أهمية التأمل واليقظة الذهنية

في العام الماضي مررتُ بوقت عصيب بسبب الانشغال الزائد بالعمل، ووصل بي الحال إلى مرحلة خطرة من الإنهاك، وعندها نصحني أحد الأصدقاء بممارسة التأمل عندما رأى حالي الصعبة؛ لكنَّني لم أتقبَّل الأمر في البداية؛ إذ وجدته يُناقِضُ حياتي العملية ونمط حياتي والأفكار والمعتقدات التي أؤمن بها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدونة "إرين فالكونر" (Erin Falconer) تروي لنا فيه تجربتها مع التأمل.

كنت مواظبةً على الرياضة؛ نظراً لفوائدها الصحية العظيمة على الجسم؛ من تقليل للتوتر والحفاظ على الصحة؛ لكنَّ أحد الأصدقاء لفت انتباهي إلى نقطة هامة جداً بسؤاله: "لماذا لا تهتمين بصحتك النفسية كاهتمامك الكبير بصحة جسدك؟".

في الواقع لم يكن ذلك إهمالاً مني؛ وإنَّما بسبب عدم إدراكي لما يمكن فعله لتحسين الصحة العقلية والطريقة الصحيحة لذلك؛ لذا وضعت تصوراتي السابقة جانباً وقررت أن أجرب، وكانت النتائج مذهلة حقاً؛ فقد غيَّر التأمل حياتي، وسأخبرك في هذا المقال كيف يمكن أن يغيرك التأمل للأفضل أيضاً دون أن يُعارِضَ ذلك نمطَ حياتك المعتاد:

التأمل واليقظة الذهنية:

التأمل واليقظة الذهنية وجهان لعملة واحدة، وكتعريف دقيق لليقظة: هي حالة ذهنية تتجلى بالتركيز الواعي على اللحظة الحاضرة إلى جانب التعرُّف إلى الأفكار والأحاسيس والمشاعر الداخلية وقبولها ضمن حالة من الهدوء.

إنَّ ممارسة التأمل هي تدريب على الحضور في اللحظة الحالية، ويساعد ذلك على تحقيق اليقظة الذهنية والتحكم بالأفكار والمشاعر والتحديات بكفاءة أكثر، وجميعنا ندرك أهمية التمرينات الرياضية ودورها في الرشاقة والتخلص من التوتر وإطالة مدة الحياة، وكذلك التمرينات العقلية لها فوائد كبيرة ومنها التأمل؛ فهو يساعد على الاسترخاء كنتيجة فورية له.

أمَّا النتائج طويلة الأمد تشمل تحسُّناً ملحوظاً في مهارة التركيز والإصغاء، كما يساعد على إدارة التحكم بالقلق وتصفية الذهن وتوضيح عملية التفكير ويحسن مهارات القيادة والقدرة على اتخاذ القرارات.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لممارسة تأملات اليقظة الذهنية

أهمية التأمل:

تكمن أهمية التأمُّل من خلال التغيير الذي يحدثه في حياة الأشخاص، إضافة إلى تغيرات في بنية الدماغ التي تزداد كلما واظب الشخص على ممارسة التأمل.

يؤكد الخبراء أنَّ التأمل يسهم في زيادة كثافة الاتصالات العصبية المسؤولة عن وظائف الانتباه والأداء، وهذا بدوره يزيد من القدرة الوظيفية للدماغ، إضافة إلى اكتشاف مؤشر آخر هام عند قياس موجات الدماغ عند رجال الدين التي أظهرت موجات غاما إلى حدٍّ أكبر من الأشخاص العاديين وخاصة في أثناء التأمل أو الصلاة.

إضافة إلى ذلك قامت كلية الطب في جامعة هارفارد (Harvard Medical School) بتدريب مجموعة من المتطوعين المبتدئين على كيفية التأمل، واستمرت التجربة مدة 8 أسابيع بمقدار 30 دقيقة تأمل يومياً.

تبيَّن بعد تلك الفترة من خلال التصوير العصبي للدماغ سماكة في أربع مناطق دماغية مسؤولة عن تنظيم المشاعر والذاكرة والتعلم والتعاطف؛ ممَّا يؤكد أنَّ ممارسة التأمل تؤدي إلى تغيير بنية الدماغ لدى المبتدئين والمتمرِّسين على حدٍّ سواء.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح تساعد على التأمل للمنشغلين بالتفكير الزائد

تجربتي مع التأمل:

شخصياً واجهتُ صعوبةً في المحاولات الأولى، لا سيَّما فيما يخصُّ إيقاف النشاط الذهني ومحاولة منع تدفُّق الأفكار في عقلي؛ لكنَّ هذه الصعوبات هي مرحلة طبيعية في بداية تعلُّم التأمُّل، ويجب ألَّا تسبب إحباطاً.

في البداية كانت جلسة التأمل عشر دقائق فقط يومياً، وبعد مرور ثلاثة أسابيع بدأت بملاحظة الفرق، فبدأ نومي يتحسَّن، إضافة إلى انخفاض في التوتر العصبي وهذا ما لحظته من خلال العديد من المواقف اليومية التي كانت تجعلني في السابق أدخل في نوبة غضب أمَّا الآن فيغلب عليَّ التفكير المنطقي وليس ردود الفعل المبالغ بها.

أيضاً انعكس التأمل إيجاباً على حياتي المهنية من خلال تحسن حالتي الذهنية وزيادة اليقظة والانتباه؛ فبعد 6 أشهر من التأمل اليومي أصبح الفرق واضحاً عن ذي قبل من حيث القيادة والإدارة والتركيز خلال العمل.

آلية عمل التأمل:

قد يبدو الأمر مكرراً؛ لكنَّ متعة التأمل الحقيقية تأتي من خلال التدرب عليه؛ لنفرض أنَّك في سباق، بالتأكيد لن تتوقف عند أول عثرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التأمل لن تصبح ماهراً من أول جلسة.

يمكنك البدء بوقت قصير لمدة دقيقة يومياً من خلال الجلوس باستقامة والنظر إلى الأمام مع إغماض العينين أو من دونه، ثمَّ مراقبة التنفس والبدء ببطء من خلال الشهيق مع العد حتى عشرة، ثمَّ حبس النفس لثانية، ثمَّ الزفير.

تتكرَّر هذه العملية لمدة دقيقة، وهناك تطبيقات تساعد على التأمل من خلال تعليمات وإرشادات مفيدة.

تظهر فوائد التأمل من خلال ممارسته يومياً صباحاً أو مساءً مثل أي عادة أخرى؛ كممارسة التمرينات الرياضية.

إقرأ أيضاً: كيف نحصل على نتائج التأمل في حياتنا؟

في الختام:

إنَّ تدريب العقل والاهتمام بلياقته لا يقلُّ أهمية عن تدريب الجسد، ودائماً ما تحمل البدايات بعض الصعوبة؛ كاكتساب عادة أو هواية جديدة، لا سيَّما بالنسبة إلى التأمل؛ لأنَّ فوائده العظيمة تستحق أن تتغلَّب على صعوبة البداية، ولكن عليك أولاً التخلص من الصور الذهنية السلبية لبعض الممارسين وسلوكهم أو مظهرهم الغريب؛ لأنَّ فكرة التأمل أو التدريب على الحضور أعمق من المظاهر، وفوائدها على الصحة النفسية عظيمة التي بدورها ستنعكس على كل جوانب الحياة.




مقالات مرتبطة