الأعراف الأساسية للكتابة وفوائدها

لا توجد قوانين صارمة تضبط قواعد الكتابة، فالكتابة من منظور فلسفي هي إفراغ لما يجول في ذهن الكاتب على الورق، أو في ملف رقمي، ولأنَّ الأفكار خُلِقَت لتُتداول وتنشُر الفائدة بين الناس، فاتفق الكتَّاب -وبالتحديد كتَّاب المقالات الذين يكتبون بغرض طرح موضوعاتهم على العامة- على مجموعة من النواظم التي تضبط عملية كتابة المقالات الموجهة للقرَّاء.



وهذه الضوابط ليست مفروضة وحتمية؛ بل هي أعراف متداولة وسنن من شأنها أن تشذب الإطار العام لعملية إفراغ المحتوى من ذهن الكاتب بطريقة متسلسلة مرتبة، ليسهل تقبُّلها وتشرُّبها من قِبل القارئ، فيحقق بذلك الهدف المرجو من عملية الكتابة بحد ذاتها.

وكتَّاب المقالات يكتبون لتُقرأ كتاباتهم، لا لتذهب في غياهب الدروج المغلقة كالخواطر والمذكرات؛ ومن هذا المنطلق، حريٌّ بالكاتب الذي يسعى إلى إيصال أفكاره إلى الناس، والتقيُّد بأعراف الكتابة الشائعة، ليضمن الإيضاح الكامل لمعتقده، والاستفادة القصوى من مادته لدى القرَّاء.

سنتناول في هذا المقال الحديث عن أعراف الكتابة الأساسية وفوائدها، لكن قبل الدخول في تفاصيل هذه الأعراف، سنسلط الضوء على أهميتها، ليدرك الكاتب ضرورة استخدامها ويعي المميزات التي تضيفها إلى نصوصه.

ما هي أهمية استخدام أعراف الكتابة؟

ذكرنا آنفاً فعل الكتابة بوصفه تناقلاً للأفكار، وإنَّ المهنية في هذا التناقل تنطوي على دقة المعاني التي يستخدمها الكاتب، ومطابقتها للأفكار التي تجول في رأسه، وهذا يتطلب منه بلاغة عظيمة، ولا نقصد بالبلاغة هنا استخدام المحسنات في الكلام؛ بل نقصد مطابقة المقال للمقام، وسنوضح مقاصدنا توضيحاً أبسط.

في أيامنا العادية وخلال أحاديثنا اليومية قد تخوننا المفردات أحياناً، فنعجز عن إيجاد المرادفة التي تشرح بالضبط ما نريد أن نقوله، وقد يحدث هذا الأمر في عملية الكتابة؛ لذا يجب على الكاتب إعادة قراءة ما كتب، ليرى هل كان موفَّقاً في اختيار الكلمات؟ وهل الطريقة التي صاغ بها حديثه تشرح ما يريد أن يقول؟ ولا ضير في عرض كتابته على طرف آخر كصديق أو مدقق ليسبر وصول الفكرة المطلوبة إلى الذهن، والتعديل بما يُسهِّل وصولها ويعززه.

ونشير إلى أنَّه يجب على الكاتب أيضاً تحديد جمهوره المستهدف من القرَّاء، ليستخدم المفردات والمعاني التي تناسب مستواهم الفكري؛ فالمقالات الطبية الموجهة لجمهور الأطباء مليئة بالكلمات والمصطلحات الاختصاصية التي يعجز الناس العاديون عن فهمها، فإذا ما أراد الكاتب صياغة محتوى طبي توعوي موجَّه للعامة يترتب عليه كتابته بطريقة مفهومة من قِبل الجميع.

لذا، تقع على عاتق الكاتب مهمة اختيار المفردات، وصياغة العبارات التي تناسب مختلف المستويات الفكرية والثقافية خاصةً إذا ما كان يكتب لصالح مواقع الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي التي يرتادها العامة على اختلاف مستوياتهم.

إذاً؛ إنَّ أعراف الكتابة تضمن للكاتب وصول أفكاره بدقتها الكاملة إلى القرَّاء، وفهمهم للمادة المكتوبة فهماً واضحاً دون أي مجال للبس في المعاني والأفكار، وبطريقة منسقة منتظمة، تضمن تسلسل المحتويات وترتيبها ترتيباً منطقياً، ليسهل ربطها مع بعضها بعضاً وإيجاد العلاقة التي تربط بين كل فكرة مع سابقتها وتاليتها، وبهذا يكون القارئ أمام مسلسل فكري يفضي إلى نتيجة حتمية أراد الكاتب لها أن تكون العبرة من مقاله، فلا يتشعب القارئ بذلك في المقاصد الوهمية.

إقرأ أيضاً: أنت من تحدّد قوة محتواك!

ما هي أعراف الكتابة الأساسية؟

أعراف الكتابة الأساسية هي مجموعة القواعد والضوابط التي يتَّبعها الكتَّاب عند كتابة كل لون من ألوان الأدب، فلكل صنف أدبي أعراف كتابة أساسية خاصة به؛ والمقصود بهذا المصطلح هو معرفة المعلومات الهامة التي من شأنها إذا ما استُخدِمت في أثناء كتابة مقال ما، أن تخرجه بطريقة احترافية وجودة عالية، وتنسيق سهل وترتيب سلس يمنح القارئ اللذة والمتعة والفائدة خلال عملية القراءة.

وهذا ما يدفع الكاتب إلى جمع معلوماته وتصنيفها، وتحديد العناصر الهامة والنقاط الرئيسة في موضوعاته، ليكتب مقالاً غنياً بالمعلومات المصاغة صياغة عذبة سلسة، يسهل تشربها من قِبل ذهن القارئ، وتعكس هذه الاحترافية إبداع الكاتب وتمرُّسه، فالكاتب المحترف هو الأكثر إدراكاً لضرورة استخدام أعراف الكتابة في صياغة مقالاته وموضوعاته، وتنقسم أعراف الكتابة الأساسية إلى الأقسام الآتية:

1. العنوان:

ونقصد به عنوان المقال الذي نكتبه، والعناوين الرئيسة والفرعية المقسِّمة للمقال، وهي من أهم أسس كتابة المقال، فالعنوان العام للمقال يُشترَط أن يعبِّر عن المحتوى الكلي له، ولا يجب أن يقتصر على تغطية جزئية لمضمونه.

أما العناوين الرئيسة، فهي التبويبات الهامة التي نقسم موضوعاتنا من خلالها، وتنبثق عنها العناوين الفرعية التي تتبع عنواناً رئيساً واحداً، ومن شأنها أن توضِّح وتغطِّي تشعباته.

ومن برتوكولات اختيار العناوين أن تكون شاملة موجزة، لا يتجاوز عدد الكلمات فيها عشر كلمات، ويجب أن تتسم هذه الكلمات بعنصر الإثارة والتشويق لتشجع القارئ على قراءة المعلومات المندرجة تحتها، وتُعَدُّ العناوين الرئيسة والفرعية ضرورية في عمليات الفهرسة، التي تسهِّل وصول القارئ إلى فكرة بعينها اختصاراً لوقته وجهده.

والغرض من المحتوى المكتوب تحت عنوان رئيس محدد أن يشرح هذا العنوان، فالأفكار الواردة تحته هي أفكار تدور حول موضوع واحد هو الذي عُنوِنَت الفقرة به، وإنَّ أي استخدام يُخالف هذه الطريقة، ما هو إلا انعكاس لتشتُّت الكاتب وعدم انتظام أفكاره؛ وهذا التشتت ينتقل بدوره إلى القارئ فتتعقد خيوط أفكاره ويمل، وقد يتوقف عن متابعة القراءة.

2. المقدمة:

وهي الجزء الأكثر أهمية في المقال المطروح، فهي البوابة التي تُفتَح أمام القارئ لتعرِّفه إلى أي أرض دخل، ومن خلالها يمكنه الاطلاع على محتويات المقال، فبها يضع الكاتب المحتويات باختصار وبساطة والأفكار بمنهجية مقتضبة موجزة، موضِّحاً الموضوعات التي سيناقشها بشكل موسع في عرض مقاله.

تُعَدُّ المقدمة العبوة التي تحتوي رؤوس أقلام القضايا المتناوَلة في البحث، وتشترط المقدمة الجيدة الاحتواء على كلمات مثيرة للفضول، تُثير في نفس القارئ الدافع والرغبة تجاه قراءة المقال بأكمله، وتعطيه لمحة عامة وسريعة عن المحتوى القادم الذي سيقرؤه.

3. ترتيب فقرات المقال:

إنَّ ترتيب فقرات المقال ما هو إلا استمرار للانتظام الذي بدأنا به، فبعد اختيار العنوان العام الشامل لمحتويات المقال، وكتابة مقدمة تعرض رؤوس الأقلام والأفكار المراد مناقشتها، وتحديد الخطوط العريضة التي نريد الحديث عنها، يأتي دور ترتيب فقرات المقال لتتممَّ عملية التسلسل المنطقي للأفكار المراد شرحها والأحداث المراد سردها.

وقد لا يكون ترتيب أفكار المقال ذا فائدة في بعض الموضوعات، لكنَّه قد يكون العنصر الأكثر أهمية في مقالات أخرى، ولتوضيح ذلك نأخذ أمثلة: إذا أردنا كتابة مقال عن الأسس الفلسفية المؤثرة في أنظمة التعليم، فلا ضرورة هنا لترتيب هذه الأسس، فهي مجموعة من الثوابت المتعادلة في الأهمية والتأثير في بنية التعليم.

أما إذا أردنا كتابة مقال عن إجراء الإسعافات الأولية لشخص تعرَّض للدغة حشرة سامة، فإنَّ ترتيب الخطوات والأفكار يكاد يكون بمقدار الأهمية نفسه مع الأفكار بحد ذاتها؛ وذلك لأنَّ أي خلل في ترتيب هذه الإجراءات قد يتسبَّب في حدوث كارثة حقيقية.

4. التعداد:

قد نضطر في سياق طرحنا لموضوع معين إلى ذكر مجموعة من العناصر التي يجمع بينها رابط محدد.

وفي هذه الحالة ومن أجل أن نقلل من استخدام حروف العطف، وما يمكن أن تنطوي عليه من ركاكة في الأسلوب، نلجأ إلى استخدام التعداد.

قد يكون التعداد نقطياً أو عددياً، ويمكن ترتيب التعدادات حسب الأحرف الأبجدية (أ، ب، ج، د، ه، و، ز).

إنَّ إضافة التعداد من شأنها أن توضِّح الأفكار لدى القارئ وتسهِّل عليه تمييزها وحفظها، وتشجِّعه أيضاً على إكمال القراءة بعد أن كسرَت هذه التعدادات النمطية الروتين في المقال.

5. الإبراز:

وهو اختيار الكاتب لكلمة جوهرية وردت في مقاله أو إحدى فقراته، ورغبته في تسليط حزمة ضوئية إضافية عليها لينتبه القارئ لها، لتنال هذه المفردة تركيزاً إضافياً منه.

ويمكن إبراز هذه الكلمات عن طريق وضع خط تحتها، أو كتابتها بحروف كبيرة إذا كانت باللغة الإنكليزية، أو تلوينها بلون مختلف أو تمييزها بخط عريض أو مائل؛ والغرض من كل هذه العملية هو لفت نظر القارئ وتأكيد أهمية هذه الكلمة، ويمكن للكاتب أن يقوم بإبراز عبارة محددة وليس فقط كلمة واحدة.

ما هي فوائد استخدام أعراف الكتابة؟

إنَّ لاستخدام أعراف الكتابة الأساسية فوائد عدة نذكر منها:

  • تنظيم وترتيب المعلومات المطروحة في المقال؛ مما يعود على القارئ بالمتعة والسهولة في متابعة قراءة المقال، وهذا هو الغرض الرئيس من عملية الكتابة.
  • تحسين الشكل العام للمقال وتبسيطه وتوضيحه؛ مما يشجع القارئ على الاطلاع عليه، بفضل ما يعكسه تنظيمه وترتيبه وعدم تداخله من بساطة ووضوح وتسلسل للأفكار فيه.
  • تعزيز العلاقة بين القارئ والكاتب، فإنَّ القارئ يجد في الكاتب الذي يبذل جهداً في تنسيق المحتوى الذي صنعه شخصاً منظَّماً وصاحب منطق فكري يستحق فرصة في القراءة والمتابعة، وكذلك فإنَّ الكاتب ينال رضا النقَّاد عند اهتمامه بالجزئيات الصغيرة قبل الكبيرة في كتابة مقالاته.
  • مساعدة الكاتب على ترتيب أفكاره والتخطيط لطرحها بشكل متسلسل، يسهم في منح كل فكرة حقَّها من الاهتمام في الصياغة والتحرير، فتخرج المادة المكتوبة بأفضل صيغة ممكنة.
إقرأ أيضاً: دليل النجاح لكتابة مقال مميز

ويجب أن ننوِّه إلى وجود أعراف إضافية للكتابة تكمِّل مهمة الأعراف الأساسية، ونذكر منها التلخيص، والأسئلة، والرسوم التوضيحية، والأهداف المرجو تحقيقها من القارئ بعد إكمال قراءته للمقال، ويعمد بعض الكتَّاب إلى إضافة أسئلة تسبر عمق فهم القارئ للمحتوى الذي تلقَّاه، ويختبر تركيزه في عملية القراءة واستيعابه لما قرأ، ويرفق بعض الكتَّاب الجداول التوضيحية والرسوم البيانية التي من شأنها تعزيز وصول المعلومات بشكل سليم إلى المتلقين.

وبهذا نصل إلى أهمية تقيُّد الكتَّاب بأعراف الكتابة التي وضعها زملاؤهم السابقون، والتي من شأنها إضافة لمسة من الترتيب والاحترافية إلى المادة المصنوعة، وهذا ما يحسِّن من جودة المحتوى الذي يقدِّمه الكاتب، ويعزِّز من قدرة الفهم للمعلومات من جهة القارئ، فتنشأ بذلك علاقة مريحة بين الكتَّاب والقرَّاء، فالكتَّاب يفرغون محتويات عقولهم بطريقة واضحة بسيطة، والقرَّاء يطلعون على هذا النتاج الفكري الذي وصلهم دون أي تحوير أو التباس، ويستطيعون بعد ذلك المناقشة أو التسليم بما قرؤوه.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة