ارمِ بنفسك في الهاوية: العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري

هل تجد نفسك في دائرة مفرغة من القلق والتوتر؟ وهل تجد نفسك ملزماً بأداء مهام أو سلوكات غير مقتنع بها؟ وهل تشعر أنَّك تقوم بأشياء سخيفة فقط من أجل تخفيف الضيق الحاصل لك؟ وهل أصابك اليأس إزاء تكرار مثل هذه السلوكات؟ هذا ما سنساعدك على حله في هذا المقال؛ لذا تابع معنا.



ما هي وظيفة العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري؟

يُعَدُّ العلاج السلوكي المعرفي نوع من العلاج الذي يساعد الأفراد على التعامل مع الأفكار والسلوكات والعواطف الإشكالية وتغييرها، ويُعَدُّ تكرار التعرض نوعاً متخصصاً من العلاج السلوكي المعرفي لاضطراب الوسواس القهري (OCD).

تم تصميم هذا العلاج لكسر نوعين من الارتباطات التي تحدث في الوسواس القهري:

  • الأول هو الارتباط بين الإحساس بالضيق والأشياء أو المواقف أو الأفكار التي تنتج هذا الضيق.
  • الارتباط الثاني هو بين القيام بطقوس سلوكية وتخفيف الإحساس بالضيق.

العلاج المعرفي السلوكي سوف يكسر الرابطة التلقائية بين مشاعر القلق والطقوس السلوكية، وسوف يدربك المعالج على كيفية الامتناع عن ممارسة الطقوس عندما تكون قلقاً؛ إذ يتضمن برنامج العلاج المعرفي السلوكي هذا ثلاثة مكونات نسميها التعرض في الواقع الحقيقي والتعرض التخيلي ومنع الطقوس.

ما هي أنواع العلاج بالتعرض الذي يتضمنه العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري؟

  1. التعرض (In vivo): ويُعرَف أيضاً بالتعرض "الواقعي" أو "الفعلي"؛ وهو يعني البقاء لفترات أطول في وجود شيء أو موقف مخيف يثير القلق والضيق، على سبيل المثال، الاتصال الفعلي بالملوثات.
  2. التعرض التخيلي: وهو أن يتخيل المرء وجوده في المواقف المخيفة أو تصور عواقب المواقف المخيفة، على سبيل المثال، تخيل القيادة على الطريق وضرب المشاة.
  3. منع الطقوس: الامتناع عن الطقوس السلوكية، على سبيل المثال، مغادرة المطبخ دون فحص الموقد، أو لمس الأرض دون غسل اليدين.

ما هو العلاج بالتعرض الذي يتضمنه العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري؟

التعرض هو إجراء تواجه فيه عمداً أشياء أو مواقف تثير الضيق والبقاء في تلك المواقف لفترة كافية لتقليل قلقك من تلقاء نفسه، ويُعَدُّ التعرض الواقعي نوعاً من التعرض الذي يتضمن مواجهة الأشياء والمواقف المخيفة في "الحياة الواقعية"؛ على سبيل المثال، إنَّ الشخص الذي يشعر بالتلوث في الحمامات العامة يدفعه المعالج النفسي إلى زيارة مرحاض عام، ويبقى فيه لفترة كافية لتقليل قلقه.

مثال عملي يشرح استراتيجية التعرض الواقعي في العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري:

إذا شعرت بالتلوث أو القرف جراء ملامسة الأرضية، يجب عليك الجلوس على الأرض لفترة طويلة من الوقت، فقد تعتقد أنَّ انزعاجك سيستمر إلى الأبد ما لم تتجنب هذه المواقف أو تهرب منها، وقد تشعر كما لو أنَّك لا تستطيع التعامل مع مثل هذا الموقف، كما ستكتشف أنَّ هذا ليس صحيحاً. وفي البداية، من المتوقع أن تشعر بالقلق أو عدم الراحة بعد التعرض، ولكنَّ تكرار مثل هذه المواقف يجعلك تشعر بعدم الراحة كما في المواقف السابقة، فهذه العملية تسمى الاعتياد.

لماذا لا تحل المواقف الحقيقية مكان العلاج بالتعرض؟

إذا نجح الأمر وانتقلتَ إلى مرحلة الاعتياد، فقد تتساءل في نفسك لماذا لم تخفف من ضائقتك من خلال العديد من المواجهات مع المواقف التي أثارت في نفسك الكثير من الهواجس السيئة والقلق الشديد؟ والجواب هو أنَّ مجرد استفزاز الهوس لا يكفي؛ إذ يجب أن يتم التعرض للوساوس والضيق الناتج عنها لفترة طويلة بما يكفي لتقليل الضيق من تلقاء نفسه، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم التعرض بشكل متكرر للمساعدة بشكل فعال على علاج الوسواس القهري.

مثال عملي يشرح استراتيجية التعرض التخيلي في العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري:

في بعض الأحيان لن تكون قادراً على مواجهة موقفك المخيف وعواقبه من خلال التعرض الواقعي؛ على سبيل المثال، قد يخشى الشخص أن يحترق منزله إذا لم يتحقق من إيقاف تشغيل المكواة. بالتأكيد لن نتمكن من حرق منزلهم للسماح لهم بمواجهة خوفهم.

بدلاً من ذلك، يمكن للشخص أن يواجه الضرر والقلق الناجم عنه من خلال تخيله في ذهنه، وهذا ما نسميه التعرض الخيالي، وهو أن تصنع في ذهنك صوراً مفصلة للكارثة التي تشعر أنَّها ستحدث إذا لم تتجنبها أو تمارس طقوسك الوسواسية، وكما هو الحال في التعرض الفعلي، تخف الضائقة الوسواسية والقلق الناجم عنها تدريجياً في أثناء التعرض المتخيل.

شاهد بالفديو: أسباب الوسواس القهري وأعراضه وعلاجه

من هم المرضى الأنسب لاستراتيجية التعرض التخيلي من وجهة نظر العلاج المعرفي السلوكي؟

التعرض التخيلي مفيد أيضاً للمرضى الذين تتحفز هواجسهم السلبية في أوقات متباينة ولا يتم تحريضها بفعل مواقف محددة؛ أي قد يكون لدى الشخص فكرة وسواسية في أي وقت وفي أي مكان، وفي هذه الحالة، لا يوجد موقف معين يجب على الشخص مواجهته ولا يمكن للشخص التدرب على البقاء في موقف التعرض لفترة طويلة من الوقت.

باستخدام التعرض الخيالي، يمكن تخيل هذه الهواجس أو الأحاسيس بشكل متكرر، دون محاولة القضاء عليها أو تحييدها من خلال الطقوس السلوكية.

إقرأ أيضاً: الشخصية القهرية أو اضطراب الوسواس القهري (OCD): أسبابه، وطرق علاجه

كيف يمكن المشاركة بين التعرض التخيلي والتعرض الواقعي؟

يمكن أيضاً استخدام التعرض التخيلي لجعل ممارسات التعرض اللاحقة في الواقع أسهل بالنسبة إليك، فإذا كنت منزعجاً للغاية من فكرة مواجهة موقف أو شيء يثير قلقك، فقد تجد أنَّه من المفيد أن تتخيل المواجهة أولاً، وسترى أنَّ انخفاض القلق في أثناء التعرض التخيلي سيرافقك إلى مرحلة التعرض الفعلي أو الواقعي.

ما هو دور السيطرة على التوقعات في العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري؟

  1. توقع دائماً ما هو غير متوقع.
  2. توقع أن تأتيك فكرة هوسية في أي وقت أو في أي مكان.
  3. لا تتفاجأ عند ظهور أشياء قديمة أو حتى جديدة.
  4. لا تدع ذلك يفاجئك.
  5. كن مستعداً لاستخدام أدوات العلاج التي دربك عليها المعالج في أي وقت وفي أي مكان.
  6. إذا ظهرت أفكار جديدة، فتأكد من إخبار معالجك حتى تتمكن من التغلب عليها.

ما هو دور الموافقة على الأفكار الوسواسية من وجهة نظر العلاج المعرفي السلوكي؟

حاول دائماً أن توافق على كل الأفكار الوسواسية؛ أي لا تحللها أو تسألها أو تجادلها أبداً، فالأسئلة التي تطرحها هذه الأفكار ليست أسئلة حقيقية، ولا توجد إجابات حقيقية عنها؛ لذا حاول أيضاً ألا تفرط في التفاصيل عند الموافقة عليها، ولا تضيع الوقت في محاولة منع التفكير في أفكارك؛ لأنَّ لهذا تأثيراً مناقضاً ويؤدي إلى التفكير في المزيد من الأفكار.

إذ أظهرت الدراسات أنَّه لا يمكنك التوقف عن التفكير في أفكار معينة؛ لذا يجب أن يكون شعارك هو: "إذا كنت تريد أن تقلل من التفكير في أفكار محددة، ففكر فيها أكثر".

تعرف إلى أهم النصائح التي تعزز من فاعلية العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري:

  1. عندما يكون لديك خيار، توجه دائماً نحو القلق، ولا تبتعد عنه أبداً، فالطريقة الوحيدة للتغلب على الخوف هي مواجهته؛ إذ لا يمكنك الهروب من أفكارك؛ لذا ليس لديك خيار سوى مواجهتها، وإذا كنت ترغب في الشفاء، فسيتعين عليك القيام بذلك.
  2. عندما تواجه خيارين محتملين لما يجب مواجهته، اختر الأصعب من الاثنين كلما أمكن ذلك.
  3. مراجعة تعليماتك العلاجية المنزلية يومياً، حتى لو كنت تعتقد أنَّك تعرفها كلها، لكن تذكَّر أنَّه من السهل التغاضي عنها، خاصةً تلك التي لستَ متحمساً بالأصل لمواجهتها.
  4. إذا أعطاك معالجك مهمة لا تشعر أنَّك مستعد للقيام بها، يمكنك التحدث له وإخباره بذلك، وبصفتك نصف العلاج، يجب أن يكون لك رأي في علاجك، فقد يكون أحد أهداف العلاج أن ينتج عن بعض التعليمات المنزلية بعض القلق حتى تعتاد على التعامل معه.
  5. اتباع طريق الكمال، فقد يكون السعي إلى الكمال سمة أخرى هامة وخطيرة من سمات الوسواس القهري، وقد تجد الوسواس الخاص بك يخبرك أنَّه إذا لم تقم بأداء واجبك على أكمل وجه، فلن تتعافى أبداً.
إقرأ أيضاً: 10 معلومات هامة عن الوسواس القهري

هل يمكن الالتزام المفرط بتعليمات الطبيب أن تتحول إلى اضطراب وسواس قهري؟

إذا وجدت نفسك مهووساً بأداء تعليمات الطبيب على أكمل وجه، فإنَّك تخاطر بتحويله إلى إكراه وسواسي آخر، فاحذر من إجبار نفسك على تطبيق التعليمات وفقاً لنفس القواعد الصارمة التي كانت سبباً في مرضك؛ لذا ابتعد عن تطبيق التعليمات بشكل مفرط، بحيث تأخذ يومك بالكامل، وتذكَّر أنَّ ما تزال لديك حياة لتعيشها.

شاهد بالفديو: 5 نصائح مهمة للتخلص من الوهم

تعرف إلى الدور السلبي للطمأنينة من وجهة نظر العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري:

عند تنفيذ المهام، احرص على عدم منح نفسك الطمأنينة المفرطة واحذر من التراجع عنها، واحذر إخبار نفسك بأشياء مثل "إنَّها تعليمات منزلية فقط، والأشياء التي أقولها وأفعلها لا تُحسَب وليست حقيقية"، أو "لن يطلب مني معالجي القيام بشيء من شأنه إلحاق الأذى بي أو بالآخرين؛ لذا لن أهتم كثيراً بالأمر"، أو "أنا أفعل هذا فقط لأنَّه تم إخباري بذلك؛ لذا فأنا لست مسؤولاً عن أي شيء سيئ يحدث".

يمكن أن يقوض هذا الحوار مع الذات كل العمل الذي تقوم به؛ لذا لا تطلب الطمأنينة من نفسك أو من الآخرين، وبدلاً من ذلك، أخبر نفسك أنَّ الأسوأ سيحدث، أو أنَّه يحدث الآن، أو قد حدث، فالسعي وراء الطمأنينة هو أمر سلبي مهما حاولت تبريره.

في الختام:

لا بد لنا في نهاية هذا المقال أن نختم بنصيحة ذهبية تساعدك مساعدةً كبيرةً على الشفاء من اضطراب الوسواس القهري، فلا تنتظر "اللحظة المثالية" لبدء تعليمات الطبيب النفسي أو المعالج النفسي، فالتسويف هو سمة بارزة من سمات الوسواس القهري لدى الكثير من الأشخاص؛ لذا ابدأ بتنفيذ التعليمات الطبية في اليوم الذي تحصل فيه عليها، وتذكَّر أنَّ اللحظة المثالية هي اللحظة التي تبدأ بها.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة