آمن بنفسك: أنت أقوى مما تظن

لنتذكَّر الأيام الأولى من جائحة فيروس كورونا، وكيف حذَّرت الكثير من المقالات عن مخاطر حدوث اضطرابات نفسية محتملة جرَّاء الإغلاق التام وحظر التجول، والتأثير الكارثي للعزلة والإجهاد في صحتنا النفسية، وتوقَّع الخبيرون في ذلك الوقت ظهور حالات شديدة من القلق والاكتئاب، وحتى الانتحار.



ها نحن الآن وبعد ما يقرب 18 شهراً من اندلاع جائحة فيروس كورونا، فهل تحقَّقَت كل تلك التنبؤات الرهيبة؟

تقدِّم مراجعة علمية متعمقة جديدة، لخَّصها مؤخراً مؤلفون في موقع "أتلانتيك" (Atlantic)، إجابةً تبعث على الأمل.

قبل أن نبدأ بمناقشة النتائج، من الهام أن نوضح أنَّ جائحة فيروس كورونا تسبَّبَت في معاناة الكثيرين؛ حيث فقدَ العديد من الناس أحباءهم أو سبل عيشهم، وواجه آخرون تحديات الأزمة بعزم للحفاظ على صحتهم النفسية، مثقلين بشعور من الظلم الفظيع.

يقول الخبيرون إنَّ "دماغ الكوفيد" (covid brain): هي ظاهرة بيولوجية فعلية ناجمة عن استجابة أدمغتنا للإجهاد، حتى مع زوال مرحلة الخطر، إلا أنَّ جائحة فيروس كورونا خلَّفَت آثاراً سلبية كالشعور بالإنهاك والتشتت الذهني، وآثار أخرى لا حصر لها، وعموماً، فقد غيَّرَتنا هذه الجائحة كثيراً، ويؤيد العلم ما مررتَ به من خلال الإحصاءات المرتبطة بالناس الذين عايشوا الظروف نفسها.

ولكن، هل تسبَّبَت الجائحة العالمية بارتفاعٍ كبير في معدل الحالات النفسية السريرية مثل الاكتئاب أو في أسوأ الحالات، الانتحار؟

وفقاً للباحثين "لارا أكنين" (Lara Aknin) و"جميل زكي" (Jamil Zaki) و"إليزابيث دان" (Elizabeth Dunn)، وهم ثلاثة من أساتذة علم النفس، الذين راجعوا مؤخراً ما يقرب من 1000 دراسة حول الصحة النفسية وجائحة فيروس كورونا لمجلة "لانسيت" (The Lancet)، فإنَّ الجواب هو لا.

وفقاً لبيانات تمت دراستها من 100 دولة فقد ارتفعَت نسبة الإصابة بالقلق والاكتئاب في بداية الجائحة، ولكن مع انتهاء فصل الربيع ودخول فصل الصيف، حدث تحولٌ رائع: بدأ متوسط مستويات الاكتئاب والقلق والتوتر بالانخفاض؛ بل إنَّ بعض البيانات أشارت إلى أنَّ إجمالي المصابين بالاضطرابات النفسية عادوا إلى حالتهم تقريباً قبل جائحة فيروس كورونا، بحلول أوائل صيف عام 2020.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لإحداث تغيير مذهل في حياتك بشكلٍ فوري

فحص الخبيرون البيانات من زوايا مختلفة بعد أن ثَبَت عدم صحة النتائج التي توصلوا إليها سابقاً، وكلما بحثوا أكثر، توصلوا للنتائج نفسها، كمعدل وسطي، تخلصنا من مخاطر الصحة النفسية الناتجة عن أسوأ جائحة مرَّت على البشرية منذ 100 عام في غضون بضعة أشهر، كما انخفضَت حالات الانتحار في عام 2020 انخفاضاً طفيفاً مقارنة بالسنوات السابقة.

وهذا بالطبع كلام مبشر للغاية، فتخفيف المعاناة الإنسانية هو الغاية الأسمى دائماً، ولكنَّ الرسالة هنا قد تكون أكثر عمقاً من مجرد إثبات أنَّ آثار جائحة فيروس كورونا على الصحة النفسية كانت أخفَّ مما كان يُخشى منه في البداية، والفكرة التي يحاول مُعِدُّوا الدراسة إيصالها أنَّ "الناس أكثر مرونةً مما يظنون بأنفسهم".

يتعمق الباحثون في البحث عن ماهيَّة المرونة لشرح النتائج المفاجئة التي توصلوا إليها، ويجدون الكثير من الأدلة على أنَّ الناس يتعاملون مع جميع أنواع التحديات والكوارث والحوادث التعيسة تعاملاً أفضل بكثير مما توقعوا.

لذا يذكِّرك العلم دائماً أنَّ جائحة كورونا حدَثٌ مروعٌ تماماً لكنَّ لها جانباً إيجابياً أيضاً، فقد أظهرَت لنا مدى عمق مرونتنا؛ لذا تذكَّر أنَّك بينما كنتَ تحاول التعامل مع الإرهاق والقلق الاجتماعي والتشتت الذهني، ومواجهة العالم بثقة، كنتَ أقوى بكثير مما تعتقد به على نفسك.

المصدر




مقالات مرتبطة