أهمية تحسين الإنتاجية للتخلص من شعور العجز

لقد لاحظتُ أنَّ الأشخاص الناجحين في الحياة يتمتَّعون بكمٍّ كبيرٍ من النشاط والإنتاجية، ففكر في أيِّ شخص تُقدِّره واسأل نفسك: "لماذا أقتدي بهذا الشخص؟".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية تحسين الإنتاجية.

دعني أقدم لك مثالاً، بالنسبة إلي يُعَدُّ المخرج السينمائي المفضَّل لدي "كريستوفر نولان" (Christopher Nolan)، فقد شاهدت جميع أفلامه وجميعها رائعة من ناحية التصوير السينمائي والموسيقى إلى اختيار الممثلين وطريقة التمثيل.

إنَّ هذا الرجل يتقن حرفته، لكن لماذا يحتَرِمه ناسٌ كثيرون؟ بالتأكيد ليس لأنَّه أخرج فيلماً أو فيلمين رائعين؛ فيوجد العديد من الأفلام الرائعة التي قدمها مخرجون عظماء آخرين؛ بل لأنَّه أحد أكثر المخرجين السينمائيين استمراراً من حيث الجودة والإخراج.

فقد صنع فيلماً كل سنتين أو ثلاث سنوات طوال اثنين وعشرين عاماً، فلا أستطيع أن أتخيل حتَّى كم تستهلك صناعة الأفلام الطويلة من الوقت والطاقة، وبالطبع هذا يتجاوز الموهبة والإبداع، فمن أجل إطلاق فيلم كل بضع سنوات، يحتاج المرء إلى أخلاقيات عمل دؤوبة؛ فلا يصنع كريستوفر أفلاماً رائعة فحسب؛ بل إنَّه أحد أكثر المنتجين السينمائيين إنتاجية.

إنَّ الفراغ هو ما يُشعرك بالعجز:

في عالمٍ مليءٍ بالفرص التي لا نهاية لها، يتمثَّل التحدي الأكبر الذي نواجهه في اختيار شيءٍ نكرس وقتنا وطاقتنا له؛ فمعظمنا في حالة دائمة من الخمول، وقد تبدو الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات كلها متشابهة بالنسبة إلينا؛ أي يمر الوقت وننجز أعمالنا وندفع فواتيرنا ونتقدم في السن، فنحن لا نصنع أيَّ أعمال فنية، أو نؤلف الكتب، أو الموسيقى، أو ننتج الأفلام، أو نفتتح أعمالاً تجارية، أو نصنع الأثاث، أو نحيك الملابس، أو نصوغ المجوهرات، وما إلى ذلك، ولا نتعلم مهارات جديدة، ولا نستكشف فضولنا.

نحن في حالة استهلاك؛ أي إنَّنا نستهلك الطعام والتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي السنوات الأخيرة بدأنا أيضاً باستهلاك التجارب حتَّى؛ فجميعنا بحاجة إلى الذهاب في إجازة ثلاث مرات في السنة، والقيام بكلِّ الأشياء الممتعة، والسفر إلى مختلف بلدان العالم.

لكنَّ الأمر الذي لم نتمكن من فهمه أنَّنا نستهلك تلك التجارب، ولا نصنع أي شيء، ولا أستطيع الاختلاف معك إذا قلتَ لي: "لكنَّني أصنع الذكريات"؛ فلا بأس في القيام بأشياء ممتعة بين الحين والآخر، لكن هل تعلم ما الذي تصنعه أيضاً؟

إنَّك تصنع فراغاً بداخلك لا يمكن لأيِّ تجربة أن تملأه، وعندما يكون لديك فراغ بداخلك فهذا يعني أنَّك عالق في مكانك ولا تستمتع بأي شيء تقوم به؛ لذلك أنت بحاجة إلى الحصول على تجارب أفضل وأسرع وأغلى ثمناً، ولكنَّها ليست حياة.

شاهد بالفيديو: 9 تقنيات لزيادة الإنتاجية الشخصية

أهمية النشاط والإنتاجية:

لقد قرأت منذ فترة كتاباً يحمل عنوان "قل نعم للحياة" (Yes To Life) بقلم الطبيب النفسي النمساوي الشهير "فيكتور فرانكل" (Viktor Frankl) الذي نجا من الهولوكوست.

فيكتور هو مؤسس العلاج بالمعنى؛ وهو شكل من أشكال العلاج النفسي الذي يساعد الناس على إيجاد معنى في الحياة، وبرأيه هذه هي الطريقة الوحيدة للعيش بسعادة؛ فهناك خطر كبير في البحث المستمر عن المتعة والتجارب، وبدلاً من ذلك نحتاج إلى تكريس حياتنا لغرض أسمى، إليك اقتباساً من كتابه:

"إذاً الحياة واجب - إلى حدٍّ ما - والتزامٌ هائلٌ، وبالتأكيد يوجد فرح في الحياة أيضاً، لكن لا يمكن السعي وراءه، ولا التوق لوجوده؛ بل يجب أن ينشأ بعفوية؛ فهو ينشأ تلقائياً، تماماً كما قد تنشأ نتيجةٌ لشيء ما.

لا يجب أن تكون السعادة هدفاً، وكذلك لا يمكن أن تكون أبديةً؛ بل إنَّها مجرد نتيجة لتحقيق ما يسميه الشاعر طاغور (Tagore) "الواجب" في إحدى قصائده، على أي حال إنَّ البشر الذين يسعون جاهدين من أجل تحقيق السعادة محكوم عليهم بالفشل؛ لأنَّ الحظ يصيب المرء فجأةً ولا يمكن مطاردته أبداً".

واحدة من أكثر الطرائق وضوحاً التي يشعر فيها الناس بالفرح هي عندما يبتكرون شيئاً ما؛ فعندما نقضي وقتاً على عمل ما وننهيه فعلاً نشعر بالإنجاز والرضى الداخلي.

ها هي قصيدة طاغور التي أشار إليها فيكتور في الاقتباس أعلاه: "لقد نمتُ وحلمتُ أنَّ الحياة عبارة عن فرح، ثمَّ استيقظت ورأيت أنَّ الحياة عبارة عن واجب، بعدها عملت وشهدتُ أنَّ الواجب هو الفرح".

عندما تكون عالقاً في مكانك ولا تشعر بالفرح في الحياة، فابحث عن الواجب، وابحث عن شيء ما في الحياة، وكرِّس حياتك له، فلا يهم ما إذا كان سهلاً أو صعباً، وليس عليك أن تحبه حتى؛ بل تبنَّى حس الواجب فقط، وسوف ينشأ الفرح.

إقرأ أيضاً: 7 استراتيجيات لإدارة الوقت لأصحاب الإنتاجية العالية

أهمية تحسين الإنتاجية:

ليس عليك بالضرورة تكريس حياتك لشيء معين من أجل أن تتمكن من دفع الفواتير فقط، لكن لكسب لقمة العيش، يجب أن نكون منتجين، وغالباً ما يتحدث المستثمر "راي داليو" (Ray Dalio) عن أهمية زيادة الإنتاجية، حيث يقول:

"يؤدي تمتع الناس بالإنتاجية إلى كسب المال؛ ممَّا يؤدي إلى اكتساب رأس المال؛ أي مدخراتهم في أدوات الاستثمار الذي يحمي المُدَّخِر من خلال توفير المال عند الحاجة إليه فيما بعد، ويوفر موارد رأسمالية لأولئك الذين يمكنهم دمجها مع أفكارهم وتحويلها إلى أرباح وإنتاجية ترفع مستويات معيشتنا".

في حين أنَّه من الرائع أن يمنحك عملك هدفاً، إلَّا أنَّه ليس أمراً ضرورياً؛ الحقيقة هي أنَّ العمل هو الذي يجعلنا نكسب لقمة العيش، لكن هذا لا يعني أنَّنا يجب أن نعاني في وظائفنا أو أن نصبح عبيداً للمكافآت؛ سيساعدك تحسين إنتاجيتك على إنجاز عملك بمقاومة أقل، وهذا هو السبب الرئيس في كلامي عن الإنتاجية في المقام الأول.

فيما مضى عملت على أشياء لم أكن شغوفاً بها كثيراً، لقد بدأت عندما كنت طالباً في الدراسات العليا؛ بدأت عملاً تجارياً مع والدي في مجال المغاسل في الوقت الذي كنت أكتب فيه أطروحتي، ولأكون صادقاً معك لم أكن شغوفاً بها أيضاً.

لكنَّني أدركت أنَّ الإنتاجية تؤدي إلى تحقيق النتائج، وساعدتني النتائج على تحسين نفسي حتَّى أتمكن في النهاية من الحصول على عملٍ مُجْدٍ أكثر، لكن لو لم أكن منتجاً فلم أكن لأتمكن من تحقيق أي نتائج ولا حتَّى كتابة هذا المقال.

إقرأ أيضاً: لماذا يعدُّ التخطيط ليوم العمل أمراً حاسماً لتحسين الإنتاجية؟

في الختام:

إنَّنا نحتاج إلى أن نكون عمليين دائماً، بالتأكيد من المفترض أن نستمتع بالحياة، ولست بحاجة إلى القيام بعمل يدمر نفسيتك تماماً لبقية حياتك، لكن كما أوضح فيكتور يمكننا الاستمتاع بالواجب أيضاً؛ فهي الطريقة الوحيدة حتَّى لا تبقى عالقاً في الحياة إلى الأبد.

الجميل في الأمر هو أنَّه كلما زادت إنتاجيتك، زادت الفرص التي ستتاح لك في المستقبل؛ لذلك في مرحلة ما سيكون لديك شيء في حياتك ذو معنى، لكن كل شيء يبدأ بتولِّي مهامك اليوم.

المصدر




مقالات مرتبطة