استبيانات مشاركة الموظفين: لماذا لا تؤدي إلى تعزيز المشاركة اليومية؟

منذ فترة طويلة قبل الحجر الصحي ووضع الكمامات، حضرتُ حفلة التقيتُ فيها بفتاةٍ وتبادلنا حديثاً صغيراً، وأخبرتها بأنَّني ساعدت القادة والفِرق على التطور في أفضل شركات التكنولوجيا في العالم؛ فعندما تعمل في وظيفة تحبها - كما في وضعي أنا - فهذا الأمر يحزن أولئك الذين يعملون في بيئات عمل سامة، فالبالغون يعتادون على الشكوى لغيرهم من البالغين بشأن بؤس وظائفهم إلى الحد الذي يجعل أي حوار آخر يخرج من الحديث.



قالت لي تلك الفتاة بحزنٍ في عينيها: "أتمنى لو أنَّني شعرت بهذا الإحساس، كيف تقوم شركتك بذلك؟" قلت لها إنَّ منظمتي تسعى سعياً دؤوباً إلى أن تركز في حاجات الناس، وسألتها ما الذي يحدث في شركتها؛ إذ تكلمت بصوتٍ مهزوز عن المشكلات والسلوك الرديء المتفشي والموظفين المحرومين من حقوقهم عموماً، ومن ثم سألتها ما إذا كانت الشركة تصغي إليهم أو إذا قد أرسلوا دراسة استطلاعية لجمع آراء من الموظفين بشكل أوسع؛ فكان ردها: "نحن نفعل ذلك ولكن دون جدوى، وعلى أي حال إنَّ المشكلة تتفاقم من يومٍ إلى آخر، وهذه هي القضية".

ولهذا السبب يجب على المنظمات أن تسأل: كيف تكون مشاركة الموظفين كل يوم؟ إذ إنَّ النهج النموذجي في دراسة استطلاعات المشاركة لن يكشف عن ذلك.

الواقع المؤسف لاستعمال الاستطلاعات لنشر الثقافة التنظيمية:

أتمنى لو أنَّ استطلاعات المشاركة قد نجحت كما يقول "الخبراء" إنَّها من المفترض أن تنجح. وأتمنى لو كانت المنظمات تستعمل ممارسات الاستطلاع الفعَّالة بدقة مطلقة؛ أي ممارسات مثل ضمان عدم الكشف عن الهوية بنسبة 100%، وتقديم تغذية راجعة صادقة ووضع خطط عمل تتبع النتائج.

أتمنى أن تستعمل الثقافات التنظيمية البيانات لتصبح أماكن أكثر راحة للعمل، وعلى الرغم من ذلك، أعتقد أنَّ العملية خالية تماماً من الجهود الرامية إلى تطوير ثقافات فعالة. وتوجد حقيقة مزعجة حول عملية إجراء هذه الاستطلاعات:

ترسل المنظمات استبياناً مرة في السنة ويبالغون في تضخيم الأمر، ويخضع المديرون إلى سلسلة من نوبات الذعر وهم في انتظار النتائج، أمَّا في هذه الأثناء، فيجتمع الموظفون ويبدؤون الاعتقاد بأنَّ الشركة ستكتشف أخيراً كم هو أحمق مديرها. وفي الواقع، في كتاب "بوب ساتون" (Bob Sutton) المسمى بـ "قاعدة لا للحمقى" (The No Asshole Rule)، يقول: "إذا كان في وسعنا أن نقتصر في استطلاعات الرأي على سؤال الناس ما إذا كان مديرهم أحمق، فلن نحتاج إلى أي استطلاع آخر".

كنت أعرف فريقاً يجتمع بعد العمل ليملأ استطلاعاً في انسجامٍ تام، فقد كانوا يدركون أنَّ مديرهم في العمل سوف يعرف مَن كتبَ تعليقات محددة ثم ينتقم منه؛ لذا فقد قرر الجميع نسخ الكلمات نفسها للفت الانتباه إلى المشكلة ولكن دون أن يكتشف مديرهم هويتهم.

تعود نتائج الاستطلاع بتوجهات مختلفة، وإذا كان برنامج الحاسوب الخاص بك متطوراً للغاية، فيمكنك استعمال "معالجة اللغات الطبيعية" (Natural Language Processing) لتصوير المشاعر وراء كلمات الناس.

ثم تُوضَع خطط العمل وتُنشَر إلى جانب رسالة مُدققة بعناية ترسلها القيادات العليا تقول: "لقد قرأنا كل تعليق من التعليقات"، ويومئ المديرون الجيدون برؤوسهم إلى التعليقات الجميلة، ويستمر المديرون السيئون في رفض السلبيات، وفي الوقت نفسه لا تتخذ القيادة العليا أيَّة إجراءات جريئة لتحسين الثقافة التنظيمية؛ وهذا يزيد من الإضرار بالعملية في أثناء تقدمها.

يمكنك أن تقول: تستعمل بعض المنظمات الاستطلاعات بصورة مستمرة، وحتى بعضهم يسألون موظفيهم أسئلة يومياً. وهذا أمر عظيم، وأعيد وأكرر: أول وأهم خطوة هي جمع البيانات، ولكن هل يثق الموظفون بهذه العملية؟ وهل يرون تغيراً حقيقياً؟ وهل سيشعرون بالأمان إذا أدخلوا معلومات دقيقة وصادقة؟ إذا لم تكن الإجابة "نعم" عن كل هذه الأسئلة، فلا يهم إذا أرسلت ألف استبياناً في اليوم.

شاهد بالفديو: 6 طرق للحفاظ على الحماس وإثارة إلهام الآخرين في العمل

إرسال استبيانات للتحقق من المشاركة كل يوم:

الأمر الذي يعيدنا إلى السؤال الأصلي: كيف يمكننا التركيز في المشاركة باستمرار لخلق ثقافة تنظيمية مزدهرة؟

الجزء الأول من الإجابة يبدأ بالتفكير فيما نقيسه بالفعل، وفي كتاب "كيفن أوكس" (Kevin Oakes) الجديد المسمى بـ "تجديد الثقافة" (Culture Renovation)، ينظر إلى البحوث التي أجرتها الشركات الناجحة منها وغير الناجحة في تحويل ثقافتها إلى بيئة للبشر والعقول.

ويشير "كيفن" المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "آي 4 سي بي" (i4cp) الاستشارية إلى أنَّ معظم المنظمات التي فشلت في تغيير ثقافتها لم تحدد كيفية قياس التغيير؛ ولذلك فإنَّه يقترح المقاييس التالية لقياس تغير الثقافة: الاستنزاف، والشمولية، وإحالات الموظفين، وتنقل المواهب، وإعادة التوظيف، واستطلاعات المشاركة، فهي ككل تقدم نتائج أفضل من الدراسات الاستطلاعية للمشاركة وحدها.

وثانياً، سيكون من السيئ للغاية أن تمثل ميزانية إحدى المنظمات الأثر المالي للمؤشرات المدرجة، على سبيل المثال نعلم من دراسات متعددة أنَّ متوسط تكلفة استقالة موظف لمنظمة ما، يبلغ ضعف راتبه عند النظر في خسارة المعرفة المؤسسية لذلك الموظف والتكلفة المترتبة على المنظمة عند توظيف شخص آخر، ويرتفع الأجر ارتفاعاً كبيراً إذا كان الشخص يمتلك الخبرة.

لذا إذا كان هناك 10 من مغادرين غير مرغوب فيهم شهرياً من الذين يجنون 100 ألف دولار، فإنَّ الميزانية العمومية يجب أن تبلِّغ عن خسارة 2 مليون دولار، وإذا بلغت ذلك في 12 شهراً، فستصبح خسارة سنوية بقيمة 24 مليون دولار.

والآن فلنفترض العكس، إذا كانت الموارد البشرية تعمل على تحسين الثقافة وتؤثر تأثيراً إيجابياً في أعداد الناس المحتفظين بوظائفهم، فيجب الإبلاغ عن المدخرات؛ إذ يمكن أن نجد مبالغ مالية معقولة لتمثيل معظم مؤشرات المشاركة اليومية، والقيام بذلك من شأنه أن يجبر المنظمات على الحفاظ على التركيز المستمر في المشاركة.

والفكرة الثالثة لخلق المشاركة اليومية تتلخص في إعطاء الأولوية المطلقة لخلق السلامة النفسية من قِبَل القادة، وسوف يُنصَبُّ التركيز في إدراك حقيقة مفادها أنَّ البيئة الآمنة تشكل أهمية بالغة لتحقيق إنتاجية أعلى وأفكار إبداعية ووضع مالي أفضل، وإذا لم تفعل هذا، فهذا يعني فشلك بصفتك قائداً، فلن تشكل مؤشرات الأداء الرئيسة الأخرى أيَّة أهمية.

لكن كيف نراقب هذا السلوك؟ يدرس "معهد القيادة العصبية" (NeuroLeadership) ردود أفعال الأدمغة في سيناريوهات محددة أدت إلى مشاعر الأمان أو الخطر.

بالطبع لن تحتاج إلى مراجعة التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة الناس حتى تفهم ما الذي يجري فعلاً؛ بل بدلاً من ذلك، يمكنك أن تفهم كيف تتفاعل أدمغتهم بناءً على عدد من الظروف:

آمن نفسياً غير آمن نفسياً الظروف
يشعر الموظفون أنَّ لآرائهم أهمية يدير القادة والمديرون كل شيء الحالة
يشعر الموظفون وكأنَّ الشركة تعمل بشفافية، مع فهم واضح إلى أين تتجه يتواصل القادة بصورة متقطعة ومختلفة اليقين
الناس لديهم المساحة للتفكير، والابتكار، وارتكاب الأخطاء المديرون يملون جميع القرارات ويديرون أعمال الناس إدارة تفصيلية. الاستقلالية
يشعر الموظفون بإحساس الانتماء الجماعي تُشعِر بعض المجموعات في المنظمة بعض الناس بأنَّهم مستبعدون الترابط
يشعر الناس وكأنَّ القرارات تُتَّخذ بنظرة من المساواة والواقعية هناك جو من التفضيل والتحيز العدل


تُعَدُّ استطلاعات المشاركة خطوة أولى هامة في تطوير ثقافات تنظيمية راسخة، ولكنَّها لن تؤدي إلى تعزيز المشاركة اليومية للموظفين؛ إذ إنَّنا بحاجة إلى المشاركة كل يوم في جهودنا لخلق عمل أكثر إنسانية؛ فالتركيز المستمر والأحاديث والأعمال التي تخدم مصلحة الناس، تجعل الثقافة مزدهرة، وليس خطط العمل المتقطعة. ولا يتعيَّن علينا أن ننتظر حتى إجراء استطلاع شهري لجمع البيانات من أجل معالجة المسائل التنظيمية أو للاحتفاء بنقاط القوة. 

إقرأ أيضاً: دور آراء الموظفين في نجاح العمل

في الختام:

فإنَّ استطلاعات المشاركة هي خطوة أولى هامة في تطوير ثقافات تنظيمية راسخة، ولكنَّها لن تؤدي إلى تعزيز المشاركة اليومية للموظفين. فلكي تزدهر الثقافة التنظيمية، يجب أن نشارك كل يوم في جهودنا لخلق عمل أكثر إنسانية؛ فالتركيز المستمر والأحاديث والأعمال التي تخدم مصلحة الناس، هي التي تجعل الثقافة مزدهرة.




مقالات مرتبطة