من التملك أو الإنجاز، وهذا أمر خاطئ؛ إذ إنَّ مفهوم السعادة الدائمة ما هو إلا إدمان، فنحن نحصل على جرعة صغيرة من هرمونات السعادة نتيجة شراء شاشة تلفاز كبيرة جديدة، أو هاتف ذكي جديد، أو الحصول على عمل جديد، ثمَّ تختفي هذه السعادة وتتركنا نشعر بالفراغ ونبدأ في البحث عن الجرعة التالية.

لا تساعدنا ثقافتنا الإعلانية والاستهلاكية على الإطلاق؛ إذ تمطرنا باستمرار برسائل مفادها أنَّنا بحاجة إلى هذا أو ذاك، نسمع يومياً على التلفاز والراديو والإنترنت أنَّ ما علينا سوى شراء منتج ما وستصبح حياتنا أسهل وأكثر سعادة، فقط إن استطعنا تحمل تكاليف هذا الشيء سنكون سعداء في النهاية؛ لكنَّ هذا خاطئ؛ فالأشياء الصغيرة لن تجعل حياتك أفضل.

ما يزال شراء جهاز كمبيوتر أسرع أو إيجاد حلٍّ لمشكلة صغيرة كنت تنوي إصلاحها أمر رائع، قد يمدك بشعور من الفرح والإنجاز لبضع لحظات لكنَّك تظل تبحث عن سعادتك خارج نفسك في شيء ما أعظم.

الحياة لا تتوقف عن التطور:

ينطبق الأمر نفسه على الإنتاجية والأهداف، فإن استطعنا فقط إنجاز مهامنا كلها، وتحقيق جميع أهدافنا وأحلامنا فيمكننا أخيراً أن نشعر بالاكتفاء.

هذا التفكير مبنيٌّ على الاعتقاد الخاطئ بأنَّك ستصل إلى لحظة معينة حيث يتمُّ كل شيء، لقد نجحت أخيراً، ولم يتبقَّ شيء تحتاج إلى القيام به فقد اكتملت جميع مشاريعك وتحققت أهدافك، والآن يمكنك أن ترتاح بسهولة وتكون سعيداً.

ولكن بالطبع لن تأتي هذه اللحظة أبداً؛ لأنَّ الحياة لا تتوقف عن التطور، فكل يوم هو بداية جديدة، ولديك دوماً أشياء تقوم بها وتحديات تواجهها؛ لأنَّ كل شيء في الحياة يتغير من لحظة إلى أخرى، فإن وصلت إلى نقطة في حياتك حيث لم يتبقَّ لديك أي مشكلات تواجهها، ولا مزيد من الصراعات، ولا مزيد من القلق، ستتوقف حياتك حرفياً.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لإظهار السعادة في حياتك

إذاً ماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟

نحن بحاجة إلى التوقف عن مطاردة السعادة، وهذا لا يعني أن نتوقف عن محاولة تحقيق أهدافنا أو السعي لتحقيق النمو الشخصي؛ بل يعني فقط أن نتوقف عن بناء سعادتنا على أشياء عابرة.

من البديهي أنَّ في بعض المواقف التوقُّف عن السعي خلف مهمة ما له عواقب سلبية خطيرة كدفع رهن عقاري أو الإيجار، ومع ذلك فإنَّ المبالغة في السعي والملاحقة ستجعلك بائساً حتماً.

يقع الأثر السلبي للمبالغة في السعي على صحتك وسعادتك؛ وذلك بسبب تركيزك على المستقبل حصراً، فهويتك مرتبطة ارتباطاً عميقاً بنتائج غير مضمونة، ومن المحتمل أن يكون لحدوث شيء أو عدم حدوثه كما توقعت أثر دائم في مزاجك.

إقرأ أيضاً: ما هي فلسفة السعادة البسيطة عند أبيقور؟

في الختام:

يجب أن نبني سعادتنا على الحياة التي نعيشها، وعلى الجمال الذي هو بالفعل لنا، وعلى الرغبات التي لا تتبدل من لحظة إلى أخرى، ونختار أن نجد سعادتنا الآن في الحياة نفسها، ففي الواقع نحن لسنا بحاجة حتى إلى "إيجاد" السعادة؛ بل يمكننا أن نوجدها.




مقالات مرتبطة