استراتيجية المحيط الأزرق: كيف توجد لنفسك فرص استثمار جديدة؟

تعدُّ "استراتيجية المحيط الأزرق" إحدى طرائق التسويق التي وضع أُسسها كلٌ من دابليو كيم تشان (W. Chan Kim) ورينيه ماوبورغن (Renee Mauborgne)، الأساتذة في معهد إنسياد (INSEAD)؛ حيث كتبا عن أفكارهما في كتابهما الذي نُشِرَ عام 2004، تحت عنوان: استراتيجية المحيط الأزرق (Blue Ocean Strategy)؛ ومنذ ذلك الحين، راجت أفكارهم رواجاً واسعاً، مع الكتب والمواقع الإلكترونية والدورات والعديد من الدراسات المخصصة للنظرية.



قبل خوض هذا الكم الهائل من المعلومات، قد تتبادر إلى ذهنك تساؤلاتٌ عدة لمعرفة القواعد الأساسية "لاستراتيجية المحيط الأزرق"، وقد تسأل عن نماذج لقصص النجاح أو القيود المحتملة عند تطبيق هذه الاستراتيجية؟ وهل استراتيجية المحيط الأزرق مناسبة لمساعيك التجارية؟

أساسيات استراتيجية المحيط الأزرق:

تتطلب "استراتيجية المحيط الأزرق" إعادة التفكير في استراتيجية عملك، كما أنَّها إعادة تعيين حجر الأساس لنهجك بأكمله في الأعمال التجارية والتسويق، ولا يعني كونك خبيراً في تصميم موقع الويب، بأنَّك ستنجح في تحويل شركتك إلى مجال مختلف تماماً، ولكنَّ الغاية من "استراتيجية المحيط الأزرق" توظيف خبراتك وموادك توظيفاً جديداً غير مستثمر من قبل.

وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ "استراتيجية المحيط الأحمر" هي نقيض "استراتيجية المحيط الأزرق"، وهذه هي الطريقة التي تتنافس بها معظم الشركات؛ ويعني نهج المحيط الأحمر محاولة السيطرة أو تقاسم مساحة السوق الحالية بين المنافسين؛ لذا تتنافس الشركات للحصول على حصة سوقية أكبر، ولكن لماذا لا نستثمر في سوق جديدة؟

تناشد استراتيجية المحيط الأزرق رائد الأعمال للبحث عن احتياجاتٍ غير ملباة في المجالات غير المتنازع عليها؛ بمعنى أنَّه بدلاً من منافسة المنافسين في عملك والعمل بشروطهم، يمكنك أن تسعى إلى العثور على المجالات المهمشة حيث لم تلبى حاجات المستهلكين فيها بعد.

في بعض الحالات، قد لا يدرك المستهلكون حاجتهم إلى منتجك، وفي الواقع، هنا يكمن التميز في خلق الطلب مع عرضٍ فريدٍ من نوعه لتلبية الطلب.

بالنظر إلى شركة أيفون (iPhone)، قبل عام 2007، أدرك القليل منا حاجتهم إلى جهاز بشاشة تعمل باللمس يمكنها استقبال المكالمات وإرسال الرسائل وتشغيل الموسيقى وتقديم العديد من التطبيقات، نافست شركة أبل (Apple) إلى حد كبير في مجال الكمبيوتر الشخصي والهواتف، ولكن بدلاً من الاكتفاء بتلك المساحة المحدودة، استخدم ستيف جوبز (Steve Jobs) وشركة آبل (Apple) الموارد الحالية لإنشاء سوق عمل جديدة تماماً، تنافس المنافسون لأكثر من عقد من الزمان للوصول لذلك في مساحة كانت شركة آبل (Apple) قد تجاوزتها.

ولا تتطلب" استراتيجية المحيط الأزرق" بالضرورة تعلُّم مهارات جديدة أو حتى الحاجة إلى إيجاد موارد جديدة؛ بل يعني استخدام مهاراتك ومواردك الحالية للاستفادة من الطلب الاستهلاكي غير الملبى، أو ربما غير الموجود حتى الآن، فهو يتطلب الإبداع والتخطيط العميق، ولكن يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة لمشروعك.

إقرأ أيضاً: النجاح في التسويق: 5 طرق هامة تساعد على جذب العملاء

قصص نجاح استراتيجية المحيط الأزرق:

وقد استخدمت العديد من الشركات ذات الأسماء الكبيرة استراتيجية المحيط الأزرق بنجاح.

على سبيل المثال، على الرغم من أنَّ بلومبرغ الأعمال (Bloomberg Business) إحدى الشركات الرائدة في مجال الأخبار المالية، إلا أنَّها كانت مجهولة قبل بضعة عقود، واحتلت وكالات مثل رويترز (Reuters) وداو جونز (Dow Jones) مجال الأخبار المالية الرقمية؛ إذ إنَّهم وجهوا عروضهم لمديري تكنولوجيا المعلومات توجيهاً خاصاً، ورأت وكالة بلومبرغ أنَّ هناك طلباً غير مستَثمر بين التجار؛ حيث يحتاج المتداولون إلى المعلومات بسرعة لاتخاذ قرارات في الوقت الراهن؛ أي أنَّ وكالة بلومبرغ استثمرت طلباً غير مستثمَر على الإطلاق للحصول على المعلومات، ومن خلال الاستفادة والاستفراد بهذا السوق دون وجود منافسين، نمت بلومبرغ منذ إنشائها في عام 1990 لتصبح واحدة من أكبر المؤسسات الإخبارية المالية في العالم.

في نطاقٍ مختلف تماماً، تأسست كلية بيرس (Peirce College) في فيلادلفيا (Philadelphia) في عام 1865، وقدمت بيرس التدريب التقني والتجاري للمحاربين القدامى العائدين من الحرب الأهلية، ولكن بحلول عام 1990، تعثَّر نموها، وفي عام 1991 وظَّف رئيس الكلية آرثر ج. ليندو (Arthur J. Lendo) التفكير الاستراتيجي "لنظرية المحيط الأزرق"؛ حيث سعى إلى مجالات تسويق جديدة وغير معروفة تتماشى مع الاحتياجات غير الملباة، وفي هذه الحالة، استهدف شريحة جديدة لكليته، وتوجه نحو البالغين العاملين والباحثين عن فرص جديدة لاستكمال التعليم، ومن خلال القيام بذلك، قاموا بتحويل التركيز إلى برامج للتعلم عبر الإنترنت.

على الرغم من أنَّ هذه النماذج قد تبدو مألوفةً في وقتنا هذا إلا أنَّها كانت أفكاراً فذَّة في ذلك الوقت؛ إذ يتطلب التغيير الابتكار؛ أي أنَّهم كانوا بحاجة إلى التحول من محاولة التنافس مع الآخرين في المجالات المتاحة من خلال الانتقال إلى أسواق غير متنازع عليها إلى حد كبير، فقد لبوا الطلب الذي لم يلبه المنافسون حالياً.

استراتيجية المحيط الأزرق، التقييم النقدي:

"استراتيجية المحيط الأزرق" تؤدي إلى العديد من الابتكارات الجديدة، وبعض المنتجات والخدمات التي نعتمد عليها لم تكن موجودة قبل عقدٍ من الزمان، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّها متاحة للجميع، فهناك مخاطرة في الابتكار، وإذا كنت رب عمل أو رائد أعمال ناجحاً في مجال عمله هل ستقوم حقاً بتغييرٍ جذريٍ؟

قد يكون تحليل سووت (SWOT) أفضل أداة يمكنك توظيفها لتجنُّب المخاطر، سووت (SWOT) اختصار لآلية تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، ومن خلال تخصيص 10% فقط أو أقل من مواردك المتاحة للابتكار خارج مساحة السوق الحالية سيكون التغيير مناسباً لك، وإذا تمكَّن منافسوك من تقديم سعر أو خدمة أفضل، فعليك بذل المزيد من الوقت والمال، وفي كلا الحالتين، ينبغي على رائد الأعمال التحرك بتفاؤل يحده التقييم الحذِر.

على سبيل المثال، قد يكون بعض المنافسين تركوا مساحات السوق غير مستغلة لسبب ما؛ أي أنَّ الخدمة غير ملباة لكونها ببساطة ليست مربحة أو منخفضة الطلب.

 وفي حالات أخرى، فإنَّ التوقيت للابتكار والتجديد ليس مناسباً، وفكرتك الرائعة قد تكون متقدمة جداً وسابقة لأوانها إذ ليس أول من يمهد الطريق للآخرين يصل بالضرورة إلى هدفه، وقد تكون مساحة السوق غامضة، أو أنَّ مميزات منتجك غير واضحة للعملاء، والناس غالباً ما يقاومون التغيير؛ لذا الشرح عن منتج جديد أو خدمة جديدة لهم من المرجح أن يتطلب مهارات تسويق على مستوى عالٍ لإقناعهم بتجربتك.

عند النظر في شركة ليزر ديسك (LaserDisk) يمكن القول إنَّ منصة الترفيه المنزلي كانت سابقة لعصرها في حقبة نظام الفيديو المنزلي، لكنَّها مهَّدت الطريق أمام الأقراص المدمجة وبلو راي (Blu-ray) وغيرها من تقنيات تخزين البيانات، لكنَّ العلامة التجارية ديسكو فيجين (DiscoVision) غير موجودة اليوم، وتكبَّدت شركة بيونير (Pioneer) خسائر فادحة.

إقرأ أيضاً: لماذا تضع أمازون كرسياً فارغاً باجتماعاتها؟

في الختام:

"استراتيجية المحيط الأزرق" أوصلت العديد من الشركات إلى القمة، وسمحت للشركات بإنشاء مساحتها الخاصة. لقد حسَّنت حياتنا تحسيناً عاماً من خلال الابتكارات التي ربما لم نكن لنعلم مدى حاجتنا إليها، واليوم، بالكاد يمكن أن نعيش من دونها.

ومع أخذ الأساسيات بالحسبان ستكون على استعدادٍ لاتخاذ الخطوات للتغيير والابتكار مع "استراتيجية المحيط الأزرق"؛ وللقيام بذلك يمكنك الاستعانة بالعديد من الموارد والدورات المتخصصة بشرح الاستراتيجية من مواقع عدة على الإنترنت.

المصدر




مقالات مرتبطة