أثر القصص التي تخبرها لنفسك

أعرف رجلاً يحب الحياكة كثيراً ويُعِدُّها هوايةً له، فقد كان يحيكُ البطانيات والألحفة والكنزات الصوفية، بالطبع كان بإمكانه اختيار أيَّ هواية أخرى، أي شيءٍ أكثر ارتباطاً بالرجال، مثل إصلاح السيارات القديمة أو الصيد؛ لكنَّ هذا الرجل تمسَّك بما يجعله سعيداً؛ لأنَّه اكتشف الحياكة عندما كان فتىً صغيراً، والآن أصبح الأمر جزءاً كبيراً من شخصيته.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن أثر القصص التي تخبرها لنفسك.

عندما أصبحَ في سنِّ المراهقة أُعلِم بحقيقة أنَّ الحياكة لم تكن هواية شائعة للفتيان، وقد اعتاد شقيقه الأكبر أن يقول: "الحياكة هواية للفتيات أو الفتيان المُتشبِّهين بالفتيات"، ومع مرور الوقت بعد أن سَخِرَت منه عائلته والأشخاص الآخرون مرات متكررة طرح على نفسه سؤالاً، وهو: "هل ستختلف الآراء الآخرين المتعلقة بالحياكة إذا لم تكن الحياكة هوايتي؟"، وأدرك على الفور أنَّ الإجابة هي: "لا"؛  لذلك استمر في الاستمتاع بهوايته التي جعلته سعيداً.

قصص ومخاوف وتوقعات:

إنَّ اتخاذنا لبعض القرارات المعينة في الحياة أمر رائع؛ ففي بعض الأحيان نحن نتبع قلبنا وحَدسنا ونختار الشيء الأكثر منطقية بالنسبة إلينا؛ أي ما يجعلنا سعداء، وفي أحيان أخرى نتبع مخاوفنا وتوقعاتنا خصوصاً تلك التي كوَّنتها الثقافة والمجتمع الذي نعيش فيه، ونختار كلَّ ما نظنُّ أنَّه سوف يُرضي هذه المخاوف والتوقعات؛ أي ما يُسعِد الجميع أو لا يسعد أحداً على الإطلاق.

لقد بقيَ الرجل الذي يحب الحياكة منفتح الذهن وتمسك بالحِياكة حتَّى عندما عَلِم بالتوقعات الثقافية والمجتمعية التي اقترحت عليه التخلي عنها؛ لكنَّه لم يبقَ في هذا الموقف المنفتح نفسه؛ على سبيل المثال كان يؤمن أنَّه سيجد الزوجة المثالية في يوم من الأيام، وكان يعرف بالضبط كيف ستكون صفاتها.

لم تتغير قصته وما تخيله عنها كثيراً منذ أن كان في سن المراهقة، فقد قال لي: "لطالما حلمت أنَّني سألتقي الزوجةَ المثاليةَ يوماً ما، إنَّها ستكون ذكية وراقية ورياضية، وستكون شخصيتها مشابهة لشخصيتي، لن أهتم بخلفيتها الدينية طالما أنَّها تملك عقلية متفتحة وقلباً صادقاً؛ لكنَّها يجب أن تكون نظيفة ومرتبة؛ لأنَّني لست كذلك وأحتاج إلى شخص يمكننا معاً تحقيق حياة متوازنة، وكذلك سأتمكن من التحدث معها عن أيِّ شيء قد يخطر في ذهني، ولن يكون المال شيئاً هاماً لأيٍّ منَّا لأنَّنا سنكون غارقَين في الحب، وسنكون سعيدَين بما لدينا".

قد تبدو القصص التي نخبرها لأنفسنا ولبعضنا رائعة، أليس كذلك؟ إنَّها تضيف لمسة رومانسية وتجذبنا إلى الأشياء الأخرى، وتقنعنا بأنَّنا إذا دخلنا في علاقة جديدة دون التفكير بالأمر، أو اشترينا شيئاً ما بمبلغ مالي كبير، أو أيَّاً كان ما يُهدِّئ قلقنا من الواقع مؤقتاً فسنجد بطريقة أو بأخرى ما نبحث عنه حقاً.

لكنَّ معضلتنا الواضحة هي أنَّ الواقع ليس مؤقتاً؛ بل إنَّه يستمر في القدوم، وهذه العلاقة الجديدة - على سبيل المثال - ستجعل قلبنا ينبض بحماسة حتَّى يتوقف عن النبض، وكل ما نفعله سيكون ممتعاً ومحمِّساً لفترة مؤقتة.

شاهد بالفديو: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

تحرَّر من القصص التي تخبرها لنفسك:

بالعودة إلى الرجل الذي يحب الحياكة على الرَّغم من أنَّه ما يزال أمامه طريق طويل ليقطعه إلَّا أنَّه يُدرك تدريجيَّاً الطبيعة المقيدة والمؤقتة للقصص التي نخبرها لأنفسنا؛ لأنَّ نهاية قصته بشأن زوجته المثالية تدور حول امرأة حقيقية كانت رائعة بمعنى الكلمة؛ لكنَّها لم تناسب تماماً ما كان محفوراً في رأسه، ولم يكن قادراً على التخلي عن المرأة المثالية التي تكلم عنها في قصته من أجل المرأة المذهلة التي كانت تقف أمامه، وعندما أدركت تلك المرأة ذلك خرجت من حياته.

على الرَّغم من أنَّ الرجل كان ما يزال قلبه محطماً من الأمر إلَّا أنَّه بدأ في المضي قدماً أيضاً، وهو يعيد اكتشاف ذاته الحقيقية يوماً بعد يوم، الذات التي كان يعرفها عندما كان صغيراً قبل أن يبدأ في إخبار نفسه بالقصص وتصديق قصص ومخاوف وتوقعات الأشخاص المحيطين به، لقد كانت هذه الذات لوحة فارغة حرة في التجارب وتقدِّر كلَّ شيء كما هو دون أي عبء.

في حين يعيد اكتشاف ذاته ببطء، فإنَّه يكافح مع فكرة الحياة دون قصص؛ لأنَّه بالكاد يتذكر كيف كانت الحياة عندما لم يكن لديه قصص ولا مخاوف ولا توقعات؛ لكنَّه يعرف في أعماقه أنَّه عاش ذات يوم في عالمٍ خالٍ منها، وعندما فعل ذلك اكتشف الحياكة ووقع في حبها، وأصبحت من أعظم مصادر سعادته، وهو يعلم أنَّه إذا أراد الوقوع في حبِّ شيءٍ أو شخص مرة أخرى فعليه العودة إلى هذا العالم الخالي من القصص حيث توجد السعادة.

إقرأ أيضاً: ما الذي يمنعك من المضي قدماً؟

المكان العجيب:

عندما شاركت القصة أعلاه مع مجموعة صغيرة من الحاضرين من الشخصيات البارزة في مؤتمري الأخير "فكر أفضل، وعِش حياةً أفضل" (Think Better، Live Better) رفعت امرأة تُدعى "آني" (Annie) يدها، وقالت:

"إنَّني أحب أن يكون العالم خالٍ من القصص؛ فقد عانى زوجي إصابةً في الرأس عام 2014، فقد قضت هذه الإصابة على ذكريات حياته طويلة الأمد، ولم يعد يذكر أيَّ شيء قبل صيف ذلك العام بما في ذلك ماضينا، ولكن مع ذلك لقد عرف أنَّه يحبني؛ فقد كان الأمر أشبه بالمعرفة الفطرية، وحتَّى الأمور التي كان شغوفاً بها لم تتغير على الرَّغم من أنَّه لم يستطع إخبارك بأيِّ شيء عن كيفية متابعته لها قبل عام 2014.

عندما كان في سن الخمسين كان لدى زوجي أربع سنوات فقط من "القصص"، وقد رأيت كيف حوَّله هذا الأمر إلى رجل سعيد، لقد كان يتمتع بشغف وتقدير كالأطفال؛ ممَّا جعل الوجود معه مُلهماً، أظنُّ أنَّه يجسد "العالم الخالي من القصص"، ويمكنني أن أشهد على أنَّ هذا المكان رائع فعلاً".

إقرأ أيضاً: بعض الاستراتيجيات لتحرير نفسك من الماضي

بعد ذلك ناقشنا تجربة آني، وتمرَّنا على التشكيك في قصصنا الخاصة والتخلي عنها، إليك الخلاصة لما تمرَّنا عليه معاً:

التخلي عن قصتك:

أولاً وقبل كل شيء من الهام أن نفهم أنَّه يمكن تجنب العديد من أكبر حالات سوء التفاهم في الحياة إذا أخذنا الوقت الكافي للتساؤل: "ماذا يمكن أن يكون المعنى الآخر لذلك؟"، توجد طريقة رائعة وعملية للقيام بذلك تتمثل في استخدام أداة لإعادة الصياغة التي اخترناها من الأستاذة الباحثة برينيه براون (Brené Brown)، وصمَّمناها بعد ذلك من خلال عملنا في التدريب مع المتدربين والحاضرين في المؤتمر.

لقد أطلقنا على الأداة اسم "القصة التي أخبرها لنفسي"، على الرَّغم من أنَّ طرح السؤال نفسه - "ماذا يمكن أن يكون المعنى الآخر لذلك؟" - يمكن أن يساعد على إعادة صياغة أفكارنا وتوسيع وجهات نظرنا، فقد أدى استخدام العبارة البسيطة "القصة التي أخبرها لنفسي" بادئة للأفكار المُقلقة إلى اكتشاف المتدربين وحاضري المؤتمر لكثيرٍ من الأشياء.

يمكن تطبيق عبارة "القصة التي أخبرها لنفسي" على أيِّ موقف أو ظرف صعب في الحياة عندما تنتابك فكرة مُقلقة؛ على سبيل المثال ربَّما لم يتصل بك شخص تحبه (زوج، أو زوجة، أو صديق، أو صديقة، وما إلى ذلك) في استراحة الغداء عندما قال إنَّه سيفعل ذلك، والآن مرت ساعة وبدأت تشعر بالانزعاج لأنَّك من الواضح لست من أولويات هذا الشخص، عندما تنتبه على نفسك وأنت تشعر بهذا الشعور استخدم هذه العبارة: "القصة التي أخبرها لنفسي هي أنَّه لم يتصل بي؛ لأنَّني لست من أولوياته".

ثم اطرح على نفسك هذه الأسئلة:

  • هل أنا متأكدٌ من صحة هذه القصة تماماً؟
  • كيف أشعر وأتصرف عندما أخبر نفسي هذه القصة؟
  • ما هو الاحتمال الآخر الذي قد يجعل نهاية هذه القصة حقيقية؟
إقرأ أيضاً: 8 نصائح تساعدك على فهم دروس الحياة

في الختام:

امنح نفسك مساحة للتفكير في كل شيء بعناية، وتحدَّ نفسك لتفكر تفكيراً مختلفاً، فتمنحك عبارة "القصة التي أخبرها لنفسي" والأسئلة الثلاثة المذكورة أعلاه أدوات لإعادة النظر في المواقف المقلقة أو المربكة التي تنشأ في حياتك اليومية وإعادة تأطيرها، وعندها يمكنك تحدي القصص التي تخبرها لنفسك دون وعي والقيام بفحص للواقع بعقلية أكثر موضوعية.

في النهاية سيسمح لك هذا بالتخلي عن القصص التي لا تخدمك ولا تخدم الأشخاص الذين تحبهم.




مقالات مرتبطة