أين نذهب عندما نشعر بالوحدة والضياع؟

لاحظَتْ أنَّ الناس يجلسون في مقهىً يرتاده عشاق الرياضة على جانب الطريق، يهتفون ويتحدثون مع بعضهم بعضاً ويبدون حيويين جداً، أرادت أن تقطع الطريق وتنضم إلى هؤلاء الناس لتتواصل معهم فحسب، أرادت أن تشارك في شيء ما.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (March Chernoff)، ويتحدَّث فيه عن شابة تشعر بالوحدة والضياع إلى أن تجد الملاذ في أعماقها.

ما الذي تريده أكثر من أي شيء آخر؟

لكن يمنعها ما تتذكره من آلام الماضي من ذلك، فتقرر أن تتابع سيرها وحيدةً، مشتْ إلى نهاية مركز المدينة؛ فرأت طريقاً متسخاً يؤدي إلى تلة خضراء، تعلم أنَّها ستجد في هذا التل ملاذها الروحي؛ لكنَّه ليس ما تريد زيارته الليلة، أو أنَّ الوقت لم يحن بعد لذلك على أية حال، إنَّه يوم دافئ، تتحرك فيه نسمات الهواء العليلة، وتريد أن تجد مكاناً ما في الخارج فيه إضاءة جيدة حتى تتمكن من قراءة الرواية التي تحملها.

إقرأ أيضاً: الخوف من الوحدة وطرق علاجه

رغبتها في أن تحظى بحب الآخرين:

لم تكن القراءة ما تريده حقاً من أعماق قلبها، ما كانت تريده، هو أن يأتي شخص ما أياً يكن، ويُظهر لها الاهتمام ويشاركها وقته وتتجاذب معه أطراف الحديث، تريد شخصاً يهتم بها ويضحك معها ويجعلها جزءاً من حياته.

لكن ما كانت تريده بشدة لم يكن التواصل مع شخص جديد، على الأقل ليس في أعمق أعماقها؛ إذ يبدو أنَّ الرغبة في التواصل مع الآخرين ما هي إلا رغبة في أن تتأكد من كونها محبوبة، في كونها ليست وحيدة في هذا العالم، وأنَّها قادرة على مشاركة ما تفعله في هذه الحياة مع أشخاص يهتمون لأمرها.

حياة غير مستقرة:

تركت هذه الشابة وراءها جزءاً كبيراً من حياتها كي تأتي إلى هذه المدينة الصغيرة الليلة، خطبها منذ شهور عدة رجل أعمال شاب، ويديران الآن معاً شركة ناشئة صغيرة سريعة النمو، ويعملان بجد لساعات طويلة، ويستمتعان بنتائج عملهما مع مجموعة من الأصدقاء في مدينة مانهاتن (Manhattan).

انفصلت عن خطيبها بعد بضعة أشهر، وقررا أنَّه من الأسهل إغلاق الشركة، وتقسيم المال المتبقي بدلاً من الشراكة، وقد أدركت عندما بدأ بعملية تصفية الشركة أنَّ معظم الصداقات التي بدت قوية في "مانهاتن"، كانت ذات علاقة مباشرة بنشاطها التجاري السابق، أو وضع خطيبها الاجتماعي بصفته رجل أعمال.

لم تتوقع هذه الشابة سلسلة الأحداث السريعة والمأساوية؛ لكنَّها كانت تعلم في عقلها الباطن أنَّها أنشأت لنفسها حياةً غير مستقرة، فكانت حياة تدور حول مكانتها الاجتماعية؛ إذ جلبت لها جميع علاقاتها كماً كبيراً من التوقعات، ولم تترك لها هذه الحياة أي مجال لتطورها الوجداني أو لإيجاد الحب الحقيقي.

مع ذلك، تنجذب هذه الشابة إلى الأمور الروحانية والحب، ولطالما انجذبت لهذين الشيئين طوال حياتها، والشيء الوحيد الذي دفعها إلى هذه الحياة غير المستقرة، كان اعتقادها الطائش بأنَّها إذا فعلت أشياء معينة وتصرفت بطريقة معينة، فستكون ذات قيمة في نظر الآخرين، فظنت أنَّ مكانتها الاجتماعية ستمنحها الحب من الآخرين؛ وبذلك لن تكون وحيدة أبداً؛ لكنَّها أدركت الآن كم كانت مخطئة.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من الشعور بالوحدة؟

الملجأ الروحي:

تصعد الشابة طريقاً ممهداً شديد الانحدار في ضواحي المدينة، فتشعر بالحرارة في عضلات رجليها كلما أصبح الانحدار شديداً، فكان الطريق في بدايته مليئاً بالمحلات التجارية الجذابة، والأشخاص الذين يسيرون برفقة شركائهم أو أصدقائهم، لكن بينما تتقدم إلى أعلى الهضبة، ترى منازل ريفية صغيرة، وأطفالاً يلعبون الكرة في الشارع.

تستمر في السير صعوداً، حتى تصل إلى مساحة خالية حيث توجد حديقة عامة صغيرة، ويتجمع في هذه الحديقة مجموعة من المراهقين حول اثنين من عازفي الجيتار الذين يعزفون وينشدون لحناً ما، تتساءل في مخيلتها: "هل هي أغنية مشهورة؟"؛ فهي غير متأكدة؛ إذ لم يكن لديها الوقت في الآونة الأخيرة للاستماع إلى الموسيقى، إنَّها تشعر بالرغبة للانضمام إلى هؤلاء المراهقين، وتريد أن تقول لعازفي الجيتار إنَّ موسيقاهم رائعة؛ لكنَّها مترددة، ولا تجد ما يكفي من الشجاعة لفعل ذلك.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الشعور بالوحدة؟ هذا المقال يقدّم لك الحلول

تجلس على مقعد في الحديقة على بعد بضع مئات من الأمتار، المقعد يطل على المدينة أدناه، وتبدأ بالتحديق في الأفق وتسرح في السماء المظلمة لدقائق عدة تفكر وتتنفس بعمق؛ من ثمَّ بدأت تبتسم لأنَّها وصلت إلى أعماق روحها، ومع أنَّ المكان مظلم في الخارج، فإنَّ روحها مضاءة ويمكنها الشعور بذلك.

يمكنها أن تشعر بالدفء المحيط بها، ومع أنَّها تعلم أنَّ هذه السكينة الروحية لطالما كانت موجودة في داخلها منذ الأزل، فإنَّ قلبها يخبرها بشيء يجعلها تبتسم من أعماقها، إنَّه يخبرها بأنَّ ما تشعر به أصبح لها الآن.

ليس بمعنى أنَّها تمتلكه، ولا بمعنى أنَّها وحدها فقط من يشعر بهذه الطمأنينة؛ بل بمعنى أنَّ هذا الشعور ممكن لجميع البشر لأنَّه جزء من إرثنا، إنَّه الشعور الذي من الممكن أن يختبره كل إنسان لأنَّه يحتاج إليه ويشبع إيمانه ويتلاءم مع معتقداته الفريدة، إنَّه ملاذنا الآمن، ويكفي أن ننتبه فقط إلى وجوده، حتى نجده في داخلنا أينما كنا، ويمكننا اللجوء إليه في أي وقت؛ إذ يمكننا أن نعيش مع الأرواح الطيبة والبشر الأخيار الذين يحبوننا دون قيد أو شرط ويرشدوننا عندما نشعر بالوحدة والضياع.




مقالات مرتبطة