أخطر آليات الدفاع التي نستخدمها في حياتنا (الجزء الأول)

نواجه جميعنا مواقف سلبيةً في الحياة لا مفرَّ منها، مثل الرفض من الوظيفة التي تريدها، أو الوجود في مكانٍ لا تشعر بالراحة فيه، أو الدخول في جدال مرهق مع شريك حياتك، ومع ذلك يمكنك أن تتعلَّم كثيراً عن نفسك عندما تتحقَّق من طريقة تفاعلك مع الأوقات الصعبة، ففي حين يتواصل بعض منَّا تواصلاً فعَّالاً، ونمرُّ بمواقف صعبة ونخرج منها أقوى، يتراجع بعضنا الآخر ويلجؤون إلى آليات دفاع مألوفة ليشعروا بتحسُّن ويتجنَّبوا المشاعر المؤلمة.



فقد يجعلك اتخاذ موقف دفاعي تشعر بالأمان في الوقت الحالي فحسب، لكنَّه يُبقيك عالقاً في مكانك وغير قادر على النمو والتطور؛ إذ تُنشِئ آليات الدفاع إحساساً زائفاً بالراحة، بدلاً من تعزيز ثقة حقيقية بالنفس، لكن ما هي آلية الدفاع، وكيف يمكنك تعلُّم استخدام بديل صحي؟ يمكن أن تساعدك دراسة قائمة آليات الدفاع المذكورة في هذا المقال على تحديد الآليات التي قد تستخدمها، وتوفِّر لك الوضوح الذي تحتاج إليه لتغيير عادات الهزيمة الذاتية.

علم نفس آليات الدفاع:

إنَّ أيَّ موقفٍ يُسبِّب عدم اليقين، يؤدي إلى اتخاذ إجراء وقائي غير واعٍ يسمح لنا بالتعامل مع المشاعر المزعجة، فقد يكون من المفيد أحياناً الاستفادة من آليات الدفاع؛ وذلك لأنَّها تساعدنا على تجنُّب القيام بأمور لها تداعيات ضارَّة، ونحافظ على أنفسنا في حالة جيدة على الأقل على الأمد القصير.

مع ذلك، على الأمد الطويل فإنَّ تأثير آليات الدفاع هذه هو في الواقع على النقض من ذلك، فحسب علم نفس آليات الدفاع، عندما نستخدم دفاعاتنا بصورة روتينية، يمكن في الواقع تقليل فاعلية معالجتنا لعواطفنا، ونبدأ في الشعور بأنَّنا غير قادرين على التحكُّم بها، وهذا يمنعنا من حل المشكلات.

لذا من الهام أن تصبح أكثر إدراكاً لميولك الشخصية حتى لا تدع آليات دفاعك تستولي على تقدُّمك في الحياة، مثل: كيف يمكنك التعامل مع المواقف العصيبة؟ هل تعيش في حالة من الإنكار عندما تتلقَّى الأخبار السيئة؟ هل تجد نفسك دائماً تختلق الأعذار لتبرير سلوكك؟ فهذه مجرد أمثلة قليلة لآليات الدفاع الشائعة التي يمكن أن تحدَّ من تقدُّمك إذا لم تكن على علم بها.

عند تحديد آليات الدفاع، افهم أنواعها التي تتراوح من إلقاء اللوم على الآخرين إلى الانغلاق على الذات، فمع أنَّ كل شخص لديه أمثلة لآلية دفاع فريدة خاصة به، فإنَّ معظم الآليات شائعة ويسهل اكتشافها.

أمثلة عن آليات الدفاع:

إنَّ تحديد آلية الدفاع يتطلَّب وعياً ذاتياً؛ لذا استخدم القائمة الآتية من آليات الدفاع بوصفها نقطة بداية لإجراء عصف ذهني فيما يخصُّ القائمة الخاصة بك، ألقِ نظرة عليها، واسأل نفسك ما إذا كان أي منها يتوافق مع سلوكك:

إقرأ أيضاً: آليات الدفاع النفسية: مفهومها وأنواعها

1. الإنكار:

يُعَدُّ الإنكار من أكثر آليات الدفاع انتشاراً، فعندما يصعب عليك التعامل مع الموقف أو الحقيقة، يمكنك التعامل مع ذلك برفض تجربته، فمن خلال إنكار الواقع أنت تحمي نفسك بصورة أساسية من الاضطرار إلى مواجهة العواقب المزعجة ومشاعر الألم المصاحبة للقبول والتعامل معها، وإذا قلت إنَّه يوجد مشكلات في علاقتك مع الشريك بدلاً من مواجهة تلك العلاقة الفاشلة، فأنت تستخدم الإنكار بوصفه آلية دفاع، ومع أنَّ هذا الأمر قد يخفِّف من أيِّ ألم على الأمد القصير، فإنَّ الإنكار يمكن أن يمنعك على الأمد الطويل من إجراء تغييرات إيجابية في حياتك، ويمكن أن يكون له تداعيات مُدمِّرة.

أمثلة عن آلية الإنكار:

  1. ينفي المدخِّن أن تكون لعادة التدخين عواقب صحية سلبية، حتى يتمكَّن من الاستمرار في التدخين.
  2. يُنكر أحد الوالدين أنَّ ابنهما قد ترك الدراسة في الجامعة، مع أنَّ مدير الجامعة قد ترك رسائل بريد صوتية يذكر فيها ذلك الأمر.
  3. تُنكر صاحبة العمل فشل عملها على الرَّغم من تراجع الأرباح.

طريقة التعرُّف إلى الإنكار:

إذا كان يوجد دليل قاطع على حدوث شيء ما، وما زلت تصرُّ على عدم حدوثه، فمن المُرجَّح أنَّك تستخدم الإنكار بوصفه آلية دفاع، ومن العلامات على ذلك، هي رفض التحدُّث إلى شخصٍ ما عن مشكلة مُحتملة، وتجنُّب المواقف التي قد تضطرُّ فيها إلى مواجهة الحقيقة، وملء وقتك بالعمل حتى لا تضطر إلى التفكير في موقف معيَّن.

2. القمع:

يوجد اختلاف بسيط بين الإنكار والقمع عندما يتعلَّق الأمر بآليات الدفاع، لكن في حين يرتبط الإنكار بالرفض الصريح لقبول حقيقة معيَّنة، فإنَّ القمع ينطوي على نسيان التجربة تماماً.

ففي حالة القمع، يتخذ عقلك قراراً بدفن الحادثة في عقلك الباطن، ومن ثمَّ منع الأفكار المؤلمة أو المزعجة أو الخطيرة من الظهور في وعيك، وهذا هو الحال غالباً مع إساءة معاملة الأطفال أو غيرها من التجارب المؤلمة التي حدثت في وقت مبكِّر من فترات النمو، فقد يفيد القمع على الأمد القصير، لا سيَّما إذا تعذَّبت بتجربة مؤلمة، لكن إذا لم تتعامل مع هذه التجربة في النهاية، فقد يكون لها عواقب وخيمة لاحقاً في الحياة.

أمثلة آلية القمع:

  1. جندي عائد من الحرب يقمع ذكرى قتل شخص مدني؛ إذ لديه كوابيس متكرِّرة عن الحادث، لكنَّه لا يتذكَّرها بوعي.
  2. ينسى الطفل الصغير أنَّه تعرض لعضة كلب، لكنَّه يصاب برهاب من الكلاب مع تقدُّمه في العمر.
  3. يقمع الشخص البالغ الذكريات المروِّعة التي تعرَّض لها في طفولته من أجل الحفاظ على الوهم المرتبط ببناء أسرة سليمة؛ إذ تبقى الأسرة سليمة، لكنَّ الفرد يعاني من الاكتئاب دون أن يفهم السبب.

طريقة التعرُّف إلى آلية القمع:

اعتماداً على مدى عمق التجربة في عقلك الباطن، قد يكون من الصعب اكتشاف هذه التجربة، ومع ذلك يوجد بعض الأعراض التي يجب الانتباه إليها، مثل نوبات الغضب التي لا تتناسب مع المحفز، والكوابيس ذات الموضوعات المتكرِّرة، ومشاعر الاكتئاب أو القلق مجهولة السبب.

3. تفريغ المشاعر على الآخرين:

تفريغ المشاعر على الآخرين

هل سبق لك أن تحمَّلت يوماً مرهقاً في العمل، ثمَّ عدت إلى المنزل وفرَّغت غضبك على عائلتك؟ أو تشاجرت مع شريكك، ثمَّ ركبت سيارتك وتعاملت بعصبية مع كل سائق على الطريق؟ إذا كانت الإجابة "نعم"، فأنت تعاني ممَّا يسمَّى تفريغ المشاعر على الآخرين، وهو أحد الأمثلة النموذجية لآليات الدفاع عند البالغين.

فأنت بذلك تنقل مشاعرك تجاه الشخص أو الموقف الذي هو السبب في إحباطك إلى شخص أو أمر آخر تماماً؛ إذ تعتقد لا شعورياً أنَّ مواجهة المُسبِّب الحقيقي قد تكون أمراً محرجاً أو محفوفاً بالمخاطر، لذلك تحوِّل التركيز نحو هدف أو موقف أقل تهديداً أو خطورةً.

ففي حين تحميك هذه الآلية من فقدان وظيفتك أو الالتزام بمسار لا يمكنك الرجوع فيه، فإنَّها لن تساعدك على التعامل مع المشاعر التي تواجهها، وسينتهي بك الأمر أيضاً في إيذاء شخص لا علاقة له أبداً، وقد تصبح هذه المشكلة أكبر عندما تستخدم بصورة روتينية آلية الدفاع تلك مع شريكك، لأنَّها تنتهك القواعد الأساسية للحب، وستؤدي في النهاية إلى تدمير تواصلك معه، فمن الأفضل أن تواجه المشكلة وجهاً لوجه مع الشخص الذي تشعر بالإحباط منه بالفعل.

أمثلة عن آلية تفريغ المشاعر على الآخرين:

  1. امرأة محبطة لأنَّ مديرها جعلها تعمل لوقت متأخِّر، وتعود إلى المنزل وتصرخ في ابنها عندما يسألها عن طعام العشاء.
  2. رجل غاضب لأنَّه لا يستطيع إحراز تقدُّم في عمله، وينتقد زوجته باستمرار بسبب عدم قدرته على كسب مزيد من المال.
  3. رب العمل الذي يشعر بالإحباط من خسائر أعماله ويلقي باللوم على موظفيه، بدلاً من إعادة التفكير في استراتيجية عمله.

طريقة التعرف إلى آلية تفريغ المشاعر على الآخرين:

إذا كنت تفقد أعصابك مع أشخاص لم يفعلوا شيئاً لإزعاجك، فهذه علامة تقليدية على أنَّك تفرِّغ مشاعرك، فقد يكون لديك شخص مفضل تفرغ غضبك أو إحباطك عليه، لأنَّك تعدُّه لطيفاً ويهتمُّ بك، أو غير قادر على فعل أيِّ شيء حيال سلوكك غير العقلاني، فإذا أخبرك أحدهم بأنَّك متهوِّر أو متنمِّر، فهذا يعني أنَّك تميل إلى استخدام آلية الدفاع هذه.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لكي تعبر عن مشاعرك بالطريقة الأمثل

الخلاصة:

يجعلنا الاختباء خلف دفاعاتنا نشعر بالأمان المؤقت، لكنَّه يبقينا عالقين في مكاننا وغير قادرين على النمو والتطور؛ إذ تُنشِئ آليات الدفاع إحساساً زائفاً بالراحة بدلاً من تعزيز ثقتنا بأنفسنا.

في هذا الجزء من المقال تحدَّثنا عن 3 أنواع من آليات الدفاع مع ذكر بعض الأمثلة عنها وطرائق التعرف إليها، وفي الجزء الثاني من المقال سنتحدث عن بعض الأنواع الأخرى؛ لذا تابعوا معنا.

المصدر




مقالات مرتبطة