أهمية تدريب العقل على الصحة الذهنية

ماذا يجول في خاطرك عندما تفكر في كلمة "تمرين"؟ قدْ تفكر في الأشخاص الذين يقومون بحمل الأوزان في النوادي الرياضيَّة لتعزيز بنيتهم العضليَّة، أو الأشخاص الذين يركضون لمسافات طويلة ويحملون حقائب على ظهورهم، أو الأشخاص الذين يطمحون لتطوير قدراتهم في العمل من خلال تثقيف أنفسهم وتعلُّم أمور جديدة.



إنَّ أولَ فكرة تلمعُ في الذهن عند ذكر كلمة تمرينات، لا تكون مرتبطة بالقدرات الذهنية عادةً؛ إذ إنَّ دماغَنا هو أحد أهم أجزاء جسدنا، فلماذا لا نبذل جهداً في تمرينه؟ الدماغ كالعضلات يصبح أقوى وأكثرَ مرونة عند تدريبه أكثر.

فقد تتعرَّض لأذيَّة جسدية إن لم تُمرَّن على الإحماء قبل بدئك ممارسة التمرينات الرياضية؛ إذ إنَّ تمريناتَ الأحماء لا تستغرق أكثر من 10ـ 15 دقيقة من وقتك، وهي تحميك من التعرض للإصابة، ودون القيام بها، فأنت تهمل جزءاً من جسمك، فلماذا لا نبذل الجهد لتدريبه مثلَ عضلاتنا؟ وبذلك يصبح دماغنا أكثر مرونة كُلَّما درَّبناه.

بالمثل عندما يتعلُّق الأمر بالصحة الذهنية؛ فإنَّ عملية معالجة نفسك بعد ظهور أعراض القلق والاكتئاب والضغط هي أصعب بكثير وأطول، بينما سيكون الأمر أسهل إن قمت بممارسة التمرينات العقلية التي ستكون بمنزلة إجراءات وقائية، كما تمرينات الإحماء تحميك من هذه الأعراض.

كيف تعمل أدمغتنا؟

وَفقاً لعلم الأعصاب تعمل أدمغتنا من خلال سيالاتٍ عصبيَّةٍ، والتي تُدرَّب وتُسرَّع استجابتها من خلال تجاربنا ومعتقداتنا؛ إذ إنَّ هذه السيالات العصبيَّة تعدُّ بمنزلة "طرائق مختصرة" لسلوكات ومعلومات نستخدمها دائماً، وكُلَّما أشغلنا مساراً معيناً، انتقلتْ المعلومات أسرع عبر السيالة العصبيَّة، فيصبح المنبه ورد الفعل تلقائياً.

على سبيل المثال: إنَّنا نعلمُ عندما نريد تناول طعام خرج لتوِّه من الفرن فسيكون ساخناً جداً، ومع الوقت والخبرة، فقد تطوَّر دماغُنا المسار العصبي الذي يمنعُنا من الاستجابة لإغراء تناول الطعام الساخن جداً لكيلا نحرق أفواهنا؛ فنحن لا نفكر طويلاً لاتخاذ هذا القرار؛ وذلك لأنَّ المسارَ العصبيَّ سريعٌ جداً ومدفوع بالشعور المرتبط بهذا الفعل؛ ألا وهو الشعور بالألم.

يركِّز دماغُنا بشكلٍ أساسيٍّ على حمايتنا وإبقائنا على قيد الحياة؛ فإذا اعتقدْنا أو اختبرْنا شيئاً ما وتسبب في أذيتنا؛ فإنَّ دماغَنا سيحاول منع حدوث هذا الأمر، ولأنَّ دماغنا يعتمد على البراهين والمعتقدات والخبرات؛ فإنَّه يمكن أن يتأثَّر بسهولة إذا شغل انتباهه الاكتئاب والقلق والتوتر.

ولأنَّ هذه الظروف تثيرها بشكلٍ أساسيٍّ العواطف والاختلالات الكيميائية العصبية، فقد يجعلنا هذا نشعر أنَّ التجارب التي نخوضها أشد وأكثر واقعية مما هي عليه، لا سيما حينما نتعامل مع مواقف مبنية على الافتراضات.

فمعظمنا سأل نفسه ماذا سيحدث لو كان رد فعلنا مختلف تجاه أمور حصلَتْ معنا في السابق؟ أو تجاه أمور ستحدث معنا في المستقبل؛ فهذا ليس بأمرٍ سلبي بالمطلق، وإنَّما الانغماس في هذه الأفكار النظريَّة قد يزعجنا أو يحبطنا؛ فيصعب على دماغنا التمييز بين السيناريوهات المتخيَّلة والواقع.

شاهد بالفيديو: طرق بسيطة لتحسين صحتك العقلية

التمرينات الذهنية وأهميتها للصحة العقلية:

هنا يظهر دور التمرين الذهني والحفاظ على الصحة العقلية، فمعظمنا يستطيع التغلُّب على القلق والتوتر من خلال تركيز الانتباه على لحظات الحاضر، وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب، فإنَّ هذا يبدو كفكرة محيرة، ويحتاجون إلى كثير من الوقت والتدريب كي يصلوا إلى هذه المرحلة.

إنَّ فوائد تمرين الذهن والمحافظة على السلامة العقلية متعددة وجمَّة، بدءاً من إعادة تأطير تفكيرك ليصبح إيجابياً ولتستطيع رؤية الجانب المشرق للمواقف الصعبة، التركيز التام لأداء مهمة واحدة فقط تجنباً للتفكير الزائد في الأمور السلبية، وصولاً إلى ممارسة التمرينات الرياضية في الطبيعة لتفعيل الكيمياء العصبية الإيجابية؛ إذ يوجد عدة وسائل لتمرين ذهنك وتحسين صحتك العقلية، لكي تكون بحالة عقليَّة جيدة عندما تحدث أيَّة مشكلة.

يكمن جوهر تمرين الذهن في جعل نفسك أكثر مرونة باستمرار، وقد تبيَّن أنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بمرونة عقلية هم أكثر سعادة، وأقل عرضة للشعور بالاكتئاب والقلق، وهم أكثر رضى بشكلٍ عام؛ إذ إنَّهم يتمتعون بمستويات إنتاجية وإبداع أكبر، بالإضافة إلى علاقات اجتماعية أفضل، سواء أكان على المستوى الشخصي، أم على مستوى مكان العمل.

إقرأ أيضاً: ألعاب العقل: 12 تمريناً ذهنياً سريعاً ومسلياً

الصحة العقلية مسؤولية شخصية في المقام الأول:

إنَّ العمل من المنزل وإيجاد التوازن بين العمل والأمور الحياتية الأخرى يثقِّل كاهلنا ويتعب عقولنا بالتفكير، ويضعف محاكمتنا العقلية، ويجعل من الصعب علينا رؤية المستقبل بوضوح؛ لذا من الطبيعي أن تعاني من القلق والاكتئاب دون وجود إرشادات تساعد على تحقيق التوازن في حياتنا؛ فذلك يجعلنا متعبين، وخائفين، ومحبطين.

لقد أثبت العلم وجود عدة وسائل تساعدنا على أن نشعر بشعور أفضل؛ إذ تبحث الشركات والمؤسسات دائماً  عن حلول وقائيَّة قائمة على الإجراءات عندما يتعلَّق الأمر بالصحة العقلية والرفاهية العامة، وغالباً ما تكون هذه الحلول أقل تكلفة واستهلاكاً للوقت من النشاطات الأخرى.

ويمكن أن توفر للموظفين الفرصة لتعلُّم استراتيجيات وتقنيات جديدة لبناء المرونة الذهنية، والتعامل بإيجابية أكثر مع المواقف العصيبة عند حدوثها، مثل تطبيق الويب الجديد: اللياقة العقلية ليف يارد (Leafyard)، الذي يحفِّز فريقك على اتخاذ إجراءات تستند إلى العلم، ويساعدهم على فهم أنَّ التحسن هو أمر في متناول أيديهم، في حين يسمح لك هذا النوع من التدريب على الصحة العقلية واللياقة الذهنيَّة القائم على العمل، بوضع ما نعرفه جميعاً عن كيفية الشعور بتحسُّن بين يدي الجميع، ومن الجيد معرفة الإجراءات المفيدة، لكن ما لم تُطبَّق، فلن يتغير شيء.

على المستوى الشخصي، يتحمل الإنسان مسؤولية صحته العقليَّة، ويكتشف أنَّ لديه القدرة على جعل نفسه يشعر بالتحسُّن، فلا يمكن الاستهانة بهذا النوع من السيطرة والتحكم بالذات، ففي واقع الأمر، إنَّنا نشعر بكثير من التوتر والإجهاد الناتج عن الشعور بالعجز، أو عدم السيطرة على الذات؛ لذا فإنَّ الشعور أنَّ لديك استراتيجيات وتقنيات يمكنك الوصول إليها في أوقات الشدِّة يمكن أن يغير قواعد اللعبة ويعزز صحتنا العقلية تعزيزاً كبيراً.

كيف تبدو ممارسة اللياقة الذهنية يومياً باستمرار؟ حسناً، في الواقع توجد عدة مهام صغيرة يمكنك دمجها في روتينك اليومي، والتي تعمل تدريجيَّاً على تعزيز وتقوية تلك المسارات العصبية الإيجابية، مثل التمرن، وقضاء الوقت بعيداً عن هاتفك المحمول، والتواجد مع الآخرين، ومحاولة أن تكون عقلانياً ولطيفاً مع نفسك، فهذه كلَّها أمور تتراكم مع مرور الوقت، لتمنحك عقليَّة مرنة تضعك في حالة أفضل بكثير للتعامل مع المواقف الصعبة التي لا مفر منها في الحياة بالإضافة إلى تقبلِّها وإدارتها.

إقرأ أيضاً: 3 أسباب تؤكد أن الصحة العقلية أمر بالغ الأهمية

في الختام:

كلَّما قمت بهذه المهام زاد تأثيرها في البنية العصبية وردود أفعالك السلوكية على السيناريوهات المختلفة، فهذه التحولات الصغيرة لها تأثيرات كبيرة ودائمة، لكنَّ الأساس هو التكرار، فلا يمكنك القيام بهذه النشاطات مرة واحدة فقط وتأمل أن تُحدِث فارقاً؛ إذ تُعزَّز المسارات العصبية من خلال الإجراءات والتجارب المتكررة؛ لذا فإنَّ بناء عادات إيجابيَّة أمرٌ بالغُ الأهميَّة لجعل هذه السلوكات ثابتة، وإحداث تغيير دائم وهادف.

المصدر




مقالات مرتبطة