أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين

الشعر هو الواجهة الأدبية للتاريخ العربي إذا صحَّ القول؛ وذلك لأنَّه كان موجوداً منذ بداية اللغة العربية تقريباً ويعيش إلى وقتنا هذا، بينما تُعَدُّ الفنون الأدبية الأخرى - كالرواية مثلاً - فناً حديثاً ودخيلاً على التاريخ العربي، والشعر مرَّ بمراحل كثيرة وتطورات مختلفة وتجددت بنيته وصوره وأشكاله مرات كثيرة.



في السبعين عاماً الأخيرة تقريباً، خرج بعض الأدباء عن البناء الكلاسيكي للشعر بأوزانه وقوافيه، وكتبوا ما يُسمى بالشعر الحر المنفلت من الأوزان والقوافي، إلَّا أنَّ الكثيرين من الشعراء الذين مروا في القرن العشرين حافظوا على رونق الشعر وبنائه الأساسي، ولم يشوهوا الوزن الشعري وحافظوا على الشعر الكلاسيكي العربي كما هو وأضافوا إليه من روحهم وإبداعهم.

فيما يأتي سوف نعدد بعضاً من أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين:

محمود سامي البارودي:

لا نستطيع إلَّا أن نَعُدَّ الشاعر محمود سامي البارودي رائد المدرسة الكلاسيكية الشعرية في القرن العشرين، مع أنَّه وُلِد في أواسط القرن التاسع عشر وتُوفي في بدايات القرن العشرين، ولأنَّه صاحب فضل كبير في الحفاظ على الشعر الكلاسيكي من الاندثار، فقد أسَّس مدرسة شعرية كاملة قائمة على البعث والإحياء، ومن أبرز تلامذته أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ويُعدَّان من أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين.

ترعرع البارودي في أسرة كانت لها تأثيرات كبيرة في حكم الدولة، وتبوَّأ هو نفسه بعض المناصب فقد كان من قوَّاد ثورة أحمد عرابي، واستلم وزارة الحربية ومن بعدها رئاسة الوزارة وعُرِف بلقب رب السيف والقلم.

خلَّف محمود سامي البارودي وراءه ديواناً شعرياً من جزأين كما صنَّف كتاباً أسماه "مختارات البارودي" جمع فيه أجمل أشعار العصر العباسي، كما أنَّه ألَّف في النثر وله كتاب اسمه "قيد الأوابد".

بدوي الجبل:

محمد سليمان الأحمد المُلقب ببدوي الجبل هو من أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين، وهو شاعر سوري مولود في مطلع القرن العشرين وتحديداً بين عامي 1900 - 1904، وتلقَّى دروساً في حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة منذ الصغر.

في نشأة الشاعر البدوي كان والده حريصاً على جعل اللغة العربية الفصحى لغة التواصل بينه وبين إخوته، كما حرص على تعليمه الأدب والدين وقراءة الكتب التي تحوَّلت إلى مواد خام ثمينة أنجبت من مخيلة الشاعر قصائد عصماء.

الشاعر الذي كان مقاوماً ثائراً كان من المطلوبين من قِبل سلطات الاحتلال الفرنسي وتعرَّض للاعتقال بين عامي 1920 - 1921 إلَّا أنَّهم أطلقوا سراحه بسبب صغر سنه، وكان بدوي الجبل معارضاً لكثير من الأحداث التي عاصرها ومن بينها الحكم العسكري، والاشتراكية والوحدة بين مصر وسوريا؛ لذا فإنَّه قد جعل لنفسه أعداء كثر حاولوا اغتياله في عام 1968 في أثناء ممارسته الرياضة الصباحية وكانت إصابته سبباً في وفاته فيما بعد.

ترك بدوي الجبل لعشاق الشعر من بعده قصائد عظيمة خلَّدها في ديوانه الذي أشرف على طباعته بنفسه، والذي يُعَدُّ مدرسة للشعر في عصرنا هذا، ولعلَّ أهم قصائده كانت "لبنان والغوطتان" "البلبل الغريب" "من أجل الطفولة" وقصيدة "اللهب القدسي" الذي حمل الكثير من المعاني الصوفية.

حافظ إبراهيم:

حافظ ابراهيم

من أهم شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين الشاعر المصري حافظ إبراهيم الملقب بشاعر النيل أو شاعر الشعب، المولود في مصر والمصنَّف بين أعضاء مدرسة الإحياء والبعث الخاصة بالشِّعر.

نشأ الشاعر يتيماً وعاش حياة يسودها القلق بسبب الوضع المعيشي السيِّئ، فاضطر إلى العمل وهو في عمر صغير، ورُفِض من قِبل جريدة الأهرام ولازم الشيخ محمد عبده، وفي عام 1911 عُيِّن في دار الكتب المصرية وتحديداً في القسم الأدبي بتوصية من حشمت باشا وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت، وأدت هذه الوظيفة دوراً كبيراً في تطوير نظمه للشعر، وتخلى عن النظم في الأمور الاجتماعية والسياسية وبقي فيها حتى عام 1932.

تميَّز الشاعر حافظ إبراهيم بذاكرة عظيمة ساعدته على حفظ الكثير من القصائد، إضافة إلى قدرة خارقة على القراءة السريعة كما شهد له أصدقاؤه، وكتبَ شاعر النيل في الموضوعات السياسية والاجتماعية، ولعلَّ أشهر قصائده تلك التي نطق بها بلسان حال اللغة العربية مدافعاً عنها ضد الاتهامات التي طالتها بالقصور والمحدودية.

وقد برع الشاعر في الرثاء الذي كان رقيقاً ومرهفاً يبكي العيون ويفطر القلوب لفرط حساسيته ورقته، وجُمعت أعمال الشاعر من قِبل أصدقائه في ديوان، وله أعمال نثرية عديدة أهمها "ليالي سطيح" و"سؤال وجواب" وغيرها من أعمال التأليف والترجمة.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح الروائيّة العربية الشهيرة غادة السمّان

أحمد شوقي:

أمير الشعراء أحمد شوقي هو من أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين، وهو أديب وشاعر مصري حصل على لقب "أمير الشعراء" بناءً على مبايعة زملائه من الشعراء كونه من أهم المجددين المعاصرين للشعر العربي، وتميَّز بأشعاره الوطنية والدينية، وتركَ بصمات واضحة في الشعر المسرحي العربي، والشاعر الفذ من مصر العربية مولود في عام 1868 في ظل عائلة على صلة بالخديوي إسماعيل فنشأ في قصره.

لفتت موهبته الشعرية الأنظار منذ كان في مرحلة الدراسة في مدرسة الحقوق، ودأب في أثناء وجوده في فرنسا إلى إرسال قصائد مديح للخديوي، وصار شاعر القصر بعد عودته إلى قصر ولي نعمته، والذي حلل النقاد ولاءَه له فأضافوا له سبباً وهو الدافع الديني للشاعر المناصر للخلافة العثمانية التي يَعُدُّها خلافة إسلامية.

بدوره كان شوقي ثائراً على الاحتلال؛ فناهَض الاحتلال البريطاني لمصر، ودفع الثمن غربة ونفياً إلى إسبانيا عام 1914، وهناك اطَّلع على الأدب العربي ومظاهر حضارة العرب في الأندلس فأشاد بها في قصائده، كما نظَّم قصائد الحنين للبلاد التي قضى أربع سنوات منفياً عنها.

ديوان "الشوقيات" الصادر في أربعة أجزاء وهو التركة الثمينة التي خلَّفها شوقي لعشاق الشعر، وأضاف إليها الدكتور محمد السربوني مجلدي "الشوقيات المجهولة" والتي كانت مجموعة قصائد للشاعر لم ينشرها في ديوانه، ومن أشهر قصائده "سلوا قلبي" و"نهج البردة" و"الهمزية النبوية".

وقد أبدع أيضاً في المسرحيات الشعرية التي كان أشهرها "مصرع كليوباترا" و"مجنون ليلى" و"عنترة"، وللشاعر أيضاً مؤلفات روائية ونثرية، وتُوفِّي الكبير عام 1934 بعد حياة ثريَّة بالأوزان والمعاني.

أبو القاسم الشابي:

صاحب البيت الشهير:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة        فلا بدّ أن يستجيب القدر

إنَّه الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي واحد من أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين.

الشابي من عائلةٍ مثقفة، رافق أباه الذي عمل قاضياً في الأزهر في كثير من رحلاته وتنقلاته؛ مما عزَّز لديه حباً للأماكن الجميلة والبلدان، وصل إلى الجمهور العربي عن طريق مجلة "أبولو" المصرية، ونشر فيها العديد من مقالاته، أمَّا مؤلفاته الشعرية فكانت ديوان "أغاني الحياة" وكتاب "الخيال الشعري عند العرب".

كانت حياة الشاعر قصيرة؛ فقد تُوفي عن عمر 25 عاماً، ولكنَّه استطاع أن يترك بصمة خاصة في المخزون الشعري العربي عن طريق أفكاره النيرة الخلاقة وانفتاحه على الآداب الغربية، ورغبته في التجديد التي لم تعجب المحافظين وألَّبتهم عليه.

تُوفي والده فاشتد غمَّه وأُصيب بمرض في القلب كان سبباً في وفاته وحرمان المتعطشين للتجديد والجمال والأمل تتمة هذه المسيرة العظيمة.

محمد مهدي الجواهري:

الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري هو واحد من أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين، وهو شاعر مولود عام 1903 ليصنَّف واحداً من أبرز شعراء العصر الحديث الذين التزموا الشكل التقليدي للقصيدة.

اتَّسم شعر الجواهري بجزالة النسج وجمال الديباجة، وتناول موضوعات الثورة على الأوضاع السياسية والاجتماعية، وهو ابن لأسرة اشتغل معظم رجالها بالعلم والأدب، ودارس لعلوم اللغة العربية وحافظ لكثير من أشعارها، وأشد من كان معجباً بالمتنبي.

عمل الجواهري في مسيرة حياته بالتعليم والصحافة، وأصدر كلاً من جرائد "الرأي العام" و"الانقلاب" و"الفرات"، وألَّف ديوان "حلية الأدب" الذي كان غنياً بقصائد المعارضات لقصائد شعراء سابقين ومعاصرين، ومنهم أحمد شوقي وإيليا أبو ماضي وابن التعاويذي، كما ألَّف ديوان "بين الشعور والعاطفة" وديوان "ديوان الجواهري" الذي يقع في ثلاثة أجزاء، ولعلَّ أشهر قصائد الشاعر "يا غريب الدار" و"سلاماً عيد النضال" و"بائعة السمك في براغ"، وتُوفِّي الشاعر عن عمر يناهز الثمانية والتسعين عاماً، ونالت دمشق شرف احتضان وفاته.

معروف الرصافي:

معروف الرصافي

ابن العراق الفذ وأشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين، إنَّه معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي، المولود في بغداد عام 1877، عضو من أعضاء المجمع العلمي العربي في دمشق، نشأ الشاعر في الرصافة وبدأ دراسته الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية ولكنَّه لم ينَل شهادتها.

تلقى علوم اللغة العربية قرابة العشر سنوات على يد الأستاذ محمود شكري الألوسي، وعمل في التعليم وسطَّر أروع القصائد الشعرية في تمجيد الثورة على ظلم الدستور العثماني، وبعد الدستور رحل إلى الأستانة ليعمل معلماً للغة العربية في المدرسة الملكية، وانتقل إلى دمشق بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918، ومنها إلى القدس إذ عملَ مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين.

في عام 1923 أصدر جريدة يومية كانت "جريدة الأمل" ولكنَّها لم تعش أكثر من ثلاثة أشهر، وانتُخِبَ في مجلس النواب في بغداد، وزار مصر عام 1936، وعاد إلى بغداد بعد قيام ثورة رشيد عالي الكيلاني ليكون واحداً من أشهر خطبائها حتى أيامه الأخيرة.

للشاعر دواوين عظيمة أشهرها "ديوان الرصافي" و"دفع الهجنة" كما أنَّ له مؤلفات ومحاضرات أدبية، ولعلَّ أشهر قصائده كانت "شرف المليحة أن تكون أديبة" و"إنَّ الأخلاق تنبت كالنبات".

إقرأ أيضاً: 10 علماء عرب معاصرين قدّموا إنجازات عظيمة

في الختام:

إنَّ القرن العشرين كان حقبة زمنية ذاخرة بشعراء عظماء ممَّن نظموا الشعر الكلاسيكي، والذين رغم التزامهم بشكله وهيكله إلَّا أنَّهم أضافوا إليه لمساتهم وموضوعاتهم المُتجدِّدة التي أغنَت مخزون الشعر العربي، وأكَّدت أنَّه يصلح ليكون وعاء تاريخ الأمم ومرآة العصور العربية.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة