إلى أيّ وقت متأخر يسمح بشرب القهوة يومياً؟

تخيَّل أنَّك في صباح اليوم الأول من أسبوع العمل استيقظتَ على صوت ساعة المنبه وفتحت عينيك ببطء، وبعد أن استلقيت في السرير بضع دقائق إضافية نهضتَ ببطءٍ وفركت عينيك، ثمَّ ارتديت ثيابك واستعديت لبداية أسبوعٍ جديد وعيناك لا تزالان نصف مغلقتين والرؤية أمامك ضبابية. نظرتَ إلى الساعة وأدركت أنَّ الوقت يداهمك لذلك غادرت المنزل إلى المكتب بأسرع ما يمكن. حينما وصلتَ إلى المكتب شغَّلتَ الكمبيوتر ووضعت أغراضك قبل التوجه إلى المطبخ، السؤال الآن: ما المشروب الذي تنوي إعداده لنفسك؟ إذا كنت قد اخترت القهوة فخيارك في مكانه.



القهوة هي المشروب الذي يُمِدُّنا بالطاقة:

يستخدم معظم الناس القهوة مشروباً منشطاً يمنحهم الإحساس باليقظة ويُمِدُّهم بالطاقة أثناء النهار، إذ إضافةً إلى إعادة الحيوية للموظفين المتعبين الجالسين في مكاتبهم أضحت القهوة مشروباً يَدُل على الرفاهية، وهوايةً، وفرصةً للتعارف.

لا تتوقّف فوائد القهوة عند هذا الحد، إذ يوجد في القهوة كمياتٌ كبيرةٌ من العناصر المُغذِّية ومضادات الأكسدة، وقد ربطَت الدراسات احتساء القهوة مع انخفاض خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري ومرض الزهايمر، كذلك يستطيع الكافيين الموجود في القهوة تحسين المزاج ووظائف الدماغ.

لكنّ الكافيين فيه جانبٌ مظلمٌ أيضاً، إذ يؤدي استهلاكه بشكلٍ منتظم إلى ضعف تجاوب الجسم مع المادة، حيث يحتاج الشخص الذي يحتسي القهوة حينئذٍ إلى جرعةٍ أكبر للإحساس بالتأثيرات المحفزة التي كان يُحِسّ بها من قبل، وقد يؤدي الامتناع عنه إلى أعراضٍ انسحابيّة مثل آلام الرأس وسرعة الغضب.

قد يؤدي احتساء القهوة أيضاً إلى تدهور القدرة على النوم جيداً، إذ كثيراً ما نسمع نصائح توصي بعدم احتساء القهوة في وقتٍ "متأخرٍ كثيراً" وكيف أنَّ ذلك يمنعنا من الحصول على قسطٍ مريحٍ من النوم ليلاً. لكن متى تحديداً هو هذا الوقت الذي يُعَدّ "متأخراً كثيراً"؟

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمّة لصباح نشيط بعيداً عن القهوة

تأثير القهوة في أنماط النوم:

أجرى الباحثون في مركز أبحاث اضطرابات النوم في مستشفى "هنري فورد" وكلية الطب في جامعة "وين ستيت" دراسةً لتحليل مدى قدرة القهوة على إفساد النوم حينما يُستهلَك في أوقاتٍ مختلفةٍ من اليوم.

ضمَّ المتطوعون 12 رجلاً وامرأةً سليمين كانوا ينامون في الأوقات الاعتيادية ويستهلكون بانتظامٍ كمياتٍ معتدلةً من الكافيين. خلال الدراسة حافظ المتطوعون على أوقات نومهم المعتادة حيث كانوا يتوجهون إلى النوم في الفترة الممتدة بين الـ 9 مساءً والـ 1 بعد منتصف الليل ويستيقظون في الفترة الممتدة بين الـ 6 والـ 9 صباحاً، وقد كانوا ينامون كلّ ليلةٍ 6.5-9 ساعات دون أن يَقِيْلوا خلال النهار.

أُعطي المشاركون جرعاتٍ ثابتةً من القهوة إلى جانبٍ مشروبٍ أُوهِموا بأنَّه قهوةٌ قبل النوم مباشرةً وقبله بـ 3 و6 ساعات، وقُدِّم لهؤلاء 400 غرام من الكافيين أي ما يُعادل حوالي 4 أكواب من القهوة. راقب الباحثون علامات اضطراب النوم باستخدام جهاز مراقبة النوم، وإليك ما توصَّلوا إليه:

  • قبل النوم مباشرةً وقبله بـ 3 و6 ساعات أثَّر الكافيين بشكلٍ كبيرٍ في القدرة على النوم، وحتى الكافيين الذي استُهلِك قبل النوم بـ 6 ساعات أثَّر في أكثر من ساعة من المدة التي يقضيها الشخص في النوم.
  • تضرّرت قدرة المشاركين على النوم جيداً حينما استهلكوا الكافيين نهاراً خلال تلك المواعيد الثلاثة. وموازنةً مع الأشخاص الذين احتسوا مشروباً أُهموا بأنَّه قهوة قضى الأشخاص الذين احتسوا القهوة جزءاً كبيراً من وقتهم ليلاً مستيقظين، حتى حينما احتسوها قبل ست ساعات من موعد النوم.
  • لم يكن الإحساس بتأثُّر الجسم بالكافيين المقياس المباشر الذي استُخدم لتقدير مدى تأثير القهوة في النوم، بمعنى آخر ربما لم يشعر المشاركون بوجود الكافيين في أجسامهم لكنَّ قدرتهم على النوم جيداً تأثرت سلباً على الرغم من ذلك، وقد كانت هذه النتيجة الأكثر إثارةً للدهشة.
  • حينما احتُسِيَت القهوة قبل النوم مباشرةً وقبل النوم بثلاث ساعات أدرك المشاركون أنَّ ذلك كان سبباً في إفساد نومهم، وحينما استُهلِك الكافيين قبل 6 ساعات من موعد التوجه إلى السرير لم يذكروا أبداً أنَّ الكافيين أفسد نومهم على الرغم من أنَّ جهاز مراقبة النوم أظهر عكس ذلك.

الدرس المثير الذي نستنتجه من هذه الدراسة أنَّه يجب علينا ألَّا نعتمد بشكلٍ كاملٍ على إحساساتنا عند تقدير مدى تأثُّرنا بالقهوة لا سيما حينما يتعلق الأمر بالنوم، إذ إنَّ تلك القهوة التي تحتسيها في فترة بعض الظهر حتى تبقى متيقظاً قد تُبْقيك مستيقظاً أطول مما تظن.

إقرأ أيضاً: 5 معلومات خاطئة عن الكافيين، ومتى يجب علينا الامتناع عنه

التحكّم بالكافيين في حياتنا اليومية:

على الرغم من أنَّ القهوة قد تُؤثر في قدرتنا على النّوم إلَّا أنَّ هذا لا يعني أنَّ الوقت قد حان للامتناع عنها تماماً، إذ ثمَّة العديد من الفوائد التي تقدمها القهوة للجسم مثلما ذكرنا في البداية، والحفاظ على اليقظة الذهنية يُعَدُّ أحد أهم الأسباب التي تُفسِّر إقدام كثير من الناس على احتساء القهوة.

الأمر الأهمّ هو أن تحتسي قهوتك خلال النهار بشكلٍ منضبط. إليك بعض الأفكار حول الخطوات الواجب اتباعها لضبط احتساء القهوة:

  • الامتناع عن احتساء القهوة بعد الساعة الثانية من بعد الظهر: يحتاج الكافيين فترةً من الزمن حتى يتحلّل، وقد يؤدي إلى مواجهة مشاكل في أثناء الخلود إلى النوم حتى لو كنت لا تشعر بوجوده في جسمك، لذلك من الأفضل أن يقتصر استهلاك الكافيين على ساعات الصباح أو على الساعات الأولى من فترة بعد الظهر على الأقل.
  • عدم احتساء أكثر من أربعة فناجين من القهوة يومياً: وفقاً لموقع مايو كلينيك يجب على البالغين ألَّا يتناولوا أكثر من 400 ملليغرام من الكافيين يومياً، أي ما يعادل حوالي أربعة فناجين من القهوة، إذ قد يؤدي الإكثار من القهوة إلى زيادة القلق والانفعال، لذلك إذا رغبت في شرب كميات من القهوة تفوق الكمية الموصى بها اختر القهوة المنزوعة الكافيين.
  • تقليل كميات القهوة التي تحتسيها كلما اقترب اليوم من نهايته: أكثر وقتٍ تحتاج فيه إلى القهوة هو على الأرجح فترة الصباح الباكر حينما تكون غير مُتعافٍ بعد من آثار النوم وتحتاج إلى جرعةٍ من نشاط. يُعَدّ هذا أفضل وقتٍ لاحتساء القهوة إذا كنت تحتاج إليها، لكن مع اقتراب اليوم من نهايته توقف تدريجياً عن احتساء القهوة واحتسِ الشاي (يُعَدُّ الشاي بالحليب بديلاً جيداً) أو القهوة المنزوعة من الكافيين حتى يكون جسمك خالياً من الكافيين مع حلول المساء.
  • استعمال كوبٍ صغير: حينما نستعمل كوباً لاحتساء القهوة فإنَّنا نميل إلى ملئه حتى آخره حتى نحصل على أكبر كميةٍ ممكنة، لذلك حينما تُخيَّر بين كوبٍ كبيرٍ وكوبٍ صغير اختر الكوب الصغير حتى توهم نفسك وأنت تستخدمه لاحتساء القهوة أنَّك تحتسي كميةً كبيرة.
إقرأ أيضاً: 8 طرق لجعل القهوة مشروباً صحياً خارقاً

استمتع بمشروبك الدافئ:

جميلٌ أن تحتسي القهوة، حيث تجتمع الرشفة الأولى مع الرائحة المريحة للأعصاب مع البخار المتصاعد من الكوب لتجعل من القهوة مشروباً يعزز الإحساس بالراحة، لكن من الجميل أيضاً أن تقضي ليلةً مريحة، وحينما يتعلق الأمر بالقهوة هذا يعني أن تحتسيها في الوقت المناسب، وأن تعرف كم يجب عليك أن تحتسي منها حتى لا تتأثر قدرتك على النوم. نحن نتحمّل مسؤوليّة الحفاظ على صحتنا، وإنتاجنا، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم ليلاً. يمكنك بكلّ تأكيدٍ احتساء القهوة لكن يجب عليك أن تحدّد كيف يجب أن تحتسي قهوتك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة