أهمية الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل

يُعد تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل أمراً صعباً، ويهدف البحث في أهميته إلى مساعدتك لتحظى بموظفين سعداء ومندمجين بالعمل، يتمتعون بهذا النوع من التوازن.



يلعب العمل دوراً هاماً في حياتنا جميعاً؛ إذ إنَّ أرباحنا التي نجنيها منه تضمن بقاء النور مضاءً في منازلنا، وكذا توفُّر الطعام على مائدتنا، وامتلاء صندوق مدخراتنا لوقت الحاجة، غير أنَّ تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل أصبح صعباً في عالم الأعمال الحالي المتقلب والسريع الخطى.

أضحى من الصعب أكثر فأكثر فصل العمل عن حياتنا الشخصية مع ازدياد تواصلنا مع بعضنا بعضاً من خلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ أصبح التحقق المستمر من رسائل البريد الإلكتروني بجميع الأوقات، واستقبال مكالمات العمل على مائدة العشاء، والعمل على أجهزة الكمبيوتر المحمول في عطلة نهاية الأسبوع، أموراً مألوفةً.

كيف أصبح هذا أمراً مقبولاً؟

يتوقع أرباب العمل من موظفيهم بذل المزيد، مما ينتج عنه شعور بمزيد من الضغط لتحقيق نتائج أفضل؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة ساعات العمل على حساب الوقت الذي يقضونه في المنزل، وتتحمل أنت بصفتك مديرَ عملٍ مسؤولية مساعدة أفراد فريقك على التوفيق بين متطلبات عملهم وحياتهم الشخصية، وربما ما يزال أكثر موظفيك اندماجاً في العمل، يكافحون لإيجاد هذا التوازن.

ما هو مدى أهمية الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل؟

يُعد الحفاظ على توازن سليمٍ بين الحياة الشخصية والعمل أمراً هاماً للصحة والعلاقات، فضلاً عن أنَّه قد يساهم أيضاً في تحسين إنتاجية الموظف وأدائه بنهاية المطاف؛ إذ ببساطةٍ، عندما لا ينظر موظفوك إلى العمل بوصفه واجباً مملاً، فإنَّهم سيعملون بجد أكبر، ويتجنبون ارتكاب الأخطاء، ومن المرجح أن يصبحوا مدافعين عن علامتك التجارية.

يُنظر اليوم إلى الأعمال التجارية التي اكتسبت شهرةً لتشجيعها التوازن بين الحياة الشخصية والعمل على أنَّها جذابة للغاية، لا سيما عندما تضع في الحسبان صعوبة جذب العمال الشباب والاحتفاظ بهم هذه الأيام.

تقترح مجلة "أوكسفورد إيكونوميك" (Oxford Economic): "يكلف استبدال أحد الموظفين بمعدل ​​حوالي 30 ألف جنيهاً، ويستغرق الأمر ما يصل إلى 28 أسبوعاً لمواكبة سرعة العمل"، فعند وضع هذا في الحسبان، قد يكون من الجيد الإبقاء على موظفيك الحاليين سعداء؛ إذ سيساعدك التركيز على الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل على استقطاب مجموعة مواهب قيِّمة من الموظفين الجدد، وزيادة معدلات الاحتفاظ بهم؛ وذلك سيوفر الوقت والمال، مع ضمان مستوى عالٍ من المواهب داخل المؤسسة.

فيما يأتي بعض الأسباب التي تجعل الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل أمراً هاماً للموظفين وللمؤسسة على حدٍّ سواء:

1. مشكلات صحية أقل:

تتعرض حياتنا الاجتماعية للخطر حين نشعر بالتوتر والإرهاق، إضافة إلى المجازفة بصحتنا الجسدية والعقلية أيضاً، ولا يخفى على أحد أنَّنا حين نكون مجهدين ومرهقين، ستتدهور صحتنا.

قد يؤدي الفشل بالموازنة بين الحياة الشخصية والعمل إلى مجموعة متنوعة من الأعراض التي قد تؤثر في صحتنا، وتتدرج من الإنفلونزا إلى الحالات الصحية الخطيرة، كالسكتات الدماغية ومشكلات الجهاز التنفسي؛ إذ ذكرت دراسة أجرتها كلِّية لندن الجامعية (University College London) على أكثر من 10000 مشارك، أنَّ الموظفين الإداريين الذين عملوا ثلاث ساعات أو أكثر بعد انتهاء ساعات العمل المطلوبة، ازداد معدل إصابتهم بمشكلات قلبية بنسبة 60%، من أولئك الذين لم يعملوا ساعات إضافية.

إنَّ تشجيع الناس على الاعتناء بأنفسهم وتحقيق التوازن في حياتهم، سيحدُّ على نحو كبير من المشكلات الصحية وحالات التغيب عن العمل، وسيضمن ذلك أداءً أكثر كفاءة داخل مؤسستك خلال ساعات العمل، ويشجع الموظفين على أن يكونوا جزءاً منها ومن ثقافتها.

شاهد بالفديو: كيف يمكن أن تكون ناجحاً في حياتك الشخصية والعملية؟

2. زيادة الاندماج:

ستزيد من مستوى اندماج موظفيك إن ساعدتهم على تحقيق التوازن المثالي بين العمل والمنزل، وهذا له عدة آثار إيجابية؛ إذ وفقاً لدراسةٍ استقصائية عالمية أجرتها شركة الخدمات المهنية "تاورز بيرين" (Towers Perrin): "شهدت الشركات التي كان موظفوها مندمجين في العمل، فارقاً بنسبة تقارب 52% فيما يخصُّ تحسُّن الأداء في إيرادات التشغيل". وإضافةً إلى ذلك: "تحسنت إيرادات تشغيل الشركات التي شهدت مستويات عالية من اندماج الموظفين بنسبة 19.2%، بينما حققت الشركات التي أظهرت انخفاضاً في اندماج الموظفين، هبوطاً بنسبة 32.7%".

سيدفع وجود قوة عاملة مندمجة في العمل موظفيك إلى بذل جهدٍ مضاعفٍ من أجلك، والدفاع بإخلاص عن منتجك وعلامتك التجارية، وهذا ما أثبتت صحته "مجموعة تيمكين" (Temkin Group)، التي أشارت إلى "ازدياد احتمال بقاء الموظفين المندمجين في العمل لوقتٍ متأخر بمعدل 2.5 مرة، إذا ما وجب عليهم إنجاز أمرٍ ما بعد انتهاء يوم العمل العادي".

3. احتراق وظيفي أقل:

نشعر جميعاً بالتوتر من وقت إلى آخر، فهذا أمرٌ لا مفر منه، ومع ذلك، من الممكن تجنب الاحتراق الوظيفي في مكان العمل، وعليك بذل الجهود لضمان عدم حدوثه للموظفين لديك؛ إذ يحدث الاحتراق الوظيفي عندما نشعر بالإرهاق وعدم القدرة على مجاراة المطالب المستمرة، ومن الممكن أن تؤثر عواقبه السلبية في جوانب حياتنا كلها.

سيزيد عدم القدرة على فصل العمل عن المنزل من فرص حصول الاحتراق الوظيفي إلى حد كبير؛ لذلك من الهام تشجيع فريقك على أخذ إجازة، وترك مشكلات العمل في العمل.

إقرأ أيضاً: ما هي أسباب الاحتراق الوظيفي؟

4. المزيد من اليقظة الذهنية:

عندما نحقق توازناً صحياً بين الحياة الشخصية والعمل ونحافظ عليه، فإنَّنا نطوِّر قدرةً أكبر للتركيز على إتمام المهمة الموكلة إلينا، وهذا ما يُعرف باليقظة الذهنية، ومن المؤكد أنَّك تفضل فريقاً يركز فيما يفعله على نحو كامل، بدلاً من قلقه بشأن تحقيق التوازن بين العمل والمنزل.

ستنشئ من خلال تشجيع موظفيك على تحقيق هذا التوازن، بيئة يكرس الجميع فيها جهوده لإنجاز المهمة الموكلة إليه، وسيؤدي ذلك بدوره إلى تحسين معدلات الاحتفاظ بالموظفين، والإنتاجية، وزيادة الأرباح بنهاية المطاف.

الآن بعد معرفة سبب أهمية الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل، تستطيع أن تستكشف كيف يمكنك ضمان تمتع موظفيك بتوازنٍ سليم بين الحياة الشخصية والعمل.

نصائح لتحسين التوازن بين الحياة الشخصية والعمل:

1. شجِّع الموظفين على أخذ إجازات:

ليست الإجازات ترفاً بل ضرورةً، وستوفر لك الإجازة إمكانية التوقف عن العمل، والاستمتاع بوقتك، كما أنَّها فرصة رائعة للتعافي، واستعادة طاقتك، وهذا ضروري لمساعدة الموظفين على تحسين الإنتاجية والتركيز، عند عودتهم إلى العمل.

تظهر معظم الدراسات أنَّ الإجازات تزيد من إنتاجية الشركة، وتقلل من التوتر، وقد أعدَّت الرابطة الأمريكية لعلم الاجتماع (The American Sociological Association) تقريراً يشير إلى أنَّ زيادة عدد الإجازات يخفف من الضغط النفسي لدى الأشخاص.

تُوجد طريقة فعَّالة لتشجيع موظفيك على أخذ إجازة، وذلك عبر تطبيق نظام "اغتنمها أو اخسرها"؛ بحيث لا يُدوَّر أيُّ يوم إجازة لم يُستفد منه إلى العام القادم، ولا يُسدَّد مالياً.

2. شجِّع الموظفين على أخذ فترات راحة قصيرة خلال اليوم:

إن كان خيار أخذ الإجازة غير متاح للموظفين، فمن الهام تشجيعهم على أخذ استراحة قصيرة خلال اليوم؛ إذ إنَّ جسم الإنسان لم يُصمَّم للتحديق إلى شاشة ساطعة ساعات بلا توقف، فهذا مضرٌّ بصحتنا العقلية والجسدية.

يمكنك لتحقيق هذا، التفكير في إنشاء غرفة ألعاب حيث يمكن للأشخاص الاختلاط اجتماعياً، وصرف تفكيرهم عن العمل، ثم إنَّ عليك النظر في تشجيع الموظفين على ممارسة التمرينات الرياضية الخفيفة خلال اليوم، وعقد الاجتماعات سيراً على الأقدام خارج المكتب، أو يمكنهم حتى الخروج فريقاً واحداً لاحتساء القهوة، وأضف إلى هذا أنَّ بعض الشركات الرائدة باتت توظِّف ممارسين متخصصين بالتأمل، لمساعدة موظفيهم على الهدوء، والتخلص من التوتر.

ستؤثر جميع هذه التقنيات على نحو إيجابي في أداء فريق العمل والإنتاجية، والشعور بالسعادة في مكان العمل.

إقرأ أيضاً: 6 أسباب تدفعك لأخذ استراحة من العمل وتحقيق إنتاجية

3. اطلب مشورة الموظفين:

إن كنت تجد صعوبةً في الوصول إلى طرائق مبتكرة لتحسين التوازن بين الحياة الشخصية والعمل لدى موظفيك، فمن الجيد أن تأخذ رأيهم بخصوص ذلك، وإن لاحظت أنَّهم يجدون صعوبةً في تحقيق هذا التوازن، فابحث عن التغييرات التي ستحسِّن وضعهم حسب اعتقادهم؛ إذ من خلال التعاون مع فريقك، ستطَّلع أكثر على الطريقة التي يفكرون بها، وتتمكن من العمل معهم على الاستراتيجيات بصورة أكثر فاعليةً في المستقبل.

لمساعدتك على تسهيل هذه المناقشات، ضع في حسبانك عقد اجتماعات مجدولة بانتظام، أو تنفيذ برامج تغذية راجعة فورية متعلقة بثقافة العمل، لتقيِّم الوضع استناداً إلى بيانات، ويمكنك بهذه الطريقة قياس شعور الأشخاص بدقة في أيِّ وقت، وإجراء التعديلات لضمان تحقيق التوازن الصحيح الخاص بهم.

شاهد بالفديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

4. مارس ما تعظ به:

من الهام أن تكون قدوة يُحتذى بها، فإذا طلبت من موظفيك المغادرة في الساعة السادسة، والامتناع عن العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنَّك كنت ترسل إليهم رسائل بريد إلكتروني خلال هذه الفترات، فهذا سيولِّد انطباعاً متضارباً لديهم، ويشكِّل ضغطاً إضافياً على موظفيك لزيادة ساعات عملهم أسوةً بك؛ لذا كن قدوةً يُحتذى بها، وشاهد كيف تنتشر أساليبك في العمل في جميع أنحاء المنظمة.

لدى فرنسا قانون يُسمى "الحق في قطع الاتصال"، والذي يضمن وجود حدٍّ لحجم العمل المنجز خارج ساعات العمل، وقد يكون من الجيد تنفيذ أمر مشابه في مكان عملك.

من الهام احترام توازن وخصوصية حياة أفراد فريقك، عندما يكونون خارج مكاتبهم؛ وهذا يعني أنَّ عليك تجنب الاتصال بهم خارج ساعات العمل، وذلك للسماح لهم بأخذ وقتٍ للراحة، وإعادة شحن طاقتهم التي نفدت بسبب ضغوطات العمل اليومية.

إقرأ أيضاً: كُن قدوةً يُحتذى بها وتأكَّد من أن تقرن أقوالك بالأفعال

في الختام:

يقضي معظمنا نسبةً كبيرةً من الوقت في العمل، ونسمح له بأن يسيطر علينا ويدخل في جميع جوانب حياتنا؛ لذا من الضروري تحقيق التوازن الصحيح وتوظيفه في مكان عملك؛ إذ سيسمح ذلك لك ولموظفيك بأخذ استراحة، ومنح حياتك الشخصية قدراً متساوياً من الاهتمام أيضاً.

سيساعدك التساهُل قليلاً حين يتعلَّق الأمر بالتوازن بين الحياة الشخصية والعمل الخاص بموظفيك، على إحراز تقدُّم كبير نحو بناء فريقٍ منتج ومندمج بعمله.

المصدر




مقالات مرتبطة