أفكار يجب أن يتخلص منها كل شخص عاش تجارب سلبية في الطفولة

وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention)، إنَّ 61% من البالغين تعرضوا لتجربة سلبية واحدة في طفولتهم على الأقل (Adverse Childhood Experience) و16% أبلغوا عن تعرضهم لأربعة تجارب أو أكثر، فقد تحدث صدمات الطفولة بعدة أشكال، والتي تشمل عادة: عدم تلبية الاحتياجات العاطفية أو الاجتماعية أو النفسية، وعدم تلبية الاحتياجات المادية من الطعام والمأوى والمياه والسلامة والدفء، مروراً بتجارب طلاق الأبوين أو الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو النفسي أو الجنسي أو مشاهدة العنف وإدمان الكحول أو المخدرات أو أنواع الإدمان الأخرى أو الفقر أو عدم وجود قواعد وحدود ثابتة.



هذه القائمة ليست شاملة، فالأشكال الأخرى من سوء معاملة الأطفال الموثقة الأقل شيوعاً تتضمن الحروب أو الكوارث الطبيعية أو التعرض لعنف العصابات؛ إذ يؤدي المرور بأربع تجارب أو أكثر من التجارب السلبية في الطفولة (ACE)، إلى زيادة مخاطر الاضطرابات والأمراض العاطفية والنفسية والجسدية.

على سبيل المثال، انخفاض التعاطف؛ وانخفاض الذكاء العاطفي واضطرابات الشخصية أو المزاج مثل اضطراب الشخصية الحاد (Borderline Personality Disorder) واضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder) واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder) واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والاكتئاب الشديد أو الاضطراب ثنائي القطب.

بالإضافة إلى ذلك، تم الإبلاغ عن أنَّ الإصابة بأمراض جسدية تتناسب طرداً مع التعرض لعدة تجارب سلبية في الطفولة (ACE)، ومن ذلك الربو وارتفاع ضغط الدم والسمنة وأمراض القلب والسكري والسرطان.

تزيد معرفة هذه الحقائق من أهمية التأكد من تأثير طفولتنا في حياتنا بصفتنا بالغين، وفي حين أنَّه من الصعب الوصول إلى مرحلة نقبل فيها أنَّ الإساءة في علاقات البالغين - الإساءة النرجسية - ليست حباً، إلا أنَّه يجب علينا أن ننظر عن كثب في كيفية أنَّ تجارب الطفولة السلبية قد مهدت الطريق لنا للتورط في علاقات سامة.

أفكار سلبية يجب أن تتخلص منها:

إليك فيما يأتي 4 أمور يجب أن يتخلص منها كل شخص مر بتجارب سلبية في الطفولة:

1. التخلص من فكرة ضرورة إرضاء الناس:

الحقيقة هي أنَّ بعض الأشخاص سيفرضون رأيهم؛ بدءاً من الوالدين ومقدمي الرعاية الذين ربما أساءوا إليك، إلى شريكك السابق الذي تركك بسبب مشكلاته الخاصة، والحقيقة القاسية هي أنَّ لا أساس منطقي لآرائهم، فهي تستند إلى معلومات مضللة، وقد يبني الآخرون رأيهم على معلومات غير مؤكدة أو بناءً على عقلية القطيع.

الحقيقة هي أنَّ الناس يرفضون ما لا يفهمونه أو ما يرون أنَّه يهدد شخصهم، فإذا رتبوا حياتهم بطريقة تجعلهم يتجنبون أولئك الذين لديهم تجارب مختلفة عن حياتهم، فعليك أن تبتعد عنهم، فأنت لست مديناً لهم بشرح أو اعتذار، ولست ملزماً بتخصيص مساحة لهم في حياتك، وكلما أسرعنا في التخلص من التفكير في أنَّ علينا إرضاء الآخرين، بدأنا في التعافي.

شاهد بالفيديو: تعرّف على آلية مواجهة الأفكار السلبية لعيش حياة إيجابية وسعيدة

2. التخلص من فكرة أنَّك تستحق ما حصل لك:

لا أحد يستحق ذلك، ولا حتى الوالدين الذين عاشا حياتهما في تربيتنا بطرائق سلبية أدت إلى التعذيب أو الحبس أو حجز الحرية، فعندما نحرر أنفسنا من التفكير في أنَّنا نستحق معاملتهم المسيئة، فهذا يحررنا، فالندوب العاطفية التي نحملها معنا، بعد فترة طويلة من تلاشي الندوب الجسدية، هي التي تجعلنا نعتقد خطأً بأنَّنا تسببنا في معاملتهم المسيئة لنا، أو أنَّنا نستحقها.

الحقيقة القاسية هي أنَّ الصدمة بين الأجيال تتكرر وتنتقل من جيل إلى آخر؛ لأنَّ الجيل الأكبر سناً تعلَّم أنَّ الإساءة أمر طبيعي، بينما تقبَّل جيل الشباب فكرة أنَّ الإساءة ناتجة عن وجود عذر بهم، أو أنَّ هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور، وبعد أن نتمهل ونفهم هذا الخطأ، يصبح من الأسهل تحرير أنفسنا من المعتقدات الخاطئة التي نظن من خلالها أنَّنا نستحق الإساءة بطريقة أو بأخرى.

3. التخلص من فكرة أنَّك لا تستطيع الشفاء:

السبب الذي يجعلنا نعتقد أنَّنا لا نستطيع الشفاء من آلامنا هو أنَّنا حملنا هذا العبء على عاتقنا دون أن يكون ذلك مسؤوليتنا، بل كان عبء والدينا ومقدمي الرعاية ومسؤوليتهم؛ فاختياراتنا هي نتيجة مباشرة للأشياء التي تعلمناها في سنوات طفولتنا الأولى عن أساليب التعلق ومعتقداتنا عما إذا كان الناس طيبين بطبعهم وكيف نرى أنفسنا وكيف نشارك في عالمنا.

فهم يعلموننا من خلال الطريقة التي يرون بها العالم، وينتهي الأمر بالعديد من الناجين من الإساءة إلى عيش حياتهم بإحدى طريقتين: إما يخونون أنفسهم عبر الاعتقاد بأنَّ آراءهم ومشاعرهم وتجاربهم غير منطقية، وبالنتيجة يصبحون عرضة لمزيد من الإساءة، فهؤلاء هم الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في علاقة عاطفية أو صداقة سامة تلو الأخرى ويتساءلون غالباً عن السبب والإجابة: هذا لأنَّهم لم يتعلموا قيمة أنفسهم وإحساسهم بذاتهم.

أما النوع الثاني، فهم أولئك الذين يتخلون عن كل من حولهم ويتمسكون بشدة بالمعتقدات الخاطئة والمعلومات المضللة التي تعلموها، وغالباً ما يشعرون بالملل والقلق وخيبة الأمل وينتقلون من علاقة أو موقف إلى آخر، ولا يكونون سعداء أبداً ولا يرون أبداً أنَّهم يتمسكون بالأكاذيب التي تجعلهم غير سعداء ويشعرون بخيبة الأمل، والنتيجة: ينتهي بهم الأمر أيضاً إلى التخلي عن إحساسهم بالذات واتخاذ هوية أولئك الذين أساءوا إليهم بالأكاذيب.

لكن يوجد خيار ثالث: يحتوي هذا الخيار على العديد من المعوقات والعراقيل والمخاطر، ويخشى الكثير من الضياع على طول الطريق، وسيكون لهذا الخيار آثار جانبية إذا قررنا خوضه؛ فهو يعني المخاطرة ومواجهة تجاربنا مباشرة والوقوف في وجهها؛ لذلك لا يختار بعضهم هذا الطريق، لكنَّ الأمر الهام هو أنَّه لا أحد يخبرنا حقاً أنَّه هو الذي يؤدي إلى تمكيننا والنمو والشفاء.

إقرأ أيضاً: أساليب التربية الخاطئة وأنواعها وعواقبها

4. التخلص من فكرة تشتيت نفسك:

الحقيقة الصعبة هي أنَّنا نشتت أنفسنا عن الشفاء لأنَّ ذلك يخدر شعورنا ويطغى على ألمنا، لتحدث بعدها أزمة أخرى لا مفر منها، فننتقل إلى تشتيت آخر، فهذه هي الطريقة التي تبدأ بها دورة التخدير الذاتي؛ سواء كانت قائمة على العلاج الذاتي أو إدمان التكنولوجيا والألعاب أو التسوق أو إدمان العمل أو الكمال؛ فأي شيء يلفت انتباهنا لفترة طويلة بما يكفي لتشتيتنا عن آلامنا هو ما نحاول الوصول إليه.

إقرأ أيضاً: 5 أساليب تربوية خاطئة يُمارسها الأهل تجاه أطفالهم

في الختام:

نحن نعيش في عالم مليء بالمشتتات، فهي حل سريع لأي شخص لا يريد الشفاء أو يخاف من آلام الشفاء أو يخجل من الحكم عليه بسبب رغبته في الشفاء، والابتعاد عن المشتتات يحتاج إلى قوة داخلية؛ وذلك لأنَّها ستغرينا وسيتعين علينا مقاومة الانجراف إليها مرة أخرى، فأولئك الذين يهتمون بنا بصدق سيدعموننا في مواجهة ألمنا، والتخلص من كل ما يشتتنا.

الحقيقة هي أنَّ الألم والغضب والقلق والحديث الذاتي السلبي كلها موجودة لإيقاظنا، فلماذا تعتقد أنَّ الاكتئاب والقلق والسلوك الإدماني سلوكاتٌ متكررة؟ لأنَّها تظهر كإشارات للألم غير المُعالج، والمشتتات هي مجرد حلول مؤقتة، وكما هو الحال مع أي حلول مؤقتة، فإما أن يتم استبدالها بأخرى، أو يجب إيجاد حلول جذرية، حتى نتمكن من الشفاء.

المصدر




مقالات مرتبطة