إتقان العمل: كيف نتقن ما لا نحبه

لا بدَّ أن نتفق بدايةً على أهمية العمل في حياة الإنسان، فالعمل هو ما يعطي الإنسان قيمة وثقة بحياته، وبما أنَّ المال ضروري لكل متطلبات الطعام ولا يأتي سوى بالعمل، يمكننا أن نَعُدَّ العمل على رأس قائمة أولويات الوجود الإنساني بكافة ألوانه وأعراقه وثقافاته وحِقَبه الزمنية؛ لذا سنقدم لكم في هذا المقال أهم الخطوات التي تمكِّنكم من إتقان العمل، ونتعرَّف معاً إلى علاقته بالروتين والشغف، وكيف يمكن أن نتعامل مع ضغوطات العمل التي تحول بيننا وبين الإتقان.



ما هي علاقة الروتين بإتقان العمل؟

إنَّنا بصفتنا بشراً نشعر بالملل من الروتين؛ روتين الدراسة أو روتين الطعام أو روتين الطريق إلى العمل، أو روتين العمل بحد ذاته، حتى ولو كنَّا نحب هذا العمل ولدينا شغف به، فقد نشعر بأنَّنا وقعنا في الملل جراء هذا الروتين؛ وهذا يحولُ دون إتقاننا للعمل الموجود بين يدينا.

كيف يمكن كسر الروتين الذي يحول دون إتقان العمل؟

وهنا سنقدم لكم أهم الطرائق المتَّبعة لكسر الروتين وإبعاد الملل عمَّن يمنعنا عن إتقان العمل:

  • في حال كنتَ تؤدي عملك داخل المنزل مثل العمل عن بُعد، فقد يكون من الصائب أن تُعِدَّ كوب الشاي أو العصير الذي اعتاد أهلك على تقديمه لك؛ وذلك على سبيل كسر الروتين، إنَّه خطوة بسيطة، ولكنَّها تؤدي إلى آثار إيجابية لا يمكن الاستهانة بها.
  • إن كنتَ تستقل سيارتك الخاصة كل يوم نحو العمل، فمن الممكن أن تجرِّب استقلال وسائط النقل العامة، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ لهذا الأمر أثر بالغ في إعادة تنشيط دارات الدماغ.
  • في حال كانت وسائط النقل العامة غير مريحة أو غير متوفرة أو متوفرة بصعوبة؛ يمكنك أن تسلك طريقاً جديداً نحو العمل، ولو كان أطول قليلاً ولكنَّه أيضاً يساهم في إخراج دماغك من سجن الروتين الممل.
  • جرِّب أن تساعد أحد زملائك في عمله، فأنتَ بهذه الطريقة تخفف عنه أعباء العمل وتدفعه إلى مساعدتك عندما تحتاج إلى ذلك، وفي الوقت نفسه فأنتَ تنشط داراتك العقلية والذهنية عندما تدفعها نحو القيام بمهمة جديدة لم تعتد عليها؛ وهذا يحفز الابتكار والإتقان لديك.
  • إن كان عملك الأساسي على الحاسوب، فقد يكون من المفيد تغيير شيء في داخل البرنامج الذي تعمل عليه، فقد يكون لتغيير اللون الأثر الكبير في إعادة شد انتباهك إلى العمل الذي تقوم به؛ وهذا يزيد من إبداعك وإتقانِك لما هو موجود أمامك من عمل.
  • استغل أوقات فراغك بالتأمُّل واخرج إلى البحر أو الغابة أو سطح منزلك وانظر إلى السماء والغيوم وتمعَّن بتفاصيل الغيوم وخطوطها وأشكالها؛ إذ إنَّ الكثير من خبراء علم النفس يَعُدُّون التأمُّل هو أهم ما يمكن أن ينمِّي مهارات إتقان العمل والإبداع فيه.
  • في حال كانت طبيعة عملك تسمح بأخذ استراحة وتناول وجبة خفيفة في مكان العمل؛ فمن الممكن أن تطلب وجبة سريعة تحبها كالبيتزا على سبيل المثال؛ إذ إنَّ هذا الأمر يجعلك تعود إلى عملك بطاقة أعلى شرط ألَّا تُكثِر من الطعام؛ وذلك لأنَّه قد يسبب الخمول والنعاس.

ما هي أهم نقطة يستند إليها مفهوم إتقان العمل؟

يستند إتقان العمل إلى نقطة أساسية وهي الشغف بالعمل أو المهنة التي اخترناها لأنفسنا؛ لذلك ينصحنا خبراء علم النفس بأن يكون الشغف والحب هو المعيار الأول الذي يجب علينا أن نختار مهنتنا المستقبلية بناءً عليه؛ وذلك لأنَّ الشغف هو ما يزرع في داخلنا حب المعرفة وحب التجربة والاستكشاف ويفتح أمامنا أبواب الإبداع.

هل صحيح أنَّ مَن لا يمتلك الشغف، لن يصل إلى مرحلة إتقان العمل؟

قد يبدو الحديث عن أنَّ "مَن لا يمتلك الشغف لن يتقن عمله أبداً" أمراً مقبولاً للوهلة الأولى، وهو أمر شائع الحديث عنه بين عامة الناس، لكن إن أردنا أن نكون واقعيين، فإنَّ هذا الأمر فيه الكثير من المثالية؛ إذ إنَّ القليل فقط من الناس هم الذين اختاروا ما يحبون، فبعضهم لم يستطع بلوغ ما يصبو إليه، ولم يستطع دراسة الفرع الذي يحبه بسبب علاماته أو ظروفه المادية وما إلى ذلك من ظروف قاهرة لا يمكن أن نتحكم بها.

كما أنَّه يوجد الكثير من الأشخاص الذين دخلوا المهنة التي يحبونها أو الاختصاص الذي يرغبون فيه، ولكنَّهم بعد انخراطهم في الحياة العملية لهذه المهنة اكتشفوا أنَّهم أحبوا ما تخيلوه حيال هذه المهنة؛ وذلك بسبب قلة المعلومات التي جمعوها عن المجال الذي اختاروه لأنفسهم، وارتكزوا على الحب والشغف؛ وهذا دليل على أنَّ مشاعرنا قد تخدع عقولنا في الكثير من الحالات.

في حال انتهى بك المطاف في مهنة ما لا تحبها، ما هو الطريق لإتقان العمل في هذه الحالة؟

شاهد بالفيديو: كيف تكون موظفاً مبدعاً وتتحلى بالشغف

اتبع النصائح الآتية:

1- لا تقلق، لستَ وحيداً:

إنَّ أول وأهم ما يجب أن تقوم به في هذه الحالة هو أن تهدأ؛ فلا تعطِ الموضوع أكثر مما يستحق؛ فأنت لستَ الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة؛ إذ أثبتت عدة دراسات وأبحاث في مناطق متفرقة من العالم أنَّ معظم الناس هم في حالة من انعدام الرضى تجاه المهنة التي يقومون بها، والأشخاص الذين يحبون مهنتهم ولديهم شغف كبير بها هم أقلية وليسوا أكثرية.

2- لا تدَع التذمر يسحب طاقتك:

يجب أن نتفق على أمر هام وهو أنَّ التبرُّم والتململ والصراخ والبكاء لا يمكن أن يأتي بنتيجة إيجابية؛ بل على العكس قد يكون وسيلة لإضرام نار الإحباط في ذلك، رغم أنَّ بعض خبراء علم النفس يقولون إنَّ التذمر في بداية الأمر قد يكون وسيلة مفيدة لتفريغ المشاعر السلبية؛ وذلك ما يُسهِّل عملية التخلُّص منها، ولكن لا يوجد من يقول إنَّ التذمُّر المستمر هو أمر مفيد.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات للتوقف عن التذمر

3- حاول تغيير نظرتك للأمور تغييراً يخدم مصلحتك:

انظر إلى الموضوع من ناحية أخرى؛ إذ إنَّك لا تستطيع بالطبع أن تحب عملك بإجبار نفسك على ذلك، فأنتَ لا تحب هذا العمل لكن تستطيع أن تنظر إليه بمنزلة اختبار عملي لك في أن تتقن عملاً لا تحبه، وتتحدى ذاتك بأنَّك قادر على النجاح والإتقان والتميُّز في الظروف الصعبة؛ وهو بمنزلة تدريب لك على تطوير مهاراتك وقدراتك بدلاً من أن تشكو وتتذمر طوال الوقت.

4- لا تنتظر الظروف المناسبة بل اصنعها:

حاول أن تقنع نفسك أنَّ الظروف المثالية أو المواتية قد لا تأتي أبداً؛ لذا يجب على الإنسان أن يحاول إنشاء هذه الظروف بيديه، وبما أنَّ الظروف المثالية لا وجود لها سوى في الخيال؛ فيجب أن ندرِّب أنفسنا على العمل في ظروف قد لا تناسبنا بالكامل، طبعاً إن لم يكن لدينا حل آخر.

إقرأ أيضاً: كيف تخلق الظروف المثالية للتركيز العميق؟

خطوات هامة لإتقان العمل:

خطوات هامة لإتقان العمل

  • تفحُّص مهاراتك ورغباتك، وبناءً على ذلك تختار المهنة الأنسب لك أو التخصُّص الأفضل ضمن المهنة التي تحبها.
  • حاول أن تُبعِد عن ذهنك كلام الناس على أيَّة مهنة مهما كان إيجابياً أم سلبياً؛ إذ إنَّ الكثيرين يتولد في داخلهم حب مهنة ما بسبب كلام الناس عليها.
  • قدِّر التعلُّم والمهارة والتدريب أكثر من المال؛ وذلك لأنَّ صقل مهاراتك يمكن أن يدر عليك أضعافاً مضاعفة في المستقبل، وهو في نفس الوقت فرصة لإتقان العمل.
  • يجب أن تدرك حقيقة أنَّ العمل طاقة، وإتقانه كذلك يحتاج إلى طاقة؛ لذا من الهام أن تضع خطوطاً طاقيَّة بين نفسك وبين زملائك في العمل بطريقة تجعلك تتجنَّب أيَّة إهانة تُنقِص من طاقتك وتقلل من إتقانك لعملك.
  • في حال تعرَّضت للإهانة داخل جو العمل؛ راجع الحدود الطاقيَّة بينك وبين زملائك أو حتى بينك وبين مديرك، وأعد ضبطها بطريقة لا تؤثر في إتقانك لعملك.
  • في حال حدث جدل أو انفعال بينك وبين الآخرين ضمن سياق العمل؛ فلا تدع حالة الأمان هذه تسيطر عليك، بالتأكيد لا نقصد هنا أن تهرب منها أو تكبتها؛ بل خلاف ذلك تماماً سيفاقِم ذلك إحساسك بالانزعاج، والأفضل أن تصرف هذه الطاقة عبر تحويلها إلى طاقة عمل، واستغل حالة الاستنفار التي يمر بها دماغك وجسدك وانغمس أكثر في العمل؛ فذلك سيعطيك مهارة وإتقان أكبر في مهنتك، ويُخلِّصك من المشاعر السلبية، لا بل سيحولها إلى طاقة مفيدة.
  • في حال مررتَ بحالة نفسية ووجدتَ نفسك عاجزاً عن إدارة نفسك إدارةً سليمة، فلا تكابر؛ بل اطرق باب المعالج أو الطبيب النفسي واعرض عليه مشكلتك، ولا تدع هذه المشكلة تؤثر في إتقانك لعملك.
  • محاولة الجلوس مع أشخاص يكبرونك في السن والخبرة، وحاول أن تستفيد من مجالستهم قدر الإمكان؛ فأيَّة معلومة مهما كانت بسيطة قد تضيف إلى خبرتك الكثير، وقد تجنِّبك الكثير من العناء؛ لذا حاول بناء علاقة طيبة معهم.

في الختام:

إنَّ عملية إتقان العمل لا تقتصر فقط على الجوانب العملية؛ بل تتخطاها إلى الجوانب النفسية والذهنية والعاطفية، والتي قد يكون لها الأثر الأهم، فلن نستطيع أن نحقق استغلالاً مناسباً لمهاراتنا وقدراتنا دون وجود مهارات ذهنية ونفسية وعاطفية تُمكِّننا من التعامل مع الضغوطات والأمور المفاجئة التي قد تحدث لنا في سياق العمل.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة