أهمية تحقيق التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل

هل الأشياء المادية ما يهم في الحياة أم التجارب التي تقدمها لنا؟ يُقال إنَّ الحياة متقلبة؛ إذ تحدث فيها مختلف الأشياء، فنتفاعل معها، ثم تحدث مزيدٌ من الأشياء، ونتفاعل معها مرةً أخرى، أو قد نتفاعل بدايةً، ومن ثم تحدث الأشياء اعتماداً على ما يأتي أولاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته في معرفة أهمية التجارب والذاكرة في الحياة.

نستيقظ صباحاً ونتوجه إلى عملنا اليومي، ثم نعود إلى المنزل، وبعد ذلك، ربما نذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، ونشاهد التلفاز، ونتناول العشاء، ومن ثم نخلد إلى النوم، وفي اليوم التالي، نستيقظ مرةً أخرى، ونتوجه من جديدٍ إلى عملنا اليومي، ونعود إلى المنزل، آملين أن نتمكن من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية مرةً أخرى، ونشاهد التلفاز أيضاً، ونتناول العشاء، ومن ثم نخلد إلى النوم، وفي عطلة نهاية الأسبوع، نستيقظ ونأمل أن نفعل شيئاً مختلفاً، من دون أن نحقق ذلك فعلياً.

أصبح السعي المحموم الذي لا يتوقف - أو سباق الفئران كما يُطلَق عليه - مع الأسف، أحد أعمدة الحياة؛ إذ إنَّنا نلتزم بروتينٍ مريحٍ ونسعى خلف المال، ويبدو أنَّ سعينا خلف المال قد أصبح غايةً لا وسيلة، لكن لماذا؟ لماذا تذهب إلى العمل؟ ولماذا تجني المال؟ ولماذا توفِّره؟ ولماذا تشتري أشياء به؟

عزِّز من قيمة تجاربك واختر بعناية الأشخاص الذين تقاسمهم تلك التجارب:

من المرجَّح أنَّنا ننسى السبب الحقيقي وراء وجودنا في هذا العالم؛ بل هو أمر شائعٌ لم نكن على درايةٍ به على الإطلاق، فليس العمل هو ذاك السبب، ولا المال أيضاً، فما هو السبب إذاً؟ يعيش معظمنا في الحياة بحالة ذهول، ويسير في طريقٍ محددٍ مسبقاً؛ وذلك إمَّا لأنَّنا لم نفكر أبداً في فعل شيءٍ آخر، أو لأنَّنا خائفون جداً من الابتعاد عن طريقة تفكير الجميع؛ وذلك مخجل.

يمكنني التفكير في سبب منطقي وحيد متعلق بسبب وجودنا في هذه الحياة، وهو تعزيز قيمة وقتنا؛ فلا مغزى في حياة أيٍّ منَّا سوى بتحقيق أكبر قيمةٍ ممكنةٍ في كل دقيقةٍ منها؛ لذا سواء كنت تبلغ أكبر قيمةٍ ممكنةٍ من خلال ممارسة ألعاب الفيديو أم من خلال العمل 16 ساعة في اليوم أمام مكتبك، فإنَّ ذلك تماماً ما يجب عليك فعله.

بهذه الطريقة، تكون التجارب هي الأهم في الحياة؛ فالحياة تتمحور حول التجارب التي لديك في الوقت الحالي؛ تلك التي تمنحك أكبر قيمةٍ في تلك اللحظة، وإذا ركزت على التجربة، وحرصت على مشاركتها مع أشخاصٍ يمكن أن يستشعروا معناها، فسأقول إنَّك تعيش حياةً ذات قيمة، وفي يومٍ ما، عندما تكون على فراش الموت، لن تملك المال، ولن تملك أيَّ شيء، ولن يكون لديك حتى أيُّ مكانة، لكن كل ما ستملكه هو مجموعةٌ من التجارب والأشخاص الذين قد شاركتهم إياها.

لقد أدركتُ ذلك بصعوبة عند وفاة صديقٍ مقرب إليَّ، وأنا متأكد من أنَّ الكثيرين منَّا قد أدركوا ذلك؛ فعندما نفكِّر ملياً في الموت، لا يبدو نمط الحياة الطبيعي الذي نعيشه اليوم في غاية الأهمية، وندرك أنَّ الهام هو الشعور بأنَّك على قيد الحياة، من خلال الخوض في مختلف التجارب.

السؤال الذي أواجهه الآن هو:

كم شخصاً سيحضر جنازتي؟

يمكن القول بطريقةٍ ما إنَّ المال يشتري السعادة، إذا اتبعنا المنطق المذكور آنفاً، فإذا كانت السعادة تعزز من قيمة وقتك، وإذا كنت تقدِّر قيادة سيارتك الفارهة أكثر من أيِّ شيءٍ آخر، فالمال سيتمكن من شراء السعادة؛ وهذا يوصلنا إلى نقطةٍ أخرى؛ فعلى الرغم من أنَّ الهدف من الحياة هو بلوغ أكبر قيمةٍ من التجربة في كل لحظة، إلا أنَّه يمكن في بعض الأحيان أن يتأخر الشعور بالرضى في اللحظة الحالية لغاية الحصول على قيمةٍ أكبر على الأمد الطويل، وتلك نقطة هامة، لكن دعنا نستكشف:

إذا كان لعب ألعاب الفيديو يمنحك أكبر قيمةٍ ممكنةٍ في الوقت الحاضر، فعليك أن تفعل ذلك وتتخلى عن وظيفةٍ تعمل بها ساعاتٍ طويلة، ويجب في تلك الحالة أن تفعل وحسب ما يساعدك على لعب ألعاب الفيديو قدر الإمكان.

لكن مع ذلك، توجد لديك إنتاجية متناقصة للقيمة التي تبلغها من لعب عددٍ كبيرٍ من ألعاب الفيديو - حتى المتنزهات الترفيهية تصبح مملةً عندما تذهب إليها 500 مرة - وستقل احتمالية استمتاعك بشكل كبير نتيجةً لذلك في نهاية المطاف.

ماذا لو قررتَ الحصول على وظيفةٍ تعلِّمك أنت كيفية إنشاء ألعاب الفيديو بدلاً من الإشباع الفوري وتقدير تجربة لعبة فيديو؟ بالتأكيد ستتخلى بذلك عن أقصى قيمةٍ ممكنة في الوقت الحالي، لكنَّ عائدك المستقبلي سيكون عبارةً عن تجربةٍ أعظم، تتمثل بصنع لعبة فيديو ناجحة وتحبها.

لذلك، على الرغم من تمحور الحياة حول التجربة، وأنَّ قيمة الحياة تنبع من تعزيز قيمة اللحظة، فمن الهام أحياناً التخلي عن القيمة الآنية والشعور بالرضى للحصول على تجربةٍ مستقبليةٍ تقدم لنا مكافأةً أكبر.

إذا كان هذا صحيحاً، فإنَّ معنى الحياة يكمن في التوازن؛ لذلك، وعموماً، ستكون لديك مجموعة من التجارب التي ستزداد قيمتها باستمرار، ومرةً أخرى، إنَّ تلك نقطة هامة، فلا يجب عليك التخلي عن الحاضر من أجل المستقبل، لكن عليك أيضاً ألَّا تتخلى عن مستقبلك من أجل الشعور برضى مؤقت في الوقت الحاضر؛ فالأمر بالنهاية يتعلق بالتوازن.

إقرأ أيضاً: العطاء والأخذ: تطرف مجتمعي بحاجة إلى التوازن

ما هو الأهم، الماضي أم الحاضر أم المستقبل؟

لا شك في أنَّ التجارب هي كل ما يهم، لكن عليك ألَّا تسعى إلى كثير من التجارب الآنية التي تجعلك تتخلى عن التجارب المستقبلية المذهلة؛ وفي المقابل، عليك ألَّا تتخلى عن الحاضر من أجل مستقبلٍ قد لا تريده على أيِّ حال، فعندما نفكر تفكيراً أعمق، قد لا تكون التجارب نفسها هي الهدف من الحياة؛ دعوني أخبركم بقصة:

لقد أمضيت أسبوعاً رائعاً ذات مرة، وقد كان من أفضل أوقات حياتي؛ إذ سافرت أنا وأصدقائي في رحلةٍ بريةٍ لم أكن قادراً على تحمُّل تكاليفها، لكنَّني تجاهلت ذلك ولم أتراجع، وقلت: "سحقاً لكل ذلك"، فكل شيءٍ يتمحور حول التجربة كما قلنا.

لذلك كنَّا نسافر، ونلتقي بأشخاص مختلفين، ونتواصل مع الأصدقاء القدامى، ونُجري عديداً من التجارب التي جعلت حياتنا غنيةً، وفي ذلك الوقت، كنت مقتنعاً بأنَّ الحياة تتمحور حول التجربة والأشخاص الذين نشاركها معهم، وما زلت كذلك اليوم إلى حدٍّ ما.

ثم وقعت حادثةٌ في اليوم الأخير من رحلتنا؛ إذ قُبض على صديقي بسبب بعض التهم المتعلقة بدراسته، وقد كانت جنايةً في الواقع، وبالطبع، كانت ستتغير حياته إلى الأبد، على الرغم من أنَّني وأصدقائي الآخرين لم نكن معنيين بشكلٍ مباشر، إلا أنَّ ذلك الحدث غيَّر معنى الرحلة وذاكرتنا حولها بالكامل.

لقد عشنا أربعة أيامٍ من الفرح واكتسبنا مجموعةً من التجارب التي غيَّرت حياتنا إيجاباً، ثم تغيَّر كل شيءٍ في اليوم الخامس؛ فعدنا إلى ديارنا حزينين ومتجهمين، آسفين على حظ صديقنا ومشكلات النظام القضائي الذي يهدف إلى "حمايتنا".

بدلاً من التفكير في التجارب المدهشة التي مررت بها، كان كل ما فكرت فيه هو قصة الاعتقال؛ إذ كان الأمر كما لو أنَّ الجانب السلبي من الرحلة هو الطاغي، من دون أيِّ جانب إيجابي، وما زال ذلك كل ما أفكر فيه عندما أتذكر تلك الرحلة.

إذاً، هل تتمحور الحياة حول التجارب، أم أنَّها تتمحور حول الذاكرة؟ إذا كان الأمر كله يتعلق بالتجربة، فيجب أن يتفوق العدد الكبير من التجارب الإيجابية التي مررنا بها في رحلتنا على السلبية، أو على الأقل أن تكون متوازنةً معها، لكنَّ الأمر ليس كذلك، فذاكرتنا حول الرحلة كانت مليئة بالسلبية.

على الرغم من أنَّ التجارب الإجمالية في الرحلة كانت جيدة، إلا أنَّ ذاكرتنا حول تلك الرحلة سيئة، والذاكرة حول الرحلة هي ما يهمني؛ بهذا المعنى، تتمحور الحياة حول كيفية تذكُّرك لتجاربك.

شاهد بالفديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

في الختام:

تتمحور الحياة في جوهرها حول التوازن؛ إذ يجب عليك أن تعيش في الحاضر وتستمتع باللحظة؛ لأنَّ اللحظة هي كل ما نملكه، كما يجب عليك أيضاً أن تتعامل مع الحاضر بطريقةٍ تمنحك ذكريات جميلة عن ماضيك؛ لأنَّه على الرغم من أنَّ الحياة تتمحور حول اللحظة الحالية، فإنَّ الحاضر سيصبح الماضي، وذاكرتك عن الماضي تمثل كيف تقدِّر حياتك بنهاية المطاف، وعليك أن تعيش في الحاضر بطريقةٍ تستمر بها في زيادة الإمكانات في مستقبلك.

إنَّ الحاضر هو العامل المحفز، وهو كل ما يهم، فإذا متَّ غداً، فكيف ستعيش اليوم؟ وما رأيك في ماضيك؟ لهذا السبب، فالحاضر هو ما يهم.

لكن لحسن الحظ، قد يعيش بعضنا حياةً طويلة؛ لذلك، يجب علينا أن نعيش في الحاضر بطريقةٍ تزيد من قيمة اللحظة الحالية إلى أقصى حد، وكذا أن ننشئ اللبنات الأساسية لمستقبلنا الغني، ونتذكر ماضينا بفخر، ثم من خلال التوازن بين الحاضر والمستقبل والماضي، سنعيش حياةً هامةً.

المصدر




مقالات مرتبطة